الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خاتمة: فى السّرقات الشّعريّة، وما يتّصل بها، وغير ذلك
(2/ 489) اتفاق القائلين إن كان فى الغرض على العموم- كالوصف بالشجاعة، والسخاء، ونحو ذلك- فلا يعدّ سرقة؛ لتقرّره فى العقول والعادات. وإن كان فى وجه الدّلالة؛ كالتشبيه، والمجاز، والكناية، وكذكر هيئات تدلّ على الصفة؛ لاختصاصها بمن هى له- كوصف الجواد بالتهلّل عند ورود العفاة، والبخيل بالعبوس مع سعة ذات اليد-: فإن اشتراك الناس فى معرفته لاستقراره فيهما (1)؛ كتشبيه الشجاع بالأسد، والجواد بالبحر، فهو كالأول؛ وإلّا جاز أن يدّعى فيه السبق والزيادة.
وهو (2) ضربان:
خاصّىّ فى نفسه غريب، وعامى تصرّف فيه بما أخرجه من الابتذال إلى الغرابة؛ كما مر.
(2/ 491) فالسرقة والأخذ نوعان: ظاهر، وغير ظاهر.
(2/ 491) أما الظاهر: فهو أن يؤخذ المعنى كلّه، إمّا مع اللفظ كلّه، أو بعضه، أو وحده:
فإن اخذ اللفظ كلّه من غير تغيير لنظمه: فهو مذموم؛ لأنه سرقة محضة، ويسمى نسخا وانتحالا؛ كما حكى عن عبد الله بن الزبير أنه فعل ذلك بقول معن ابن أوس (3) [من الطويل]:
إذا أنت لم تنصف أخاك وجدته
…
على طرف الهجران إن كان يعقل
(1) أى فى العقول والعادات، وقد تصفحت إلى (فيها).
(2)
يعنى النوع الذى لم يشترك الناس فى معرفته.
(3)
حكى أن عبد الله بن الزبير دخل على معاوية فأنشده هذين البيتين، فقال له معاوية: لقد شعرت بعدى يا أبا بكر، ولم يفارق عبد الله المجلس حتى دخل معن بن أوس المزنى، فأنشد قصيدته التى أولها:
لعمرك وما أدرى وإنى لأوجل
…
على أينا تعدو المنية أول
حتى أتمها، وفيها هذان البيتان، فأقبل معاوية على ابن الزبير وقال: ألم تخبرنى أنهما لك؟
فقال: اللفظ له والمعنى لى، وبعد فهو أخى من الرضاعة، وأنا أحق بشعره.
ويركب حدّ السّيف من أن تضيمه
…
إذا لم يكن عن شفرة السّيف مزحل
وفى معناه: أن يبدل بالكلمات كلّها أو بعضها ما يرادفها.
(2/ 494) وإن كان مع تغيير لنظمه أو أخذ بعض اللفظ، سمّى: إغارة ومسخا.
(2/ 494) فإن كان الثانى أبلغ؛ لاختصاصه بفضيلة: فممدوح؛ كقول بشّار [من البسيط]:
من راقب النّاس لم يظفر بحاجته
…
وفاز بالطّيّبات الفاتك اللهج (1)
وقول سلم [من مخلّع البسيط]:
من راقب النّاس مات غمّا (2)
…
وفاز بالّلذة الجسور (3)
(2/ 496) وإن كان دونه: فمذموم، كقول أبى تمّام [من الكامل]:
هيهات لا يأتى الزّمان بمثله
…
إنّ الزّمان بمثله لبخيل (4)
وقول أبى الطيب [من الكامل]:
أعدى الزّمان سخاؤه فسخا به
…
ولقد يكون به الزّمان بخيلا (5)
(2/ 498) وإن كان مثله: فأبعد عن الذمّ، والفضل للأوّل؛ كقول أبى تمام [من الكامل]:
لو حار مرتاد المنيّة لم يجد
…
إلّا الفراق على النّفوس دليلا
وقول أبى الطيب [من البسيط]:
لولا مفارقة الأحباب ما وجدت
…
لها المنايا إلى أرواحنا سبلا
(2/ 500) وإن أخذ المعنى وحده سمى: إلماما وسلخا، وهو ثلاثة أقسام
(1) لبشار فى ديوانه ص 60، وأورده محمد بن على الجرجانى فى الإشارات ص 309.
