المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(الفن الأول: علم المعاني) - الأطول شرح تلخيص مفتاح العلوم - جـ ١

[العصام الأسفراييني]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المحقق

- ‌ترجمة المؤلف

- ‌متن كتاب التّلخيص في علوم البلاغة وهو تلخيص كتاب «مفتاح العلوم» للسّكاكيّ

- ‌كلمة الافتتاح

- ‌مقدّمة فى بيان معنى الفصاحة، والبلاغة

- ‌الفنّ الأوّل علم المعاني

- ‌تنبيه (1/ 213) صدق الخبر: مطابقته للواقع، وكذبه: عدمها

- ‌أحوال الإسناد الخبريّ

- ‌إخراج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر

- ‌أحوال المسند إليه

- ‌أولا: حذف المسند إليه، وذكره

- ‌ثانيا: تعريف المسند إليه، وتنكيره

- ‌[أتعريفه]

- ‌تعريف المسند إليه بالعلمية:

- ‌تعريف المسند إليه بالموصليّة:

- ‌تعريف المسند إليه بالإشارة:

- ‌تعريف المسند إليه باللام:

- ‌تعريف المسند إليه بالإضافة:

- ‌ب- تنكير المسند إليه

- ‌ثالثا: إتباع المسند إليه، وعدمه

- ‌وصف المسند إليه:

- ‌توكيد المسند إليه:

- ‌بيان المسند إليه:

- ‌الإبدال من المسند اليه:

- ‌العطف على المسند إليه:

- ‌رابعا:‌‌ تقديم المسند إليه، وتأخيره:

- ‌ تقديم المسند إليه

- ‌رأى عبد القاهر:

- ‌رأى السكاكى:

- ‌تأخير المسند إليه:

- ‌إخراج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر:

- ‌أحوال المسند

- ‌ترك المسند اليه:

- ‌ذكر المسند إليه:

- ‌وأما تنكيره:

- ‌وأما تخصيصه بالإضافة أو الوصف:

- ‌وأما تركه:

- ‌وأما تعريفه:

- ‌وأما كونه جملة:

- ‌وأما تأخيره:

- ‌وأما تقديمه:

- ‌تنبيه

- ‌أحوال متعلّقات الفعل

- ‌القصر

- ‌[طرق القصر]

- ‌منها: العطف

- ‌ومنها: النفى والاستثناء

- ‌ومنها: إنّما

- ‌ومنها: التقديم

- ‌الإنشاء

- ‌منها التمنّي

- ‌ومنها: الاستفهام

- ‌ومنها: الأمر

- ‌ومنها: النهي

- ‌[ومنها: العرض]

- ‌ومنها: النداء

- ‌الفضل والوصل

- ‌الإيجاز والإطناب والمساواة

- ‌(المساواة)

- ‌(الإيجاز)

- ‌(الإطناب)

- ‌الفنّ الثاني علم البيان

- ‌ التشبيه

- ‌ طرفاه

- ‌ ووجهه

- ‌أركان التشبيه

- ‌(الغرض من التشبيه)

- ‌خاتمة

- ‌الحقيقة والمجاز

- ‌ الاستعارة

- ‌المجاز المرسل

- ‌المجاز المركّب

- ‌فصل (2/ 305) عرّف السكاكى الحقيقة اللغوية بالكلمة المستعملة فيما وضعت له، من غير تأويل فى الوضع

- ‌فصل (2/ 332) حسن كل من التحقيقيّة والتمثيل

- ‌فصل (2/ 336) وقد يطلق المجاز على كلمة تغيّر حكم إعرابها

- ‌(الكناية)

- ‌فصل (2/ 360) أطبق البلغاء على أنّ المجاز والكناية أبلغ من الحقيقة والتصريح

- ‌الفنّ الثالث علم البديع

- ‌ المطابقة

- ‌المحسّنات المعنويّة

- ‌المقابلة

- ‌مراعاة النظير

- ‌الإرصاد

- ‌المشاكلة

- ‌المزاوجة

- ‌العكس

- ‌الرجوع

- ‌التورية

- ‌الاستخدام

- ‌اللف والنشر

- ‌الجمع

- ‌التفريق

- ‌التقسيم

- ‌الجمع مع التفريق

- ‌الجمع مع التقسيم

- ‌الجمع مع التفريق والتقسيم

- ‌التجريد

- ‌المبالغة

- ‌المذهب الكلامي

- ‌حسن التعليل

- ‌التفريع

- ‌تأكيد المدح بما يشبه الذم

- ‌تأكيد الذم بما يشبه المدح

- ‌الاستتباع

- ‌الإدماج

- ‌التوجيه

- ‌الهزل يراد به الجد

- ‌تجاهل العارف

- ‌القول بالموجب

- ‌الاطراد

- ‌المحسنات اللفظية

- ‌رد العجز على الصدر

- ‌السجع

- ‌الموازنة

- ‌القلب

- ‌التشريع

- ‌لزوم ما لا يلزم

- ‌خاتمة: فى السّرقات الشّعريّة، وما يتّصل بها، وغير ذلك

- ‌ الاقتباس

- ‌التضمين

- ‌العقد

- ‌الحلّ

- ‌التلميح

- ‌فصل (2/ 523) ينبغى للمتكلّم أن يتأنّق فى ثلاثة مواضع من كلامه

- ‌[الخطبة]

- ‌[تسمية الكتاب]

- ‌[مقدمة]

- ‌[(الفصاحة)]

- ‌[والبلاغة]

- ‌[فالتنافر]

- ‌[والغرابة]

- ‌[والمخالفة]

- ‌[قيل ومن الكراهة في السمع]

- ‌[وفي الكلام خلوصه]

- ‌[أما في النظم]

- ‌[وأما في الانتقال]

- ‌[قيل ومن كثرة التكرار]

- ‌[وفي المتكلم ملكة يقتدر بها]

- ‌[والبلاغة في الكلام]

- ‌[فمقتضى الحال]

- ‌[ولها طرفان: ]

- ‌[وأن البلاغة مرجعها إلى الاحتراز]

- ‌(الفن الأول: علم المعاني)

- ‌[صدق الخبر]

- ‌(أحوال الإسناد الخبري)

