المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فيها، وطيبه، فبعضها مما يقال له أبطئي وبعضها مما يقال - الأطول شرح تلخيص مفتاح العلوم - جـ ١

[العصام الأسفراييني]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المحقق

- ‌ترجمة المؤلف

- ‌متن كتاب التّلخيص في علوم البلاغة وهو تلخيص كتاب «مفتاح العلوم» للسّكاكيّ

- ‌كلمة الافتتاح

- ‌مقدّمة فى بيان معنى الفصاحة، والبلاغة

- ‌الفنّ الأوّل علم المعاني

- ‌تنبيه (1/ 213) صدق الخبر: مطابقته للواقع، وكذبه: عدمها

- ‌أحوال الإسناد الخبريّ

- ‌إخراج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر

- ‌أحوال المسند إليه

- ‌أولا: حذف المسند إليه، وذكره

- ‌ثانيا: تعريف المسند إليه، وتنكيره

- ‌[أتعريفه]

- ‌تعريف المسند إليه بالعلمية:

- ‌تعريف المسند إليه بالموصليّة:

- ‌تعريف المسند إليه بالإشارة:

- ‌تعريف المسند إليه باللام:

- ‌تعريف المسند إليه بالإضافة:

- ‌ب- تنكير المسند إليه

- ‌ثالثا: إتباع المسند إليه، وعدمه

- ‌وصف المسند إليه:

- ‌توكيد المسند إليه:

- ‌بيان المسند إليه:

- ‌الإبدال من المسند اليه:

- ‌العطف على المسند إليه:

- ‌رابعا:‌‌ تقديم المسند إليه، وتأخيره:

- ‌ تقديم المسند إليه

- ‌رأى عبد القاهر:

- ‌رأى السكاكى:

- ‌تأخير المسند إليه:

- ‌إخراج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر:

- ‌أحوال المسند

- ‌ترك المسند اليه:

- ‌ذكر المسند إليه:

- ‌وأما تنكيره:

- ‌وأما تخصيصه بالإضافة أو الوصف:

- ‌وأما تركه:

- ‌وأما تعريفه:

- ‌وأما كونه جملة:

- ‌وأما تأخيره:

- ‌وأما تقديمه:

- ‌تنبيه

- ‌أحوال متعلّقات الفعل

- ‌القصر

- ‌[طرق القصر]

- ‌منها: العطف

- ‌ومنها: النفى والاستثناء

- ‌ومنها: إنّما

- ‌ومنها: التقديم

- ‌الإنشاء

- ‌منها التمنّي

- ‌ومنها: الاستفهام

- ‌ومنها: الأمر

- ‌ومنها: النهي

- ‌[ومنها: العرض]

- ‌ومنها: النداء

- ‌الفضل والوصل

- ‌الإيجاز والإطناب والمساواة

- ‌(المساواة)

- ‌(الإيجاز)

- ‌(الإطناب)

- ‌الفنّ الثاني علم البيان

- ‌ التشبيه

- ‌ طرفاه

- ‌ ووجهه

- ‌أركان التشبيه

- ‌(الغرض من التشبيه)

- ‌خاتمة

- ‌الحقيقة والمجاز

- ‌ الاستعارة

- ‌المجاز المرسل

- ‌المجاز المركّب

- ‌فصل (2/ 305) عرّف السكاكى الحقيقة اللغوية بالكلمة المستعملة فيما وضعت له، من غير تأويل فى الوضع

- ‌فصل (2/ 332) حسن كل من التحقيقيّة والتمثيل

- ‌فصل (2/ 336) وقد يطلق المجاز على كلمة تغيّر حكم إعرابها

- ‌(الكناية)

- ‌فصل (2/ 360) أطبق البلغاء على أنّ المجاز والكناية أبلغ من الحقيقة والتصريح

- ‌الفنّ الثالث علم البديع

- ‌ المطابقة

- ‌المحسّنات المعنويّة

- ‌المقابلة

- ‌مراعاة النظير

- ‌الإرصاد

- ‌المشاكلة

- ‌المزاوجة

- ‌العكس

- ‌الرجوع

- ‌التورية

- ‌الاستخدام

- ‌اللف والنشر

- ‌الجمع

- ‌التفريق

- ‌التقسيم

- ‌الجمع مع التفريق

- ‌الجمع مع التقسيم

- ‌الجمع مع التفريق والتقسيم

- ‌التجريد

- ‌المبالغة

- ‌المذهب الكلامي

- ‌حسن التعليل

- ‌التفريع

- ‌تأكيد المدح بما يشبه الذم

- ‌تأكيد الذم بما يشبه المدح

- ‌الاستتباع

- ‌الإدماج

- ‌التوجيه

- ‌الهزل يراد به الجد

- ‌تجاهل العارف

- ‌القول بالموجب

- ‌الاطراد

- ‌المحسنات اللفظية

- ‌رد العجز على الصدر

- ‌السجع

- ‌الموازنة

- ‌القلب

- ‌التشريع

- ‌لزوم ما لا يلزم

- ‌خاتمة: فى السّرقات الشّعريّة، وما يتّصل بها، وغير ذلك

- ‌ الاقتباس

- ‌التضمين

- ‌العقد

- ‌الحلّ

- ‌التلميح

- ‌فصل (2/ 523) ينبغى للمتكلّم أن يتأنّق فى ثلاثة مواضع من كلامه

- ‌[الخطبة]

- ‌[تسمية الكتاب]

- ‌[مقدمة]

- ‌[(الفصاحة)]

