المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

قولك: المنطلق زيد، وكون الفصل له غير ثبت وإنما هو - الأطول شرح تلخيص مفتاح العلوم - جـ ١

[العصام الأسفراييني]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المحقق

- ‌ترجمة المؤلف

- ‌متن كتاب التّلخيص في علوم البلاغة وهو تلخيص كتاب «مفتاح العلوم» للسّكاكيّ

- ‌كلمة الافتتاح

- ‌مقدّمة فى بيان معنى الفصاحة، والبلاغة

- ‌الفنّ الأوّل علم المعاني

- ‌تنبيه (1/ 213) صدق الخبر: مطابقته للواقع، وكذبه: عدمها

- ‌أحوال الإسناد الخبريّ

- ‌إخراج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر

- ‌أحوال المسند إليه

- ‌أولا: حذف المسند إليه، وذكره

- ‌ثانيا: تعريف المسند إليه، وتنكيره

- ‌[أتعريفه]

- ‌تعريف المسند إليه بالعلمية:

- ‌تعريف المسند إليه بالموصليّة:

- ‌تعريف المسند إليه بالإشارة:

- ‌تعريف المسند إليه باللام:

- ‌تعريف المسند إليه بالإضافة:

- ‌ب- تنكير المسند إليه

- ‌ثالثا: إتباع المسند إليه، وعدمه

- ‌وصف المسند إليه:

- ‌توكيد المسند إليه:

- ‌بيان المسند إليه:

- ‌الإبدال من المسند اليه:

- ‌العطف على المسند إليه:

- ‌رابعا:‌‌ تقديم المسند إليه، وتأخيره:

- ‌ تقديم المسند إليه

- ‌رأى عبد القاهر:

- ‌رأى السكاكى:

- ‌تأخير المسند إليه:

- ‌إخراج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر:

- ‌أحوال المسند

- ‌ترك المسند اليه:

- ‌ذكر المسند إليه:

- ‌وأما تنكيره:

- ‌وأما تخصيصه بالإضافة أو الوصف:

- ‌وأما تركه:

- ‌وأما تعريفه:

- ‌وأما كونه جملة:

- ‌وأما تأخيره:

- ‌وأما تقديمه:

- ‌تنبيه

- ‌أحوال متعلّقات الفعل

- ‌القصر

- ‌[طرق القصر]

- ‌منها: العطف

- ‌ومنها: النفى والاستثناء

- ‌ومنها: إنّما

- ‌ومنها: التقديم

- ‌الإنشاء

- ‌منها التمنّي

- ‌ومنها: الاستفهام

- ‌ومنها: الأمر

- ‌ومنها: النهي

- ‌[ومنها: العرض]

- ‌ومنها: النداء

- ‌الفضل والوصل

- ‌الإيجاز والإطناب والمساواة

- ‌(المساواة)

- ‌(الإيجاز)

- ‌(الإطناب)

- ‌الفنّ الثاني علم البيان

- ‌ التشبيه

- ‌ طرفاه

- ‌ ووجهه

- ‌أركان التشبيه

- ‌(الغرض من التشبيه)

- ‌خاتمة

- ‌الحقيقة والمجاز

- ‌ الاستعارة

- ‌المجاز المرسل

- ‌المجاز المركّب

- ‌فصل (2/ 305) عرّف السكاكى الحقيقة اللغوية بالكلمة المستعملة فيما وضعت له، من غير تأويل فى الوضع

- ‌فصل (2/ 332) حسن كل من التحقيقيّة والتمثيل

- ‌فصل (2/ 336) وقد يطلق المجاز على كلمة تغيّر حكم إعرابها

- ‌(الكناية)

- ‌فصل (2/ 360) أطبق البلغاء على أنّ المجاز والكناية أبلغ من الحقيقة والتصريح

- ‌الفنّ الثالث علم البديع

- ‌ المطابقة

- ‌المحسّنات المعنويّة

- ‌المقابلة

- ‌مراعاة النظير

- ‌الإرصاد

- ‌المشاكلة

- ‌المزاوجة

- ‌العكس

- ‌الرجوع

- ‌التورية

- ‌الاستخدام

- ‌اللف والنشر

- ‌الجمع

- ‌التفريق

- ‌التقسيم

- ‌الجمع مع التفريق

- ‌الجمع مع التقسيم

- ‌الجمع مع التفريق والتقسيم

- ‌التجريد

- ‌المبالغة

- ‌المذهب الكلامي

- ‌حسن التعليل

- ‌التفريع

- ‌تأكيد المدح بما يشبه الذم

- ‌تأكيد الذم بما يشبه المدح

- ‌الاستتباع

- ‌الإدماج

- ‌التوجيه

- ‌الهزل يراد به الجد

- ‌تجاهل العارف

- ‌القول بالموجب

- ‌الاطراد

- ‌المحسنات اللفظية

- ‌رد العجز على الصدر

- ‌السجع

- ‌الموازنة

- ‌القلب

- ‌التشريع

- ‌لزوم ما لا يلزم

- ‌خاتمة: فى السّرقات الشّعريّة، وما يتّصل بها، وغير ذلك

- ‌ الاقتباس

- ‌التضمين

- ‌العقد

- ‌الحلّ

- ‌التلميح

- ‌فصل (2/ 523) ينبغى للمتكلّم أن يتأنّق فى ثلاثة مواضع من كلامه

- ‌[الخطبة]

