الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله لما أريد العموم متعلق بما يدل عليه الكلام، أي يحمل على هذا أعني قوله عدم إرادة معين لإرادة العموم.
[وبالعلمية]
(وبالعلمية) عطف على قوله بالإضمار أي جعل المسند إليه معرفة بكونه علما، والأولى بجعله علما، وجعله معرفة، وجعله مضمرا، إلى غير ذلك عبارة عن إيراده كذلك، إذ لا صنع للبليغ إلا الإيراد، والعلم ما وضع لشيء بشخصه، إن لم يكن علم الجنس علما عند أصحاب فن البلاغة؛ لأنه دعت إليه ضرورات نحوية، هم في سعة عنه ولا يكون غير العلم موضوعا لشيء بشخصه بناء على أن ما سوى العلم معارف استعمالية، حيث وضعت لمفهومات كلية، وشرط في حين الوضع أن لا يستعمل إلا في معين، وإلا فلا قدرة على وضعها لأمور معينة، لا يمكن ضبطها وملاحظتها حين الوضع، وحينئذ يلزم أن تكون المعارف سوى العلم مجازات لا حقائق لها، ولو كان كذلك لما اختلف أهل اللغة في وجود مجازات لا حقائق لها، ولم يتمسك القائل به بأمثلة نادرة له، ويرد على قولهم لا قدرة على وضعها لأمور لا يمكن ضبطها، وملاحظتها حين الوضع، لكثرتها ولعدم خطور بعضها منها بخصوصه في القلب- أنه كيف صح منكم اشتراط أن لا يستعمل إلا في واحد معين من طائفة من المعينات فيما ضبطتم المستعمل فيه يمكن أن يضبط الموضوع له، ويوضع له، فلذلك قيل: ما سوى العلم وضع لأشياء معينة ملحوظة بذلك المفهوم الكلي، الملحوظة هي به لاشتراط أن لا يستعمل إلا في واحد منها بعينه، فالوضع كلي، والموضوع له جزئي، على خلاف الوضع للمفهوم الكلي فإن الموضوع له فيه كلي كالوضع، وعلى خلاف وضع العلم فإن الموضوع له شخص ملحوظ، حين الوضع بشخصه، فالوضع جزئي كالموضوع له، فهذه أوضاع ثلاثة لا رابع لها، فحينئذ لا يتم تحديد العلم بما وضع لشيء بشخصه، لصدقه على ضمير المتكلم، مثلا بل ينبغي أن يقال ما وضع لشيء بشخصه دون غيره في ذلك الوضع.
وهاهنا إشكالان قويان:
أحدهما: أن القول بأن ما سوى العلم موضوع لمفهوم كلي للاستعمال في جزئي بعينه من جزئياته، أو موضوع لجزئيات معينة ملحوظة بمفهوم كلي-
منقوض بالمعرف بلام الجنس، فإنه موضوع للمفهوم الكلي المتعين الملحوظ بنفسه، إذ لا ضرورة تدعو إلى الوضع له بوسيلة مفهوم أعم.
وثانيهما: أن العلم ليس موضوعا لشيء بعينه ملحوظا بعينه؛ لأن الموضوع للشخص من وقت حدوثه إلى فنائه لفظ واحد، والتشخص الذي لوحظ حين الوضع يتبدل كثيرا، فلا محالة يكون اللفظ موضوعا للشخص بكل تشخص ملحوظ بأمر كلي، فالعلم كالمضمر، ويمكن الجواب عن الأول بأن لام التعريف حرف وضع لمفهوم كلي للاستعمال في الجزئيات، أو لتلك الجزئيات على اختلاف الرأيين، وتلك الجزئيات ملحوظة بالمفهوم الكلي، وهو تعيين مدخوله تارة، وتعيين حصة منه تارة، إن كان مشتركا لفظيا بين تعيين الجنس، وتعيين الحصة، وتعيين مدخوله، أو حصة منه إن كان مشتركا معنويا بينهما.