- ‌[والبلاغة]

- ‌[فالتنافر]

- ‌[والغرابة]

- ‌[والمخالفة]

- ‌[قيل ومن الكراهة في السمع]

- ‌[وفي الكلام خلوصه]

- ‌[أما في النظم]

- ‌[وأما في الانتقال]

- ‌[قيل ومن كثرة التكرار]

- ‌[وفي المتكلم ملكة يقتدر بها]

- ‌[والبلاغة في الكلام]

- ‌[فمقتضى الحال]

- ‌[ولها طرفان: ]

- ‌[وأن البلاغة مرجعها إلى الاحتراز]

- ‌(الفن الأول: علم المعاني)

- ‌[صدق الخبر]

- ‌(أحوال الإسناد الخبري)

- ‌[وقد ينزل العالم بهما منزلة الجاهل]

- ‌[ثم الإسناد منه حقيقة عقلية]

- ‌[ومنه مجاز عقلي]

- ‌[وأقسامه أربعة]

- ‌(أحوال المسند إليه)

- ‌[أما حذفه فللاحتراز عن العبث]

- ‌[وأما ذكره فلكونه إلخ]

- ‌[وأما تعريفه]

- ‌[فبالإضمار 291

- ‌[وأصل الخطاب]

- ‌[وبالعلمية]

- ‌[وبالموصولية]

- ‌[وبالإشارة]

- ‌[وباللام]

- ‌[وقد يفيد الاستغراق]

- ‌[وبالإضافة]

- ‌[وأما تنكيره]

- ‌[وأما وصفه]

- ‌[وأما توكيده]

- ‌[وأما بيانه]

- ‌[وأما الإبدال منه]

- ‌[وأما العطف]

- ‌[وأما الفصل]

- ‌[وأما تقديمه]

- ‌[وإن بنى الفعل على منكر]

- ‌[ومما نرى تقديمه كاللازم]

- ‌[مبحث كلمة كل]

- ‌[وأما تأخيره فلاقتضاء المقام]

- ‌[ويسمى هذا النقل عند علماء المعاني التفاتا]

- ‌[أحوال المسند أما تركه فلما مر]

- ‌[وأما ذكره فلما مر]

- ‌[وأما إفراده فلكونه غير سبب]

- ‌[وأما كونه فعلا فللتقييد بأحد الأزمنة الثلاثة]

- ‌[وأما كونه اسما فلإفادة عدمهما]

- ‌[وأما تقييد الفعل بمفعول ونحوه وأما تركه فللمانع منهما]

- ‌[وأما تقييده بالشرط]

- ‌[وأما تنكيره فلإرادة عدم الحاصر والعهد]

- ‌[وأما تخصيصه بالإضافة أو الوصف فلكون الفائدة أتم]

- ‌[وأما تعريفه فلإفادة السامع حكما]

- ‌(أحوال متعلقات الفعل)

- ‌[الحذف وأغراضه]

- ‌[أنواع القصر]

- ‌[شروط قصر الموصوف على الصفة]

- ‌(الإنشاء)

- ‌[أنواعه]

- ‌[من أنواع الطلب]

الفصل: فيها، وطيبه، فبعضها مما يقال له أبطئي وبعضها مما يقال

فيها، وطيبه، فبعضها مما يقال له أبطئي وبعضها مما يقال له أسرعي، واختلاف العيش أكثر تأثيرا وإيجابا للهرم، وضعف البدن من دوام العسرة، ولا يخفى أن وصف الليالي بالاختلاف لا يستفاد مع تفسير أبطئي أو أسرعي بالتسوية بين حالتها، فوصفها بالاختلاف مع هذا التفسير كما فعله الشارح محل نظر.

(مجاز) خبر أن (بقوله) متعلق باستدل (عقيبه) أي عقيب قوله ميز عنه قنزعا عن قنزع [أفناه] أي جعله فانيا أي معدوما لتنزيله منزلة الفاني لإشرافه على الفناء، أو فانيا بمعنى هرما، فإن فنى يجيء بمعنى انتفى وهرم، والضمير للشعر أو لأبي النجم [قيل الله للشّمس اطلعي] أي إرادته طلوع الشمس حتى إذا واراك أفق فارجعي، والمعنى أفناه إرادة الله جذب الليالي لأن جذب الليالي بطلوع الشمس والرجوع، ووجه الاستدلال أنه يدل على أنه موجد، وسيأتي أن الصدور عن الموجد من القرائن فإسناد ميز إلى الليالي المجذوبة؛ لأنه زمان أو سبب.

[وأقسامه أربعة]

(وأقسامه) أي المجاز العقلي كما يقتضيه بيان الإيضاح والمفتاح، وظاهر الكلام (أربعة) لكن لا اختصاص لها بالمجاز، فالحقيقة متروكة للمقايسة، لقلة الاهتمام بحالها، ولك أن تفسر الضمير بكل واحد من الحقيقة والمجاز، وتجعل الأمثلة لكل منهما، باختلاف حاليهما من الصدور من المؤمن والجاهل. لكنه تكلف يأباه عود ضمير وهو في القرآن كثير إلى المجاز، مع أنه يؤيده أنه لم يقل:

نحو قول المؤمن، كما قال سابقا: نحو قول الجاهل، وانحصار الأقسام في الأربعة ظاهر على مذهب المصنف، ولا يشكل بالطرف الجملة، وإن عرف الحقيقة والمجاز بالكلمة لأن طرفي الحقيقة والمجاز لا يكونان جملة عنده، لأنه اشترط في المسند أن يكون فعلا أو ما في معناه. نعم يشكل على مذهب السكاكي حيث جعل الحقيقة والمجاز مطلق الكلام؛ فإنه يجوز على مذهبه كون المسند جملة، كذا ذكره الشارح، وفيه أنه يشكل على مذهب المصنف بقولك: سرني ليلى، وقد أردت هذه اللفظة حين سمعتها؛ فإنه من سرك من تلفظ بها وليلى إذا أريد بها نفسها ليست بحقيقة ولا مجاز، لأن اللفظ إذا قصد نفسه وإن قيل بوضعه لنفسه لا يوصف بالحقيقة ولا بالمجاز، ولا بالاشتراك، صرح به الشارح في شرح

ص: 272

الكشاف.

