الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[وباللام]
(وباللام) أي: تعريف المسند إليه وإيراده معرفا باللام (للإشارة إلى معهود) أطلق المعهود مع أن نفس الحقيقة في المعرف بلام الجنس أيضا معهود كما يشير إليه قوله: وقد يأتي لواحد باعتبار عهديته في الذهن؛ لأن المعهود تعارف في بعض من مفهوم ما دخل عليه اللام، وقدم لام العهد على لام الحقيقة مع أنه أخره السكاكي؛ لأن المعرف به أعرف؛ ولانقسام لام الحقيقة وكثرة أبحاثه، فلام العهد كالبسيط بالنسبة إليه، ولو أخر لكثر الفصل بين القسمين.
واعلم أنه اشتهر فيما بين النحاة أن لام التعريف يكون للعهد الخارجي ولتعريف الجنس وللعهد الذهني وللاستغراق، فحقق صاحب المفتاح أن لام التعريف للإشارة إلى تعيين حصة من مفهوم مدخوله أو لتعيين نفس المفهوم، والعهد الذهني والاستغراق من أقسام لام تعريف الجنس، ثم ذكر أن الفرق بين تعريف الجنس والعهد بما لا يعود إلى مجرد اصطلاح، وتفرّقه بالتسمية لا يظهر، وهذا لا يحسن، وحقق أن لا فرق بين لام العهد ولام الجنس، إذ كل منهما إشارة إلى معهود غايته أن المعهود في أحدهما الجنس وفي الآخر حصة منه، وجعل أحدهما لام الجنس والآخر لام العهد ليس لتميز يعود إلى مفهوم التعريف بل باعتبار معروض التعيين؛ ولهذا قال أئمة الأصول: حقيقة التعريف العهد لا غير وهذا كلام حق قد خفى على المصنف والشارح المحقق لظنهما به أنه يقول: لا فرق بين القسمين بحسب المفهوم، وتعريف ملتبس بتعريف الحقيقة فردّه المصنف عليه وتبعه الشارح بالفرق بتعيين المراد بلام العهد ولام الحقيقة بأن الأول إشارة إلى حصة من الجنس والثاني إلى نفسه لكن تبعاه في كون لام العهد الذهني ولام الاستغراق داخلين تحت لام الجنس، فلام العهد إشارة إلى معهود أي: مدرك حاضر في ذهن المتكلم والمخاطب؛ إما لذكره سابقا في كلامك أو كلام غيرك صريحا أو غير صريح، وهو العهد التحقيقي وإما لتعينه وكونه معلوما لا محالة حقيقة أو ادعاء لغرض وهو العهد التقديري واحدا كان أو اثنين أو جماعة، لكن الإشارة إلى الجماعة لا لجمع تعريف العهد مع الاستغراق؛ لأن العهد يقتضي قصد الجماعة باللفظ وإشارة اللام إلى تعينها ولام الحقيقة تقتضي الإشارة إلى حضور الجنس، وقصده باللفظ وفهم الجماعة من القرينة ومن خارج اللفظ فما قاله الشارح المحقق
من أنه نبه صاحب المفتاح بتمثيل العهد بقوله تعالى: وَابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ فَجُمِعَ السَّحَرَةُ (1) على أن العموم والعهد يجتمعان ولا يتباينان كما يوهمه جعلهما قسمين إذ المراد بالسحرة جميعهم مزيف كما نبه عليه السيد السند، والذي أرى أن التعريف العهدي لا يكون إشارة إلا إلى واحد من الجنس، فإن المشير إلى اثنين إنما هو التشبيه، والاثنان حصة واحدة من الجنس الذي هو مفهوم التثنية، وهكذا الأكثر من اثنين حصة واحدة من مفهوم الجمع.
واعلم أن المذكور في كلام الشارح المحقق والإيضاح أن لام الجنس ولام الحقيقة بمعنى، والمذكور في حواشي السيد نقلا عن بعض الأفاضل أن لام الحقيقة ولام الطبيعة بمعنى، وهو قسم من لام الجنس يقابل العهد الذهني والاستغراق (نحو وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى (2)) لما فسر قوله تعالى وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى بوجهين:
أحدهما: نفي مساواة الذكر والأنثى في التحرير، وهو مبني على كونه من كلام امرأة عمران وتتمة لتحسرها يعني التحسر على وضعها أنثى وعدم مساواتهما في التحرير، فيا ليتها كانت ذكرا أو يا ليتها تساوي الذكر والأنثى في التحرير، فأجاب الله تمنيها بأن جعل أنثاها مساوية للذكر في التحرير، ولو شاء لجعلها ذكرا وحينئذ اللام فيهما للجنس ولا يصلحان مثالين للام العهد.