- ‌[تسمية الكتاب]

- ‌[مقدمة]

- ‌[(الفصاحة)]

- ‌[والبلاغة]

- ‌[فالتنافر]

- ‌[والغرابة]

- ‌[والمخالفة]

- ‌[قيل ومن الكراهة في السمع]

- ‌[وفي الكلام خلوصه]

- ‌[أما في النظم]

- ‌[وأما في الانتقال]

- ‌[قيل ومن كثرة التكرار]

- ‌[وفي المتكلم ملكة يقتدر بها]

- ‌[والبلاغة في الكلام]

- ‌[فمقتضى الحال]

- ‌[ولها طرفان: ]

- ‌[وأن البلاغة مرجعها إلى الاحتراز]

- ‌(الفن الأول: علم المعاني)

- ‌[صدق الخبر]

- ‌(أحوال الإسناد الخبري)

- ‌[وقد ينزل العالم بهما منزلة الجاهل]

- ‌[ثم الإسناد منه حقيقة عقلية]

- ‌[ومنه مجاز عقلي]

- ‌[وأقسامه أربعة]

- ‌(أحوال المسند إليه)

- ‌[أما حذفه فللاحتراز عن العبث]

- ‌[وأما ذكره فلكونه إلخ]

- ‌[وأما تعريفه]

- ‌[فبالإضمار 291

- ‌[وأصل الخطاب]

- ‌[وبالعلمية]

- ‌[وبالموصولية]

- ‌[وبالإشارة]

- ‌[وباللام]

- ‌[وقد يفيد الاستغراق]

- ‌[وبالإضافة]

- ‌[وأما تنكيره]

- ‌[وأما وصفه]

- ‌[وأما توكيده]

- ‌[وأما بيانه]

- ‌[وأما الإبدال منه]

- ‌[وأما العطف]

- ‌[وأما الفصل]

- ‌[وأما تقديمه]

- ‌[وإن بنى الفعل على منكر]

- ‌[ومما نرى تقديمه كاللازم]

- ‌[مبحث كلمة كل]

- ‌[وأما تأخيره فلاقتضاء المقام]

- ‌[ويسمى هذا النقل عند علماء المعاني التفاتا]

- ‌[أحوال المسند أما تركه فلما مر]

- ‌[وأما ذكره فلما مر]

- ‌[وأما إفراده فلكونه غير سبب]

- ‌[وأما كونه فعلا فللتقييد بأحد الأزمنة الثلاثة]

- ‌[وأما كونه اسما فلإفادة عدمهما]

- ‌[وأما تقييد الفعل بمفعول ونحوه وأما تركه فللمانع منهما]

- ‌[وأما تقييده بالشرط]

- ‌[وأما تنكيره فلإرادة عدم الحاصر والعهد]

- ‌[وأما تخصيصه بالإضافة أو الوصف فلكون الفائدة أتم]

- ‌[وأما تعريفه فلإفادة السامع حكما]

- ‌(أحوال متعلقات الفعل)

- ‌[الحذف وأغراضه]

- ‌[أنواع القصر]

- ‌[شروط قصر الموصوف على الصفة]

- ‌(الإنشاء)

- ‌[أنواعه]

- ‌[من أنواع الطلب]

الفصل: قولك: المنطلق زيد، وكون الفصل له غير ثبت وإنما هو

قولك: المنطلق زيد، وكون الفصل له غير ثبت وإنما هو مما وهمه بعض من عبارة الكشاف في تفسير وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (1) ولكون بيانه متعلقا بمقام آخر لو بسطنا الكلام فيه لتساءمون ولقد سمعتم نبذا منه في بحث التعريف باللام إن كنتم ما يهمكم تحفظون.

[وأما تقديمه]

(وأما تقديمه) أي: تقديم المسند إليه على غيره من أجزاء الكلام فيشتمل تقديم الفاعل على المفعول، والتعميم أولى من تقدير على المسند موافقا للمفتاح لجريان أكثر النكات فبينه وبين قوله في أحوال متعلقات الفعل وتقديم بعض معمولاته على بعض

إلخ عموم من وجه ففي ترك المصنف قول المفتاح على المسند تكثير المعنى بإيجاز اللفظ فتقدير الشارح على المسند تفويت لما قصده المصنف، والتقديم يقتضي وجوده لا على صفة التقديم، وذلك بأن يكون حقه المقام المتأخر إما على الصفة التي هي الآن عليه كتقديم المفعول على الفاعل فإن حق المفعول المقام المتأخر، وإما على صفة أخرى لو وجد متأخرا كان على هذه الصفة كما في تقديم المسند إليه بجعله مبتدأ ولو جعلته فاعلا حقه المقام المتأخر والأشبه بإطلاق التقديم هو القسم الأول؛ لأنه يتوهم في شأنه أنه إذا كان متأخرا غير إلى التقديم لكون حقه أن يكون متأخرا والقسم الثاني إنما يسمى تقديما؛ لأنه أوجد مقدما لا لأنه غير من التأخير إلى التقديم، كما أن ذكر المسند إليه الذي ليس حقه التأخير باعتبار نحو زيد إنسان مقدما يسمى تقديما بهذا المعنى، ولهذا قال صاحب الكشاف: إن التقديم إنما يوصف به المزال لا القار في مكانه مع أنه كثر منه إطلاق التقديم على القار ونظيره «صغر» فإن صغر الجسم معناه جعل الكبير صغيرا، وقولهم: صغر الله جسم البعوضة معناه أوجده صغيرا وضعوا الإمكان موضع الفعل فكما أن الصغير الثاني مجاز في اللغة كذلك التقديم مجاز في عرف أرباب الفن في غير الأول، وتقديم المسند إليه مطلقا من القسم المجازي كما أن تقديم المفعول على الفاعل أو على الفعل من القسم الحقيقي، فإما أن يراد بالتقديم في عباراتهم ما يشمل التقديم الحقيقي والمجازي مطلقا ليكون استعمال التقديم على نحو واحد، وأما أن يستعمل فيما يقتصر على المجاز في المعنى المجازي

