المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[وقد يفيد الاستغراق] - الأطول شرح تلخيص مفتاح العلوم - جـ ١

[العصام الأسفراييني]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المحقق

- ‌ترجمة المؤلف

- ‌متن كتاب التّلخيص في علوم البلاغة وهو تلخيص كتاب «مفتاح العلوم» للسّكاكيّ

- ‌كلمة الافتتاح

- ‌مقدّمة فى بيان معنى الفصاحة، والبلاغة

- ‌الفنّ الأوّل علم المعاني

- ‌تنبيه (1/ 213) صدق الخبر: مطابقته للواقع، وكذبه: عدمها

- ‌أحوال الإسناد الخبريّ

- ‌إخراج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر

- ‌أحوال المسند إليه

- ‌أولا: حذف المسند إليه، وذكره

- ‌ثانيا: تعريف المسند إليه، وتنكيره

- ‌[أتعريفه]

- ‌تعريف المسند إليه بالعلمية:

- ‌تعريف المسند إليه بالموصليّة:

- ‌تعريف المسند إليه بالإشارة:

- ‌تعريف المسند إليه باللام:

- ‌تعريف المسند إليه بالإضافة:

- ‌ب- تنكير المسند إليه

- ‌ثالثا: إتباع المسند إليه، وعدمه

- ‌وصف المسند إليه:

- ‌توكيد المسند إليه:

- ‌بيان المسند إليه:

- ‌الإبدال من المسند اليه:

- ‌العطف على المسند إليه:

- ‌رابعا:‌‌ تقديم المسند إليه، وتأخيره:

- ‌ تقديم المسند إليه

- ‌رأى عبد القاهر:

- ‌رأى السكاكى:

- ‌تأخير المسند إليه:

- ‌إخراج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر:

- ‌أحوال المسند

- ‌ترك المسند اليه:

- ‌ذكر المسند إليه:

- ‌وأما تنكيره:

- ‌وأما تخصيصه بالإضافة أو الوصف:

- ‌وأما تركه:

- ‌وأما تعريفه:

- ‌وأما كونه جملة:

- ‌وأما تأخيره:

- ‌وأما تقديمه:

- ‌تنبيه

- ‌أحوال متعلّقات الفعل

- ‌القصر

- ‌[طرق القصر]

- ‌منها: العطف

- ‌ومنها: النفى والاستثناء

- ‌ومنها: إنّما

- ‌ومنها: التقديم

- ‌الإنشاء

- ‌منها التمنّي

- ‌ومنها: الاستفهام

- ‌ومنها: الأمر

- ‌ومنها: النهي

- ‌[ومنها: العرض]

- ‌ومنها: النداء

- ‌الفضل والوصل

- ‌الإيجاز والإطناب والمساواة

- ‌(المساواة)

- ‌(الإيجاز)

- ‌(الإطناب)

- ‌الفنّ الثاني علم البيان

- ‌ التشبيه

- ‌ طرفاه

- ‌ ووجهه

- ‌أركان التشبيه

- ‌(الغرض من التشبيه)

- ‌خاتمة

- ‌الحقيقة والمجاز

- ‌ الاستعارة

- ‌المجاز المرسل

- ‌المجاز المركّب

- ‌فصل (2/ 305) عرّف السكاكى الحقيقة اللغوية بالكلمة المستعملة فيما وضعت له، من غير تأويل فى الوضع

- ‌فصل (2/ 332) حسن كل من التحقيقيّة والتمثيل

- ‌فصل (2/ 336) وقد يطلق المجاز على كلمة تغيّر حكم إعرابها

- ‌(الكناية)