وبقولنا: قيل: جاء ابن زيد فإنه حقيقة، وطرفها جملة، ويشكل الحصر مطلقا لجواز كون الطرف كناية، وإنما بين هذه الأقسام ليتضح الفرق بين هذا المذهب وما سيأتي من مذهب رد المجاز العقلي إلى الاستعارة بالكناية؛ لأن طرفيه حينئذ لا يكونان إلا مجازيين إن جعل التخييل مجازا، أو مجازا وحقيقة إن جعل التخييل حقيقة، وهذا يوجب تخصيص البيان بالمجاز. وقال الشارح:

فائدة البيان التنبيه على أن الإسناد المجازي لا يخرج الطرف عما هو عليه، وأزاله لما عسى أن يستبعد من اجتماع مجازين أو حقيقة ومجاز في كلام واحد، وإن كانا مختلفين، أقول بل لإزالة استبعاد تحقق المجاز العقلي؛ لأن ما ذكره من الاستبعاد يوجب هذا الاستبعاد؛ لأن المجاز العقلي لا يخلو عنه لأن طرفيه (إما حقيقتان) أي كلمتان مستعملتان فيما وضعتا له في اصطلاح التخاطب (نحو أنبت الربيع البقل) البقل ما نبت في بذره لا في أصل ثابت كذا في القاموس، والربيع ربيعان: ربيع الكلاء، وربيع الثمار، فالمراد بالربيع ربيع الكلاء، فكونه حقيقة ليس بواضح. ومن جهة أخرى وهو أن إنبات البقل من بعض أجزاء الربيع لا من جميعه.

(أو مجازان) أي كلمتان مستعملتان في غير ما وضعتا له في اصطلاح التخاطب، لعلاقة بينهما مع قرينة مانعة عن إرادة ما وضعتا له.

(نحو [أحي الأرض]) أي جعلها نافعة؛ فإن ما ينفع كالحي، وما لا ينفع كالميت، وحقيقة أعطاها الحياة، وهي صفة تقتضي الحس والحركة، وتفتقر إلى الروح والبدن [شباب الزمان] أي الأزمنة الشابة، على أن الشباب جمع شاب على ما في القاموس، وهو أعذب من جعله مصدرا والمراد به أزمنة قوتها المؤثرة الموهومة في الغاية، والشاب حقيقة حيوان حرارته الغريزية، مشبوبة مشتعلة أي في كمال القوة.

(أو مختلفان أنبت البقل شباب الزمان، أحيا الأرض الربيع) وباعتبار الهيئة الدالة على المجاز أيضا قسمان؛ لأنها إما حقيقة نحو أنبت الربيع البقل، وإما مجاز نحو أنبت الربيع البقل، بمعنى الخبر، ولو اعتبرت مع الطرفين يحصل

ص: 273

باعتبارها أقسام كثيرة، فعليك باستخراجها.

ولا يخفى أن الاستبعاد في اجتماع مجازين أو حقيقة ومجاز في الإسناد باعتبار نفسه وما يدل عليه أكثر من الاجتماع باعتبار الطرفين (وهو) أي المجاز العقلي (في القرآن كثير) فيه رد على من أنكر وقوعه في القرآن عقليا كان أو لغويا، فلمقام الاهتمام بالظرف قدمه، أو لأن في تأخيره التباسا بأنه من جملة ما يعده أي في القرآن هذه الجمل، وبناء الإنكار على ما هو أوهن من بيت العنكبوت، حيث قالوا: لو وقع المجاز في القرآن لصح إطلاق المتجوز عليه تعالى، وهو مع كونه ممنوعا منقوض بأنه لو وقع مركب في القرآن، لصح إطلاق المركب عليه تعالى، ولتوضيح دعوى الكثرة ذكر عدة آيات على سبيل التعداد، ولم يقل نحو (وإذا تليت) لأنه لو أعاد النحو في كل آية لزم تمثيل الكثرة بآية واحدة، ولو لم يعد لأوهم في باقي الآيات أن العاطف محكي كما في الآية الأولى.

قال الشارح المحقق: لم يقل نحو إيهاما للاقتباس، وأن المعنى وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً (1) وتصديقا بوقوع المجاز العقلي في القرآن كثيرا.