- ‌[وقد ينزل العالم بهما منزلة الجاهل]

- ‌[ثم الإسناد منه حقيقة عقلية]

- ‌[ومنه مجاز عقلي]

- ‌[وأقسامه أربعة]

- ‌(أحوال المسند إليه)

- ‌[أما حذفه فللاحتراز عن العبث]

- ‌[وأما ذكره فلكونه إلخ]

- ‌[وأما تعريفه]

- ‌[فبالإضمار 291

- ‌[وأصل الخطاب]

- ‌[وبالعلمية]

- ‌[وبالموصولية]

- ‌[وبالإشارة]

- ‌[وباللام]

- ‌[وقد يفيد الاستغراق]

- ‌[وبالإضافة]

- ‌[وأما تنكيره]

- ‌[وأما وصفه]

- ‌[وأما توكيده]

- ‌[وأما بيانه]

- ‌[وأما الإبدال منه]

- ‌[وأما العطف]

- ‌[وأما الفصل]

- ‌[وأما تقديمه]

- ‌[وإن بنى الفعل على منكر]

- ‌[ومما نرى تقديمه كاللازم]

- ‌[مبحث كلمة كل]

- ‌[وأما تأخيره فلاقتضاء المقام]

- ‌[ويسمى هذا النقل عند علماء المعاني التفاتا]

- ‌[أحوال المسند أما تركه فلما مر]

- ‌[وأما ذكره فلما مر]

- ‌[وأما إفراده فلكونه غير سبب]

- ‌[وأما كونه فعلا فللتقييد بأحد الأزمنة الثلاثة]

- ‌[وأما كونه اسما فلإفادة عدمهما]

- ‌[وأما تقييد الفعل بمفعول ونحوه وأما تركه فللمانع منهما]

- ‌[وأما تقييده بالشرط]

- ‌[وأما تنكيره فلإرادة عدم الحاصر والعهد]

- ‌[وأما تخصيصه بالإضافة أو الوصف فلكون الفائدة أتم]

- ‌[وأما تعريفه فلإفادة السامع حكما]

- ‌(أحوال متعلقات الفعل)

- ‌[الحذف وأغراضه]

- ‌[أنواع القصر]

- ‌[شروط قصر الموصوف على الصفة]

- ‌(الإنشاء)

- ‌[أنواعه]

- ‌[من أنواع الطلب]

الفصل: ‌(الفن الأول: علم المعاني)

(الفن الأول: علم المعاني)

وهكذا أو عدل عما هو الشائع من جعل المعاني ظرفا للألفاظ إشارة إلى أنه ليس هاهنا لفظ خرج عن إفادة هذا المعنى لما قصد من إفادة أن العلم ليس أوسع من الفن كما هو شأن الظرف، بل كما لم يخرج لفظ من الفن عن بيان العلم، لم يخرج شيء من العلم عن الفن، فاختار للمبالغة فيه ما لا أبلغ منه، وهو دعوى العينية، والبعد عن الاثنينية، وبما عرفت أن الفن عبارة عن الألفاظ المخصوصة، وحمل علم المعاني عليه لدعوى الاتحاد لغرض ما اندفع ما يقال أن الفن باعتبار عهديته عين علم المعاني، فالحمل عليه لغو، واندفع أيضا أن العلم سابقا علم بعنوان علم المعاني دون الفن، وما هو معلوم أحق بالموضوعية، والأنسب بالمحمولية ما فيه شائبة المجهولية، وإنما صار علم المعاني أول لأنه متعلق بترتيب المعاني، والبيان متعلق بما يفيد المعاني المرتبة من الكلام المختلف وضوحا، وخفاء في المرام، والبديع لتزيين هذا الكلام، ولا يخفي ما فيه من الترتيب المقتضي لهذا النظام من غير حاجة إلى جعل البيان من المعاني بمنزلة المركب من المفرد، لمزيد اعتبار في البيان، وهو إيراد المعاني المرتبة في طرق مختلفة، فقد زيد على ترتيب المعاني المعتبر في علم المعاني الاختلاف في الوضوح، كما اعتبره السكاكي وتبعه الشارح المحقق والسيد السند، وإنما عرف أولا قبل الشروع في مقاصده لحفظ القاصرين عن توهم اتحاده مع الفن. قال الشارح المحقق: ولأن كل علم مدون فهي كثرة تضبطها جهة وحدة باعتبارها تعد علما واحدا تفرد بالتدوين، فمن حاول تحصيلها فعليه أن يعرفها بتلك الجهة لئلا يفوته ما يعنيه، ولا يضيع وقته فيما لا يعنيه، وهذا خلاف ما حقق أن جهة وحدة إفرد العلم بها بالتدوين، وصارت المسائل الكثيرة لأجلها علما واحدا هو الموضوع، فالأولى أن يقال: كل علم، فهي كثرة تضبطها جهة واحدة، ومن حاول تحصيل كثرة تضبطها جهة وحدة فعليه أن يعرفها بتلك الجهة.