- ‌فصل (2/ 360) أطبق البلغاء على أنّ المجاز والكناية أبلغ من الحقيقة والتصريح

- ‌الفنّ الثالث علم البديع

- ‌ المطابقة

- ‌المحسّنات المعنويّة

- ‌المقابلة

- ‌مراعاة النظير

- ‌الإرصاد

- ‌المشاكلة

- ‌المزاوجة

- ‌العكس

- ‌الرجوع

- ‌التورية

- ‌الاستخدام

- ‌اللف والنشر

- ‌الجمع

- ‌التفريق

- ‌التقسيم

- ‌الجمع مع التفريق

- ‌الجمع مع التقسيم

- ‌الجمع مع التفريق والتقسيم

- ‌التجريد

- ‌المبالغة

- ‌المذهب الكلامي

- ‌حسن التعليل

- ‌التفريع

- ‌تأكيد المدح بما يشبه الذم

- ‌تأكيد الذم بما يشبه المدح

- ‌الاستتباع

- ‌الإدماج

- ‌التوجيه

- ‌الهزل يراد به الجد

- ‌تجاهل العارف

- ‌القول بالموجب

- ‌الاطراد

- ‌المحسنات اللفظية

- ‌رد العجز على الصدر

- ‌السجع

- ‌الموازنة

- ‌القلب

- ‌التشريع

- ‌لزوم ما لا يلزم

- ‌خاتمة: فى السّرقات الشّعريّة، وما يتّصل بها، وغير ذلك

- ‌ الاقتباس

- ‌التضمين

- ‌العقد

- ‌الحلّ

- ‌التلميح

- ‌فصل (2/ 523) ينبغى للمتكلّم أن يتأنّق فى ثلاثة مواضع من كلامه

- ‌[الخطبة]

- ‌[تسمية الكتاب]

- ‌[مقدمة]

- ‌[(الفصاحة)]

- ‌[والبلاغة]

- ‌[فالتنافر]

- ‌[والغرابة]

- ‌[والمخالفة]

- ‌[قيل ومن الكراهة في السمع]

- ‌[وفي الكلام خلوصه]

- ‌[أما في النظم]

- ‌[وأما في الانتقال]

- ‌[قيل ومن كثرة التكرار]

- ‌[وفي المتكلم ملكة يقتدر بها]

- ‌[والبلاغة في الكلام]

- ‌[فمقتضى الحال]

- ‌[ولها طرفان: ]

- ‌[وأن البلاغة مرجعها إلى الاحتراز]

- ‌(الفن الأول: علم المعاني)

- ‌[صدق الخبر]

- ‌(أحوال الإسناد الخبري)

- ‌[وقد ينزل العالم بهما منزلة الجاهل]

- ‌[ثم الإسناد منه حقيقة عقلية]

- ‌[ومنه مجاز عقلي]

- ‌[وأقسامه أربعة]

- ‌(أحوال المسند إليه)

- ‌[أما حذفه فللاحتراز عن العبث]

- ‌[وأما ذكره فلكونه إلخ]

- ‌[وأما تعريفه]

- ‌[فبالإضمار 291

- ‌[وأصل الخطاب]

- ‌[وبالعلمية]

- ‌[وبالموصولية]

- ‌[وبالإشارة]

- ‌[وباللام]

- ‌[وقد يفيد الاستغراق]

- ‌[وبالإضافة]

- ‌[وأما تنكيره]

- ‌[وأما وصفه]

- ‌[وأما توكيده]

- ‌[وأما بيانه]

- ‌[وأما الإبدال منه]

- ‌[وأما العطف]

- ‌[وأما الفصل]

- ‌[وأما تقديمه]

- ‌[وإن بنى الفعل على منكر]

- ‌[ومما نرى تقديمه كاللازم]

- ‌[مبحث كلمة كل]

- ‌[وأما تأخيره فلاقتضاء المقام]

- ‌[ويسمى هذا النقل عند علماء المعاني التفاتا]

- ‌[أحوال المسند أما تركه فلما مر]

- ‌[وأما ذكره فلما مر]

- ‌[وأما إفراده فلكونه غير سبب]

- ‌[وأما كونه فعلا فللتقييد بأحد الأزمنة الثلاثة]

- ‌[وأما كونه اسما فلإفادة عدمهما]

- ‌[وأما تقييد الفعل بمفعول ونحوه وأما تركه فللمانع منهما]

- ‌[وأما تقييده بالشرط]

