الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(2/ 130) والنظر- هاهنا- فى أركانه- وهى:
طرفاه
،
ووجهه
، وأداته- وفى الغرض منه، وفى أقسامه:
أركان التشبيه
(2/ 131)
طرفاه:
إما حسّيان؛ كالخدّ والورد، والصوت الضعيف والهمس، والنّكهة والعنبر، والرّيق والخمر، والجلد الناعم والحرير، أو عقليّان؛ كالعلم والحياة، أو مختلفان؛ كالمنية والسّبع، والعطر وخلق كريم.
(2/ 134) والمراد بالحسى: المدرك هو أو مادّته- بإحدى الحواسّ الخمس الظاهرة- فدخل فيه الخياليّ؛ كما فى قوله (1)[من مجزوء الكامل]:
وكأنّ محمرّ الشّقي
…
ق إذا تصوّب أو تصعّد
أعلام ياقوت نشر
…
ن على رماح من زبرجد
(2/ 136) وبالعقلىّ: ما عدا ذلك؛ فدخل فيه الوهمى، أى: ما هو غير مدرك بها (2)، ولو أدرك لكان مدركا بها؛ كما فى قوله (3)[من الطويل]
ومسنونة زرق كأنياب أغوال
وما يدرك بالوجدان؛ كاللذة والألم.
(2/ 141)
ووجهه
: ما يشتركان فيه تحقيقا أو تخييلا؛ والمراد بالتخييل: نحو ما فى قوله [من الخفيف](4):
وكأنّ النّجوم بين دجاها
…
سنن لاح بينهنّ ابتداع
فإنّ وجه الشبه فيه هو الهيئة الحاصلة من حصول أشياء مشرقة بيض فى جوانب شيء مظلم أسود، فهى غير موجودة فى المشبّه به إلا على طريق التخييل، وذلك أنه لما كانت البدعة- وكل ما هو جهل- تجعل صاحبها كمن يمشى فى
(1) البيت للصنوبرى، المصباح ص 116، أسرار البلاغة ص 158، والطراز 1/ 275.
(2)
أى بإحدى الحواس الخمس الظاهرة المذكورة.
(3)
شطر بيت لامرئ القيس ديوانه ص 150، والإيضاح ص 336 صدره:
أيقتلنى والمشرفى مضاجعي
(4)
البيت للقاضى التنوخى، المصباح ص 110، والإيضاح ص 343، ونهاية الإيجاز ص 190.
الظلمة، فلا يهتدى للطريق، ولا يأمن أن ينال مكروها شبّهت بها، ولزم بطريق العكس: أن تشبه السنة- وكل ما هو علم- بالنور، وشاع ذلك حتى تخيّل أن الثانى مما له بياض وإشراق؛ نحو:(أتيتكم بالحنيفيّة البيضاء)(1).
(2/ 144) والأول على خلاف ذلك؛ كقولك: شاهدت سواد الكفر من جبين فلان؛ فصار تشبيه النجوم بين الدجى بالسنن بين الابتداع، كتشبيها ببياض الشّيب فى سواد الشباب، أو بالأنوار مؤتلفة بين النبات الشديد الخضرة؛ (2/ 145) فعلم فساد جعله فى قول القائل:«النّحو فى الكلام كالملح فى الطعام» كون القليل مصلحا والكثير مفسدا؛ لأن النحو لا يحتمل القلة والكثرة؛ بخلاف الملح.
(2/ 145) وهو إما غير خارج عن حقيقتهما؛ كما فى تشبيه ثوب بآخر فى نوعهما، أو جنسهما أو فصلهما. أو خارج صفة؛ إما حقيقية، وهى إما حسية كالكيفيات الجسمية مما يدرك بالبصر: من الألوان، والأشكال، والمقادير، والحركات، وما يتصل بها، أو بالسمع من الأصوات الضعيفة، والقوية، والتى بين بين، أو بالذّوق من الطعوم، أو بالشمّ من الروائح، أو باللمس من الحرارة والبرودة، والرطوبة واليبوسة، والخشونة والملاسة، واللّين والصلابة، والخفة والثقل، وما يتصل بها، أو عقلية، كالكيفيات النفسانية: من الذكاء والعلم، والغضب والحلم، وسائر الغرائز. وإما إضافية؛ كإزالة الحجاب فى تشبيه الحجة بالشمس.
(2/ 154) وأيضا (2): إما واحد، أو بمنزلة الواحد؛ لكونه مركّبا من متعدد، وكلّ منهما حسى، أو عقلى، وإما متعدد كذلك، أو مختلف:
والحسى طرفاه حسيان لا غير؛ لامتناع أن يدرك بالحس من غير الحسى شيء. والعقلى أعم؛ لجواز أن يدرك بالعقل من الحسى شىء؛ ولذلك يقال:
التشبيه بالوجه العقلى أعم.