ص: 199

(وهو) أي علم المعاني (علم)(1) أسماء العلوم المدونة نحو المعاني يطلق على إدراك القواعد عن دليل حتى لو أدركها أحد تقليدا لا يقال له عالم؛ بل حاك، ذكره السيد السند في شرح المفتاح، وقد يطلق على معلوماتها التي هي القواعد؛ لكن إذا علمت عن دليل وإن أطلقوا، وعلى الملكة الحاصلة من إدراك القواعد مرة بعد أخرى، أعني ملكة استحضارها، متى أريد؛ لكن إذا كانت ملكة إدراك عن دليل كما لا يخفى، وكذلك لفظ العلم يطلق على المعاني الثلاثة، لكن حقق السيد السند أنه في الإدراك حقيقة، وفي الملكة التي هي تابع الإدراك في الحصول ووسيلة إليه في البقاء، وفي متعلق الإدراك الذي هو المسائل إما حقيقة عرفية أو اصطلاحية، أو مجاز مشهور، وفي كونه حقيقة في الإدراك نظر؛ لأن المراد به الإدراك عن دليل لا الإدراك مطلقا، حتى يكون حقيقة، وبالجملة التعريف يحتمل أن يكون للمعاني بأي معنى يؤخذ فيحمل العلم على معنى يناسبه، ولا يوجب تحير المخاطب في المراد؛ لأنه إذا علم المخاطب أن كل اسم للعلم المدون يطلق على المعاني الثلاثة وكذا لفظ العلم، وأبهم المتكلم اللفظ ليحمله على أي معنى شاء، فيختار أي معنى يريد أن يعرفه بالمعرف، ويحمل بقرينة العلم عليه وفيه، والشارح المحقق اختار حمله على الملكة، وجوز حمله على المسائل، مع أن قول المصنف: وينحصر في ثمانية أبواب يستدعي بظاهر الحمل على المسائل، وجعل السيد السند وجه تجويزهما دون الحمل على الإدراك فإنه لا بد فيه من تقدير أي علم بقواعد، وزيفه بأن الحمل على الإدراك أيضا يرجحه كونه حقيقة هذا، وفي طلب المصدر المتعدي تقدير المفعول بحيث. ألا ترى أنه إذا نزل المتعدي منزلة اللازم استغنى عن تقدير المفعول مثلا: إذا جعل يعطي بمعنى يوقع الإعطاء لا يحتاج إلى تقدير المتعلق؟ فلو استدعى المصدر تقدير المفعول لاستدعى الإعطاء المعتبر في يعطي! نعم ما ذكره الشارح ما يخالف قصد المصنف فإنه قال في الإيضاح (2): قيل: (يعرف به أحوال اللفظ العربي التي بها

ص: 200

يطابق اللفظ مقتضى الحال) دون يعلم رعاية لما اعتبره بعض الفضلاء من تخصيص العلم بالكليات والمعرفة بالجزئيات، يريد تخصيص العلم بتصور الكلي والتصديق بحاله تخصيص المعرفة بتصور الجزئي والتصديق بحاله، فإنه ظاهر في أنه أراد بالعلم إدراك الكلي، وبالمعرفة إدراك الجزئي، ومن هذا يتبين وجه اختيار يعرف به على بحث فيه عن أحوال اللفظ العربي، لأن المراد الأحوال الجزئية، وهي لا تحمل على اللفظ العربي، ولك أن تفرق بين المعرفة والعلم، وتريد بالعلم الملكة فيكون المعنى ملكة يعلم بها أحوال اللفظ العربي

إلخ، أي ملكة هي مبدأ استحضار العلم بأحوال اللفظ العربي، ولا يخفى أنه كما أدرج في تعريف فصاحة المتكلم الاقتدار ليشمل حالتي النطق وعدمه ينبغي أن يدرج في تعريفات العلوم الثلاثة ليشمل حالتي المعرفة وعدمها فتأمل.

قيل: إن أريد معرفة الجميع فهو محال؛ لأنها غير متناهية، أو البعض الذي لا يمكن تعينها كالثلث والنصف والربع، فهو تعريف لمجهول، أو ما يمكن تعيينه كمسألة أو مسألتين، فالعبارة قاصرة، وقيل أن أريد الكل فلا يكون هذا العلم حاصلا لأحد أو البعض، فيكون حاصلا لكل من عرف مسألة ومن البين أن كلّا من الإيرادين قاصر، ترك فيه بعض الشقوق، يظهر من الإحاطة بهما، وأجيب عنهما بأن المراد معرفة كل واحد يرد على صاحب العلم بالإمكان، ولم يدفع به قصور العبارة، ويمكن أن يجاب بأن المراد معرفة الجميع، واستحالة معرفة الجميع لا ينافي كون العلم سببا لها، كما أن استحالة عدم صفات الواجب لا ينافي سببية عدم الواجب له، وعدم حصول العلم المدون لأحد وهو يتزايد يوما فيوما ليس بممتنع ولا بمستبعد، وتسمية البعض فقيها أو نحويا أو حكيما كناية عن علو شأنه في العلم، بحيث كأنه حصل له الكل، ومما يرد أنه يصدق التعريف على ملكة مسائل العلوم الثلاثة مثلا، فإنه يصدق عليه أنه علم يعرف به أحوال اللفظ العربي، التي بها يطابق اللفظ مقتضى الحال، لا يقال إنها ملكات لا ملكة واحدة؛ لأن كل علم ملكات لأبوابه، بل مسائله ووحدة الملكة ليس أمرا منضبطا يمكن تعيينه، وتحديد العلم به، وليس لك أن تجيب بأن المراد يعرف به لذاته، وما صورته يعرف به لجزئه، لأن كل حال يرد على صاحب الملكة يعرف

ص: 201

بها لجزئها لا لذاتها، نعم لا يبعد أن يقال معرفة جميع الأحوال بها لذاته فخذه جوابا لهذا الاعتبار، وبأن يتكلف، وتريد تعرف به تلك الأحوال فقط، وما ذكرته من الملكة يعرف بها غيرها أيضا، ومما يرد أنه يصدق التعريف على ملكة استحصال العلم من غير أن يحصل مسألة كما إذا حفظ من شواهد المسائل ما يفي باستنباط مسائله، فإنه يصدق عليها أنها ملكة يعرف بها أحوال اللفظ العربي التي بها يطابق اللفظ مقتضى الحال، لا يقال لا يعرف بها بل بمسائل يستحصل بها؛ لأنا نقول فلا يعرف بملكة الاستحضار أيضا، بل بمسائل يستحضر بها، نعم تحتاج المعرفة مع ملكة الاستحصال إلى المبادئ أيضا بخلاف ملكة الاستحضار، لكن هذا الفرق لا تجدى في تصحيح التعريف. ولا يختلجن في وهمك أن ملكة الاستحصال المذكورة علم لأنه لا يقول أحد إن من لم يخطر بباله مسألة قط هو عالم بالعلم، إنما الكلام في أن ملكة استحضار أكثر المسائل مع ملكة استحصال الباقي هل هو العلم أم لا؟ من أراد أن يكون إطلاق الفقيه على الأئمة حقيقة مع عجزهم عن جواب بعض الفتاوي التزم ذلك، وأما على ما سلكنا من أن الإطلاق مجازي فلا نلتزمه، وجوابه أن العلم بمعنى الاستحضار لا الملكة المطلقة كما فصلناه فملكة الاستحصال خارجة من قوله علم، والمراد بأحوال اللفظ الأمور العارضة له المتغيرة كما يقتضيه لفظ الحال من التقديم والتأخير، والتعريف والتنكير، وغير ذلك، وموضوع العلم ليس مطلق اللفظ العربي، كما توهمه العبارة؛ بل الكلام من حيث إنه يفيد زوائد المعاني، فلو قال أحوال الكلام العربي لكان أوفق، إلا أنه راعى أن أكثر تلك الأحوال من عوارض أجزاء الكلام بالذات وإن صاحب المعاني يرجعه إلى الكلام، فاختار اللفظ ليكون صحيحا في بادئ الرأي، إلا أنه يخدشه أحوال الإسناد، فتأمل.