وبالجملة مدخوله موضوع بالوضع التركيبي أو كالموضوع بالوضع الإفرادي لعدم استقلال اللام؛ فكأنه موضوع مع اللام جملة على ما صرح به بعض محققي النحاة لكل معين هو مفهوم مدخوله، أو حصة منه، فوضع المعرف بلام الجنس المعين كلي، والموضوع له جزئي، كسائر المعارف غير العلم وعن الثاني بأن وجود المهيئة لا ينفك عن تشخص باق ببقاء الوجود، يعرف بعوارض بعده، وتلك العوارض تتبدل، ويأخذ العقل تلك العوارض المتبدلة أمارات يعرف بها ذلك التشخص، فاللفظ موضوع للمشخص بذلك التشخص، لا المتشخص بالعوارض، ولو كان التشخص بالعوارض لكان للجزئي أشخاص متحدة في الوجود، وما اشتهر من أن التشخص بالعوارض مسامحة مؤولة بأنه بأمر يعرف بعوارض.
وأما إن ذلك التشخص هل هو متحقق مبرهن أو مجرد توهم فلا حاجة بنا إليه في وضع اللفظ للشخص، لأن أياما كان يكفي فيه.
بقي أن العلم لو كان موضوعا لشخص بعينه لما صح وضعه لما لم يعلم بشخصه، والوضع لما يعلم بشخصه كثير، إذ الآباء يسمون أبناءهم المتولدة في غيبتهم بإعلام، وتأويله بأن تسمية صورة وأمر بالتسمية حقيقة، أو وعد بها بعيد، وإن الوضع في اسم الله يشكل حينئذ لعدم ملاحظته بعينه وشخصه حين الوضع، ولعدم العلم بالوضع له بشخصه للمخاطبين به، وإنما يفهم منه معين مشخص في
الخارج بعنوان منحصر فيه، إلى أن يراد بالشيء بشخصه كونه متعينا بحيث لا يحتمل التعدد بحسب الخارج، ولا يطلب له منع العقل عن تجويز الشركة فيه، ولقد أطنبنا في تحقيق التعريف؛ لأنه ما لا بد منه في توضيح هذا البحث، ولبحث التعريف كله شرب منه، فلعلك تجتنب الشكوى عن إسهاب الإطناب بعد التمتع بالعذب القامع للعطش، الملجئ إلى اقتفاء السراب.
(لإحضاره بعينه في ذهن السامع ابتداء باسم مختص به) وهذه نكتة جليلة عامة مختصة بالعلم حرية بالتقديم على سائر النكات، حيث لا يوجد في نكرة لأنه إحضار لها لمدلوله بعينه، ولا باسم مختص به، والإحصار بعينه في ضمير الغائب العائد إلى العلم أو المعرف بلام العهد؛ إذ المعرف بلام العهد المذكور تحقيقا ليس ابتداء، ولا باسم مختص به، والإحضار بعينه ابتداء بضمير المتكلم، والمخاطب، واسم الإشارة، والمعرف بلام الجنس، وغيره، ليس باسم مختص به، وأخرج أيضا بقوله ابتداء الإحضار بالعلم ثانيا، فإن بعضا منه من خلاف مقتضى الظاهر، كما في اللَّهُ الصَّمَدُ (1) بعد قوله قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (2) وإن كان البعض مقتضى الظاهر كما في قولك: جاء زيد زيد.
والإحضار باسم مختص به وإن خص العلم زيد لكن ليس له هذه الجلالة، إذ ليس فيه الترجيح على النكرة وضمير الغائب، والمعرف بلام العهد بمتعدد، ولو ترك قيدا من القيود لصارت النكتة شيئا آخر، فلا بد لبيانها من القيود كلها، وليس القيود لمزيد تحقيق، وتفصيل للنكتة كما ذهب إليه الشارح، والسيد- قدس سرهما- حيث قالا: لا بأس بإغناء القيد المتأخر عن جميع ما يقدم؛ لأنه يحصل به الاحتراز عن جميع ما احترز عنه بالقيود الأخر؛ لأن القيود لتحقيق مقام العلمية كما في التعريفات، وبهذا عرفت أن للتعريف بالعلمية نكات أخر ترشدك إليها هذه النكتة، فحصل عددها، بعد ما حصّلت لك عددها.
فإن قلت: الإحضار بعينه حاصل بالرحمن مع أنه ليس علما، قلت: المراد الاختصاص بالوضعي، واختصاصه استعمالي، ومن النكات الجليلة وإن لم
(1) الإخلاص: 2.