- ‌[وأما تنكيره فلإرادة عدم الحاصر والعهد]

- ‌[وأما تخصيصه بالإضافة أو الوصف فلكون الفائدة أتم]

- ‌[وأما تعريفه فلإفادة السامع حكما]

- ‌(أحوال متعلقات الفعل)

- ‌[الحذف وأغراضه]

- ‌[أنواع القصر]

- ‌[شروط قصر الموصوف على الصفة]

- ‌(الإنشاء)

- ‌[أنواعه]

- ‌[من أنواع الطلب]

الفصل: ‌[وقد يفيد الاستغراق]

وهذا أظهر مما قال الشارح: إن التقييد بقوله فى المعنى؛ لأنه يجرى عليه أحكام المعرف من وقوعه مبتدأ وذا حال إلى غير ذلك؛ لأن هذه الأحكام فرع كونه معرفة أو كالمعرفة كما أن إجراء حكم النكرة فرع كونه فى المعنى كالنكرة، وليس من وجوه كونه فى المعنى كالنكرة.

[وقد يفيد الاستغراق]

(وقد يفيد) أى: المعرف بلام الجنس (الاستغراق) وشمول جميع الوحدات إذا امتنع حمله على الحقيقة من حيث هى هى لقرينة اعتبار الوجود على بعض الأفراد دون بعض لعدم قرينة البعضية، فأول ما يفيده المعرف بلام الجنس الحقيقية من حيث هى هى ثم الحقيقة فى ضمن واحد ويتجاوز إلى الحقيقة فى ضمن الجميع، فترتيب الكتاب على وفق هذا الترتيب، وإن كان رجحان الاستغراق على العهد الذهنى ورجحان العهد الذهنى على ما هو لتعريف الحقيقة من حيث هى هى كما تقرر فى محله: يقتضى عكس هذا الترتيب، وقد يتحقق قرينة على الاستغراق سوى انتفاء قرينة البعضية بعد قرينة اعتبار الوحدة ولا بد منها فى المقام الاستدلالى نحو: إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (1) فإن الاستثناء قرينة إرادة العموم؛ لأن شرطه الدخول فى المستثنى منه قطعا أو الخروج قطعا أو لا مجال لخروج المؤمنين وعاملى الصالحات من الإنسان فلا بد من الدخول جزما، والمدخول لا يتأتى بدون الاستغراق.

واعلم أن التعريف باللام والنداء والإضافة جاء لمدلول اللفظ من الخارج، وأما تعريف باقى المعارف فمن جوهر اللفظ ولوضعه للأمر المأخوذ مع التعين، وما ذكره السيد السند أن تعريف الموصول واسم الإشارة والضمير من الخارج كالمعرف باللام والنداء والإضافة والانقسام إلى الخمسة بحسب تفاوت ما يستفاد منه مزيف؛ لأن الخارج فى الموصول، ونظير به قرينة المراد من اللفظ لا للإشارة إلى تعينه؛ ولأن تفاوت ما يستفاد منه أزيد من الخمسة (وهو) أى: الاستغراق مطلقا باللام كان أو غيره بدليل قوله بعد بدليل صحة: «لا رجال فى الدار» والأولى والاستغراق (ضربان) كما فى الإيضاح فلا خفاء فى التمثيل بالصاغة مع خفاء كونه معرفا باللام، إذ اللام فى اسم الفاعل اسم موصول لا حرف التعريف

(1) العصر: 2.

ص: 320

عند غير المازنى (1)؛ لأن التعريف بالموصولية أيضا يأتى للاستغراق نحو: أكرم الذين يأتونك إلا زيدا، هكذا ذكره الشارح المحقق وفيه نظر؛ لأن اسم الموصول لا يستعمل إلا فى فرد معين من المعلوم بالصلة، فالصاغة استعملت فى الجماعة المعينة التى هى صاغة بلده أو مملكته لا فى مفهوم معرف بتعريف جنسى من حيث التحقق فى ضمن أفراد بمعونة القرينة من غير إشارة إلى تعيين الأفراد، فتأمل إن كان لك دقة نظر يعينك إلى إدراك وطر، فلا ترتيب فى أنه لا معنى لجريان الأقسام الأربعة فى تعريف الموصول، والشارح المحقق جعل كون اللام فى اسم فاعل أو مفعول لم يقصد به الحدوث حرف تعريف اتفاقا كاللام فى الصفة المشبهة استنباطا من مقتضيات كلامهم حقيقى نحو: عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ* (2) أى:

كل غيب (وعرفى نحو جمع الأمير الصاغة) جمع صائغ (أى صاغة بلده أو مملكته) هو بفتح الميم واللام أو ضم الميم: عز الملك وسلطانه على ما فى القاموس، والمراد هنا: ما فى تصرف الملك من البلاد وإرادة صاغة البلد إذا كان المراد بالأمير أمير البلد والمملكة إذا كان أمير بلاد، وفسر الشارح المحقق الحقيقى:

بالشمول لكل ما يتناوله اللفظ بحسب اللغة، وكأنه أراد أعم من التناول بحسب المعنى المجازى أو الحقيقى والعرفى بالشمول لما يتناوله اللفظ بحسب متفاهم العرف هذا؛ والتعرف إذا أطلق يراد به العرف العام فيتجه أنه يبقى الشمول شرعا واصطلاحا واسطة، وأن الظاهر لغو وعرفى إذ لا تقابل بين الحقيقى والعرفى، وفسر فى شرح المفتاح والسيد السند أيضا الحقيقى بما كان شموله للأفراد على سبيل الحقيقة بأن لا يخرج فرد، والعرفى بما يعد شمولا فى عرف الناس، وإن خرج عنه كثيرون من أفراد المفهوم. هذا ولا يخفى عليك أن التقسيم إلى الحقيقى والعرفى لا يخص الاستغراق بل هو تخصيص من غير مخصص، إذ إتيان المعرف باللام أيضا لواحد مبهم يكون عرفيا وحقيقيا، إذا دخل السوق عرفى، إذ المراد سوق من أسواق البلد لا أسواق الدنيا، بل الإشارة إلى الحقيقة من حيث هى هى أيضا كذلك؛ لأنك ربما تقول فى بلد: البطيخ خير من العنب؛ لأن بطيخه خير من عنبه، فالإشارة فى كل من البطيخ والعنب إلى جنس خاص منهما بمعونة العرف؛

(1) المازني: أبو عثمان بكر بن محمد بن حبيب المازني، أحد أئمة النحو، ولد بالبصرة وتوفي فيها عام 249 هـ.

(2)

الرعد: 9، الحشر:22.

ص: 321

ولذا قد يعكس ذلك فى بلد آخر وهكذا، دقيقة قد أبدعها السكاكى، واتخذها من جاء بعده مذهبا يشعر به قوله فى صدر هذا البحث:«وهاهنا دقيقة» والحق أن لا استغراق إلا حقيقيا، والتصرف فى أمثال هذا المثال فى الاسم المعرف حيث خص ببعض مفهومه بقرينة التعارف، فأريد بالصاغة إحدى الصاغتين، وأدخل اللام واستفيد العموم.

