المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

أو كثيرا على حسب القرائن، ولا يجب لدفع الإشكال حمل - الأطول شرح تلخيص مفتاح العلوم - جـ ١

[العصام الأسفراييني]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المحقق

- ‌ترجمة المؤلف

- ‌متن كتاب التّلخيص في علوم البلاغة وهو تلخيص كتاب «مفتاح العلوم» للسّكاكيّ

- ‌كلمة الافتتاح

- ‌مقدّمة فى بيان معنى الفصاحة، والبلاغة

- ‌الفنّ الأوّل علم المعاني

- ‌تنبيه (1/ 213) صدق الخبر: مطابقته للواقع، وكذبه: عدمها

- ‌أحوال الإسناد الخبريّ

- ‌إخراج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر

- ‌أحوال المسند إليه

- ‌أولا: حذف المسند إليه، وذكره

- ‌ثانيا: تعريف المسند إليه، وتنكيره

- ‌[أتعريفه]

- ‌تعريف المسند إليه بالعلمية:

- ‌تعريف المسند إليه بالموصليّة:

- ‌تعريف المسند إليه بالإشارة:

- ‌تعريف المسند إليه باللام:

- ‌تعريف المسند إليه بالإضافة:

- ‌ب- تنكير المسند إليه

- ‌ثالثا: إتباع المسند إليه، وعدمه

- ‌وصف المسند إليه:

- ‌توكيد المسند إليه:

- ‌بيان المسند إليه:

- ‌الإبدال من المسند اليه:

- ‌العطف على المسند إليه:

- ‌رابعا:‌‌ تقديم المسند إليه، وتأخيره:

- ‌ تقديم المسند إليه

- ‌رأى عبد القاهر:

- ‌رأى السكاكى:

- ‌تأخير المسند إليه:

- ‌إخراج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر:

- ‌أحوال المسند

- ‌ترك المسند اليه:

- ‌ذكر المسند إليه:

- ‌وأما تنكيره:

- ‌وأما تخصيصه بالإضافة أو الوصف:

- ‌وأما تركه:

- ‌وأما تعريفه:

- ‌وأما كونه جملة:

- ‌وأما تأخيره:

- ‌وأما تقديمه:

- ‌تنبيه

- ‌أحوال متعلّقات الفعل

- ‌القصر

- ‌[طرق القصر]

- ‌منها: العطف

- ‌ومنها: النفى والاستثناء

- ‌ومنها: إنّما

- ‌ومنها: التقديم

- ‌الإنشاء

- ‌منها التمنّي

- ‌ومنها: الاستفهام

- ‌ومنها: الأمر

- ‌ومنها: النهي

- ‌[ومنها: العرض]

- ‌ومنها: النداء

- ‌الفضل والوصل

- ‌الإيجاز والإطناب والمساواة

- ‌(المساواة)

- ‌(الإيجاز)

- ‌(الإطناب)

- ‌الفنّ الثاني علم البيان

- ‌ التشبيه

- ‌ طرفاه

- ‌ ووجهه

- ‌أركان التشبيه

- ‌(الغرض من التشبيه)

- ‌خاتمة

- ‌الحقيقة والمجاز

- ‌ الاستعارة

- ‌المجاز المرسل

- ‌المجاز المركّب

- ‌فصل (2/ 305) عرّف السكاكى الحقيقة اللغوية بالكلمة المستعملة فيما وضعت له، من غير تأويل فى الوضع

- ‌فصل (2/ 332) حسن كل من التحقيقيّة والتمثيل

- ‌فصل (2/ 336) وقد يطلق المجاز على كلمة تغيّر حكم إعرابها

- ‌(الكناية)