(1) البقرة: 5.

ص: 365

وفيما يقتصر على الحقيقة في المعنى الحقيقي كما في تقديم المسند.

(فلكون ذكره) أي: المسند إليه (أهم) من ذكر باقي أجزاء الكلام لا من ذكر المسند فإنه قاصر كما عرفت ولا من الحذف فإنه حينئذ يكون مرجحا للذكر على الحذف لا للتقديم على غيره. ومعنى كون ذكره أهم أن العناية به أكثر من العناية بذكر غيره ومن البين أن لا جهة لتقديم فعل على فعل إلا كون العناية بالمتقدم أكثر والاهتمام به أوفر، وكون الاهتمام موجبا للتقديم وصحة كون التقديم لا لاهتمام بينة مستغنية عن بيان ما به الاهتمام لكن كون التقديم على وفق مقتضى الحال يوجب أن يكون له جهة من جهات يدعو البليغ إليه فمن قال يكفي أن يقال:

قدم للعناية يريد أنه إذا وقع تقديم من البليغ يكفي ذلك القول؛ إذ لا خفاء في أن ما دعاه إلى الاهتمام أمر معتبر في البلاغة وحيث قال الشيخ: إنا لم نجدهم اعتمدوا في التقديم شيئا يجري مجرى الأصل غير العناية والاهتمام، لكن ينبغي أن يفسر وجه العناية بشيء ويعرف فيه معنى يريد أن صاحب علم المعاني ينبغي أن يفسره ليعلم المتعلم الكاسب للبلاغة الجهات المعتبرة عند البلغاء فلذلك جعل المصنف- اقتفاء للمفتاح- سبب التقديم الأهمية ثم فسر وجوهها بقوله (إما لأنه) ظاهره إما لأن المسند إليه (الأصل) وهو موجه لأن كل ما يذكر من غيره متطفل على ذكره ولبيانه ولتحصيل معرفته بالإحاطة بحاله وحينئذ يحتاج قوله (ولا مقتضي للعدول عنه) إلى تكلف بإرجاع الضمير إلى كونه الأصل حتى يكون المعنى ولا مقتضى للعدول عن كونه الأصل أي: عن مقتضاه وهو كونه أهم مما يتفرع عليه، لكن لا خفاء في جعله وسيلة إلى الأهمية الداعية إلى التقديم، وفي المفتاح إما لأن أصله التقديم ولا مقتضى للعدول عنه فلذا فسر الشارح المحقق: ضمير لأنه بتقديم المسند إليه، ولا يخفى أن كون تقديم المسند إليه الأصل بلا مقتضى عدول يوجب التقديم من غير أن يلاحظ أنه يوجب الأهمية وكأنه لهذا جعل الشيخ الاهتمام جاريا مجرى الأصل إذ نكتة تقديم لا يكون تحته نادرة ككون التقديم الأصل بلا اقتضاء العدول، ويمكن أن يقال: ملاحظة كون التقديم الأصل وعدم موجب العدول بجعل ذكره أهم وكون المسند إليه أو تقديمه الأصل ليس لكونه محكوما عليه بل لكونه مسندا إليه حتى يستحق التقديم في

ص: 366

الإنشائية أيضا وإنما قال: ولا مقتضى للعدول عنه لأنه لا تقدم مع مقتضى العدول، ولهذا لم يقدم الفاعل على الفعل؛ لأن كون المسند عاملا يقتضي العدول عن تقديم المسند إليه لأن مرتبة العامل قبل مرتبة المعمول.