والمقصود أن إسناد زادت إلى ضمير الآيات مجاز؛ لأنها فعل الله، والآيات سبب لها، وللبحث عن الإيمان هل يزيد أم لا؟ وهل الآية مؤولة أو على ظاهرها؟ وما تأويله؟ مقام آخر؛ نعم يتجه إلى إيهام الاقتباس أن زيادة الإيمان كيف يتصور في شأن منكري وقوعه في القرآن، ولا بد في الزيادة من سبق الثبوت، ودفعه بأن تلاوة آية توجب الإيمان، وبتلاوة الآيات تزيد، ومن لم يتفطن ادّعى أن الزيادة ربما تستعمل فيما لم يسبقه الثبوت، وما هو عن مثله ببعيد، فإن قلت: لم لم يجعله اقتباسا، بل جعله شاهدا وإيهاما للاقتباس، قلت: لأنه صرح به في الإيضاح حيث قال: كقوله تعالى: وَإِذا تُلِيَتْ بقي أن ما عد من المحسنات البديعية هو الاقتباس لا إيهامه.

يُذَبِّحُ (2) أي فرعون (أبنائهم) أي أبناء بني إسرائيل فيه إسناد الذبح الذي هو فعل الجيش إلى السبب الآمر له يَنْزِعُ (3) أي إبليس عَنْهُما آدم

(1) الأنفال: 2.

(2)

القصص: جزء من الآية 4.

(3)

الأعراف: 27.

ص: 274

وحواء لِباسَهُما أسند فعل الله إلى إبليس لأنه صار سببا له بوسوسته، وحثه له على أكل الشجرة، فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً (1) جمع أشيب جعل ظرف الجعل جاعلا، والجاعل هو الله تعالى، وجعل الولدان فيه شيبا كناية عن طوله أو كثرة أهواله، وشدة أمره، فإن الشدة من موجبات سرعة الشيب وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها (2) جمع ثقل وهو متاع البيت يريد به دفائنها وخزائنها، نسب فعل الله إلى مكانه، كذا في الشرح، والأظهر أنه إسناد إلى المفعول به، لأن الإخراج من الأرض لا في الأرض، وكذا جعل الإخراج فعل الله كجعلهم نزع لباس آدم- عليه السلام وحواء، فعله تعالى خفي لاحتمال أن يكون الفاعل فيهما الملائكة، ولا بد لتعيين الفاعل من السمع.

وهو (غير مختص بالخبر) أي المجاز العقلي غير مختص بالخبر كما يتوهم من بعض أساميه، وفيه أنه كما يوهم الاختصاص بالخبر يوهم الاختصاص بالمثبت، فدفع الوهم قاصر أو كما يتوهم من ذكره في بحث إسناد الخبري، ولك أن تريد أن كثرة الوقوع في القرآن خير مختص بالخبر بل يجرى في الإسناد (نحو: يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً) (3) أي قصرا أسند البناء الذي هو فعل البناء إلى ضمير هامان الذي هو آمر بالبناء (ولا بد له) أي للمجاز العقلي (من قرينة) صارفة عن إرادة ظاهرة؛ لأنه اشترط فيه التأول وهو بمعنى نصب القرينة على عدم إرادة الظاهر، وإنما تعرض له مع استفادته من قيد التأول لتفصيلها، فهو بمنزلة البيان للتأول، فينبغي أن يذكر متصلا بما يتعلق به، ولا يفصل بينه وبين ما يتعلق به ببيان الأقسام، وحديث كثرة الوقوع في القرآن وعدم الاختصاص بالخبر، ولا يشترط قرينة معينة لما هو الحقيقة، ولهذا اختلف في أنه هل يلزم له حقيقة أو لا؟

وجوز كون معرفتها خفية، وإذ لم تظهر قرينة صارفة فإن كان الظاهر صادقا يحمل عليه، وإن كان كاذبا فالشارح يحمل عليه، والسيد يتوقف، وقد عرفت ما هو الحق.

***

(1) المزمل: 17.

(2)

الزلزلة: 2.

(3)

غافر: 36.

ص: 275

(لفظية) كما مر في قول أبي النجم، ولا يخفى أن قوله [أفناه قيل الله] (1) يصرف قوله:[ميز عنه قنزعا عن قنزع] عن ظاهره لدلالته على أنه كان موحدا فمقابله قوله صدوره عن الموحد له يقتضي أن يقيد الصدور عن الموحد بما إذا لم يعلم من لفظ يقارن بالكلام.

(أو معنوية) جواز اجتماع القرينتين لا ينافي التنافي (كاستحالة قيام المسند بالمذكور) أي بالمسند إليه المذكور لفظا أو تقديرا (عقلا) يعني كإحالة العقل قيام المسند بالمذكور تعقلا، تمييز عن نسبة الاستحالة إلى القيام باعتبار أنه فاعل الإحالة، كما قالوا في امتلاء الإناء ماء، والمراد إحالة العقل على سبيل الاستقلال من غير أن يحتاج إلى الاستعانة بنظر أو غيره، يعني استحالة جلية البداهة (كقولك: محبتك جاءت بي إليك أو عادة) أي إحالة العادة ذلك نحو (هزم الأمير الجند) والأولى كاستحالة نسبة المسند إلى المذكور ليتناول نسبة الفعل المجهول (وصدوره) عطف على الاستحالة أي: صدور المجاز وإرجاعه إلى الكلام؛ ليقطع سلك الضمائر عن الانتظام، فلا يقع فيه، وإن أوقع الشارح فيه عبارة الإيضاح في هذا المقام (عن الموحد) لا بد من تقييده بغير المخفي حاله، والأشمل المستغني عن التقييد، كصدوره عمن لا يرضى به في (مثل [أشاب الصّغير]) متعلق بالظرف فإنه إذا صدر عن الموحد يحكم العقل بأنه مجاز لا من كل عاقل؛ إذ كل عقل لا يأبى عنه بل كثير من العقول القاصرة يحكم به.