- ‌فصل (2/ 360) أطبق البلغاء على أنّ المجاز والكناية أبلغ من الحقيقة والتصريح

- ‌الفنّ الثالث علم البديع

- ‌ المطابقة

- ‌المحسّنات المعنويّة

- ‌المقابلة

- ‌مراعاة النظير

- ‌الإرصاد

- ‌المشاكلة

- ‌المزاوجة

- ‌العكس

- ‌الرجوع

- ‌التورية

- ‌الاستخدام

- ‌اللف والنشر

- ‌الجمع

- ‌التفريق

- ‌التقسيم

- ‌الجمع مع التفريق

- ‌الجمع مع التقسيم

- ‌الجمع مع التفريق والتقسيم

- ‌التجريد

- ‌المبالغة

- ‌المذهب الكلامي

- ‌حسن التعليل

- ‌التفريع

- ‌تأكيد المدح بما يشبه الذم

- ‌تأكيد الذم بما يشبه المدح

- ‌الاستتباع

- ‌الإدماج

- ‌التوجيه

- ‌الهزل يراد به الجد

- ‌تجاهل العارف

- ‌القول بالموجب

- ‌الاطراد

- ‌المحسنات اللفظية

- ‌رد العجز على الصدر

- ‌السجع

- ‌الموازنة

- ‌القلب

- ‌التشريع

- ‌لزوم ما لا يلزم

- ‌خاتمة: فى السّرقات الشّعريّة، وما يتّصل بها، وغير ذلك

- ‌ الاقتباس

- ‌التضمين

- ‌العقد

- ‌الحلّ

- ‌التلميح

- ‌فصل (2/ 523) ينبغى للمتكلّم أن يتأنّق فى ثلاثة مواضع من كلامه

- ‌[الخطبة]

- ‌[تسمية الكتاب]

- ‌[مقدمة]

- ‌[(الفصاحة)]

- ‌[والبلاغة]

- ‌[فالتنافر]

- ‌[والغرابة]

- ‌[والمخالفة]

- ‌[قيل ومن الكراهة في السمع]

- ‌[وفي الكلام خلوصه]

- ‌[أما في النظم]

- ‌[وأما في الانتقال]

- ‌[قيل ومن كثرة التكرار]

- ‌[وفي المتكلم ملكة يقتدر بها]

- ‌[والبلاغة في الكلام]

- ‌[فمقتضى الحال]

- ‌[ولها طرفان: ]

- ‌[وأن البلاغة مرجعها إلى الاحتراز]

- ‌(الفن الأول: علم المعاني)

- ‌[صدق الخبر]

- ‌(أحوال الإسناد الخبري)

- ‌[وقد ينزل العالم بهما منزلة الجاهل]

- ‌[ثم الإسناد منه حقيقة عقلية]

- ‌[ومنه مجاز عقلي]

- ‌[وأقسامه أربعة]

- ‌(أحوال المسند إليه)

- ‌[أما حذفه فللاحتراز عن العبث]

- ‌[وأما ذكره فلكونه إلخ]

- ‌[وأما تعريفه]

- ‌[فبالإضمار 291

- ‌[وأصل الخطاب]

- ‌[وبالعلمية]

- ‌[وبالموصولية]

- ‌[وبالإشارة]

- ‌[وباللام]

- ‌[وقد يفيد الاستغراق]

- ‌[وبالإضافة]

- ‌[وأما تنكيره]

- ‌[وأما وصفه]

- ‌[وأما توكيده]

- ‌[وأما بيانه]

- ‌[وأما الإبدال منه]

- ‌[وأما العطف]

- ‌[وأما الفصل]

- ‌[وأما تقديمه]

- ‌[وإن بنى الفعل على منكر]

- ‌[ومما نرى تقديمه كاللازم]

- ‌[مبحث كلمة كل]

- ‌[وأما تأخيره فلاقتضاء المقام]

- ‌[ويسمى هذا النقل عند علماء المعاني التفاتا]

- ‌[أحوال المسند أما تركه فلما مر]

- ‌[وأما ذكره فلما مر]

- ‌[وأما إفراده فلكونه غير سبب]

- ‌[وأما كونه فعلا فللتقييد بأحد الأزمنة الثلاثة]

- ‌[وأما كونه اسما فلإفادة عدمهما]

- ‌[وأما تقييد الفعل بمفعول ونحوه وأما تركه فللمانع منهما]

- ‌[وأما تقييده بالشرط]

- ‌[وأما تنكيره فلإرادة عدم الحاصر والعهد]

- ‌[وأما تخصيصه بالإضافة أو الوصف فلكون الفائدة أتم]

- ‌[وأما تعريفه فلإفادة السامع حكما]

- ‌(أحوال متعلقات الفعل)

- ‌[الحذف وأغراضه]

- ‌[أنواع القصر]

- ‌[شروط قصر الموصوف على الصفة]

- ‌(الإنشاء)

- ‌[أنواعه]