فإن قلت: كيف يوجب كون المسند عاملا لتقديم المسند والعدول عن تقديم المسند إليه غايته أن يتعارض العاملية والأصل الذي في المسند إليه فلا بد من أمر آخر حتى يتم اقتضاء العدول، قلت: كون الفعل عاملا حال نفسه، وكون المسند إليه الأصل باعتبار مدلوله وما للشيء باعتبار نفسه أقوى مما له باعتبار مدلوله ولك أن تقول: إن المقتضى للعدول عن الأصل في الفاعل التباسه بالمبتدأ أو التباس العامل اللفظي بالعامل المعنوي أو التباس علامة الفاعلية بعلامة كون الشيء مبتدأ (وإما ليتمكن الخبر) أراد به الخبر في وقت ما سواء كان خبرا في الحال أو لا؛ ليشمل البيان تقديم المفعول الأول من باب علمت على الثاني نحو أن تقول: علمت الذي حارت البرية فيه حيوانا مستحدثا من جماد، ولا حاجة إلى التعميم لتناول خبر كان وخبر إن وخبر ما، ولا لأن الخبر يتناول الجميع كخبر المبتدأ لكن العبارة حينئذ على عموم المجاز لأن تسمية المفعول الثاني خبرا مجاز وتسمية البواقي حقيقة- ولو قال وإما ليتمكن المسند لكان واضحا إلا أنه أراد التنبيه على أن المسند في باب تقديم المسند إليه ما سوى مسند الفاعل في ذهن السامع (لأن في المبتدأ) الحاجة ماسة إلى تعميم المبتدأ أكثر مما سبق في الخبر والتشويق في تقديم المبتدأ إذ لو قدم الخبر فلا تشويق في المبتدأ المتأخر إليه فالأولى «لأن في تقديم المسند إليه» (تشويقا إليه) كما في المفتاح.

وفيه أن كون التقديم مشوقا إلى الخبر يدعو إلى التقديم لا إلى كونه أهم حتى يصح تفسير وجه الاهتمام به وقد هديت في قطع هذه المسافة، والتشويق إنما يتكامل بتطويل المسند إليه؛ ولذا قيل حتى الكلام تطويله وإنما يتمكن الخبر حين سماعه بعد التشويق؛ لأن حصول الشيء المترقب بعض الشوق ألذ وأوقع في النفس وإنما قيدنا الشيء بالمترقب لئلا ينافي ما يقال إن حصول نعمة غير مترقبة ألذ وهو كرزق من حيث لا يحتسب (كقوله) أي: أبي العلاء المعري من قصيدة يرثي بها فقيها حنفيّا: -

ص: 367

والذي حارت البريّة فيه

حيوان مستحدث من جماد (1)

يعني: تحيرت البرية في المعاد الجسماني والنشور الذي ليس بنفساني، وفي أن أبدان الأموات كيف تحيا من الرفات كذا في ضرام السقط وقيله:

بان أمر الإله واختلف النا

س فداع إلى ضلال وهاد (2)

يعني: بعضهم يقول بالمعاد، وبعضهم لا يقول به، وبهذا يتبين أن ليس المراد بالحيوان المستحدث من الجماد آدم- عليه السلام ولا ناقة صالح ولا ثعبان موسى ولا القلس على ما وقع في الشروح لأنه لا يناسب السياق، هكذا ذكره الشارح فزيف ما في الشروح بأنه يخالف ما في ضرام السقط ويخالف البيت الذي قبله، وزيد في التزييف بأنه يخالف البيت الذي بعده وهو:

اللبيب الذي من ليس يغترّ

بأن مصيره إلى الفساد (3)

وأورد عليه السيد السند في شرح المفتاح بأن تلميذ الشاعر ذكر في تنوير السقط أن المراد حيرة الناس في خلقة آدم عليه السلام من التراب، ومن البين أن كون التوجيه مخالف السياق لا يدفعه كونه من تلميذ الشاعر، ونحن نقول: كون الكلام في حشر الأجساد لا ينافي كون المراد بالحيوان المستحدث من الجماد أحد هذه الأمور بل نقول: المراد ما يعم الجميع والكلام تشبيه بليغ أي الذي تحيرت الناس فيه من الجسم المحشور ليس إلا كحيوان استحدث من الجماد والإعادة أهون من الاستحداث فبعد انكشاف الاستحداث بل تعدده لا مجال للتحير، وحينئذ لا يبعد أن يراد ما يشمل خلق الحيوانات من النطف، ومحصل الأبيات أنه ظهر أمر الإله بين العقلاء من كمال قدرته بخلق ما يكون خلق الإنسان من الرفات بالقياس إليه هينا واختلف الناس في بعث الأجساد فمنهم داع إلى ضلال وهو الإنكار ومنهم هاد إلى الاعتراف والذي تحيرت الخلق فيه حيث أنكروا ليس إلا كحيوان مستحدث من جماد واللبيب الكامل اللب من ليس يغتر بالحياة بأن

(1) البيت في داليته المشهورة بسقط الزند (2/ 1004)، والإيضاح (59)، والمصباح (15)، والمفتاح (98)، وشرح المرشدي على عقود الجمان (1/ 59)، ولطائف التبيان (51)، والإشارات والتنبيهات (46).

(2)

البيت قبل البيت السابق في داليته المشهورة.

(3)

للمعرى في داليته المشهورة بسقط الزند (2/ 1004).

ص: 368

مصيره إلى الفساد من غير المعاد فيغتنم هوى النفس ولا يعمل لما بعد الموت.

