الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله: ويجوز في غيرها لقرينة مع أنهما في سلك الأمر؛ لأن النحاة جعلوا التقدير في جواب الأمر النهي، وهما يشملهما عندهم، وإن أريد به أنه يجوز تقدير الشرط بعدها باعتبار جميع معانيها فباطل.
[من أنواع الطلب]
(ومنها) أي: من أنواع الطلب (النداء)(1) أي: الكلام المستعمل في طلب الإقبال، وبيان حقيقته وظيفة لغوية، ومجازاته بيانية، ونكات اختيار الحقيقة، أو مجاز من مجازاته وظيفة هذا العلم، وقد خلا عنه هذا البحث (وقد تستعمل صيغته) أي: صيغة النداء، يختص بهذا الكلام، وتسمية هيئة الكلام، صيغة غير شائعة، وكأنه لكون النداء بمنزلة مفرد من مفردات المنادى له في أنه الغرض من ذكره، أطلق اسم الصيغة عليه (في غير معناه) أي: معنى المنادى الموضوع له، إما مع بقاء النداء بأن ينقل من قسم إلى قسم، كاستعمال «يا» لنداء البعيد ولنداء القريب وبالعكس، وإما مع الخروج عن النداء مطلقا كالمثالين المذكورين، ومنه ما ذكر للتنبيه على أن المنادى حاضر في القلب لا يغيب عنه نحو:
أسكّان نعمان الأراك تيقّنوا
…
بأنّكم في ربع قلبي سكّان
فجعله مستعملا في نداء البعيد كما فعله الشارح بعيد، ومنه المستعمل في التحسر، والتوجع ومنه الاستغاثة، ومنه التعجب، ومنه الندبة، ومنه التوله، والتحير، وجعل قوله في غير معناه مخصوصا بالقسم الثاني كما فعله الشارح لا داعي إليه.
(كالإغراء في قولك لمن أقبل يتظلم: يا مظلوم) فإنه ليس بطلب الإقبال؛ لكونه حاصلا، وإنما الغرض إقباله على زيادة التظلم وبث الشكوى، ولذا لا يذكر له المنادي له.
(والاختصاص (2) في قولهم: أنا أفعل كذا أيها الرجل) ملتزم الحذف
(1) هو طلب الإقبال بحرف نائب مناب «أدعو» وهو «يا» أو إحدى أخواتها، ودلالة النداء على الطلب التزامية؛ لأنه بمقتضى تعريفه معنى «أدعو» وهو فعل مضارع لا أمر، ولكن الدعاء يتضمن طلب الإقبال فلهذا جعل النداء من أقسام الطلب، وقيل: إنه مجرد تنبيه لا طلب فيه، وقيل: إنه بمعنى «أقبل» فيدل على الطلب مطابقة لا التزاما. [المفتاح ص 178].
(2)
استعمال النداء فيه مجاز مرسل علاقته كعلاقة الإغراء، وهو الحقيقة صورة نداء كما سيأتي.
لحرف النداء، والشائع فيه أي: وقد يعدل عنه إلى مضاف، أو علم، أو معرف باللام، وفي كون المعرف باللام منادى لنصبه، وفي كون العلم منادى لنصبه دون البناء على الضم مزيد تكلف، ولذا أنكر النداء في الأول ابن الحاجب، ولتفصيله كتب النحو، وتناول الغاية منه لو نلت شرحنا على الكافية، ولما كان الاختصاص مع نقله عن معناه الأصلي منقولا إلى محل من الإعراب دون الإغراء خصه بقوله (أي: متخصصا من بين الرجال) تنبيها على أنه يمكن في موضع الحال.
(ثم الخبر قد يقع موقع الإنشاء) طلبا كان كالأمثلة المذكورة أو غيره كالخبر الذي يذكر للمدح، أو الذم، أو التحسر، أو التعجب.
(إما للتفاؤل) بإبرازه في صورة الحاصل (أو لإظهار الحرص في وقوعه) حتى كأنه يخيل إليه حاصلا (كما مر) من قوله: إن ظفرت بحسن العافية فهو المرام، فهو تنظير.
(والدعاء بصيغة الماضي من البليغ يحتملهما) معا بأن يقصدهما معا، وعلى سبيل البدل بأن يقصد أحدهما، والأظهر أن الدعاء ممن يعرف هذين النكتتين يحتملهما سواء كان بليغا أو لا وحمل البليغ عليه بعيد (أو للاحتراز عن صورة الأمر)؛ لئلا يؤدي إلى سوء الأدب، والأولى أو للاحتراز عن صورة الاستعلاء ليشمل الاحتراز عن صورة النهي أيضا، وفيه أن الدعاء بصيغة الماضي يحتمله أيضا، فلم خص الاحتمال بما سبق، ولك أن تجيب بأن صيغة الماضي لا مدخل له في الاحتراز عن صورة الأمر، وللعود محال، إذ النكتة لا تجب أن يرجح الشىء على جميع الأغيار، ولك أن تقول: يكفي هذا القدر من الفرق نكتة لتخصيص الاحتمال بالسابقين تأمل (أو لحمل المخاطب على المطلوب بأن يكون ممن لا يحب أن يكذب) من التكذيب، أي: ينسب إلى الكذب (الطالب)(1) فإنك إذا جئت بالخبر مع إرادة الطلب ينسب الطالب إلى الكذب نظرا إلى ظاهر اللفظ، كذا قيل، ولا يخفى أنه تكلف، والأحق الأدق أن في التعبير عن ايتني غدا بقولك: تأتيني غدا دعوى أن المخاطب يبادر إلى الإجابة لا محالة حتى
(1) كأن تقول لصاحبك: «تأتيني غدا» بدل اثتني، لتحمله بلطف على الإتيان؛ لأنه إذا لم يأتك صرت كاذبا وهو لا يحب تكذيبك.
يستحق أن يعبر عن الطلب عنه بالخبر، فلو لم يمتثل بضرب لصرت في هذه الدعوى التي يضمها التعبير بالخبر كاذبا قال الشارح: فالخبر في هذه الصور مجاز؛ لاستعمالها في غير ما وضع له، ويحتمل بعضها الكناية، هذا وفيه أن اللفظ لا يكون محتملا للمجاز والكناية؛ لأنه إن وجدت القرينة المانعة عن إرادة الحقيقة، فمجاز بلا شبهة وإلا فكناية كذلك.
(تنبيه: الإنشاء كالخبر في كثير مما ذكر في الأبواب الخمسة السابقة) لا في الجميع فإن التأكيد في الإنشاء ليس للشك، أو الإنكار من المخاطب، ولا ترك التأكيد لخلوه عن الإيقاع والانتزاع، بل لأنه بعيد عن الامتثال، أو قريب منه (فليعتبره) أي: فليقس الإنشاء (الناظر) على الخبر، وجعل الشارح ضمير (فليعتبره) راجعا أو عائدا إلى الكثير، أي: فليعتبر، وليراع ذلك الكثير في الإنشاء.
* إلهي مننت علينا بفصل الخطاب* وأحسنت إلينا بفضل معرفة الكتاب* وأجيبت الأسئلة المحاويج أحسن جواب* نسألك بيانا به وصل الطلاب إلى الصواب* وتبيانا به كمال الاتصال بحسن المآب* وكمال الانقطاع عن الجهل والخطأ والاضطراب* إلهي أنعم علينا بأحوال لها تذنيب لجزيل الثواب* وأكرمنا بالتوفيق لأعمال تنجينا عن وبيل العقاب.
*** الجلد الأول ويليه الجلد الثاني، وأوله:
بحث الفصل والوصل