- ‌[من أنواع الطلب]

الفصل: أو كثيرا على حسب القرائن، ولا يجب لدفع الإشكال حمل

أو كثيرا على حسب القرائن، ولا يجب لدفع الإشكال حمل التنوين على ما يجعل به المصدر نوعا كما يشعر به بيان الشارح بل رب مقام يكون التنوين فيه للوحدة فيجعل المفعول المطلق للعدد، قال الشارح المحقق: وكما أن التنكير لإبهامه يفيد التعظيم والتحقير كذلك لفظ البعض قال الله تعالى: وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ (1) أفاد نبينا صلوات الله وسلامه عليه بلفظ البعض إعلاءا لقدره، ونقول هذا كلام ذكره بعض الناس تحقيرا لشأن البعض، وقد يقصد به التقليل نحو كفانا بعض اهتمامه.

[وأما وصفه]

(وأما وصفه) أى جعله موصوفا بإيراد نعت له، ذكر التوابع على طبق ما يذكر فى الكلام إذا اجتمعت، قال الرضى: بدئ بالنعت ثم بالتأكيد ثم بالبدل ثم بالمنسوق ولم يذكر البيان لكمال التباسه بالبدل حتى قال: لم يظهر لى إلى الآن فرق بين بدل الكل وعطف البيان، والحق أنه بدل الكل كما هو ظاهر كلام سيبويه وقال الشارح المحقق: بدئ بالوصف لكثرة وقوعه واعتباراته، وإنما تكون هذه النكتة سرية لو كانت مرعية فى ذكر التوابع كلها (فلكونه) أى: كون الوصف بمعنى النعت، فالأوضح عبارة المفتاح فلكون الوصف (مبينا له كاشفا عن معناه) بين بقوله كاشفا عن معناه ما أراد بقوله مبينا له من بيان معناه دون نفسه فجعل عبارة الحكم مثالا له وهذا من البدائع التى قصده بعض أهل الأدب حتى جعل كتابا فى النحو كذلك بتمامه والمتبادر من المعنى هو المطابقى لكن لا ينبغى أن يحمل عليه؛ لأن الوصف الكاشف ربما يكشف عن معنى مجازى مراد، فالمراد: بالمعنى المقصود لكن أعم من المقصود لذاته؛ إذ ربما يحتاج المعنى الأصلى للفظ الكناية إلى كشف، لينتقل منه إلى المقصود لذاته ولا يجب فى الكشف أن يبلغ الغاية حتى يكون مظهرا للنكتة أو مميزا له عن جميع ما عداه، بل ربما يكون الكشف بوجه أعم، وقول المفتاح: كشفته كشفا كأنك جردته إنما هو تحقيق المثال لا وضع الضابط (كقولك: الجسم الطويل العريض العميق يحتاج إلى فراغ يشغله) كل من الأوصاف الثلاثة وصف كاشف يبين الجسم بوجه والمجموع وصف كاشف بالغ مرتبة الحد إما لجعلها بمنزلة وصف واحد بمعنى الممتد فى

(1) الأنعام: 165.

ص: 335

الجهات الثلاث، وإما لجعل الوصف أعم من أن يكون واحدا أو متعددا، وقد تكلف بما لا يحتاج إليه من قال: المثال هو العميق؛ لأنه يساوى الجسم أو قال المثال هو الطويل الموصوف بالوصفين وهذا الوصف كاشف على مذهب السكاكى دون المصنف؛ فإن الجسم عند الأشاعرة قد يتركب من جزءين، فلا يكون عريضا عميقا.