(ومعرفة حقيقته) الأولى ترك المعرفة إذ المعهود المتعارف وصف المعلوم بالظهور والخفاء، لا العلم، والمراد أن حقيقته (إما ظاهرة) والمراد الحكم على الفرد المقدر للحقيقة سواء كان متحققا أو لا، فلا يحتاج إلى تأويله بأن معرفة مسند إليه لو أسند إليه لكان الإسناد حقيقة، إما ظاهرة كما في الشرح وإن وجه بأنه إنما أوله لما ذكره من أنه لا يلزم أن يكون للمجاز حقيقة، بل الواجب أن يكون له مسند إليه، لو أسند إليه كان الإسناد حقيقة، أما الإسناد فيجوز أن لا يتحقق أصلا. وكيف لا يجوز أن يكون الفعل مستقبلا ويسند إلى فاعل لا يوجد أصلا، فالتجوز الذي أصله هذا الإسناد ليس لمسنده فاعل محقق؛ بل مقدر،

(1) سبق.

ص: 276

وفي هذا الكلام التنبيه على أنه يكفي في المجاز القرينة الصارفة، ولا تجب القرينة الموضحة لحقيقة الإسناد؛ بل رب مجاز حقيقته خفية لا يظهر، حتى أنكر الشيخ وجوب الحقيقة للمجاز، ورد على الشيخ إنكاره لأن الفعل يستحيل بدون المسند إليه، غايته أنه قد يكون خفيّا، ويعتبره النظر الصحيح لله تعالى، وإليه أشار بقوله:(وإما خفية كما في قولك: سرتني رؤيتك أي سرني الله عند رؤيتك) وتبع في هذا الرد الإمام الرازي (1) كما تبعه صاحب المفتاح؛ إلا أنه قال يجب أن يجعل المسند إليه ما ترضى به، يريد أنه لو كان المتكلم من يجعل خالق الأفعال الله تعالى، فاجعل حقيقة الإسناد إليه تعالى وإن كان من يجعل خالق أفعال العباد أنفسهم، فاجعل الحقيقة ما يناسبه، بل حقيقة ما قال إن الإسناد حقيقة لا يدور على الخلق، بل عند الحكم بأن الله خالق الأفعال كلها، ضرب زيد، وضرب الله مجاز، فحكم العقل فما نرضى أن يكون عند متكلمه فاعلا حقيقيّا، فاعتبر الحقيقة الإسناد إليه، والحق مع الشيخ؛ لأنه يريد أنه لا يجب في المجاز العقلي قصد حقيقة، ولا يجب أن يلاحظ للفعل فاعلا حقيقيّا محققّا، فإنك في:

أقدمني بلدك حق لا تقصد إقداما محققا، ولا تعدل من فاعله المحقق إلى السبب الذي هو الحق، بل تريد إفادة القدوم للحق، فتبالغ في سببيته الحق له، حتى كأنه فاعل، فيتوهم إقداما ومقدما، وتضع الحق موضع المقدم الموهوم مبالغة في سببيته، فمدار صدق هذا الكلام على وجود القدوم، ولا يطلب منك وجود الإقدام الموهوم، ولا يخفى أن الظاهر: سرني الله بسبب رؤيتك ليكون إسناد سرني إلى الرؤية إسنادا إلى السبب، وأما جعله إسنادا إلى الزمان فيحتاج إلى تقدير أي سرني زمان رؤيتك عنه مندرجة، ويمكن أن يوجه قوله عند رؤيتك بأنه ليس للتنبيه على أن الإسناد إلى الوقت بل للتنبيه على أن السببية عادية ما له وجود الفعل في هذا الوقت.

(وقوله) أي أبي نواس، على ما في الإيضاح، وهو ابن هانئ الشاعر المشهور، على ما في القاموس، قال الشارح: هو قول ابن المعذل، فمن قال لا ينافي بين قوليهما لجواز أن تكون له كنيتان لم يأت بشيء يرينا صفحتي قمر يفوق

(1) الرازي: هو أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسين الطبرستاني الرازي فخر الدين، ولد سنة 544 هـ وتوفي سنة 584 هـ.

ص: 277

سناهما القمرا. ([يزيدك وجهه حسنا .. إذا ما زدته نظرا] أي يزيدك الله حسنا في وجهه) جعل وجهه مائدة تنال منه ألوان نعم الحسن اللذيذة، يزيد الله كلما نظرت في هذه المائدة لونا من النعمة تلتذ به. وما يقال المفعول الثاني في يزيد بحيث أن يصح إضافته إلى الأول كما في زاده مرضا أي زاد مرضه، وهاهنا لا يصح؛ إذ لا يصح يزيد الله حسنك في وجهه، فلا بد من جعل يزيد بمعنى يظهر، أي يظهر لك الله حسنا في وجهه قد اندفع بما ذكرناه إذ يزيد الله حسنك في وجهه بمنزلة يزيد الله نعمتك في مائدة وجهه، فبهذه الملاحظة يحسن إضافة الحسن إلى المخاطب. على أن جعل يزيد بمعنى يظهر فاسد؛ لأنه ليس متعديا إلى مفعولين، وقد صرح بترجيح وجهه في أول البيت، وأشار إشارة لطيفة في آخره إلى الترجيح؛ فإن القمر إذا أزدت النظر فيه ترى فيه أشياء غير مستحسنة، كالخدش، وفيه مع ذلك إشارة إلى أنه على خلاف الأشياء؛ فإن الأشياء إذا تكررت فتر الرغبة فيه، ونقص حسنها؛ بل ربما يكره. اعلم أن عندي نظم المجاز العقلي في سلك الكناية بأن تجعل أنبت الربيع لإثبات الإنبات للربيع، وجعل الربيع فاعلا؛ لينتقل منه إلى المبالغة في ظرفية الربيع للإنبات، ودعوى كمال مدخليته فيه، وكذا تريد بقوله بني الأمير إثبات البناء للأمير، لينتقل منه إلى كثرة مدخليته في البناء، حتى كأنه الفاعل، فإن قلت: كيف يصح منك إثبات الإنبات للربيع ولا إنبات له؟ ! فالحق أن يجعل مجازا مرسلا لامتناع إرادة المعنى الحقيقي؟ قلت: صح إثباته له عند الوهم، فكأنه قيل: أنبت الربيع في وهمي، وكونه مبنيا في الوهم يلزمه كثرة المدخلية في الإثبات.