وثانيهما: أنه من كلام رب العزة تسلية لها بتبشيرها بأن أنثاها تفضل على الذكر الذي طلبته، احتاج المصنف إلى تفسيره حتى يتضح كونهما مثالين فقال:
(أي الذي طلبت) امرأة عمران وهذا يشعر بأنه جعل الذكر معهودا لتعينه باعتبار طلبها لا باعتبار ذكرها فيكون مثالا للعهد التقديري وقوله: (كالتي وهبت لها) إشارة إلى أنها معهودة باعتبار ذكرها في قولها «رب إني وضعتها أنثى» ؛ لأن ما وضعتها موهوبة الله، ولو قال: كالتي وضعتها لكان أوضح فهي مثال للعهد التحقيقي، ويمكن جعل الذكر معهودا تحقيقيّا بوجوه، منها: ما ذكره الشارح
(1) الشعراء: 37.
(2)
آل عمران: جزء من الآية: 36.
المحقق من أن قوله تعالى: رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً (1) يفيد الذكر؛ لأن التحرير لا يكون إلا للذكر وهو عتق الذكر لخدمة بيت المقدس، ومنها: أن قوله: إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً بتقدير شرط واضح أي:
لو كان ذكرا، ومنها: أن قوله: رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى (2) تحسرا على فوت الذكر فيذكره، لكن ما ذكره المصنف توجيه حسن أليق بهذا المقام تنبهت له- وإن خفى على الفحول الأعلام- والحمد لله على الإنعام بالإلهام.
وجعل الرضى علي وصف المنادي المبهم نحو: يا أيها الرجل وصف اسم الإشارة نحو هذا الرجل للعهد لكونه معلوما البحضور وتبعه الشارح المحقق وفيه تأمل؛ لأن الظاهر أنه لرفع الإبهام ودفع التباس في الإشارة الحسية ببيان الجنس وبه يشعر كلام النحاة فهو لتعريف الجنس، نعم يقع الجنس على حصة متعينة غاية التعين، وفرق بين المقصد بالعبارة وبين انصراف العبارة إليه، قيل ذلك مقيد بما إذا استعمل اسم الإشارة في المشاهد على ما هو وضعه أو ذكر اسم الإشارة على وجه الإهمال لا على وجه كلي أي: اسم الإشارة في الجملة فلا يرد أن اسم الإشارة قد يكون إشارة إلى الجنس الذي جعل وصفا له (أو إلى نفس الحقيقة) ومفهوم المسمى أو المفهوم المجازي فإن لام التعريف كما تدخل على الحقيقة تدخل على المجاز فيقول: الأسد الذي يرمي خير من الأسد المفترس والمراد الإشارة إلى المفهوم سواء اقتصر الحكم على المفهوم أو اقتضى صرفه إلى الفرد فالأول (كقولك: الرجل خير من المرأة) والثاني ما يشير إليه قوله وقد يأتي وقد يفيد، ولا يصح تقييد الحقيقة بما لم تعبر معه قصد الإفراد كما يشعر به كلام الشارح وأن يوهمه التمثيل وإلا فلا يصح جعل العهد الذهني والاستغراق داخلين تحته، وكون جنس الرجل خيرا من جنس المرأة لا ينافي كون شخص مرأة خيرا من شخص رجل فإن العوائق قد يمتنع عما يستعدّه الجنس وقد يكون الإشارة إلى نفس الحقيقة لدعوى اتحاده مع شيء وجعل قوله تعالى: أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وهو الذي قصده جار الله تعالى حيث قال: إن معنى التعريف في (المفلحون)
(1) آل عمران: 35.
(2)
آل عمران: جزء من الآية: 36.