قال الشارح فى شرح المفتاح: والمراد بالطول أزيد الامتدادين أو الامتداد المفروض أولا وبالعرض أنقصهما أو المفروض ثانيا، وبالعمق ما يقاطعهما، هذا ولا يخفى أنه لو فسر الطول بأزيد الامتدادين والعرض بأنقصهما لا يتناول الوصف جسما ليس فيه أزيد الامتدادين، وقد نبه بالمثال على أن النكات غير مختصة بوضع اللغة بل تجرى فى الأوضاع الاصطلاحية وإلا فالجسم فى اللغة هو جماعة البدن والأعضاء من الناس وسائر الأنواع العظيمة الخلق؛ كذا فى القاموس وفى الصحاح هو البدن قال السيد السند: من فوائد هذا الوصف الإشارة إلى علة الحكم وفيه أن علة الحاجة ليست الطول والعرض والعمق وإلا لما احتاج الجوهر الفرد إلى حيز (ونحوه) أى: نحو قولك (قوله) أى: قول أوس بن حجر الشاعر الجاهلى فى مرثية فضالة بن كلدة، فصله عنه تنبيها على التفاوت بينهما من وجهين أحدهما فى الكشف عن المعنى، فإن السابق بعينه تفصيل معنى الجسم، وهذا ليس بعينه تفصيل معنى الألمعى؛ لأن معناه الذكى المتوقد، وليس الوصف تفصيله بل بحيث لو تأمل فيه ينكشف معناه وهو أنه مصيب فى ظنه كأنه رأى المظنون أو سمعه ممن رآه، قالوا: وبمعنى «أو» أو المراد أنه رأى فى بعض الأوقات وسمع فى بعض الأوقات.

وثانيهما: أن:

الألمعىّ الذى يظنّ بك الظّنّ

كأن قد رأى وقد سمعا

ليس من وصف المسند إليه بل وصف اسم إن فى البيت السابق أعنى:

إنّ الذى جمع السماحة والمر

وءة والبرّ والتّقى جمعا (1)

(1) البيتان لأوس بن حجر في ديوانه (53) من قصيدة له في رثاء فضالة بن كلدة الأسدي، وهو في الإيضاح (55).

ص: 336

أو بتقدير أعنى أو مرفوع بالمدح، وخبر إن ما يأتى بعد عدة أبيات من قوله:

أودى فلا ينفع الإشاحة من امرئ يساعده السوق فتأمل.

(أو مخصصا) أى: له أى للمسند إليه والفرق بينه وبين الوصف المبين أن الغرض فيه تخصيص اللفظ بالمراد، وفى الوصف المبين كشف المعنى وجعل المخاطب عالما بما أريد باللفظ، فالنظر فيه على إزالة الاحتمال عن اللفظ، وفى الأول على إزالة المجهولية والإبهام عن المراد، وإلا فالوصف الكاشف أو المادح لا يخلو عن التخصيص، ولهذا قيد صاحب المفتاح كونه مخصصا بقوله: مفيدا غير فائدة الكشف والمدح، والمصنف استغنى عن التقييد بجعل كونه مخصصا علة الوصف صريحا، ولما لم يكن صريحا فى عبارته احتاج إلى التقييد.

وقيده فى المفتاح أيضا بزيادة تخصيص لما أنه خص البحث بوصف المعرف، والمعرف لا يخلو عن تخصيص ولما لم يخصه المصنف به لم يحتج إلى هذا التقييد والتخصيص فى عرف النحاة تقليل الاشتراك فى النكرة، وتقليل الاشتراك فى المعرفة عندهم يسمى توضيحا. والمراد بتقليل الاشتراك: تقليل مقتضى الاشتراك وهو الاحتمال، وإلا فاشتراك اللفظ بين أفراد مفهومه أو بين مفهوماته لا يندفع بشىء.

والظاهر أنه محمول على إزالة الاشتراك إما فى الجملة أو بالكلية، إلا أنه فسر بتقليل الاشتراك؛ لأنه الغالب فى التخصيص، وقلما يبلغ مرتبة الإزالة بالكلية والمصنف جرى على اللغة؛ لأنه أشيع من الجرى على اصطلاح قوم آخرين وأراد به إزالة الاشتراك إما فى الجملة أو مطلقا ليحوي جميع المواد ولم يرد إزالة اشتراك نشأ من المعنى أى: الاشتراك بين إفراد المعنى. وإن ادعى السيد السند أن المتبادر من تقليل الاشتراك المعنوى وشموله لتقليل الاشتراك اللفظى تمحل؛ لأن التقليل لا يتصور فيه بلا تمحل؛ لأنه يتصور فى أمثاله، والدعوى لا تثبت له بعد ما أوضحناه لك.

فالوصف فى عين جارية مخصصة عند النحاة؛ لأنه يزيل مقتضى الاشتراك وهو احتمال العين لمعان.