فإن قلت: لم لم يجعل الصاغة عهدا تقديريا؟ قلت: لا نزاع فى صحته، وإنما الكلام فيما إذا أريد بها كل صاغة. ولو نازعت فى الإرادة يقطع نزاعك، وبالعدول إلى التمثيل بقولنا: جمع الأمير كل صاغة، ولما كان المثنى أشمل من المفرد، والجمع من المثنى، وكان الغرض من وضعهما الشمول لقصور المفرد عنه، وكان يتبادر إلى الوهم أن الجمع المستغرق أشمل من المثنى، والمثنى المستغرق أشمل من المفرد المستغرق إذ زاد موجب الشمول نبه على فساده بأن استغراق المفرد يكون أشمل، واعتمد على أنه يتنبه الفطن منه؛ لأن استغراق المثنى منه يكون أشمل من الجميع فقال:(واستغراق المفرد أشمل)(1) أى: استغراق ما هو مفرد فى المعنى سواء كان مفردا فى اللفظ أو لا كالجمع المحلى باللام الذى بطل فيه معنى الجمعية أشمل من الجمع بحسب المعنى سواء كان جمعا صورة أو مفردا نحو: قوم ورهط ولم يقصد بذلك الحكم الكلى، والأظهر منه عبارة المفتاح، واستغراق المفرد يكون أشمل، والأظهر منهما قد يكون فلا يتجه أن قوله:(بدليل صحة «لا رجال فى الدار» إذا كان فيها رجل أو رجلان دون لا رجل) لا يتم؛ لأن الصورة الجزئية لا تثبت الدعوى الكلية؛ ولأنه معارض بأنه يصح «لا يطيق حمل هذا الحجر رجل» ، حيث يطيقه رجلان أو رجال دون لا يطيقه رجال، وينساق الفهم مما ذكره إلى استغراق المثنى أشمل من استغراق الجمع، واستغراق جمع القلة أكثر من استغراق جمع الكثرة، واستغراق كل جمع محصور أشمل مما فوقه، فقولك: لا عشرة رجال أشمل من لا عشرين رجالا حتى أنه كان الواضح

(1) هذا صحيح في استغراق النكرة المنفية، أما استغراق المعرف باللام، فالمفرد والجمع فيه سواء، ولهذا كان قوله تعالى: النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ [الأحزاب: 6] شاملا لكل مؤمن، وليس خاصّا بجماعات المؤمنين.

ص: 322

أن يقول: واستغراق المشمول أشمل من استغراق الشامل.

قال الشارح المحقق: وإنما أورد البيان (بلا) التى لنفى الجنس؛ لأنها نص فى الاستغراق نحو: ما من رجل فى الدار؛ لأن زيادة «من» بعد النفى للتنصيص على الاستغراق، وبناء اسم «لا» لتضمنه معنى «من» حتى لا يصح «لا رجل بل رجلان» بخلاف لا رجل بالرفع فإنه ظاهر فيه حتى يصح صرفه عن الاستغراق بالقرينة نحو: ما جاءنى رجل بل رجلان، وذلك يحتمل وجهين:

أحدهما: ما ذكره السيد السند يعنى: أنه أورد بيان الدعوى فيما هو نص فى الاستغراق؛ لأنه إذا لم يشمل نفى الجمع مع كون النفى نصا فى الاستغراق الواحد والاثنين فعدم شمول جموع ليس نصا فيه بطريق الأولى، فيتضح بذلك ثبوت المدعى، ويعارضه أن المفرد فيما ليس نصا فى الاستغراق إذا كان شاملا لما لا يشمله الجمع كان شموله فيما هو نص فيه بطريق الأولى.

وثانيهما: أنه يعنى أنه لا ريبة فى صحة قوله دون «لا رجل» بالفتح؛ لأنه نص فى الاستغراق بخلاف «لا رجل فى الدار» بالرفع فإن عدم صحته خفى إذ يصح أن يقال: لا رجل فى الدار بل رجلان، ولو جعل لا رجال بالفتح، ولا رجل بالرفع، لكان عدم شمول: لا رجال بالرفع، وشمول: لا رجل بالفتح بطريق الأولى، وأورد على كون زيادة «من» موجبا للاستغراق القطعى قول الأئمة: ما من عام إلا وقد خص منه البعض، فإنه ليس نصا فى العموم وإلا لم يكن مخصوص البعض فيكذب نفسه، وأجيب بأنه مبالغة وادعاء لا يقبل الكذب، ومما يدل على الدعوى صحة «كل رجال جاءونى» مع تخلف رجل أو رجلين دون «كل رجل جاءنى» ولا يضره صحة كل رجل تسعه الدار دون كل رجال فتذكر.