(1) أخرجه أحمد بنحوه فى المسند 5/ 266 ولفظه: «إنى لم أبعث باليهودية ولا بالنصرانية ولكننى بعثت بالحنيفية السمحة» وأورد الشيخ الألبانى نحوه فى الصحيحة ح (1782).
(2)
أى وجه التشبيه.
فإن قيل: «هو مشترك فيه؛ فهو كلىّ، والحسى ليس بكليّ» :
قلنا: المراد أنّ أفراده مدركة بالحسّ.
(2/ 157) فالواحد الحسىّ: كالحمرة، والخفاء، وطيب الرائحة، ولذّة الطّعم، ولين الملمس فيما مرّ.
والعقلىّ: كالعراء عن الفائدة، والجرأة، والهداية، واستطابة النفس فى تشبيه وجود الشيء العديم النفع بعدمه، والرجل الشجاع بالأسد، والعلم بالنور، والعطر بخلق كريم.
(2/ 160) والمركّب الحسى فيما طرفاه مفردان: كما فى قوله (1)[من الطويل]:
وقد لاح فى الصّبح الثريّا كما ترى
…
كعنقود ملّاحيّة حين نوّرا
من الهيئة الحاصلة من تقارن الصور البيض المستديرة الصغار المقادير فى المرأى، على الكيفية المخصوصة، إلى المقدار المخصوص.
(2/ 163) وفيما طرفاه مركّبان؛ كما فى قول بشّار (2)[من الطويل]:
كأنّ مثار النّقع فوق رءوسنا
…
وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه
من الهيئة الحاصلة من هوىّ أجرام مشرقة مستطيلة متناسبة المقدار متفرّقة، فى جوانب شيء مظلم.
(2/ 165) وفيما طرفاه مختلفان؛ كما مرّ فى تشبيه الشقيق (3).
(2/ 165) ومن بديع المركّب الحسىّ: ما يجيء من الهيئات التى تقع عليها الحركة، ويكون على وجهين:
أحدهما: أن يقرن بالحركة غيرها من أوصاف الجسم؛ كالشّكل واللون؛ كما فى قوله (4)[من الرجز]:
(1) البيت لأبى قيس بن الأسلت أورده محمد بن على الجرجانى فى الإشارات ص 180. والملاحية:
عنب أبيض. ونور: تفتح.
(2)
ديوانه 1/ 318، والمصباح 106، ويروى (رءوسهم) بدل (رءوسنا).
(3)
وكتشبيه نهار مشمس قد شابه زهر الربا بليل القمر.
(4)
من أرجوزة لجبار بن جزء بن ضرار ابن أخى الشماخ؛ وبعده:
…
-
والشّمس كالمرآة فى كفّ الأشل
من الهيئة الحاصلة من الاستدارة مع الإشراق والحركة السريعة المتّصلة مع تمّوج الإشراق، حتى يرى الشعاع كأنه يهمّ بأن ينبسط حتى يفيض من جوانب الدائرة، ثم يبدو له، فيرجع إلى الانقباض.
والثانى: أن تجرّد الحركة عن غيرها؛ فهناك- أيضا- لا بد من اختلاط حركات إلى جهات مختلفة الحركة له؛ فحركة الرحى والسهم لا تركيب فيها، بخلاف حركة المصحف فى قوله [من المديد]:
وكأنّ البرق مصحف قار
…
فانطباقا مرّة وانفتاحا (1)
(2/ 168) وقد يقع التركيب فى هيئة السكون؛ كما فى قوله (2) فى صفة كلب [من الرجز]:
يقعي جلوس البدوىّ المصطلي
من الهيئة الحاصلة من موقع كلّ عضو منه فى إقعائه.
(2/ 170) والعقلىّ: كحرمان الانتفاع بأبلغ نافع مع تحمّل التعب فى استصحابه، فى قوله تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً (3).
(2/ 170) واعلم أنه قد ينتزع من متعدّد، فيقع الخطأ؛ لوجوب انتزاعه من أكثر؛ إذا انتزع من الشطر الأول من قوله [من الطويل]:
كما أبرقت قوما عطاشا غمامة
…
فلمّا رأوها أقشعت وتجلّت (4)
لوجوب انتزاعه من الجميع؛ فإنّ المراد التشبيه باتصال ابتداء مطمع بانتهاء
-
لمّا رأيتها بدت فوق الجبل
أورده وهو فى الإشارات للجرجانى ص 180 والأسرار ص 207.
(1)
البيت لابن المعتز.
(2)
البيت للمتنبى، وبعده: بأربع مجدولة لم تجدل.
(3)
الجمعة: 5.
(4)
أورده القزوينى فى الإيضاح ص 354، والطيبى فى شرحه على مشكاة المصابيح بتحقيقى 1/ 107.