ولو خص التخصيص بإزالة الاشتراك الناشئ من المعنى لخرج وصف الأعلام

ص: 337

المشتركة والمبهمات والمعرف بلام العهد عن كونه مخصصا؛ لأن الاشتراك فى هذه الأمور ليس بين أفراد يتوسل فى تعلق حكم الكلام بها باستعمال اللفظ فى مفهوم كلى صادق عليها، بل بين متعدد يقصد واحد منه بنفس اللفظ.

أما فى الأعلام المشتركة فظاهرة، وأما فى غيرها فلأنها إما موضوعات لكل واحد من متعدد، أو للاستعمال فى خصوص واحد منه على اختلاف، وأيّاما كان لا يستعمل إلا فى واحد ولا يخرج جميع المعارف لكون الاشتراك فيها من نفس اللفظ، كما أفاده السيد السند، إذ المعرف بلام الجنس يكون وصفه لتخصصه ببعض أفراد مفهومه، فالاشتراك فيه ناشئ من المعنى لا من اللفظ.

فإن قلت: الرجل العالم خير من الجاهل فى المقام الاستغراقى، لا يتصور أن يكون لتقليل الاحتمال للمستغرق بل لتقليل الشمول فهل يجعل تقليل الشمول داعيا آخر، أو يمكن درجه فى الوصف المخصص؟ .

قلت: قرينة الاستغراق تقوم بعد الوصف، فالوصف لتقليل الاحتمال، وقرينة الاستغراق لتعميم ما رفع فيه بعض الاحتمال، فيكون الوصف مخصصا.

فإن قلت: لا يتم ذلك فى كل رجل عالم.

قلت: دخل الكل على الموصوف؛ ولذا لا يمكن وصف الكل بل يجب إجراء الوصف على المضاف إليه.

وينقدح من هذا جواب آخر فى المعرف باللام؛ لأنه بمنزلة كل وما أضيف إليه يستغني الفطن عن تعريفه، ولو جعل تقليل الاشتراك عبارة عن رفع الاحتمال، أو إزالة بعض الشمول؛ لأن مقتضى الاشتراك قد يكون الشمول، وإن كان الأكثر الاحتمال لهان الأمر (نحو: يا زيد التاجر) اختاره على الرجل التاجر، ليتضح شمول التخصيص لرفع الاحتمال الناشئ من اللفظ (أو مدحا أو ذما) عطف على «مخصصا» أو «مبينا» فيحتاج إلى جعله بمعنى مادحا أو ذاما؛ لأن الوصف مفيد مدح، أو ذم، أو عطف على قوله «لكونه» على أنه مفعول له، وحينئذ لا بد من نكتة لجعل المبين والمخصص فى فرق واحد وهى تقاربهما جدا حتى يكون الفرق لمجرد القصد والنظر (نحو: جاءنى زيد العالم أو الجاهل

ص: 338

حيث يتعين) الموصوف عند المخاطب إما لاختصاص الاسم أو لاختصاص عمله بوصفه له أو لأمر آخر (قبل ذكره) بظاهره متعلق بالتمثيل، فالمعنى: حيث يتعين زيد.

ونفس النكتة أحق بالتقييد لكن جعله قيدا لها ورجع ضمير يتعين إلى الموصوف أبعد من التقييد، ويخالف الإيضاح، وإنما قيد المدح والذم به؛ لأن الأصل فى الوصف التخصيص أو الكشف فلا ينبغى للبليغ قصد شىء غيرهما ما احتمل قصد أحدهما.

(أو تأكيدا) إذا كان الوصف غير الشمول ويفيده الموصوف إفادة ضمنية واضحة، وهذا معنى ما قيل: إنما يكون الوصف للتأكيد إذا أفاد الموصوف معنى ذلك الوصف مصرحا بالتضمين، وكلاهما أو كلهم لا يكونان وصفين للتأكيد؛ لأنه وإن كان يفيد متبوعا هما ما يفيدانه لكن المفاد هو الشمول (نحو: أمس الدابر) فى القاموس أمس مثلثة الآخر مبنية، يبنى معرفة ويعرب معرفة اليوم الذى قبل يومك بليلة وأمس منونا شاذّا وإذا دخله «أل» فمعرب (كان يوما عظيما) وإنما يوصف الأمس بالدابر، إذا كان دبوره مقصودا إما للتلذذ بدبوره، أو بالنجاة عنه، أو بالتحسر على دبوره إلى غير ذلك.