وقد نبه بتقييد اللفظ بالعربي وإطلاقه في قوله: يطابق اللفظ، على أن تخصيص البحث باللفظ العربي مجرد اصطلاح، وإلا فيطابق بها مطلق اللفظ مقتضى الحال، وبها يرتفع شأن كل مقال ولهذا لم يضمر فاعل المطابقة، فاتجه أن الأحوال الشاملة لغير اللفظ العربي كيف يكون من الأحوال التي يبحث في العلم، ولا يبحث فيه إلا عن الأعراض الذاتية؟ ولا يندفع إلا بما ذكره الشارح

ص: 202

المحقق في بعض تصانيفه من أن اشتراط البحث عن الأعراض الذاتية إنما هو عند الفلسفي، وأما أرباب تدوين العربية فربما لا يتم في علومهم هذا إلا بمزيد تكلف، والمراد بقوله التي بها يطابق اللفظ مقتضى الحال ما قدمناه، فلا نعيده فتذكر.

واحترز به عن الأحوال التي ليست بهذه الصفة؛ كالإعلال والإدغام، والرفع والنصب، وما أشبه ذلك من المحسنات البديعية، فإن بعضها مما تقدم على المطابقة لمقتضى الحال، وبعضها مما تأخر، ولا بد من اعتبار قيد الحيثية أي التي بها يطابق اللفظ مقتضى الحال من حيث هي كذلك، ليتم أمر الاحتراز به وإلا لدخل فيه بعض المحسنات والأحوال النحوية، والبيانية، التي ربما يقتضيه الحال، فإن الحال ربما يقتضي تقديما أو تأخيرا يبحث عنه النحوي، وربما يقتضي السجع وغيره، وربما يقتضي إيراد المجاز والتشبيه، فلولا قيد الحيثية لدخلت هذه الأمور التي تعلقت بعلوم أخر في المعاني، لكن الواضح في الإشعار بالحيثية تعليق الحكم بالمشتق ثم بالموصول الذي صلته مشتقة، وإشعار الموصوف بهذا الموصول بقيد الحيثية خفى، ولذا قال الشارح المحقق: وفي وصف الأحوال بقوله التي بها يطابق اللفظ مقتضى الحال قرينة خفية على اعتبار الحيثية، وأما قوله: ولولا اعتبارها يلزم أن يكون علم المعاني عبارة عن تصور هذه الأحوال، أو التصديق بوجودها، إذ لا يفهم من معرفة الشيء إلا هذا، ففيه أن قولهم العلم إدراك المركب، والمعرفة إدراك البسيط يشتمل تصور البسيط والمركب، والتصديق المتعلق بهما مطلقا، والعلم في التعريف إما بمعنى الملكة أو المسائل، أو التصديقات بها، فكيف يكون تصور هذه الأحوال والتصديق بوجود هذه الأحوال الجزئية داخلين فيه؟ وإنما يختل التعريف لأنه يلزم أن يكون علم المعاني ملكة أو تصديقات بمسائل، أو مسائل يعرف بها هذه الأحوال أو وجودها! ! وظاهر أنه ليس كذلك. وقد عرف صاحب المفتاح المعاني بأنه تتبع خواص تراكيب الكلام في الإفادة، وما يتصل بها من الاستحسان وغيره، ليحترز بالوقوف عليها عن الخطأ في تطبيق الكلام على ما يقتضي الحال ذكره، وعدل المصنف عنه إلى ما هو أخصر منه وأوضح كما لا يخفى، ولأنه تعريف بالمباين، إذ التتبع ليس بعلم، ولا صادق عليه، كما اعترض به في الإيضاح، وما أجاب به

ص: 203

القوم عنه من أن المراد بالتتبع المعرفة على إطلاق السبب، وإرادة ما هو مسببة، تنبيها على أن المعاني تلك المعرفة دون معرفة الله، ومعرفة العرب على ما قيل ودون المعرفة بالتقليد، كما نقول يرده أنه يأبى عن إرادة المعرفة بالتتبع قوله:

ليحترز بالوقوف عليها، إذ اللائق حينئذ ليحترز به، وأنه ليس المعاني معرفة الخواص المذكورة بالتتبع، لأنه التصديق بالقواعد لا معرفة الخواص الجزئية، لأنها المتبادر من معرفة الخواص بالتتبع والحمل على معرفتهما إجمالا بعد المعرفة الحاصلة بتتبع جزئيات الخواص، تجاوز عن الحد في التكلف، وليس من جهات العدول كما ظنه الشارح المحقق أن العلم بتعريفه يوجب الدور، وإن اعترض به المصنف في الإيضاح، حيث قال: فسر التراكيب بتراكيب البلغاء، فمعرفة التراكيب في تعريفه تتوقف على معرفة البليغ المتوقفة على معرفة بلاغة المتكلم، وقد عرفها في كتابه بأنه بلوغ المتكلم في تأدية المعاني حدّا له اختصاص بتوفية خواص التراكيب حقها، وإيراد أنواع التشبيه والمجاز والكناية على وجهها، فإن أراد بالتراكيب تراكيب البلغاء- وهو ظاهر- فقد جاء الدور وإن أراد غيرها فلم يبينه، هذا لأن هذا الاعتراض لا يتجه على تعريفه، ولو ذكره المصنف في كتابه لأنه عرف فيه بلاغة المتكلم بما لا يتوقف معرفته على معرفة المتكلم البليغ، لكن نعم الجواب ما أصابه الشارح حيث قال: المراد بالتراكيب تراكيب ذلك المتكلم، كأنه قال: بلاغة المتكلم أن يكون بحيث يورد كل تركيب له في المورد الذي يليق به المقام، فمعنى توفية خواص التراكيب حقها أن يورد كل كلام موافقا لمقتضى الحال، وقوله في تأدية المعاني وتوفية خواص التراكيب حقها وإيراد أنواع التشبيه والمجاز والكناية على وجهها ناظر إلى هذا القصد، ولهذا بالغ في ظهور هذا المعنى حيث قال: لا يفهم إلا هذا، فالمناقشة بأنه يمكن أن يراد بلوغه في تأدية المعاني حدّا له اختصاص بتوفية مثل خواص تراكيب البلغاء حقها وإيراد أنواع التشبيه والمجاز والكناية على وجهها ليس على سنن التوجيه، وإن وقع عن السيد السند الشريف التنبيه. وأما ما اعترض به على الشارح من أنه لم يعرف لتراكيب هذا المتكلم خواص حتى يضاف إليها، وحكم بسببه على هذا الجواب فإنه ليس بشيء فدفعه أن الخاصة هي الداعية إلى خصوصية مفيدة زائدة على أصل المعنى،