(2)
فى المتن (همّا).
(3)
أورده محمد بن على الجرجانى فى الإشارات ص 309 وعزاه لسلم الخاسر.
(4)
البيت لأبى تمام فى مدح محمد بن حميد، ديوانه ص 226، والإشارات ص 309.
(5)
البيت للمتنبى فى مدح بدر بن عمار، ديوانه 3/ 336.
كذلك:
أولها: كقول أبى تمام [من الطويل]:
هو الصّنع إن يعجل فخير وإن يرث
…
فللرّيث فى بعض المواضع أنفع
وقول أبى الطيب [من الخفيف]:
ومن الخير بطء سيبك عنّى
…
أسرع السّحب فى المسير الجهام
(2/ 501) وثانيها: كقول البحترى [من الكامل]:
وإذا تألّق فى النّدىّ كلامه ال
…
مصقول خلت لسانه من عضبه (1)
وقول أبى الطيب [من البسيط]:
كأنّ ألسنهم فى النّطق قد جعلت
…
على رماحهم فى الطّعن خرصانا (2)
(2/ 502) وثالثها: كقول الأعرابي (3)[من الوافر]:
ولم يك أكثر الفتيان مالا
…
ولكن كان أرحبهم ذراعا
وقول أشجع [من المتقارب]:
وليس بأوسعهم فى الغنى
…
ولكن معروفه أوسع (4)
(2/ 502) وأما غير الظاهر: فمنه أن يتشابه المعنيان؛ كقول جرير [من الوافر]:
فلا يمنعك من أرب لحاهم
…
سواء ذو العمامة والخمار
وقول أبى الطيب [من الوافر]:
ومن فى كفّه منهم قناة
…
كمن فى كفّه منهم خضاب (5)
(1) العضب: السيف القاطع.
(2)
جمع خرص بالضم والكسر، وهو السنان.
(3)
أورده محمد بن على الجرجانى فى الإشارات ص 312، وفيه الشطر الأول: وما إن كان أكثرهم سواما.
(4)
أورده محمد بن على الجرجانى فى الإشارات ص 312.
(5)
القناة: الرمح.
(2/ 503) ومنه: النقل؛ وهو: أن ينقل المعنى إلى معنى آخر؛ كقول البحترى [من الكامل]
سلبوا وأشرقت الدّماء عليهم
…
محمرّة فكأنّهم لم يسلبوا (1)
وقول أبى الطيب [من الكامل]:
يبس النّجيع عليه وهو مجرّد
…
من غمده فكأنّما هو مغمد (2)
(2/ 503) ومنه: أن يكون الثانى أشمل؛ كقول جرير [من الوافر]:
إذا غضبت عليك بنو تميم
…
وجدت النّاس كلّهم غضابا (3)
وقول أبى نواس [من السريع]:
وليس على الله بمستنكر
…
أن يجمع العالم فى واحد (4)
(2/ 504) ومنه: القلب؛ وهو أن يكون معنى الثانى نقيض معنى الأوّل؛ كقول أبى الشّيص [من الكامل]:
أجد الملامة فى هواك لذيذة
…
حبّا لذكرك فليلمنى اللّوّم (5)
وقول أبى الطيب [من الكامل]:
أأحبّه وأحبّ فيه ملامة
…
إنّ الملامة فيه من أعدائه (6)
(2/ 505) ومنه: أن يؤخذ بعض المعنى، ويضاف إليه ما يحسّنه؛ كقول الأفوه [من الرمل]:
(1) البيت للبحترى، ديوانه 1/ 76، والإشارات ص 713.
(2)
البيت للمتنبى من قصيدة يمدح فيها شجاع بن محمد الطائى، ديوانه 1/ 337، والإشارات ص 313.
والنجيع: الدم.
(3)
البيت لجرير من قصيدة يهجو فيها الراعى النميرى، ديوانه ص 78، والإشارات ص 313، وفى المتن (على) بدلا من (عليك).
(4)
البيت لأبى نواس من قصيدة يمدح فيها الفضل بن الربيع، ديوانه ص 146، والإشارات ص 314.
(5)
أبو الشيص: هو محمد بن رزين الخزاعى، أورده الجرجانى فى الإشارات ص 314.
(6)
لأبى الطيب المتنبى فى ديوانه 1/ 1، والإشارات ص 314.