(وإما لتعجيل المسرة أو المساءة للتفاؤل أو التطير) قوله: للتفاؤل أو التطير نشر على ترتيب اللف لأن التفاؤل مشهور الاختصاص بالخير؛ فلذا لم يكتف به كالمفتاح زاد لفظ التعجيل ظنّا منه أن ما يصلح للتفاؤل موجب للمسرة بالتفاؤل به سواء كان في مستهل الكلام أو إثباته، ورد بأن التفاؤل إنما يكون في مستهل الكلام أو في أثنائه ولا يتفاؤل بغيره، وبعد بناء الكلام على أن التفاؤل والتطير يكون في غير الأول، لا يخفى أن قوله للتفاؤل لا يصلح علة لتعجيل المسرة؛ لأن التفاؤل لا يقتضي تعجيلها بل لتعجيل التفاؤل فيجب أن يجعل علة للمسرة لا لتعجيل كما جعله الشارح في المختصر، ولا يخفى أن كون المسند إليه سارّا لا يتوقف على التفاؤل به؛ لأنه إنما يسر السامع لتضمنه خيرا وإدخاله خيرا في ذهنه والمسرة كما تحصل بالتفاؤل تحصل بتذكره ما هو الواقع لأنه ربما يسره سماع صديقك وربما يسوؤه سماع عدوك فقوله للتفاؤل أو التطير مذكور على سبيل التمثيل.

(وإما لإيهام أنه لا يزول عن الخاطر أو أنه يستلذ به) أي: يوجد لذيذا لم يقل أو لأنه ليكون عطفا على أنه لا على إيهام، ويكون تحت الإيهام فإن ما يوجد لذيذا تصور المدلول لا اللفظ فاستلذاذه وهمي (وإما لنحو ذلك) هو أحسن من عبارة المفتاح «أو أشباه ذلك» وهو واضح لا يشتبه عليك ومن جملة أمثال ما مر ما قاله المفتاح: وهو كون المسند إليه متصفا بالخبر يكون هو المطلوب لا نفس الخبر، واعترض عليه المصنف بأن المراد بقوله لا نفس الخبر إن كان لا نفس تصور الخبر فما من خبر إلا وهو كذلك وإن أراد لا نفس وقوع الخبر ففيه أنه مع ذكر المسند إليه لا يكون المراد نفس وقوع الخبر بل يجب الاقتصار على المسند فعند إرادة نفس وقوع القيام لا يقال: قام زيد بل وقع القيام، ولك أن تقول:

المراد الثاني ولا خفاء في أن كون المطلوب عند ذكر إرادة المسند إليه كونه متصفا لا وقوع الخبر مما يوجب كونه أهم ويصح جعله موجبا للاهتمام الموجب للتقديم فحينئذ الخبران بمعنى وهو أحسن من جعل الخبر الأول بمعنى خبر المبتدأ والخبر الثاني بمعنى الإخبار.

والمشهور في جواب المصنف ما ذكره الشارح المحقق في أن المراد بكون المسند

ص: 369

إليه متصفا بالخبر كونه متصفا به على وجه الاستمرار، وبقوله لا نفس الخبر لا مجرد الإخبار فالخبر الثاني بمعنى الإخبار، ولعدم تنبه المصنف له خفى الحال عليه وأيد ذلك بأنه قال المفتاح كما إذا قيل لك: كيف الزاهد؟ فتقول: الزاهد يشرب، فإن كيف إنما يسأل بها عرفا عن الحال المستمرة في أكثر الأوقات فبشرب الزاهد يدل على مجرد صدور الشرب عنه في الحال أو الاستقبال، والزاهد يشرب يدل على صدوره عنه حالة فحالة على سبيل الاستمرار واعترض عليه بأن الاستمرار التجددي إنما يستفاد من المضارع بقرينة سواء قدم المسند إليه أو أخر فلا يكون وجها للتقديم، ويمكن دفعه بأن مراد المفتاح أن تقديم المسند إليه؛ لأن المطلوب اتصافه بالخبر على الاستمرار التجددي والفعل مع تقديم المسند إليه أدل عليه؛ وذلك لأن قولك: الزاهد يشرب وضع الفعل فيه موضع المفرد لأن الأصل في الخبر الإفراد، فإبزاز الاسم في صورة المضارع للدلالة على الاستمرار التجددي، وأجاب السيد السند عن اعتراض الإيضاح في شرح المفتاح بأن مراد المفتاح أنه إذا كان المطلوب موصوفية المسند إليه لا وصفية الخبر فإن للإخبار عن شرب الزاهد اعتبارين أحدهما: أن يكون الكلام في الزاهد وأنه هل يصدر عنه الشرب؟ فالمطلوب هنا: موصوفية الزاهد فيقال: الزاهد يشرب، وثانيهما: أن يكون الكلام في الشرب وأنه هل تقع وصفا للزاهد فيقال: يشرب الزاهد؟ ومنها ما قاله من أن التقديم يكون لزيادة تخصيص كما في قوله: [متى تهزز بني قطن تجدهم] أي: متى تحرك وتبعث هذه القبيلة تجدهم: [سيوفا في عواتقهم سيوف] أي: تجدهم سيوفا في قطع الأمور والنوائب وفي سرعة التحرك والسيوف لا تنتقل عن عواتقهم؛ لأنهم يكفون الأمر بذواتهم ومهابتهم من غير حاجة إلى إعمال السيوف. [جلوس في مجالسهم رزان] يحتمل أن يكون جملة مفعولا ثانيا لتجدهم أي تجدهم بهذه الصفة من كون الجلوس في مجالسهم أصحاب وقار لتأثير وقارهم في تلك الجلوس، وقيل: خبر مبتدأ محذوف أي: هم جلوس

إلخ.