ص: 204

وإضافتها إلى تراكيب المتكلم لا يستدعى معرفة خواص لها، نعم يتجه أن تعريف بلاغة المتكلم يستلزم الدور، لأن السكاكي عرف الخاصة بما أخذ فيه البليغ، والعجب أنهم احتاجوا في إثبات الدور إلى الترديد في التراكيب، ولم يلتفتوا إلى ما ذكره في الخاصية، ولما انجر الكلام إلى إيراد تعريف السكاكي فلا نري بدا من شرح قوله، وما يتصل بها من الاستحسان وغيره، فإنه مما استصعب جلة الأقوام وزل فيه الأقدام، ولم يترشح حق بيانه من الأقلام، فإن الشارحين جمهورهم ذهبوا إلى أن المراد بالاستحسان المحسنات البديعية وبغيره الاستهجان الذي وقع منهم هفوة أو لاستعمالهم المستهجنات في الأضاحيك، والهجويات، فذكر المحسنات البديعية في تعريف المعاني، وأشار بذكر الاتصال إلى أنها خارجة من المعاني ملحقة بالخواص في التزيين، إلا أن تزيينها عرضي، وتزيين الخواص ذاتي، ولا يخفى أنه إفساد للتعريف، لأنه لا مدخل له في الاحتراز عن الخطأ في تطبيق الكلام على ما يقتضي الحال ذكره، ولا يفهم من ذكر الاتصال أنه خارج من المعاني؛ فإن معلومات علم قد يتصل بعضها ببعض فذكره في التعريف إفساد للتعريف، لأنه يفيد دخولها في معلومات المعاني.

والسيد السند ذهب إلى أن ضمير وما يتصل بها إلى التراكيب أي يتبع ما يتصل بالتراكيب من معرفة أن اشتمالها على الخواص هل يستحسن أو يستهجن؛ إذ التركيب المؤكد مثلا قد يستحسن من متكلم في مقام فيحمل على أنه قصد ما يقتضيه، ولا يستحسن من آخر في ذلك المقام لسوء ظن به، فلا يحمل على قصده بل على أن صدوره منه اتفاقي، وكذا حال المخاطب، وقد صرح بذلك المفتاح حيث قال: ومن متممات البلاغة ما قد سبق لي أن نظم الكلام إذا استحسن من بليغ لا يمتنع، أن لا يستحسن مثله من غير البليغ، وإن اتحد المقام، بل لا بد لحسن الكلام من انطباق له على ما لأجله يساق، ومن صاحب له عراف بجهات الحسن لا يتخطاها، ولا بد مع ذلك من إذن لافتنانات الكلام مصوغة، فظهر أنه لا بد لصاحب المعاني مع معرفة الخواص من معرفة كون التراكيب مستحسنة وغير مستحسنة، ليتمكن من إيراد تراكيبه منطبقة على ما ساقها لأجله، ولا مستحسنة في مواقعها، ومن حمل كل تركيب

ص: 205

يرد عليه على ما يليق بحال المتكلم، فإن البلغاء أيضا على درجات متفاوتة، فربما يستحسن كلام في مقام من بليغ فيحمل على دقائق جمة، ولا يستحسن مثله في ذلك المقام من آخر دونه في البلاغة، فلا يحمل عليها بل على ما يناسب منها مرتبته، والأوجه أن مراده بالخواص ما تعين كونه خواص لا يتجاوزها، كالتأكيد والذكر والحذف، وبما يتصل بها من الاستحسان المحسنات البديعية، وبغيره المجازات والكنايات، فإنها قد تصير مقتضيات الأحوال، فلا بد من معرفة كونها خواص في تلك الأوقات، لئلا يقع المتكلم في الخطأ فإنما قد يكون خاصة، وقد لا يكون أكثر إيقاعا في الخطأ، وأن المراد بما يتصل بها من الاستحسان المحسنات البديعية، وبغيره الاستهجان الواقع هفوة أو قصدا، لكن وجوب تتبعها ليتميز عن الخواص ولا تقع في الغلط لتناسبها بها بناء على وقوعها في كلام البلغاء.

ومما لا بد من التنبيه عليه أن المصنف أطلق مقتضى الحال، والمفتاح قيده بمقتضى حال يقتضي ما يفتقر المتكلم في تأديته إلى أزيد من دلالات وضعية، لأن المعاني دون الاحتراز عن الخطأ في تطبيق الكلام على ما يقتضي الحال ذكره، ولا يعرض خطأ لمن له أدنى تمييز في إلقاء الكلام المقتصر على الدلالات الوضعية حين يخاطب من لا خط له في أزيد من الدلالات الوضعية فضلا عمن له فضل تميز، فتطبيق هذا الكلام على ما يقتضي الحال ذكره من التجريد عن الزوائد ليس من مباحث المعاني، لاستغنائه عنه، ويحتمل أن يكون ذلك مخالفة منه معه بناء على أن ما يحتاج إلى تنبيه للقاصر ربما يجعل من الفن.

