الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا يألف الدّرهم المضروب صرّتنا
…
لكن يمرّ عليها وهو منطلق) (1)
وقد ذكر ابن الحاجب في تعريف اسم الفاعل: ما اشتق من فعل لمن قام به بمعنى الحدوث. قلت: هذا مبني على عدم الالتفات إلى ما ذكره ابن الحاجب، وترجيح الاسم ما يستفاد من المفتاح بأن (زيد عالم) يستفاد منه الثبوت صريحا بناء على أن الاسم صفة كان، أو غير صفة لدلالة على الثبوت، وتأييده بما ذكره الشيخ عبد القاهر، ويجعل الميداني: الصفة المشبهة، واسم الفاعل في عداد واحد، وسمي الجميع اسم الفاعل، لكن حسنه يشكل، وذلك بما قالوا: أنه يقال: حاسن لمن حدث حسنه، وحسن لمن ثبت حسنه، ويؤول بأنهم أرادوا:
أن اسم الفاعل لما كان جاريا على لفظ الفعل، جاز أن يقصد به الحدوث بمعونة القرينة، بخلاف الصفة المشبهة، فيقصد به وضعا مطلق الثبوت، وبمعونة القرينة الدوام، ولا يقصد الحدوث أصلا، واعلم أن في إضافة الصرة إلى ضمير المتكلم مع الغير نكتة دقيقة، وهي أن صرته مشتركة بينه وبين غيره، والمشهور نصب صرتنا على أنه مفعول لا يألف، والأحسن نصب الدرهم المضروب؛ ليكون عدم الألفة من جانب صرته، ولو اكتفى في التمثيل لكونه المسند فعلا واسما بهذا مثال لكفاه؛ لأن يمر عليها، كيتوهم، ولا يخفى أن قوله: وهو منطلق حال دائمة.
[وأما تقييد الفعل بمفعول ونحوه وأما تركه فللمانع منهما]
(وأما تقييد الفعل) يريد به المعنى المصدري، أو الفعل، وجعل ذكره لكونه أصلا بمنزلة ذكر شبه الفعل- أيضا- كما هو عادة أئمة العربية (بمفعول) أراد به أحد المفاعيل الخمسة (ونحوه) أراد به الحال والتمييز دون المستثنى؛ لأنه إما مستثنى من الفاعل، فهو من تتمته، أو من المفعول به أو من غيره من المفاعيل أو الحال، فالحال كذلك فلا معنى لتقييد الفعل به، وإن ذكره الشارح المحقق، ولك أن تجعل: ونحوه مرفوعا معطوفا على تقييد الفعل، وتريد به نحو تقييد الفعلي بمفعول من تقييد الشبه، والتقييد بغير المفعول، ثم في كون التقييد بالمفعول به لتربية الفائدة نظر، بل يتوقف فهم الفعل المتعدي عليه كتوقفه على
(1) البيت للنضر بن جؤية في الإشارات والتنبيهات ص 65 والإيضاح 95 ودلائل الإعجاز ص 174، والمشهور نصب «صرتنا» على أنه مفعول، ولكن الأحسن نصب الدرهم ليكون عدم الإلف من جانب الصرة، فيدل على غناهم وإنفاقهم، أما الأول فيحتمل أن عدم إلف الدرهم صرتهم لفقرهم، مع أنه يقصد التمدح بغناهم وجودهم، ولهذا حمل بعضهم الجملة الاسمية «وهو منطلق» على إفادة الدوام ليكون المدح أكمل.
الفاعل، وعدم تقييده يحوج إلى إخراجه عن مقتضى وضعه، ثم المراد بالمفعول ما لم يقم مقام الفاعل؛ إذ التقييد بما قام مقامه لأصل الفائدة، لا للتربية، ولا يخفى أن التقييد بمفعول لا يشمل ذكر المفعول المطلق للتأكيد إلا أن يتكلف في التقييد بما يعم صورة التقييد.
(فلتربية الفائدة)(1) وتقويتها؛ لأن ازدياد التقييد يوجب ازدياد الخصوص، وهو يوجب ازدياد البعد الموجب لقوة الفائدة، كذا ذكره الشارح المحقق، وهو لا يشمل المفعول المطلق للتأكيد، والمراد لداع إلى تربية الفائدة ليلائم قوله، وأما تركه فلمانع منها، ولا يخفى أن بحث تقييد المسند بمفعول ونحوه من مباحث متعلقات الفعل والبحث عنه هنا من قبيل وضع الشيء في غير محله، وأن تقييد المسند لا ينحصر في تقييد الفعل، بل منه هذا غلام رجل وغلام عاقل، وأن في رفع نحوه رفعه، فاغتنمه، ولا تحرم نفعه، ولما كان يتوهم أن الأفعال الناقصة وفروعها مقيدات بشبه المفعول من أخبارها، ويتحير في تربية الفائدة فيها، إذ لا فائدة لكان مع فاعلها؛ بل الفائدة في خبرها واسمها والتربية في ضم كان، نبه على حقيقة الأمر ورفع به التوهم فقال (والمقيد في، نحو:
كان زيد منطلقا هو منطلقا) أي: نحو منطلقا (لا كان) أي: نحو: كان وفيه نظر؛ لأنه ليس فيه تقييد المسند، بل النسبة؛ لأن الزمان المفاد من كان قيد النسبة المفهومة منه، لا قيد الانطلاق بلا ريبة، ولم يدخل في نحو: كان زيد منطلقا، كون زيد منطلقا، ولا زيد كائن منطلقا؛ إذ لا تقييد فيه، بل لا يدل الكون والكائن الأعلى أصل النسبة بخلاف أخوات كان، فإن في فروعها تقييدا لا محالة؛ لأن في الأخوات تقييدين تقييد بالزمان وتقييد الخصوص للنسبة تضمنية مصادرها، والفروع لم يفتها إلا الزمان، وجعل التقييد دائرا على كون كان بمنزلة الظرف، كما فعله الشارح، واختاره السيد السند لا ينفى بفروع هذه الأفعال، ولا يذهب عليك أن التقييد مكان لا يخص الفعل والمشتقات والمصادر، بل
(1) أي تكثيرها، ولا يخفى أن تقييد الفعل بذلك من أحوال متعلقات الفعل فلا معنى لذكره هنا، ولا يخفى أيضا أن هذا التقييد يرجع إلى أصل معاني تلك المتعلقات، فيجب أن يكون اعتبار ذلك هنا عند وجود القرينة التي تغني عن ذكرها، كما اعتبر وجود القرينة في ذكر المسند إليه والمسند، ومثال ذلك هنا أن يقال لك: هل تحب هندا؟ فتقول: أحب هندا.