(وأنكره السكاكي) أي أنكر المجاز العقلي، وقال: ليس في كلام العرب مجاز عقلي، ولا خفاء في أن ما ذكره ليس إلا احتمال أمثلة المجاز العقلي للاستعارة بالكناية، وبذلك لا يتم نفيه، حتى لو تم لتم نفي الاستعارة بالكناية أيضا في تلك الأمثلة، باحتمال المجاز العقلي، فيكون كل منهما منكرا في تلك الأمثلة ونحوها، ويكون الثابت أحد الأمرين، والداعي له إليه أنه تقلل الانتشار، ويجعل اعتبارات البلغاء أقرب إلى الضبط، وعورض بأن هذا الاعتبار يوجب لشبيه الربيع بالقادر المختار، وادعى أنه عينه، وهو ركيك جدّا، بخلاف المجاز العقلي، فإن فيه تشبيه ملابسة الربيع بالإنبات بملابسة الفاعل الحقيقي، وبأن

ص: 278

جعل الأمير في هزم الأمير الجند من عداد الجيش، وبمنزلته أمر مستبعد جدّا، ويمكن رفعه بأن تشبيه الربيع بالفاعل الحقيقي والمبالغة فيه ركيك لو اعتبر التشبيه به بخصوصه، أما لو شبه بالفاعل ملحوظا بعنوان الفاعل فلا، وكذا الاستبعاد في جعل الأمير بمنزلة الفاعل الحقيقي للهزم، إنما الاستبعاد في جعله بمنزلة الجند ملحوظا بصفة الجندية.

(ذاهبا إلى أن ما مر ونحوه استعارة بالكناية) ذكر لفظ ذاهبا قوله تعالى:

فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (1) واختار ما مر ونحوه على أنه بالضمير الراجع إلى المجاز العقلي إحضارا لما مر بخصوصه، لأن فيه ما يستبعد رده إلى الاستعارة بالكناية، كما عرفت في أنبت الربيع البقل، وهزم الأمير الجند، وكما في أحيي الأرض شباب الزمان، إذ يلزم الاستعارة من المستعير، ولما لم تكن الاستعارة بالكناية معلومة أشار إلى بيانه بقوله (بناء على أن المراد بالربيع الفاعل الحقيقي) ولعله أشار بقوله الفاعل الحقيقي دون الله تعالى إلى ما ذكرنا من دفع الركاكة (بقرينة نسبة الإنبات إليه) فإن الاستعارة بالكناية عنده ذكر المشبه، وإرادة المشبه به، بقرينة استعارة ما هو بخاصة من خواص المشبه به، لصورة وهمية، توهمت في المشبه شبيهة بتلك الخاصة، وإثباتها للمشبه، ففي قوله بقرينة نسبة الإنبات إليه نظر؛ ويجب أن يتكلف ويحمل على إرادة بقرينة نسبة ما هو مشبه بالإنبات إليه، وربما يقال إن السكاكي وإن اشتهر منه أن قرينة الاستعارة بالكناية عنده إثبات الصورة الوهمية المسماة بالاستعارة التخييلية إلا أنه ذكر في بحث جعل المجاز العقلي استعارة بالكناية أن قرينتها قد تكون أمرا محققا كما في أنبت الربيع، فهذا الكلام مستغن عن التأويل. نعم في قوله (وعلى هذا القياس غيره) نظر؛ لأنه لا يمكن قياس القرينة في أكثر الأمثلة عليه، ونحن على أن ما ذكره ليس نصّا في أن الإنبات محمول على معناه الحقيقي، وليس مستعارا لأمر وهمي، وتتبع ما اشتهر منه، وستطلع على معنى كلامه في أنبت الربيع في فن البيان في مقامه إن شاء الله تعالى.

(وفيه نظر) أي: في جعل كل تركيب يشتمل على المجاز العقلي، مشتملا

(1) التكوير: 26.

ص: 279

على استعارة بالكناية نظر؛ لأنه باطل، لاستلزامه أمورا باطلة، وبطلان اللوازم، مستلزم لبطلان الملزومات، ولأنه تنتقض هذه الدعوى بكل تركيب مشتمل على المشبه به والمشبه، فإنه لا يصح إخراجه عن كونه مجازا عقليا، بجعله مما يشتمل على الإستعارة بالكناية؛ لأن فيه ما يمنع عن ذلك الجعل، فأشار إلى الدليل الأول بقوله:

(لأنه يستلزم)

إلخ، وإلى الثاني بقوله: ولأنه تنتقض

إلخ، ولا يخفي أن الانتقاض لا يخص بنحو: نهاره صائم، بل كل مثال ذكره في الدليل الأول تنتقض به الدعوى، لأنه لا يصح إخراجه عن الاشتمال على المجاز العقلي بذلك الجعل، لوجود المانع، كما لا يخفى أن استلزام الجعل المذكور الباطل لا يخص بنحو: نهاره صائم، على وجه ذكره، بل يجرى فيه باعتبار اشتماله على طرفي التشبيه، فكل من التخصيصين بلا مخصص.