(وينحصر) قال في الإيضاح (1): المقصود من علم المعاني منحصر (في ثمانية أبواب) يريد انحصار الكل في أجزائه لا الكلي في جزيئاته، وإلا لصدق علم المعاني على كل باب، واعترض عليه الشارح المحقق بأن ظاهر هذا الكلام مشعر بأن العلم عبارة عن نفس القواعد لأن تلك الأبواب إنما هي المسائل وليست أجزاء للملكة، وبأن تعريف وبيان الانحصار والتنبيه الآتي خارجة عن المقصود، ولا يخفى أن كون العلم عبارة عن المسائل يوجب خروج هذه الأمور عن العلم لا عن المقصود من العلم لأنها ليست مسائل فلا حاجة لإخراجها إلى درج المقصود، هذا

(1) انظر الإيضاح ص 15 «بتحقيقنا» .

ص: 206

كلامه مع تنقيح وتحرير.

ونحن نقول: أدرج المصنف لفظ المقصود لجعله الضمير إلى الفن لأنه المنحصر في الأبواب التي هي الألفاظ والعبارات بحسب الظاهر، فكأنه قال: وينحصر المقصود من الفن من علم المعاني، فقوله من علم المعاني بيان المقصود؛ لا صلته، وبعد كون الضمير كناية عن الفن لا بد لإخراج الأمور الثلاثة من درج المقصود، وجعل الضمير إلى علم المعاني بمعنى الملكة، وجعل قوله من المعاني صلة المقصود، أي ينحصر المقصود من الملكة في ثمانية أبواب، وهو المسائل؛ لأن الملكة وسيلة بقائها. أو جعله إلى المعاني بمعنى المسائل، وجعل قوله من المعاني صلة المقصود أي ينحصر المقصود من المعاني التي هي المسائل في ثمانية أبواب، وجعل درج المقصود لإخراج ما لم يخرج من القوة من مسائل العلم، وهو غير الأبواب الثمانية، لاحتمال أن يكون مما لم يخرج باب آخر؛ لكنه ما لم يخرج ليس مقصودا بالبيان تكلف، وكما أن المحصور هو المقصود من الفن المحصور فيه أيضا هو المقصود من الأبواب الثمانية، وإلا فالأبواب مشتملة على الشواهد والأمثلة والاعتراضات. وبعد دعوى أن العلم منحصرة في ثمانية أبواب ذكرها على سبيل التعداد ليرفع الحاسب حسبانها كما هو طريقة معرفة مرتبة العدد، ولأنه لو لم يذكر على سبيل التعداد لوجب العطف والتبس الإيجاز والإطناب والمساواة، ولم يعلم أنها باب واحد، كالفصل والوصل، وتوهم أن الثمانية في التعداد صارت أحد عشر، فقال:

(أحوال الإسناد الخبري، أحوال المسند إليه، أحوال المسند، أحوال متعلقات الفعل، القصر، الإنشاء، الفصل والوصل، الإيجاز والإطناب والمساواة) بقي أن المذكورات على سبيل التعداد مبنيات على السكون فكيف يتكلم بأحوال الإسناد الخبري وظني أنه يتكلم بكسر اللام في الأحوال لأنه ساكن لاقي لام التعريف فيجب تحريكه بالكسر، وبهذا علم أنه ينبغي إسكان ما ليس بمضاف، ولا يخفى أن وجه عطف الوصل كالإطناب والمساواة على ما هو مذكور على سبيل التعداد أيضا مشكل؛ وإنما انحصر فيها (لأن الكلام إما خبر أو إنشاء) قال الشارح المحقق: لأنه لا محالة يشتمل على نسبة تامة بين الطرفين قائمة

ص: 207

بنفس المتكلم، وفصلها في حواشي هذا المقام، حيث قال بمعنى أنها صفة موجودة فيها وجودا متأصلا، كالعلم والإرادة ونحو ذلك لا بمعنى أنها معقولة حاصلة صورتها عندها، للقطع بأن الموجود في نفس المتكلم، إذا قال: صلوا هو طلب الصلاة وإيجابها لا صورة ذلك، كصورة السماء عند تعقلها، ولذا صح اتصاف النفس بأنها طالبة. هذا وفيه أن النسبة باعتبار تحققها الأصيل قائمة بالطرفين لا بالنفس؛ لأنها كما صرح بها هاهنا تعلق أحد جزئي الكلام بالآخر بحيث يصح السكوت عليه، وكأنه أراد بالنسبة ما يتعلق بالنسبة من الطلب والحكم، ومن فسر النسبة بوقوع النسبة أو لا وقوعها فقد خرج عن مفهوم التقسيم لما ذكره الشارح من أنه لا يتناول التقسيم بظاهره الإنشاء؛ لأنه لا يصدق عليه أنه ليس لنسبته خارج، لأنه ليس له نسبة بمعنى الوقوع واللاوقوع، ومفهوم العبارة أنه له بنسبة بهذا المعنى وليس له خارج يطابقه، أو لا يطابقه ولما نقول من أن إضافة النسبة إلى الضمير للعهد أي لنسبته المعهودة وهي النسبة المعتبرة في الكلام فإذا لم يكن للإنشاء نسبة لا يصح إضافة النسبة إليه إلا إذا لم يعتبر عهديتها فيكون خروجا عن مفهوم العبارة بلا جهة.

(لأنه إن كان لنسبته خارج) يتبادر إلى الأوهام أن كل نسبة إنشائية كانت أو خبرية لها خارج؛ لأن نسبة أضرب مثلا ثبوت الضرب للمخاطب، وله خارج هو ثبوت الضرب له، أو عدم ثبوته له؛ لأن الواقع يستحيل أن يخلو عنهما، فالنسبة الخبرية لا تتميز عن الإنشائية بأن لها خارجا دون الإنشائية فلذا قال:

(يطابقه أو لا يطابقه) وفيه أن النسبة التي لها خارج ليس يمكن أن يخرج عن المطابقة واللامطابقة، ولذا نفي بعض ما اشتهر من اختصاص الصدق والكذب بالخبر كاختصاص احتمالهما به، وقال: يا زيد الإنسان صادق، ويا زيد الفرس كاذب، ويا زيد الفاضل محتمل، فلدفعه فسرهما الشارح المحقق في المختصر بقصد المطابقة واللامطابقة، فالإنشاء وإن كان لنسبته خارج يطابقه أو لا يطابقه لكن لا يقصدان بالإنشاء بخلاف الخبر. وفيه بحث؛ لأنه لا خبر يقصد به عدم مطابقة نسبته لأن وضع الخبر للمطابقة، وإنما عدم المطابقة احتمال عقلي، فإن قلت هذا إذا أريد بالنسبة الوقوع أو اللاوقوع فإن القصد أبدا إلى مطابقتهما، أما