وإنما لم يتعرض فى بيان كون استغراق المفرد أشمل للمعرف باللام مع أن عقد البحث له؛ لأن استغراق الجمع المعرف باللام فى الأكثر لإحاطة كل فرد من الجنس لا لإحاطة كل جمع، صرح بذلك أئمة الأصول والنحو، وصرح بتفسير كل جمع معرف باللام بكل فرد فرد دون جماعة جماعة أئمة التفسير كلهم.

وقال السيد السند فى حواشى شرح التلخيص: كأنه بطلت الجمعية فى المحلى

ص: 323

باللام لأنه يلزم من اعتبار كل جماعة تكرار الحكم على الجماعات إذ ما من جماعة إلا وهى داخلة فى جماعة فوقها ونحن نقول: يلزم تكرار الحكم على آحاد الجنس أيضا؛ إذ ما من واحد إلا وهو داخل فى جماعات متعددة فإن قلت: أيلزم التكرار فى استغراق المفرد أيضا لأن الحكم على كل واحد حكم على كل اثنين وعلى جماعة؟ قلت: هذا من قبيل استثناء الثبوت بالإثبات أو ثبوت الحكم لكل واحد يستلزم الثبوت استثناء لكل اثنين ولكل جماعة، لكن الحكم على كل واحد لا يستلزم الحكم على الاثنين، فإن قلت: جعل الجمع مستغرقا للمجموع لا يمكن بدون التكرار فهو ضرورى، والتكرار بالضرورى يعفى عنه قلت: قولنا: كأنه بطلت الجمعية لذلك، وفيه إشارة إلى أن إهمال الجمعية العائدة إلى أمر اللفظ أهون من ارتكاب التكرار؛ لأن فيه إهمال جانب المعنى ولا يخفى أن المثنى المستغرق أيضا يستلزم التكرار؛ إذ قولنا كل رجلين يستلزم دخول زيد مثلا مرارا غير متناهية فى الحكم، ولم يثبت أنه بمعنى كل رجل، وبالجملة هذا الجمع المحلى باللام داخل فى استغراق المفرد، فنقض الشارح القاعدة الكلية به باطل لما عرفت سابقا من وجهين فتذكر.

وقد يأتى الجمع المعرف باللام لإرادة الجميع فيكون: جاءنى الرجال فى معنى جاءنى جميع الرجال، وهو هذا المعنى ليس دون المفرد فى الشمول، ووجه إفادة استغراق الأجزاء مع أن اللام ليس معناه إلا تعريف المفهوم هو أن الأولى بالقصد فى المقام الخطابى الفرد الأشمل من الجمع، وجزء ليس بأولى من جزء فيشمل جميع الأجزاء.

واعلم أن السيد السند جعل «لا رجال» محتملا لأن يقصد به معنى لا رجل تحرزا عن التكرار كما فى المعرف باللام وفيه بحث؛ لأنه يتوقف على أن يثبت قصد معنى المفرد به من أئمة اللغة، ولا يصح البناء على ما هو الباعث على إبطال معنى الجمعية فى المعرف باللام؛ لأنه سر نحوى لا يطرد، على أنه يمكن الفرق بأن مقام المبالغة فى النفى كما تشهد له زيادة «من» الاستغراقية يدفع بشاعة التكرار، ولا تعويل على ما روى عن ابن عباس، رضى الله تعالى عنه أن الكتاب أكثر من الكتب وإن قال الزمخشرى أيضا فى تفسير قوله تعالى: وَالْمَلَكُ

ص: 324

عَلى أَرْجائِها (1) أن الملك أكثر من الملائكة متابعة لهذا المروى؛ لأن ما حققناه سابقا مما وثّقه الكثيرون وتبعه الكشاف فى مواضع كثيرة وما قاله المفتاح:

إنّ فى اختيار المفرد المستغرق على الجمع المستغرق تكثيرا للمعنى بتقليل اللفظ، ولهذا ألطف قوله تعالى: وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي (2) لإفادته وهن كل عظم بخلاف وهن العظام فإنه يصحح وهن العظام بوهن البعض إما مبنى عليه فيكون ضعيفا وإما مبنى على أنه ربما يقصد بالجمع المعرف باللام المجموع من حيث المجموع ولهذا لا يلزم فى قولك: للرجال علىّ درهم إلا درهم واحد، فلما كان وهن العظام يحتمل أن يكون هذا المعنى قصد بتقليل اللفظ إلى تكثير المعنى قطعا فحكم الشارح المحقق ببطلان قوله: لا يخلو عن وهن. فإن قلت: لا يصح الحكم بمجىء الرجال من حيث المجموع مع تخلف واحد فكيف يصح وصف مجموع العظام بالوهن مع عدم وهن بعض؟ قلت: لأنه إذا قل قوة المجموع ثبت للمجموع وهن، إذ لم يبق القوة التى تعلقت بالمجموع بخلاف المجىء، فإنه لا يثبت للمجموع، إذا لم يثبت لجزء.

اعلم أن من لا يفرق بين الجمع المحلى باللام والمفرد كذلك فى جانب الكثرة يوافق من يفرق بينهما فى جانب القلة؛ إذ لا يصلح أن يراد بالجمع الجنس فى ضمن الواحد، اتفاقا بخلاف المفرد فإنه يصلح أن يراد به الجنس فى ضمن أى بعض إلى الواحد وهذا لا ينافى ما تقدم من أن الجمع المستغرق بطل جمعيته؛ لأنه من خواص الجمع المستغرق للزوم التكرار مع بقاء الجمعية، والمعرف بلام الجنس لا يستدعى بطلان الجمعية لعدم الموجب لا يقال: من حلف لا يتزوج النساء يحنث بتزوج واحدة وعليه قوله تعالى: لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ (3) فقد أريد بالجمع المعرف باللام إلى الواحد؛ لأنا نقول هذا من قبيل المعرف بلام الاستغراق أى لا أتزوج واحدة من النساء فهو نظير وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً (4) أى لا تخاصم عن خائن، لما أثبت إفادة المعرف باللام الاستغراق بقوله تعالى: إِنَ

(1) الحاقة: 18.

(2)

مريم: 4.

(3)

الأحزاب: 52.

(4)

النساء: 105.

ص: 325

الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ (1) فالنزاع فيها إما بالمعارضة أو النقض بأن يقال: لا يفيد الاستغراق للتنافى بين الاستغراق وإفراد الاسم، أو لو صح الدليل المذكور للزم تحقق المتنافيين أولا ثم توقف صحة الاسثناء على الاستغراق؛ لأنه يستحيل الاستغراق فى المفرد، وبهذا تبين أن حق ما ذكره من الجواب أن يذكر متصلا بقوله وقد يفيد الاستغراق نحو إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ يثبت الاستغراق ويستحق أن يذكر تقسيمه وحكمه وتحقيق الجواب المشار إليه بقوله (ولا تنافي بين الاستغراق وإفراد الاسم) أى: كون الاسم مفردا مستدعيا للوحدة أو إفراد يفيده الاسم، فالإفراد بمعنى الوحدة كما سيأتى فى قوله:

وأما تنكيره فللإفراد (لأن الحرف) أى حرف التعريف الذى يكون إفادة الاسم الاستغراق بعد دخوله، وتفسيره بالحرف الدال على الاستغراق كما فى الشرح ينافي ما حقق أن مدلول الحرف ليس إلا التعريف، والاستغراق إنما يجىء من القرينة، وذكر الحرف تغليب، والواضح أن الاسم إنما يعتبر مفهومه فى ضمن جميع الإفراد مجردا عن معنى الوحدة، كيف وتنافي الاستغراق لا يختص استغراق المعرف باللام بل يجرى فى المضاف والموصول والمضاف إليه كل أيضا (إنما يدخل عليه) أى على الاسم المفرد وفيه أن الإشكال لا يخص المفرد؛ لأنه يتجه على قولك: ما جاءنى رجال وما جاءنى رجلان أيضا؛ لأن رجالا يدل على جماعة واحدة، والاستغراق يوجب تعدد الجماعة المقصودة أو على الاسم المفيد للإفراد والوحدة وحينئذ يتناول الجمع والتثنية فهذا التوجيه مرجّح فاحفظه (مجردا) اسم فاعل حال من ضمير الحرف أو اسم مفعول حال من ضمير الاسم (عن معنى الوحدة) أنه يجعل الاسم بمعنى الحقيقة من حيث هى هى بحيث لا وحدة فيها ولا تكثر، بل هى قابلة لكل منهما فيضم الكثرة معها بقرينة الاستغراق، فإن قلت: هذا ظاهر فى قولك «الرجل» لخلوه عن التنوين الدال على الوحدة، وأما فى قولك ما جاءنى رجل أو رجال فمشكل لوجود الدال على الوحدة.