ثم استلزام (أن يكون المراد بعيشة في قوله تعالى: فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (1) صاحبها) ليس مقابلا لعدم صحة الإضافة وأخويه كما يوهمه ظاهر العبارة، بل هو يليه معتبر في الجميع، إذ يستلزم أن يكون المراد بالنهار فلانا نفسه، وأن يكون المراد بضمير (هامان) العملة، وبالربيع هو الله تعالى، ومدار الفساد عليه، وإنما المقابل لها عدم صحة أن يكون العيشة ظرفا لصاحبها، فالأولى أن يقال: يستلزم أن لا يصح جعل العيشة في قوله تعالى: فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ ظرفا لصاحبها، والأولى بنحو عيشة عيشة لئلا يوهم أن ترك النحو فيه وإيراده في أخويه بناء على انفراده بخلاف أخويه؛ فإنه فاسد؛ لأن قوله تعالى: خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ (2) في سلكه كما صرح به في الإيضاح: قال الشارح: لأنه لا معنى بقولنا خلق من شخص يدفق الماء أي يصبه، ورد بورود خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ (3) ويدفعه أن مراده أنه لا معنى له في مقام بيان الخلق من الماء كما يشعر به نظم القرآن، ونقول: لأنه لا معنى حينئذ لوصف الماء بأنه يخرج من بين الصلب والترائب، وقوله (لما سيأتي) الأولى بحاله أن يذكر بعد

(1) القارعة: 7.

(2)

الطارق: 6.

(3)

النساء: 1.

ص: 280

قوله بناء على أن المراد بالربيع الفاعل الحقيقي بقرينة نسبة الإنبات إليه، ويتجه أنه لم لا يجوز أن يكون فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ* من قبيل لهم فيها دار الخلد فتأمل.

(وأن لا يصح الإضافة في نحو نهاره صائم) مما أضيف فيه المنسوب إليه الذي غير ما هو له إلى ما هو له (لبطلان إضافة الشيء إلى نفسه) إذ لا اعتداد بمن جوزها، وجعلها في عداد الإضافة اللفظية، أقول من جملة اللوازم الباطلة إن لا يصح نحو نهار له صائم؛ إذ لا معنى لنسبة الشيء إلى نفسه، وما يقال إن المجاز العقلي إسناد اسم الفاعل إلى فاعله لا نسبته إلى المبتدأ والموصوف، فلا يحتاج السكاكي إلى جعل الضمير النهار استعارة بالكناية؛ ولا إلى جعل العيشة، بل يكفيه جعل الضمير استعارة بالكناية، فمما لا يعتد به؛ لأنه مبني على عدم التفرقة بين مذهب السكاكي ومذهب غيره في المجاز العقلي، يتجه عليه أنه لو جعل الضمير بمعنى الصاحب والعيشة ونهاره بحالهما بخلاف الصفة المشتقة عن ضمير الموصوف، والخبر المشتق عن ضمير المبتدأ، على أن الضمير الغائب لا يعقل فيه الاستعارة؛ لأنه تابع المرجع لا محالة، وهو حقيقة فيما قصد بمرجعه مجازا كان المرجع أو حقيقة. وبهذا علم أن رد المجاز العقلي إلى الاستعارة بالكناية إما بجعل ظرف المجاز العقلي كناية كما في أنبت الربيع البقل لها، أو يجعل مرجع الظرف استعارة بالكناية كما في (راضية).

(وأن لا يكون الأمر بالبناء لهامان) مع أن النداء له بلا شبهة في قوله تعالى: يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً (1) وفيه أن الأمر بالبناء ليس لهامان بل الآمر بالأمر بالبناء لأنه قصد بهذا الكلام أن يأمر هامان العملة بالبناء، فينبغي أن يقال: وأن لا يكون الأمر لهامان، ولك أن تقول: المراد أن لا يكون أمر العملة بالبناء لهامان؛ لأن فرعون هو الآمر لهم بنفسه في هذا الكلام، لا مفوضا للأمر إليه، فتبصر إن كان لك حدة النظر؛ فإن هذه الإشارة ليست لضعيف البصر.

(وأن يتوقف نحو أنبت الربيع البقل على السمع) الأولى على الأذن؛ لأن

(1) غافر: 36.