ص: 208

إذا أريد ثبوت أمر لأمر مثلا ففي الموجبة يقصد وقوعها، أي مطابقتها للخارج، وفي السلب يقصد لا وقوعها أي عدم مطابقتها للواقع، فمعنى زيد قائم أن ثبوت القيام لزيد واقع، والقصد في زيد ليس بقائم، إلى أن الثبوت المذكور لزيد غير واقع! قلت: هذا كلام حق حقيق بأن يتمسك به، لكن الشارح المحقق جعل اللامطابقة إيماء إلى الكذب، وهو حينئذ لا يتم فالتحقيق الذي يعطيه الفكر العميق، والذكاء الدقيق، إن النسبة التي له خارج هي التي تكون حاكية عن نسبة، فمعنى ثبوت الخارج له لكونه محكيها، ونسب الإنشاءات ليست حاكية، بل محضرة ليطلب وجودها أو عدمها، أو معرفتها، أو يتحسر على فوتها، إلى غير ذلك، وكذا نسب التقييدات ليست حاكية، بل محضرة لتعين به ذات، ومعنى مطابقتها للخارج أن يكون حكايتها على ما هو عليه، فلا خارج للإنشاء، فقوله يطابقه أو لا يطابقه لمجرد الإشارة إلى قسمتها إلى الصادقة والكاذبة، وبها صار بحث الصدق والكذب مسمى بالتنبيه، فالكلام إن كان لنسبته خارج.

(فخبر وإلا فإنشاء) والخبر يكون بمعنى الإخبار، وهو أيضا يقابل الإنشاء، لكن بالمعنى المصدري (والخبر لا بد له من مسند إليه ومسند وإسناد) لو قال:

لا بد له من إسناد ومسند إليه ومسند (والمسند قد يكون له متعلقات إذا كان فعلا) لكان أولى من وجهين لا يختفيان عن مثلك، وتخصيص المتعلقات بالمسند مع أن في قولنا: الضارب زيدا جاءني، متعلق المسند إليه، حيث قيد المسند إليه بالمفعول، لأنه متعلق لمسند الصلة المتعلقة بالمسند إليه، وفيه أن الكلام في أجزاء الخبر وذلك المتعلق ليس متعلق مسند الخبر؛ لأن الصلة ليست خبرا وإن كانت جملة؛ لأن كل جملة غير إنشائية ليست خبرا؛ بل متعلق المسند إليه للخبر. قال المحققان في شرحي المفتاح: أدرج المصنف أحوال متعلقات المسند والمسند إليه في فنهما لكونهما بمنزلة الأجزاء لهما وإخبار قوله: (أو في معناه)(1) على قوله أو معناه ليشمل المشتقات المتصلة بالفعل من غير خفاء، إذ ما في معنى الفعل صريح في كل ما يؤدي معناه، بخلاف معنى الفعل؛ فإن الاصطلاح على

(1) يريد بالمتصل بالفعل: اسم الفاعل واسم المفعول، ويريد بما في معنى الفعل: المصدر؛ لأنه يدل على الحدث كالفعل.

ص: 209

أنه ما يؤدي معنى الفعل، وليس من تركيبه، وما هو من تركيبه شبه الفعل.

قال الشارح المحقق: ولا جهة لتخصيصه بالخبر؛ لأن الإنشاء أيضا لا بد له مما ذكره، وقد يكون لمسنده أيضا متعلقات، هذا وفيه أن انتفاء الاختصاص لا ينفي جهة التخصيص؛ إذ بمشترك يخص في البيان ببعض لنكتة، والنكتة هنا أن القوم بحثوا عن المسند إليه والمسند الخبريين، وكذا عن متعلقات الفعل والقصر، وتركوا الإنشائيات على المقايسة، ولذا قدموا هذه الأبواب على الإنشاء، وإنما فعلوا كذلك لأن الخبر أكثر، ومزاياه أوفر. على أن بعض المحققين على أنه لا إنشاء إلا وهو في الأصل خبر، صار إنشاء بنقل أو حذف كما في أضرب، فإن أصله تضرب، أو بزيادة كما في ليضرب ولا يضرب إلى غير ذلك.

(وكل من الإسناد والتعلق إما بقصر) للمسند إليه على المسند، أو العكس، أو للفعل، أو ما في معناه على المتعلق أو العكس (أو بغير قصر وكل جملة قرنت بأخرى إما معطوفة أو غير معطوفة) يتناول الجمل الحالية المتداخلة نحو: جاء زيد يركب يسرع، على أن يكون يسرع حالا من ضمير يركب، مع أنها ليست من الوصل والفصل في شيء فالأولى، وكل جملة قرنت بأخرى إما معطوفة أو متروكة العطف، وحينئذ لا يلزم دخول أمثال هذه الصورة في باب الفصل والوصل؛ لكن ينتقض الحصر بها، ولا بد لتصحيحه من تقييد كل جملة قرنت بأخرى، بأن يكون مما يقبل العطف في أداء أصل المعنى، ولا يخفى أنه لا يتناول ترتيب باب الفصل والوصل، إلا أن يقال: إنه من باب متعلقات الفعل، ذكر في باب الفصل والوصل لمزيد مناسبة له به.