قلت: التنوين له دلالتان: دلالة على التمكن أو دلالة على الوحدة فإذا لم تصح الوحدة تحمل على التمكن كتنوين زيد، نعم التنوين فى الاسم الغير المتمكن

(1) العصر: 2، 3.

ص: 326

نحو «صه» لا يفارق عن الوحدة احتزازا عن اللغو، وهذا الجواب لا يتم فى بعض الصور إلا على سبيل الجدل فإن ما جاءنى رجل لم يجرد عن الوحدة بل أريد به الوحدة المطلقة فعمت بدخول النفى لإبهامها، وكذا فى ما جاءنى رجال وليس هذا الجواب مبنيا على جعل اسم الجنس موضوعا للفرد؛ إذ لو كان موضوعا للحقيقة المتحدة فلا وحدة حتى يجرد عنها؛ لأن التنوين جعله ذا وحدة وأما ما ذكره السيد السند أن اسم الجنس لما استعمل فى التراكيب لبيان الأحكام وكان أكثر الأحكام جارية على الماهية فى ضمن فرد شاع اسم الجنس مع اعتبار الوحدة، وصار بحيث يتبادر منه الفرد لإلف النفس كأنه دال على الوحدة، فإذا دخل عليه حرف الاستغراق جرّد عن هذا العارض الذى هو منشأ الاعتراض فلا يخفى ما فيه، إذ غلبة الأحكام على الماهية فى ضمن الفرد لا توجب كون إرادة الفرد منه أكثر حتى يتبادر منه؛ لأن المراد بالأخبار والأحوال والأوصاف هى المفهومات دون الأفراد (ولأنه) أى: الاسم المستغرق (بمعنى كل فرد لا مجموع الأفراد) وأنه يجتمع التعدد مع الوحدة؛ لأنه بمعنى كل واحد لا مجموع الآحاد، والكل المتناول للمتعدد واحد أو واحدا على سبيل البدل لا ينافى الوحدة؛ ولذا صح كل واحد (ولهذا امتنع وصفه بنعت الجمع) بأن يجعل الجمع نعتا له وكذا امتنع جعله حالا عنه وخبرا له، والأولى ترك النعت ليعم الكل.

ومما جعله المصنف علة للامتناع: المحافظة على التشاكل اللفظى، ويتجه عليه أن التشاكل اللفظى لا يجب؛ ولهذا صحح «القوم الفاضل والفاضلون» فلا يصير سببا للامتناع، والتحقيق أن المراد بالمعرف موصوفا أو صفة نفس الحقيقة المجردة عن الوحدة والكثرة، والكثرة إنما جاءت من القرينة فلا يصح جمع ما أريد به الحقيقة المطلقة من غير كثرة، وإن اقتضت القرينة اعتبار المتعدد من غير قصده بالمعرف. فإن قلت: كيف يمتنع الوصف بنعت الجمع، ولام الاستغراق نبطل الجمعية، ويصير اللفظ معه فى حكم المفرد فليوصف بالجمع الذى بطلت جمعيته؟

قلت: النعت وأخواته يراد به المفهوم لا كل فرد حتى يبطل معنى الجمعية بالاستغراق، والمراد امتناع وصفه بنعت الجمع إذا كان مفردا وإلا فلأن يمتنع وصف رجال فى ما جاءنى رجال بنعت الجمع، ولهذا امتنع أيضا إرجاع ضمير

ص: 327