ص: 281

المتبادر من السمع في هذا الفن السماع من البلغاء لا من الشارع (واللوازم) الأربعة (كلها منتفية) ظاهرة الانتفاء، وكيف لا والكلام المعجز والكلام المستفيض بين البلغاء صحته أجلى من النهار، ووجوب توجه الأمر بعد النداء إلى المنادي لا مدخل فيه للإنكار، ولكل أحد في استعمال مثل: أنبت الربيع البقل استقلال واختيار، وأجيب عنه بأن السكاكي يمنع كون أحد من البلغاء على مذهب التوقيف، فلذا لم يقفوه على الأذن، وأما العلماء فلم يمنعوا من استعماله مع قولهم بالتوقيف؛ لأنهم زعموا أنهم قصدوا المجاز العقلي، والاقتداء بهم في معرفة وجوه تصرفات كلام البلغاء؛ لأنهم لم يهتموا بالإحاطة بجميع تصرفات كلامهم، فلا يبعد أن لا يفهموا بعض تصرفاتهم في الكلام. وفيه أنه لا خفاء في أن حسن المجاز العقلي مما لا ينكر، فلا ينبغي نسبة التقصير إلى العلماء في تحصيل مراد البلغاء وتجويزهم استعمال التراكيب الممنوعة شرعا، لا عن تحقيق لباعث تقليل الانتشار وتقريب الفن إلى الضبط؛ فإن ذلك الباعث ليس بمثابة يحسن العمل بمقتضاه، مع تخطئة أرباب الدين والانتباه، بل الجواب أن صحة أنبت الربيع إنما يتوقف على السمع لو أريد بالربيع ذات الله تعالى، ولو أريد الفاعل الحقيقي على الإجمال فلا يتوقف على السمع، وإن كان ذلك الفاعل المجمل هو الله تعالى، كما يقال لا بد للممكن من شيء يوجده، فلا يلزم من إطلاق الشيء هنا مع أنه في الواقع ليس إلا ذاته (1) منع شرعي، وأجيب عن هذه الاعتراضات بمنع الاستلزام؛ لأن مذهب السكاكي في الاستعارة بالكناية ليس أن المراد بالمشبه المشبه به حتى يكون المراد بالربيع مثلا هو الله تعالى؛ بل المشبه بادعاء فإنه عين المشبه به، والادعاء لا يوجب كونه عين المشبه به حتى يلزم شىء منها، ويتجه عليه أنه حينئذ لم يصر إسناد ما هو للمشبه به إلى المشبه إسنادا إلى ما هو له حتى يصح إنكار المجاز العقلي لجعله من قبيل الاستعارة بالكناية، ويدفع بأن المسند إلى الاستعارة بالكناية ليس ما هو للمشبه به بل صورة وهمية شبيهة بالمسند، فهو للمشبه حقيقة، وحقه أن يسند إليه، ويزيف هذا الدفع بأن ما قيل: إن قرينة الاستعارة بالكناية عنده استعارة تخييلية هي اللفظ المستعمل في الصورة الوهمية لا غير، خطأ؛ لأنه صرح في بحث رد المجاز العقلي إلى الاستعارة بالكناية أن قرينة

(1) وردت بالأصل: «ذانه» بالموحدة.

ص: 282

الاستعارة بالكناية قد تكون أمرا وهميّا كما في (أظفار المنية) ونطقت الحال، وقد تكون أمرا محققا كما في أنبت الربيع البقل، وهزم الأمير الجند، وقد أخبرناك أن معنى كلامه هذا شيء آخر، وستطلع عليه في شرحنا هذا إذ يأتي محله.

وبما ذكرنا ظهر أن مبنى الاعتراضات على أن مذهب السكاكي في الاستعارة بالكناية أن يراد المشبه به حقيقة، وأن المراد بما أسند إلى المشبه به معناه الحقيقي في هذه الأمثلة، لا على مجرد أن المراد المشبه به حقيقة، حتى يكفي في دفعها الإشارة إلى أنه يراد به نفس المشبه بادعاء كونه مشبها به، كما ظنه الشارح، وتبعه القوم، وقد يقال مبني الاعتراضات على أن السكاكي جعل الاستعارة بالكناية من قبيل المجاز، وذلك لا يتم بدون الاستعمال في المشبه به حقيقة، وإن صرح بخلافه في تحقيق الاستعارة بالكناية، وفيه أنه لا ينفع في دفع إنكار المجاز العقلي لأن له أن يبنى الرد إلى الاستعارة على ما يقتضيه ما ذكره في التحقيق، لا على ما يقتضيه جعله من المجاز، ويمكن أن يقال في رد كلام السكاكي: إنه يلزم أن يكون المراد نفسه بعيشة في عيشة راضية صاحبها، وهو لا يصح سواء كان صاحبا ادعائيا أو حقيقيا؛ لأن مبني الاستعارة على تناسي المغايرة، ومبني الظرفية على دعواها، وهما متنافران، يتنفر عنه البليغ. وهكذا في نهاره صائم؛ لأن الإضافة تستدعي المغايرة، والاستعارة الاتحاد، وليس لك أن تحمل كلام المصنف عليه؛ لأنه لا يأباه النظران الأخيران.

(ولأنه ينتقض بنحو نهاره صائم لاشتماله على ذكر طرفي التشبيه) وهو مانع عن الحمل على الاستعارة كما صرح به في كتابه، وجوابه أن هذا مبني على أنه جعل الاشتمال على الطرفين مطلقا مانعا، وليس كذلك لأنه أراد به الاشتمال على الطرفين من حيث إنهما طرفان، وكيف لا وقد جعل زر أزراره على القمر من قبيل الاستعارة، وليس النهار وما أضيف إليه طرفا التشبيه، لأن الإضافة لامية، لتعيين المشبه المستعار؛ لأن المشبه بالشخص نهار خاص، لا مطلق النهار، وإنما يكونان طرفي التشبيه لو كانت الإضافة في معنى الحمل للمبالغة في التشبيه، ولا يخفى أن طرفي التشبيه حقيقة فيما يكون متصفا بكونه ظرفا، فلا حاجة في دفع الانتقاض إلى تقييد منافاة الاشتمال على طرفي التشبيه للاستعارة،

ص: 283