(والكلام البليغ إما زائد على أصل المراد لفائدة) قال الشارح المحقق:

احتراز عن التطويل أقول: وعن الحشو أيضا، وقال: ولم يحترز عن التطويل إذ لا حاجة إليه بعد تقييد الكلام بالبليغ، وفيه بحث؛ إذ بلاغة الكلام مطابقته لمقتضى الحال في الجملة، أو لكل ما يقتضيه الحال على ما استوفى بيانه، ولا يلزم منه أن لا يكون في الكلام ما لا يقتضيه الحال، نعم لا فائدة في تقييد الكلام بالبليغ؛ لأن الزيادة لفائدة إطناب سواء كان في الكلام البليغ أو لا، ولا يبعد أن يقال: يستفاد من تقييد الزيادة بكونه على أصل المراد أنه لا يكون زائدا على

ص: 210

المراد، فيكون لفائدة؛ لأن الزائد على المراد زائد على أصله، أو غير ذلك يتبادر منه، أو غير زائد على أصل المراد لفائدة، ويستلزم دخول التطويل والحشو في المساواة والإيجاز، فينبغي أن يقول: أو غير زائد على أصل المراد أصلا، وينبغي أن يقيد أيضا بكونه لفائدة؛ لأن عدم الزيادة إما بالمساواة أو بكون اللفظ أقل من المعنى، وكل منهما لا بد أن يكون في الكلام البليغ لفائدة ومقتض، وإنما لم يفصل غير الزائد بالمساواة والإيجاز لأن تحصيل الباب الثامن لا يتوقف عليه، ولا يخفى أن بيان الإيجاز والإطناب على ما ذكره لا يتناول الإيجاز والإطناب باعتبار قلة الحروف وكثرتها، وبما ذكره المصنف لا تتميز مسائل باب القصر عن مسائل أحوال المسند إليه، وأحوال المسند، وأحوال متعلقات الفعل؛ لأنه من تلك الأحوال لا تخرج عنها، والإيجاز والإطناب والمساواة عن أحوال الإسناد والمسند والمسند إليه ومتعلقات الفعل؛ لأن تأكيد الجملة هو الزائد على أصل المراد لفائدة، وحذف المسند إليه أو المسند أو متعلق الفعل إيجاز. إلا أن يقيد أحوال المسند إليه مثلا بما سوى القصر مثلا، قال الشارح المحقق: ما ذكره في وجه الحصر لا طائل تحته، بل ذكر ما لا يعنيه، وقد فاته ما يعنيه، وهو بيان أنه لماذا أفرد كلا من أقسام الأحوال بباب، وكيف خالف المفتاح في جعل القصر بابا على حدة، وجعل الإيجاز والإطناب والمساوة بابا على حدة، غير منضم مع الفصل والوصل، فالأقرب أن يقال: اللفظ إما جملة أو مفرد، فأحوال الجملة هي الباب الأول، والمفرد إما عمدة أو فضلة، والعمدة إما مسند إليه أو مسند، فجعل أحوال هذه الثلاثة أبوابا ثلاثة تمييزا بين الفضلة والعمدة المسند إليه، والمسند. ثم لما كان من هذه الأحوال ما له مزيد غموض وكثرة أبحاث وتعدد طرق وهو القصر أفرد بابا خامسا، وكذا من أحوال الجملة ما له مزيد شرف، ولهم به زيادة اهتمام، وهو الفصل والوصل، فجعل بابا سادسا، وإلا فهو من أحوال الجملة، ولذا لم يقل أحوال القصر، أحوال الفصل والوصل، ولما كان من هذه الأحوال ما لم يختص مفردا ولا جملة بل يجري فيهما، وكان له شيوع وتفاريع كثيرة، جعل بابا سابعا، وهذه كلها أحوال مشتركة بين الخبر والإنشاء، ولما كان هنا أبحاث راجعة إلى الإنشاء خاصة جعل الإنشاء بابا ثامنا،

ص: 211

ولا يخفى أن وجه التبويب على الثمانية لا يتم ما لا يبين عدم استحقاق أقسام الفضلات، يميز كل منها بباب، وأنه يستحق قسما العمدة التمييز بينهما به، وأن النسبة التي بين بين ليس لها أحوال، وأن الخبر ليس له أبحاث راجعة إليه، خاصة كالإنشاء، أو يكون لكن لقلتها لم يستحق أن يجعل بابا مستقلّا، وأن ما ذكره من أن لا طائل من تحت ما ذكره فيه أن مقصود منه بيان أن ما استخرج من الفن لا يزيد على الأبواب الثمانية وكفى به فائدة.

(تنبيه) التنبيه ربما يستعمل في بيان البديهي، وربما يستعمل في بيان الشيء قصدا بعد سبقه ضمنا على وجه لو توجه السامع الفطن بكليته لعرفه، لكن لكونه ضمنيّا ربما يغفل عنه، وله في هذا المقام نصيب من كلا الشربين سواء جعل المنبه عليه مفهوم الصدق والكذب، أو انحصار الخبر في الصادق والكاذب على الوجه المشهور، أو أن الصدق والكذب ما هو المشهور دون الأخيرين إذ في قوله سابقا تحصيل مفهوم مطابقة الخبر للخارج، وعدمه، فالتعريف تنبيهي لأنه لإحضار ما حصل لا لتحصيل صورة، وكذلك علم انقسامه إلى القسمين، وأن الصدق مطابقة الخبر للخارج والكذب عدمها، كما هو المشهور حيث فصل بالصادق والكاذب على طبق المشهور، ومن الواضح البين أن تلك الثلاثة بديهية ظاهرة عند من ليس من أهل الكسب، والحمل على الثاني أنجع، وما يحصل منه أنفع، كيف وهو يدفع شبهة الدور على تعريف الخبر بما يحتمل الصدق والكذب مع أن الصدق معرف لمطابقة الخبر الواقع؟ ! وأحسن الأجوبة أن الصدق والكذب بديهيا التصور، وأن يجاب أيضا بأن الصدق المعرف للخبر هو صفة المتكلم، وهو الإعلام الشيء على ما هو عليه، والمعرف بالخبر ما هو صفته. وأجاب الشارح المحقق بأن الخبر المعرف به الصدق بمعنى الإخبار، فإنه قيل: الصدق هو الخبر عن الشيء على ما هو به، فلولا أن الخبر بمعنى الإخبار لم يتعد بعن، وبأن الصدق المعرف به الخبر صفة الكلام بمعنى مطابقة الكلام للواقع، وما عرف بالخبر صفة المتكلم، ولا يخفى أنه يكفي في الجواب أن الصدق المعرف به الخبر صفة الكلام؛ لأنه حينئذ يتوقف معرفة الخبر على معرفة الصدق المتوقف على معرفة الكلام الذي هو أعم من الخبر، لا على معرفة الخبر، وما ذكره جواب عن

ص: 212