(2)
الإخلاص: 1.
تسمعها من أحد أن الأصل في إحضار خصوص الذات العلم؛ لأنه وضع لذلك بخلاف غيره، فإنه وضع لغرض أعم، ربما يتفرع عليه إحضار خصوص الذات.
(نحو قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) تمثيل في وجه، وتنظير في وجه تعرفه إن بلغك التفسير، وإلا له معرف باللام من الأعلام الغالبة، وبعد حذف الهمزة من الأعلام المختصة، فالله علم بالغلبة نظرا إلى أصله، ومن الأعلام المختصة نظرا إلى نفسه.
قال السيد السند: يجوز أن يكون حذف همزته على غير قياس، فيكون التزام الإدغام قياسا، وأن يكون عكس ذلك بيان ذلك أنه لو حذفت الهمزة على غير قياس تكون محذوفة مع الحركة، فيلزم اجتماع مثلين ساكن ومتحرك، ويجب الإدغام، وإن حذفت بنقل الحركة إلى ما قبلها يكون حذف الهمزة قياسا، ويكون وجوب الإدغام غير قياس؛ لأن المثلين المتحركين لا يجب فيها الإدغام إذا كان من كلمتين نحو ما سَلَكَكُمْ (1) ومَناسِكَكُمْ (2) ونحن نقول: لما جعل اللام عوضا عن الهمزة وصار بمنزلتها صار اجتماع المتجانسين في كلمة واحدة، فوجوب الإدغام قياس أو فليكن وجوب الإدغام بعد العلمية، لأن الاجتماع في كلمة واحدة. ومنهم من أنكر علميته وقال إنه اسم للمفهوم الكلي المنحصر فيه، يقال من الواجب لذاته أو المستحق للعبودية لذاته وكأن منشؤه أنه يشكل عليه إمكان وضعه له تعالى بشخصه، وترتيب فائدة هذا الوضع، وقد تقدم ما يتعلق به.
وقال الشارح المحقق: هذا سهو مبناه الغفلة عن كلمة التوحيد، فإنه يفيد التوحيد بمفهومه اتفاقا، من غير اعتبار قيد في مفهوم لفظ منه، واستثناء المفهوم الكلي من الإله لا يفيد التوحيد لأنه لا يزيد على الإله بشيء، فلو كفى في التوحيد لكفى إثبات الإله على أنه لو أريد بالإله المعبود مطلقا لزم الكذب إذ عبد غير الله، ولو أريد المعبود بحق لزم إخراج جميع أفراد المستثنى منه بالاستثناء، وأنه باطل، فيجب أن يكون الإله بمعنى المعبود بحق، والله علما للفرد الموجود
(1) المدثر: 42.
(2)
البقرة: 200.
منه.
وفيه بحث؛ لأن الله إذا كان علما للفرد الموجود منه لكن لا يكون حاصلا في عقولنا إلا بمفهوم الواجب لذاته، والمتصف به- محتمل لمتعدد، كالإله بحق، فلا يحصل باستثنائه إثبات ما هو مطلوب بالاستثناء على وجه يوجب التوحيد.
وأيضا لما انحصر الإله بحق فيه يكون استثناء إخراج جميع ما تحت المستثنى منه، فمناط التوحيد على نفي وجود ما يتوهم معبودا بالحق، وإثبات ما هو المستحق للعبودية في الواقع، أو الواجب لذاته، وهو يكفي لانحصاره في ذات واحدة، فالمعنى لا إله مما يجوز العقل كونه معبودا بحق إلا الواجب لذاته في الواقع، ولا تفاوت في ذلك كون الله بمعنى الواجب لذاته أو بمعنى شخص معين ملحوظ بمفهوم الواجب لذاته، نعم كونه بمعنى الشخص أنسب بمقام التوحيد كما لا يخفى على الفطن والبليد.
