الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[أما في النظم]
للقياس، مع أنه ليس تعقيدا فلذا قيده بقوله:(الخلل إما في النظم) وليس المراد بالنظم ما سبق في قوله نظم القرآن لأنه عبارة عن كون اللفظ مرتبة المعاني متناسبة الدلالات على حسب ما يقتضيه العقل، فإن النظم حينئذ شامل لرعاية ما يقتضيه على المعاني والبيان، والخلل فيه يشمل التعقيد المعنوي والخطأ في تأدية المعنى، بل المراد بالنظم تركيب الألفاظ على وفق ترتيب تقتضيه أجزاء أصل المعنى، والخلل فيه بأن يخرج عن هذا التركيب إلى ما لا يشهد به قوانين النحوي المشهورة، أو إلى ما يشهد به لكن يحكم بأنه على خلاف طبيعة المعنى، فيخفى الدلالة لكثرة اجتماع خلاف الأصل الموجبة لتحير السامع، قال المصنف:
فالكلام الخالي من التعقيد اللفظي ما سلم نظمه من الخلل، فلم يكن فيه ما يخالف الأصل من تقديم أو تأخير أو إضمار، أو غير ذلك إلا وقد قامت عليه قرينة ظاهرة لفظية أو معنوية كما سيأتي تفصيل ذلك كله. فالتعقيد اللفظي ربما كان لضعف التأليف، وربما كان مع الخلوص عنه بأن يكون على قوانين هي خلاف الأصل، فلا يكون اشتراط الخلوص عنه بعد ذكر الخلوص عن ضعف التأليف مستدركا كما توهم، ولا يكون وجود التعقيد اللفظي بلا مخالفة لقانون نحوي مشهور مخالفا للحكم، بأن مرجع الاحتراز عنه النحو كما سيجيء لما أنه حينئذ لا يمكن معرفته بالرجوع إلى قواعد النحو، لانطباقه عليها على ما توهم؛ لأن النحو يميز بين ما هو الأصل وبين ما هو خلاف الأصل، والاحتراز عنه بالاحتراز عن جمع كثير من خلاف الأصل، وأما أنه هل يكون الضعف بدون التعقيد اللفظي أم لا؟ فالحق الثاني، وإن توهم بعض الأفاضل أنه لا تعقيد في جاءني أحمد منونا لأن جاءني أحمد يفيد مجيء أحمد ما، لا الشخص المعين، فلا يكون ظاهر الدلالة على الشخص المعين المراد، لكن لا يتجه أن ذكر التعقيد مغن عن ذكر ضعف التأليف كما توهم؛ لأنه لا بأس بإغناء المتأخر عن المتقدم، كما في العكس، ويمكن دفع استدراك ذكر التعقيد لإغناء ضعف التأليف عنه أيضا بأن ضعف التأليف لا يغني عن التعقيد المعنوي، وذكر التعقيد له لا للتعقيد اللفظي، إلا أن المصنف أراد استيفاء بيان التعقيد فذكر التعقيد اللفظي لاستيفائه، لا لأنه يشترط الخلوص عنه في الفصاحة بعد اشتراط الخلوص عن ضعف التأليف.
(كقول الفرزدق) هو كسفرجل: رغيف سقط في التنور، الواحدة بهاء، أو فتات الخبز، ولقب همام بن غالب بن صعصعة (في خال هشام) نبه به على أن المملك هو هشام:[وما مثله في النّاس](1) لا في مجرد العرب فبذكر قوله في الناس جعل النفي عاما، ولولاه لتبادر نفي المثل في العرب [إلّا مملّكا] فسر بمن أعطى المال والملك وكأنه روى اسم مفعول، وإلا فالأبلغ اسم الفاعل [أبو أمّه حيّ أبوه يقاربه] أي حي يقاربه أشار إلى أن (حي) بدل من مثله، ويقاربه صفة له، فقد فصل بين البدل والمبدل منه، والصفة والموصوف بأجنبي، وهو مما لم يجوز (إلّا مملّكا) أشار إلى أنه مستثنى من حي يقاربه، قدم عليه فوجب نصبه الذي كان مرجوحا حين التأخير، إذا كان المختار رفعه على البدل، ولذا رفعه بعد التأخير في التفسير (أبو أمّه أبوه) إشارة إلى أن (أبو أمه مبتدأ)، أبوه فصل بينهما بالأجنبي، والجملة صفة مملكا، فبمخالفة القوانين النحوية، ومخالفة الأصل الذي هو تقديم المستثنى منه حصل التعقيد، فلتقديم المستثنى مع شيوعه دخل في التعقيد. واعلم أن إيراد البيت لتوضيح التعقيد لا لتمثيل ما يخرج عن حد الفصاحة بقوله: والتعقيد؛ فإنه خرج بذكر ضعف التأليف، وقد بالغ في مدح خال هشام، ونفي من يماثله، وأشار ببيان أنه خال المملك إلى أن مماثلة المملك لا ببعض توحده، لأن مماثلة المملك له إنما جاء من قبله، وبحكم أن الولد يشبه الخال، ولا يخفى أنه لو قيل في الناس خبر مثله، ومملكا مستثنى من مثله، وأبو أمه مبتدأ، وحي خبره، وأبوه خبر ثان، ويقاربه خبر ثالث، لم يكن تعقيدا، ويكون المعنى: ما مثله في الناس إلا مملك في غاية الحداثة، إذ أبو أمه حي، وأبو أمه أبو الممدوح، ومن أقرباء المملك، مع قطع النظر عن أنه جده فيكون مدحا للممدوح بالنسب بعد المدح له بالحسب، وليس في هذا التوجيه إلا نصب مملكا مع أن المختار رفعه، ولولا مخافة الإسآم لذكرت وجوها أخر في الشرح
(1) الفرزدق: هو أبو فراس همام بن غالب بن صعصعة، من بني مجاشع بن دارم التميمي، والفرزدق لقب غلب عليه، انظر ترجمته في الشعر والشعراء (183) ومعجم الشعراء، والبيت في مدح خال هشام بن عبد الملك بن مروان أحد ملوك بني أمية وخاله الممدوح إبراهيم بن هشام بن إسماعيل المخزومي، والبيت في الإيضاح (6)، واللسان (ملك)، ومعاهد التنصيص (1/ 43) وعروس الأفراح، ودلائل الإعجاز ص 84، والمصباح ص 160.