والفرق بينه وبين الوصف البيان أى: بيان المقصود من الموصوف وما هو مناط القصد إلى مفهومه، والداعى إلى ذكره نحو قوله تعالى: لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ (1) غامض، إذ اثنين مما أفاده الموصوف إفادة ضمنية واضحة، وهو غير الشمول حتى لم يفرق بينهما نظر النحوى.

وجعله نجم الأئمة كنفحة واحدة مثالا للموصف للتأكيد والفرق بين إيراده للإشارة إلى ما هو مناط الفائدة ومتعلق القصد، فإن المقصود بالنهى: اتخاذ الاثنين لا اتخاذ الإله فلو لم يوصف بالاثنين لربما أوهم أن النهى اتحاد هذا الجنس، وإنما ذكر المثنى لكونه اتخاذهم على هذا الوجه وأن المطلوب الانتهاء عن اتخاذ الاثنين على أى وجه كان، حتى يكون المنتهى عن كل منهما عاملا بالنهى، أو يكون الكلام على شمول النهى أى: لا تتخذوا شيئا منهما، ولما كان منع الاثنين

(1) النحل: 51.

ص: 339

يوهم جواز اتخاذ غير الله بوحدته عقبه بقوله: إنما هو أى: الله إله واحد تكميلا للإرشاد بخلاف الدابر، فإن مناط الحكم هو الزمان لا الدبور على ما لا يخفى.

فإن قلت: فى كون وصف إليه بالواحد للبيان نظر، بل هو يشبه أن يكون وصفا للتخصيص، إنما يكون للتأكيد لو كان تنوين إله نصا فى الوحدة، وليس كذلك لاحتماله التعظيم والتكثير فوصفه بالواحد كوصف زيد بالتاجر لرفع الاحتمال. قلت: سبق قوله: لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ بجعل تنوين إله للوحدة وبعد فيه بحث؛ لأن وصف إليه ليس بالواحد الذى يشتمل عليه الإله؛ لأنه بمعنى الوحدة الفردية التى تجعل الجنس فردا منتشرا وهذه الوحدة بمعنى نفى الشركة، ولولاه لكان معنى إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ إنما الله فرد من الإله فلا يفيد توحيدا بل لا يكون كلاما مفيدا ولعلك لا يلتبس عليك الوصف للبيان بالبيان كما لا يلتبس الوصف للتأكيد بالتأكيد، فإن البيان الإيضاح نفس المتبوع، وذلك الوصف لبيان معنى فيه هو مناط القصد إليه ولا تظنن أنه التبس على السكاكى ذلك الرجل حيث أورده فى البيان، فإنه ذكره نظيرا للبيان لا مثالا له وله فى كتابه غير نظير ولقد تفطن لذلك المعنى المصنف بذكره فى الإيضاح هناك ولم يرد إيراده فى عطف البيان عليه وجعل صاحب المفتاح قوله تعالى: وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ (1) من هذا القبيل، وقال ذكر فى الأرض مع دابة، ويطير بجناحيه مع طائر لبيان أن القصد من اللفظين إلى الجنسين وإلى تقريرهما هذا المعنى لدفع توهم أن يراد بهما ما هو أخص منهما كما فى جمع الأمير الصاغة فيكون زيادة من لاستغراق بعض أفرادهما لا لاستغراق الجمع وهذا مدار ما ذكره صاحب الكشاف أن معنى وصفهما بهذين الوصفين زيادة التعميم والإحاطة (2) كأنه قيل: وما من دابة فى جميع الأرضين السبع ولا طائر يطير فى جو السماء من جميع ما يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم محفوظة أحوالها غير مهملة أمورها إذ لولا تقرير إرادة الجنس بعمومه لم تفد كلمة «من» استغراق جميع أفراد الجنس، فتوهم المصنف أن كلا من السكاكى والزمخشرى يوجه الآية

(1) الأنعام: 38.

(2)

التعميم مستفاد من وقوع النكرة في سياق النفي، والزيادة لدفع احتمال إرادة دواب أرض واحدة أو طيور جو واحد، وجعل الاستغراق حقيقيّا في جميع الدواب والطيور. انظر الإيضاح ص 56.