(أو تعظيم أو إهانة) والعريق الواضح في ذلك الألقاب لأن الغرض من وضعها الإشعار بالمدح والذم، وقد يتضمنها الأسماء وإن لم يقصد بالوضع إلا تميز الذات لكونها منقولات من معان شريفة أو خسيسة، كمحمد وعلي وكلب، أو لاشتهار الذات في ضمنها بصفة محمودة أو مذمومة، كحاتم ومادر، وبعد الألقاب في ذلك الكنى كأبي الفضل وأبي الجهل، وإنما قال تعظيم أو إهانة دون تعظيمه أو إهانته تعميما للداعي؛ فإنه قد يقصد تعظيم غير المسند إليه أو إهانته نحو أبو الفضل صديقك، وأبو الجهل رفيقك، ومن نكات العلمية الحث على الترحم نحو أبو الفقير يسألك.
(أو كناية) أي تعريف المسند إليه العلمية لقصد كناية بالعلم، تفوت لولا العلم، نحو أبو لهب فعل كذا، عبر عن المسند إليه بأبي لهب؛ لينتقل منه إلى كونه جهنميّا، باعتبار معناه الأصلي، فإن المعنى الأصلي الذي يقصد البليغ الإشارة إليه بهذا العلم من تولد منه النار، وتولد النار منه باعتبار كونه وقودا للنار، والنار التي وقودها الناس نار جهنم، قال تعالى فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ (1) وهذا وجه بديع.
(1) البقرة: 24.
وقال غيرنا: معنى أبي لهب ملابس النار ملابسة ملازمة، وهو لازم الجهنمي؛ لأن اللهب الحقيقي لهب نار جهنم، فإن قلت: لم لم يكتف في المعنى الكنائي بكونه وقود النار في جهنم، أو ملابستها فيه، واعتبر الانتقال منه إلى كونه جهنميّا؟ قلت: لأن كونه جهنميّا يفيد عذابه بالنار، وغيرها مما في جهنم، فإن قلت: المعنى الحقيقي لا يكون مقصودا في الكناية، وهنا قصد الذات المعين! ! قلت: المعنى الأصلي في نظر البليغ كونه مولدا للنار أو ملازما لها، وهو لم يقصد هاهنا، بل توسل به إلى قصد الجهنمي، فإن قلت: المعنى الأصلي ليس معي حقيقيّا لأبي لهب لأنه حيوان يتولد من نطفته اللهب، قلت: الأكثر في الكناية إرادة لازم الموضوع له، وقد يكون المعنى الأصلي فيه معنى مجازيّا كثر الاستعمال فيه، حققه صاحب الكشف، وستطلع عليه.
وقد يقصد بأبي لهب لازم الذات، وهو الجهنمي لاشتهار الذات في ضمن هذا اللفظ به، فأبو لهب فعل كذا معناه حينئذ جهنمي فعل كذا، وأبو لهب كناية عن الصفة كما تقول: جاءني جبان الكلب، وتريد جاءني مضياف، فحينئذ أبو لهب منكر بإرادة الوصف المشتهر به مسماه في ضمنه له، وهو بمعزل عن مقام التعريف بالعلمية، فلا ينبغي أن يحمل الكناية هنا عليه، ولا أن يجعل من المحتملات كما ذهب إليه السيد السند، ولا يصح إنكار فهم الجهنمي منه بهذا الاشتهار لسند أنه لو قيل هذا الرجل فعل كذا مشارا به إليه لم يفهم كونه جهنميّا، كما زعمه الشارح المحقق؛ لأن اشتهار الذات بالوصف في ضمن لفظ لا يستدعي فهمه من أي لفظ عبر به عن الذات، ولا يصح أن يكون جاءني حاتم للاستعارة بشخص آخر باعتبار أنه بمنزلة جواد، لاشتهاره به، من نكات التعريف بالعلم؛ لأنه حينئذ ليس علما ولا معرفة؛ لكن من النكات قصده الإشارة إلى صفة له يشعر بها العلم إما لاشتهار الذات بها في ضمنه نحو جاءني حاتم وإما لإشعار معناه الأصلي بذلك نحو: أبو الجهل، وأبو المحاسن الأصلي.
(أو إيهام استلذاذه) أي وجدانه لذيذا نحو قوله:
تالله يا ظبيات القاع قلن لنا
…
ليلاي منكن أم ليلى من البشر (1)
(1) البيت للحسين بن عبد الله أو العرجي وهو في الإيضاح (330) والطراز (3/ 81) والمصباح (88).