[وإن ضيف ألمّ فهم خفوف](1) قالوا: هو جمع خاف بمعنى: خفيف والأظهر أن

(1) البيتان في المدح بالشجاعة والحكمة والكرم، وبنو قطن هم القوم الممدوحون، وتهزر: تهيجهم للحرب، العواتق: جمع عاتق، وهو من الكتف موضع حمالة السيف.

انظر البيتين في: التبيان للطيبي (1/ 172)، والمفتاح (105)، والإيضاح (60).

ص: 370

يجعل جمع خفيف فإنه جاء ظريف وظروف، والمراد بزيادة التخصيص ليس زيادة الحصر إذ لا يوصف الحصر بالزيادة والقلة، بل المراد: زيادة تخصيص المسند الأعم من المسند إليه بالمسند إليه؛ لأنه بالذكر يحصل التخصيص وبالتقديم زيادة التخصيص إذ بالذكر آخرا يحصل التخصيص في آخر الكلام وبالتقديم يحصل التخصيص أولا فيكون التخصيص حاصلا في أول الكلام وآخره، ولا نعني بزيادة التخصيص إلا هذا القدر ولما كان زيادة التخصيص موهمة لإرادة الحصر قال:

والمراد هم خفوف يعني: لا أنه لا خفوف إلا هم، وبهذا الدفع اعتراضان ذكرهما المصنف في الإيضاح:

أحدهما: منع كون «فهم خفوف» مفيدا للحصر لاختصاص إفادة الحصر بالخبر الفعلي.

وثانيهما: أن قوله: والمراد هم خفوف تفسير للشيء بإعادة لفظه، وربما يدفع الأول بإثبات أن الحصر يستفاد من الخبر المشتق، وإن لم يكن فعلا تمسكا بتصريح أئمة التفسير به في قوله تعالى: وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ (1) وأمثاله، ويرد بأنه لا معنى يقصد الحصر في البيت وندفعه بأن حصر الخفيف فيهم لترجيح سرعتهم في خدمة الضيف على سرعة خدمتهم نعم يتجه أنه لا يصح تقدير المسند إليه في قوله هم خفوف على أنه فاعل معنى إذ لا اعتماد لخفوف بعد تأخير المسند إليه حتى يكون له معمول فضلا عن أن يكون فاعلا معنى ودفع الشارح المحقق الثاني بأنه أراد بقوله والمراد «هم خفوف» أن المقصود من البيت للاستشهاد «هم خفوف» لا تجدهم سيوفا ولا جلوسا لاحتمال تقدير المسند إليه مؤخرا ولا ينحصر نحو ذلك فيهما، بل ذكر أمورا أخر في المفتاح (ويمكن أمور أخر بيدك المفتاح)(2)، وإنما تعرضنا لهما لما ذكرنا لك من أبحاث تعلق بهما ولا يخفي عليك أن الإجمال المطلوب بقوله:«وإما لنحو ذلك» ينبغي أن يكون بعد تمام التفصيل وبعض التفصيل يذكر فيما بعد إلا أنه أخر بعض التفصيل لئلا يتباعد المعطوف عن المعطوف عليه كثيرا وحينئذ ينبغي أن يجعل ما يذكر فيما بعد تفصيلا لبعض ما

(1) هود: 91.

(2)

كذا ذكر بالأصل ويجوز ذلك على لغة الاختصار والتعقيد.

ص: 371

اندرج في قوله «وأما

(1) عبد القاهر» أي: قال عبد القاهر.

(وقد تقدم) المسند إليه (ليفيد تخصيصه) أي: المسند إليه (بالخبر الفعلي) أي: قصر الخبر الفعلي عليه على أن الباء دخل على المقصور وتحقيقه أن تقديم المسند إليه لكونه أهم؛ لأن المخاطب إذا أصاب في أصل الحكم وأخطأ في قيد من قيوده يكون ذلك القيد أهم عند المتكلم؛ لأنه به يتقرر الصواب ويرد الخطأ فيقدم، فالتخصيص من جهات الأهمية إلا أنه جعله المصنف من جهات التقديم ولم يجعله من جهات الأهمية على طبق ما تقدم من أن لا جهة له إلا الأهمية والنكات تفسير الأهمية تنبيها على أنه كثيرا ما يوضع تفسير الأهمية ووجه العناية مكانها، ولكن ذلك يقتضي أن لا يخص التقديم لهذه النكتة بالفعل، بل يجري في كل مسند واعتذر السيد السند عن تخصيصه بما سوى الجوامد بأن معاني الجوامد كالجسم والحيوان والجوهر مثلا أمور ثابتة غير متغيرة قل ما يقع الخطأ فيها من الأمور العرفية فلن يلتفت إليها، وأما المشتقات فكلها متشاركة في سبب إفادة التخصيص، ونص السكاكي بأن وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ من هذا القبيل وكأنه أراد أنه لم يلتفت إلى الجوامد في إفادة التقديم فيها التخصيص لأنه علامة له غير واضحة وإلا فلا خفاء في وقوع التخصيص فيها نحو إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا (2)، وبعد فيتجه أن الصفة المشبهة من المشتقات للثبوت وقد جعلت التقديم فيه وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ للتخصيص وبالجملة إنما قال المصنف بالخبر الفعلي لا بالخبر الفعل؛ لأن الخبر ليس الفعل بل المركب من الفعل وغيره من أجزاء الجملة أو شبه الفعل، فالفعلي يتناول شبه الفعل فلا حاجة إلى ما اعتذر به الشرح للمصنف من أن التقييد بالفعلي مما يفهم من كلام الشيخ وإن لم يصرح به على خلاف تصريح المفتاح بعدم التقيد واشتراك الحكم بين الأخبار المشتقة ثم كون التخصيص في «ما أنا قلت» بالخبر الفعلي ليس بواضح إذ المسند إليه فيه خص بنفي الخبر الفعلي بغير المسند إليه فإن القول خص بغير المتكلم، وإنما خص به نفي القول.