الدلالة على أن المتقين هم الذين حصلت لهم صفة المفلحين وتحققوا ما هم وتصوروا بصورهم الحقيقة فهم لا يعدون تلك الحقيقة، كما تقول لصاحبك: هل عرفت الأسد؟ وما جبل عليه من فرط الإقدام، إن زيدا هو هو، ولا يخفى أنه أبلغ من قصد القصر ادعاء، ووصفه الشيخ في دلائل الإعجاز بنهاية الدقة حتى كأنه يعرف وينكر، ومن وهم من قوله لا يعدون تلك الحقيقة أنه جعله من قصر المسند إليه على المسند فلا يبالي به، وكيف وقد استولى عليه الوهم إلى أن قال:
إنه جعل ضمير الفصل لقصر المسند إليه على المسند ولم يعرف أنه في بيان معنى التعريف، وقد يشار إلى تعيين الجنس من حيث انتسابه إلى المسند إليه فيرجع التعيين إلى الانتساب كما فى بيت حسان:
[ووالدك العبد]
أى: ووالدك المعروف بالعبودية، وظاهر عبارته يشعر بأن لام الجنس إشارة إلى نفس المفهوم من غير زيادة، وذلك لا يقتضى تعريفا فى المفهوم حتى يعد معرفا لحصولها من نفس استعمال اللفظ، ويستدعى أن يجعل تعريف المعرف بلام الجنس تعريفا لفظيا لا يحكم به إلا لضبط أحكام اللفظ من غير حظ للمعنى فيه؛ كما قال بعض محققى النحاة: كل لام تعريف سوى لام العهد لا معنى للتعريف فيها، والناظرون فى المعانى لهم شرب آخر، ولا يلتفتون إلى هذا المورد، ولا ينظرون إلى هذا المحتد، ولا يعتبرون التعريف اللفظى، ولذلك تراهم طووا ذكر علم الجنس بأقسامه فى مقام التعرض للعلم وأحكامه فيجب أن يحمل قوله:«أو إلى نفس الحقيقة» على نفس الحقيقة باعتبار حضورها وتعينها وعهديتها فى الذهن، يرشدك إليه قوله فيما بعد «باعتبار عهديته فى الذهن» فإن قيل لم لم يجعل علم الجنس موضوعا لجوهره لما وضع له المعرف بلام الجنس؟ قلت: لأن اعتبار التعيين الذهنى تكلف إذ ليس نظر أرباب وضع اللفظ إلا على الأمور الخارجية، وذو اللام يدعو إليه لئلا يلغوا اللام، ولا داعى فيه فى نحو أسامة.
قال السكاكى: لا بد فى تعريف الحقيقة من تنزيلها منزلة المعهود بوجه من الوجوه الخطابية إما لكون ذلك الشئ محتاجا إليه على طريق التحقيق أو على طريق التهكم فهو لذلك حاضر فى الذهن، أو لأنه عظيم الخطر معقود به الهمم لذلك على أحد
الطريقين، أو لأنه لا يغيب عن الجنس على أحد الطريقين، وإما لأنه جار على الألسن، كثير الدور فى الكلام على أحد الطريقين.
(وقد يأتى) أى المعرف بلام الحقيقة (واحد) من أفراد مفهومه (باعتبار عهديته) أى: عهدية ذلك المسمى (فى الذهن) لا باعتبار عهدية الواحد أى:
حرف التعريف لتعين المسمى لا الفرد، وقال الشارح: يريد أنه يأتى لواحد باعتبار عهدية ذلك الواحد من حيث إنه متحد مع ما هو معهود فى الذهن فكأنه معهود، ولا يخفى أن إدخال حرف التعليل فى قوله: قد يأتى، وقوله: وقد يفيد يوهمان أن لام الحقيقة من حيث هى هى أكثر منهما وليس الأمر كذلك لأن الحكم على المفهوم من حيث هو هو قلما يكون فى المحاورات، وإن كثر فى العلوم فى المعرفات، وكأنه أتى بكلمة قد للتحقيق إزالة للشك فى ذلك الإتيان؛ لأنه خلاف الأصل، والأصل إرادة المفهوم من حيث هو هو لأنه الموضوع له وإنما يعدل إلى البعض عند قرينة البعضية، وإلى العموم عند قرينة الوجود وعدم قرينة البعضية؛ لأن التخصيص ببعض دون بعض ترجيح بلا مرجح، وإنما قال: وقد يأتي، ولم يقل: وقد يقصد به واحد؛ لأن الواحد غير مقصود باللفظ، وإنما يأتى من القرينة.
