الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على ما وقع، حتى قال: إعجاز السورة من القرآن لا يتوقف إلا على بلاغتها المتوقفة على فصاحتها، وفصاحتها لا يتوقف على جميع كلماته، بل على فصاحة الأكثر، بحيث يكون غير الفصيح مغمورا فيه مستورا على الذائقة بفصاحة الكلمات الكثيرة، كما يستر الحلاوة الشديدة المرارة القليلة، وبعدم فصاحة كلمة من ذلك الكلام لا يخرج عن الفصاحة، كما أن الكلام العربي لا يخرج عن كونه عربيّا، بوقوع كلمة غير عربية، ألا ترى أن القرآن عربي بحكم الشارع، وفيه ألفاظ غير عربية؟ بالرواية عن ابن عباس وعكرمة وإجماع النحاة، على أن نوحا وإبراهيم وغيرهما أعجميات، وذلك لأنه تكلف جدّا من غير داع.
وأما ما قال الشارح المحقق من أن فصاحة الكلمات شرط فصاحة الكلام فلا يجوز أن يكون جزء منه غير فصيح، فلا يضره لو تم داعيه إلى جعل أَلَمْ أَعْهَدْ غير فصيح لأنه يخالف في اشتراط فصاحة الكلمات تأوله بأن المراد فصاحتها حكما بأن يكون بحيث لا يحسن بغير الفصيح فيها. وكذا ما قاله من أنه لو كان أَلَمْ أَعْهَدْ غير فصيح فلا أقل من أنه يلزم العجز، أو الجهل على الله، تعالى عن ذلك علوّا كبيرا، لا يتم لأنه لا يجوز أن يكون إيراده لعجز المخاطب عن فهم معنى لفظ آخر بمعناه، أو لبيان أن غير فصيح في كلام طويل لا يضر بالفصاحة.
قال الشارح: لتعذر ضبط التنافر لم يتعرض لتحقيقه واكتفى فيه بالتمثيل، قلت: لو كان كذلك لم يكتف بقوله:
[والغرابة]
(والغرابة) نحو
…
إلخ، بل كان يعرف الغرابة ومخالفة القياس. والغرابة كون الكلمة وحشية غير ظاهرة المعنى ولا مأنوسة الاستعمال كذا في الشرح. فإن قلت لم لم يكتف بقوله غير ظاهرة المعنى كما في الإيضاح؟ قلت: أراد نصب علامتين للغرابة: عدم ظهور المعنى، وعدم أنس السمع به، ونبه على أن كون الغريب مهجور الأمرين انقباض العقل عنه، لعدم وصوله إلى المقصود منه، ونفور السمع عنه لعدم الشبه به، ولا يخفى أن تعريف الغرابة بهذا لا ينفع غير المتتبع، فلهذا فسر بأن يكون مما يحتاج في معرفته إلى أن يرجع إلى كتب اللغة المبسوطة كتكأكأتم، وافرنقعوا، في قول عيسى بن عمر النحوي حين سقط من الحمار واجتمع الناس عليه: ما لكم تكأكأتم عليّ تكأكؤكم على ذي جنة، افرنقعوا عني، أي اجتمعتم، تنحوا عني، أو يكون مما
يحتاج إلى أن يخرج له وجه بعيد كما في قوله:
(وفاحما ومرسنا مسرّجا)(1)
ولا يخفى أن هذا التفسير أيضا مما لا ينفع لأنه ربما يفسر الغريب في الكتب الغير المبسوطة فإن تكأكأتم وافرنقعوا مما ذكرا في الصحاح والقاموس، والفاحم الأسود بيّن الفحومة يعني وشعرا فاحما، والمرسن بفتح السين وكسرها الأنف، والمسرج ما فسره بقوله:(أي كالسيف السريجي) أي المنسوب إلى سريج هو قين ينسب إليه السيوف (في الدقة والاستواء أو كالسراج في البريق) هو مصدر فسره بقوله: (واللمعان) والأولى في اللمعان، فالمسرج غير ظاهر الدلالة ولا مأنوس الاستعمال احتيج لبيانه إلى جعله اسم مفعول من السريجي أو من السراج بمعنى المشبه بالسراج، أو بالسريجي، وكأن وجه تحصيل التشبيه من صيغة اسم المفعول أن المسرج معناه المجعول سراجا أو سيفا سريجيا، بدعوى الاتحاد بينهما على نحو زيد أسد فهو تفعيل من قبيل فرجته أي جعلته فرجا، وقيل: جاء التفعيل للنسبة إلى أصله نحو تممته أي نسبته إلى تميم، فالمسرج بمعنى المنسوب إلى السريجي أو السراج نسبة المشبه إلى المشبه به، وهذا إنما يحسن أن يوجد نسبة المشبه إلى المشبه به حتى يقال أسديّ للمشبه به، إلا أن يقال فليكن هذا أيضا وجها لبعد التخريج.
قال المصنف في الإيضاح: ويقرب هذا من قولهم سرج وجهه بالكسر أي حسن، وسرج الله وجهه أي بهجه وحسنه، يريد أن أخذ المسرج من السراج كأخذ سرج منه، فهذا الوجه مرجح لتأيده يتحقق نظير له في كلامهم. وأشكل على الشارح أنه بعد وجود سرج لم لم يجعل المسرج منه حتى لا يحتاج إلى أخذه من السريجي أو من السراج؟ فأجاب بأنه يجوز أن يكون سرج مستحدثا مولدا بعد شعر العجاج، أو يكون مأخوذا لا عن مصدر بل من نفس السراج، فلا يكون من أفعال يشتق منها؛ بل من باب الغرابة كالمسرج، وأن يكون الحكم
(1) البيت للعجاج، وهو في المفتاح (472) بتحقيق د. عبد الحميد هنداوي، وأورده بدر الدين بن مالك في المصباح:(123)، وعزاه للعجاج، والقزويني في الإيضاح (405).
والفاحم: الأسود البين الفحومة، المرسن: موضع الرسن من أنف الفرس، الرّسن: ما كان من الأزمة على الأنف. والمسرج: من السرج، وهو رحل الدابة.