(1) مكان النقط بياض بالأصل.

(2)

يس: 15.

ص: 372

وأجيب بأن الخبر الفعلي هنا نفي القول وحرف النفي من تتمة المسند ولا يعد فيه بل هو نظير لا فِيها غَوْلٌ (1) حيث جعل لتخصيص القول بعدم كونه في خمور الجنة وأورد عليه السيد السند بأنه يستدعي عدم الفرق بينه وبين «ما أنا قلت» وسيأتي الفرق ونقول: لولا الفرق لم يصح تقييد الحكم بقوله (إن ولي حرف النفي) أي: كان المسند إليه بعد حرف النفي بلا فصل، ويمكن دفعه بأن الفرق ليس في إفادة التخصيص بل في خصوصيات أخر وكيف لا وقولك «أنا ما قلت» داخل في قوله وإلا فقد يأتي للتخصيص

إلخ وقد أزال ما في قوله تخصيصه بالخبر الفعلي من خفاء بينا لك فتنبه بقوله (نحو: ما أنا قلت هذا أي: لم أقله مع أنه مقول) أي: لغيري حيث أفاد به أن التقديم لقصر المسند على المسند إليه دون العكس، ولتخصيص نفي القول دون القول، فقولك «ما أنا قلت» هذا إنما هو في شيء ثبت أنه مقول وتريد نفي كونك القائل ردا على ما زعم شركتك مع غيرك واختصاصك به وبراءة غيرك عنه كذا قالوا، والظاهر أنه لا ينحصر فيه بل يجوز أن يكون ردا لترديد المخاطب الأمر بينك وبين غيرك فيكون قصر تعيين هذا إذا قصد قصر إضافي، أما لو قصد حقيقي فينبغي أن يكون جميع من عداك قائلا به، ولا يجب أن يكون هناك اعتقاد مشوب بصواب وخطأ. بقي أنه كيف يكون تخصيص النفي رد الخطأ اعتقاد الثبوت؟ بل ينبغي أن يكون لرد خطأ في اعتقاد النفي كما في «أنا ما قلت» ويمكن دفعه بأنه لما لم يذكر من جزئي القصر إلا النفي أريد الإشعار بتسليم الثبوت للمشارك في قصر الإفراد وبالثبوت لمن اعتقد النفي عنه في قصر القلب، وذلك يحصل بحصر النفي في المسند إليه (ولهذا) أي:

ولأن التقديم يفيد التخصيص ونفي الفعل عن المذكور مع ثبوته للغير (لم يصح:

ما أنا قلت هذا ولا غيري) قالوا: لأن مفهوم أول الكلام ثبوت هذا القول لغير المتكلم، ومنطوق المعطوف نفيه عن الغير وهما متناقضان، ولك أن تقول: لأن أول الكلام يفيد تخصيص السلب بالمتكلم، ولا حقه نفي التخصيص ولأنه تسليم ثبوت القول وتصويبه مع سلبه عنك وعن جميع أغيارك فيلزم إثبات القول من غير قائل، والأظهر أن العطف دال على أنه لم يقصد الحصر بالتقديم فليس اللازم

(1) الصافات: 47.

ص: 373

شيئا من المحالات المذكورات بل كون التقديم لغوا، وفيه أيضا بحث لأنه إنما يكون لغوا لو لم يكن له في هذه الصورة داع آخر من دواعي التقديم وهو ممنوع.

قال الشارح المحقق: يجوز التقديم من غير قصد التخصيص إذا أظهر أن التقديم لغرض آخر غير التخصيص كما إذا ظن المخاطب بك ظنين فاسدين أحدهما: أنك قلت هذا القول، والثاني: أنك تعتقد أن قائله غيرك فيقول لك:

أنت قلت لا غيرك فتقول له: ما أنا قلته ولا أحد غيري قصدا إلى إنكار نفس الفعل فيقدم المسند إليه ليطابق كلامه هذا كلامه المنقح لكلام المفتاح ولك أن تقول: لم يصح هذا التركيب؛ لأن نفي القول عن المعطوف عليه نفي على وجه الاختصاص بمقتضى التقديم، ونفيه عن المعطوف نفي لا على وجه الاختصاص فلا يحسن العطف وهذا الوجه يفيد عدم صحة أن يقال: ما أنا قلت هذا أو لا زيد بخلاف الوجوه السابقة، والوجوه السابقة تنفي صحة: ما أنا ولا غيري قلنا هذا بخلاف هذا الوجه، والشاهد البريء عن الاتهام الجلي من غير الإيهام أن تقول: ولهذا لم يصح «ما أنا قلت هذا وقال غيري» لأنه بعد قال غيري لاغية ليس لها داعية ومما يجب التنبيه عليه أن هذا التخصيص فيما إذا لم يكن المسند إليه دالا على العموم نحو: [ما كلّ ما يتمنّى المرء يدركه](1) فإنه لنفي الشمول خاصة، والظاهر أن التقديم لأنه مناط الفائدة المقصودة بالكلام من توجيه النفي إلى الشمول خاصة.