ص: 340

بتوجيه ساقط والأمر كما ذكره الشارح المحقق من وحدة التوجيهين، وما ذكره السيد السند من أنه إذا أريد بهما نفس الجنسين لا معنى لزيادة التعميم؛ لأن الجنس مفهوم واحد لا يجرى فيه التعميم، والتخصيص لا يتم؛ لأن التعميم فى أفراد الجنس بإرادة الجنس باللفظ لا بإرادة الجنس فى مقام الحكم يرشدك إليه قوله: إن الوصف لبيان القصد من اللفظ إلى الجنس، وما ذكره من أن حمل أمم يحتاج إلى اعتبار ما ذكر واحدا واحدا على سبيل الإجتماع فى توجيه الكشاف دون المفتاح؛ إذ لا كلفة فى حمل الأمم على الجنس يتجه عليه أن «من» الاستغراقية جعل الجنس فى ضمن كل واحد إلا أن يتكلف ويقال: كلمة «من» فى الحقيقة لم تدخل عليهما بل على أعم منهما كأنه قيل: ما من واحد من هذين الجنسين، ولا يخفى بعده عن السوق؛ بقي أن القصد لا يصح أن يكون إلى الجنس على قدر ما يفيد عمومه الوصف لوجوب خروج المشبه به عنه، إلا أن يقال: القصد إلى العام والمشبه به مستثنى عنهم بقرينة التشبيه، كأنه قيل: ما من واحد من أفراد هذين الجنسين بعمومهما سواكم إلا أمم أمثالكم، ومما ينبغى أن لا يهمل بيانه ولا يمهل ولا يفصل بتفصيل أجمل: وصف النكرة بالجمل فنقول: أولا اشتراط أن يكون الموصوف بالجملة نكرة: حقيقة أو حكما كالمعرف بلام العهد الذهنى.

قالوا: لأن الجمل نكرات، وأورد عليه أن التعريف والتنكير من خواص الاسم، ودفع بتأويل قولهم بأن مرادهم أن مفردا يجب باعتبار صحة قيامه مقام الجملة التى لها محل من الإعراب، نكرة لأنه يسبك من الجملة باعتبار المحكوم به الذى حقه أن يكون نكرة، ونحن نقول: هذا تكلف، ومع ذلك لا يتم؛ لأن من الجمل التى لها محل من الإعراب خبر ضمير الشأن والمفرد الذى يقوم مقامها ليس مسبوكا من المحكوم به بل هو زيد قائم فى معنى القصة، هذا الخبر وهو معرفة وكذا مقول القول نحو قال زيد: إن عمرا قاعد لا يقوم مقامه إلا هذا الكلام ولهما غير نظير، بل مرادهم أن الجمل نكرات حكما لأنه عومل معها معاملة النكرة حيث جعلت أحوالا هى لا محالة نكرات وأخبارا حقها أن تكون نكرات ولا يبعد أن يكون سر جعلها فى حكم النكرة أنها فى الأغلب كما ذكروا، وثانيا أنه اشترط فى

ص: 341

الجملة الواقعة صفة أن تكون خبرية، ووجه ذلك تارة بأن الصفة فى الأصل خبر حتى قيل: الأوصاف قبل العلم بها أخبار، والأخبار بعد العلم بها صفات والخبر يجب أن يكون جملة خبرية، ورد بأن ذلك من باب اشتباه خبر بخبر؛ لأن الخبر بمعنى ما يحتمل الصدق والكذب لا يصح أن يكون إنشاء لا خبرا لمبتدأ، والوصف فى الأصل خبر المبتدأ، نعم: الحكم بأن الأخبار بعد العلم بها أوصاف ليس كليا بل الأكثر ذلك على أن لنا أن نقول: الأخبار بعد العلم بها أوصاف مطلقا وليس الخبر الذى هو إنشاء مما يتعلق به العلم والتصديق فهذا الحكم مما يخصص المحكوم به لا محالة، فخبر المبتدأ لا يطلب إلا إسنادا إلى المبتدأ سواء كان على وجه الإنشاء أو الإخبار ألا يرى إلى قولك أزيد قائم؟ ويصح إسناد الجملة الإنشائية إلى المبتدأ على وجه الإنشاء فيقال: زيد اضربه، ووجه تارة أخرى بأن الصفة يجب أن تكون معلومة الإنشاءاتت إلى الموصوف يتميز به عند المخاطب، وما هو ثابت للغير يجب أن يكون ثابتا ولا ثبوت لمدلول الإنشاء معه؛ لأنه إما طلب لأنه لا بد له من أمر غير حاصل، وإما غيره من التمنى وصيغ العقود فالجمع يتعلق بأمر غير حاصل.