(كقولك ادخل السوق) فإن السوق أفاد أن الحقيقة المتحدة المرادة بالمعرف باللام متحدة مع موجود حتى لو أريد الواحد كان اللفظ مجازا بخلاف النكرة، فإنها وإن وضعت للحقيقة المتحدة إلا أنها مع التنوين تفيد الماهية مع وحدة لا بعينها، ويسمى فردا منتشرا ويفهم الواحد منها من حاق اللفظ، واختلف فى وضع اسم الجنس هل هو موضوع للحقيقة المتحدة أو للحقيقة مع وحدة؟ يرجح الشارح المحقق الثانى، ورده السيد السند؛ بأنه لو كان كذلك يلزم أن يكون اسم الجنس حين دخول لام التعريف فى مقام العهد الذهنى مجازا، وقد جعلوه حقيقة أو موضوعا بالوضع التركيبى على خلاف الإفرادى وفيه بعد، ويعارضه أنه لو كان اسم الجنس موضوعا للحقيقة لكان المعرف بلام العهد مجازا فى حصة المعينة أو موضوعا بالوضع التركيبى على خلاف الوضع الإفرادى، والأول باطل بالاتفاق، والثانى بعيد جدا، وبالجملة قولك: ادخل سوقا يأتى لواحد من حاق اللفظ
فالنكرة أقوى فى الإتيان لواحد فلذا قال: (وهذا فى المعنى كالنكرة) لكن ليس كل نكرة كذلك؛ لأن المصادر ليس فيها القصد إلا إلى الحقيقة المتحدة بالإجماع كما نص عليه المفتاح إلا أن الشائع الغالب فى النكرة ذلك؛ فلذلك أطلقها ولا يخفى أن المعرف فى مقام الاستغراق أيضا كالنكرة؛ لأنها تأتى للوحدات من غير إشارة إلى تعيينها، غايته أنها متحدة مع الماهية المعهودة كالمعهود الذهنى، والمعرف بلام الحقيقة من المصادر كالنكرة منها فى المعنى حتى حكم السيد السند فى شرح المفتاح بأنه ينبغي أن يجوز أن يعامل مع هذه المصادر معاملة النكرة وإن لم يتحقق الاستعمال فلا وجه لتخصيص هذا الحكم بهذا القسم، ويمكن أن يقال: يريد أن هذا فى المعنى كالنكرة فى اعتبار البلغاء وليس غيره كذلك، ولذا لم يعامل معه معاملة النكرة ونظرهم فى هذا التخصيص محمود؛ لأن مناط الإفادة وهو الفرد فى هذا القسم مبهم فلم يعتد بتعيين تعلق بالمفهوم بخلاف ما إذا أريد الحقيقة من حيث هى هى، فإن مناط الحكم هو ما يتعلق به التعيين واجتلى فى نظر العقل تعينه، وبخلاف ما إذا أريد جميع الأفراد فإنها لتعينها بالعموم نائب مناب المتعين فلم يختل تعيين اللام بمجاورة الإبهام، وخلص اللام فى إفادة التعيين عن ملام الاتهام والمعاملة معها معاملة النكرة كثيرة وله غير نظير، فإنه وصف بالجملة فى قول الشاعر:
ولقد أمرّ على اللئيم يسبّنى
…
فمضيت ثمّة قلت لا يعنينى (1)
وفى التنزيل: كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً (2) وإنما قال فى المعنى كالنكرة لأنها فى اللفظ معرفة صرفة لوجود اللام وعدم التعيين، ولهذا غلّب إجراء أحكام العارف عليه حيث تعاضد حرف التعريف فى اللفظ لثبوت تعريف فى المعنى،
(1) البيت لعميرة بن جابر الحنفي، وهو في الإيضاح (49، 165)، والدرر (1/ 78)، وشرح التصريح (2/ 11)، وهو منسوب لشمر بن عمرو الحنفي في الأصمعيات (126)، ولعميرة بن جابر في حماسة البحتري (171)، وخزانة الأدب (1/ 357، 358)(3/ 201)، (4/ 207، 208)، (5/ 23، 503)، (7/ 197)، (9/ 119، 383)، والخصائص (2/ 338)، (3/ 330)، وشرح شواهد الإيضاح (221)، ولسان العرب (ثمم)، (منى)، ودلائل الإعجاز (206)، والإشارات والتنبيهات (40)، والمفتاح (99)، وشرح المرشدي على عقود الجمان (1/ 62)، والتبيان للطيبي (1/ 161).
(2)
الجمعة: 5.