ودفع بأن مضمون الإنشاء هو الطلب أو التمنى أو إحداث عقد شرعى وكلها حاصل مع الجملة ويرد أيضا أن هو معلوم الإنشاءات لا يجب أن يكون حاصلا ألا ترى إلى قولك: رجل يأتينى، ووجه مرة أخرى بأن الصفة يجب أن تكون معلومة للمخاطب قبل الوصف، والجمل الإنشائية تحصل مدلولاتها بنفس اللفظ ويعلم حين التلفظ به، ولا يعلم قبل الوصف وأورد عليه الشارح المحقق أن وجوب علم المخاطب بالصفة كلام ذكره المفتاح وكلام الكشاف يشعر بأنه فى الصلة دون الصفة حيث قال فى قوله تعالى: فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ (1) أن الصلة يجب أن تكون قصة معلومة للمخاطب فيحتمل أنهم علموا ذلك بأن سمعوا قول الله تعالى فى سورة التحريم: قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ (2) ثم قال: وإنما جاءت النار هنا معرفة وفى سورة

(1) البقرة: 24.

(2)

التحريم: 6.

ص: 342

التحريم نكرة لأن الآية فى سورة التحريم نزلت أولا بمكة فعرفوا منها نارا موصوفة بهذه الصفة ثم جاءت فى سورة البقرة مشارا بها.

وأجاب بأن المخاطبين فى سورة التحريم هم المؤمنون فيحتمل أنهم علموا ذلك بسماع من النبى صلى الله عليه وسلم، والمشركون لما علموا ذلك بسماع الآية، خوطبوا فى سورة البقرة، ويرد عليه أن المؤمنين لو سمعوا ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم لوجب أن تعرف النار لهم كما عرف للمشركين فى سورة البقرة وأيضا لا وجه حينئذ لتوجيه العلم بالصلة فى الآية بإسناده إلى سماع آية سورة التحريم؛ لأن سماعهم إنما يفيدهم لو علموا قبل سماعهم مضمون الصفة وحينئذ يستند الصلة والصفة فى الاثنين إلى ذلك العلم، وأيضا سماع المنكرين آية سورة التحريم لا يفيدهم العلم حتى يصح جعل الجملة صلة، وأجاب السيد السند بأن الإدراك المطلق كاف فى جعله صلة، وهو خلاف المنقول والمعقول بل الجواب أن الإنكار عن عناد لا ينافى استفادة العلم ويمكن أن يجاب عن الشبهتين الأوليين بأن الصلة والصفة وإن تشاركا فى وجوب العلم بمضمون الجملة لكن الصلة امتازت بوجوب العلم بالمحكوم عليه بها بأن يجعل ملحوظا بها، فالإيراد صلة مستند إلى سماع اتقوا نارا وقودها الناس والحجارة؛ لأن النار تعرف مضمون الجملة وقوله: اتقوا نارا مستندا إلى سماع من النبى عليه السلام أن بعض النار كذلك وقودها الناس والحجارة، ولا يكفى فى عهدية النار معرفة وأن بعض النار كذلك، بل لا بد من معرفة النار بهذه الجملة فلهذا نكرت فى التحريم وعرفت هنا ولا يبعد أيضا أن يقال: لا يكفى فى التعريف العهدى معرفة الشىء مطلقا بل معرفة ينتقل إليها فى الإيراد معرفة فيقتضى معرفة شىء فى القرآن إيراده ثانيا معرفة ولا يقتضى معرفته عن النبى صلّى الله تعالى عليه وسلم إيراده فى القرآن معرفة.

وأورد على قول الكشاف أن الآية فى سورة التحريم نزلت أولا بمكة أنه ينافي ما صرح به فى أول سورة التحريم بأنها مدنية وما قد سبق منه أيضا أن المصدر ب «يا أيها الناس» مكى وب «يا أيها الذين آمنوا» مدنى، ويمكن أن يجاب عن الأول بأنه يحتمل أن يكون هذه الآية نازلة فى المكة (1) وحدها، والسورة نازلة فى

(1) هكذا بالأصل.

ص: 343