(ولا ما أنا رأيت أحدا) أي: ولأن التقديم يفيد تخصيص المسند إليه بنفي الخبر الفعلي مع تصويب إثبات ما نفي عنه بعينه للغير لم يصح هذا التركيب ويتجه عليه أن رؤية الغير أحدا غير باطل، وهو الذي نفي فالمثبت للغير هو لا غير ويمكن أن يدفع بأن المراد به «تخصيص المتكلم» ينفي رؤية أحد في وقت معين ردّا

(1) البيت للمتنبي، وتمام البيت:

تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن.

وهو من قصيدة مطلعها:

بم التعلل لا أهل ولا وطن

ولا نديم ولا كأس ولا سكن

انظر البيت في: التبيان (2/ 478)، دلائل الإعجاز (284)، شرح المرشدي على عقود الجمان (1/ 88).

ص: 374

على من زعم رؤيته دون غيره أحدا أو مشاركته فيها من غير تعيين الغير بل أي غير كان، وحينئذ لا يصح هذا التركيب لظهور أنه لا محالة رأى غير ما أحدا فلا فائدة في الإخبار بها، بل التركيب المفيد ما رأيت أحدا لكن القوم برمتهم قالوا:

لم يصح هذا التركيب؛ لأن تصويب المخاطب يقتضي أن يكون إنسان غير المتكلم قد رأي كل واحد وهو ظاهر البطلان، أو لأن التخصيص يقتضي أن يكون المخاطب معتقدا أنك رأيت كل أحد، ولا يتصور هذا الاعتقاد لعاقل، ويمكن أن يقال: لأن تصويبك المخاطب يقتضي أن يكون معتقدا أن إنسانا غيرك رأى كل أحد، وأن يكون في مقام الرد طامعا أن يعتقد المخاطب ذلك، وعلل المصنف ذلك بأنه يجب إثبات المنفي بعينه للغير، والمنفي هناك الرؤية الواقعة على كل أحد، وأورد عليه الشارح المحقق أن ذلك منه، بل المنفي الرؤية الواقعة على فرد من أفراد الناس، ولا يلتبس أحدهما بالآخر عند من لا يلتبس عليه السلب الجزئي بالسلب الكلي، ثم بين ذلك، بأن تقديم المسند إليه بإيلائه حرف النفي يفيد إثبات المنفي للغير على وجه نفي: إن عامّا فعام وإن خاصّا فخاص ناقلا ذلك عن الشيخ، ولا يخفى أنه يمكن رد ما قاله المصنف إلى ما ذكره بحمل قوله؛ لأن المنفي هو الرؤية الواقعة على كل أحد على السلب الكلي دون الإيجاب الجزئي، لكن هذا التوجيه يوجب اختلال المتن؛ لأن قوله: ولهذا لم يصح ما أنا رأيت أحدا حينئذ يكون تعليلا لما لم يذكر؛ لأنه تعليل لكون التركيب لإسناد المنفي لغير المسند إليه على وجه نفي، وهو غير مذكور بل لم يذكر؛ إلا أن التقديم يفيد التخصيص بنفي الخبر الفعلي، وأيضا تخصيص النفي لا يفيد إلا ثبوت ما نفي عن المتكلم بغيره، وهو رؤية أحد لا بعينه لا رؤية كل واحد حتى يلزم ثبوتها للغير، فاللازم ثبوت رؤية أحد لا بعينه للغير وكيف لا وإفادة التقديم التخصيص بالفحوى لا بالوضع حتى يصح أن يقال: إنه في عرف البلغاء لهذا المعنى، والمفهوم من الفحوى ليس إلا هذا القدر، وأيضا لو كان المفاد إثبات المنفي على وجه نفي لكان: ما أنا رأيت كل أحد للإيجاب الجزئي للغير، لأن السلب فيه على الوجه الجزئي مع أنهم لم يفرقوا بين: ما أنا رأيت أحدا، وما أنا رأيت كل أحد، فمعنى كلام الشيخ أن المثبت هو المنفي على وجه نفي، وكان

ص: 375

عليه حين تعلق النفي لا بعد التعلق النفي، نعم ينفيه ما قاله: إنه لا يصح أن يقال: ما أنا قلت شعرا؛ لأنه يقتضي أن يكون إنسان قد قال كل شعر في الدنيا، لكن تأويله أن التمثيل به يجعل: قلت شعرا للعموم لما أن النكرة ربما يكون في الإثبات عامة نحو: تمرة خير من كسرة، فكما أن قولك: ما تمرة خير من كسرة لرفع الإيجاب الكلي دون السلب الكلي، فكذلك: ما أنا قلت شعرا في هذا المقام، ولا مناقشة في التمثيل، وما يورد لتصوير الشيء وتوضيحه، وقس عليه قوله: ما أنا رأيت أحدا، واستغن به عن دعوى أنه سهو الكاتب، والصواب: ما أنا رأيت كل أحد، وعما قيل: أن لفظ أحد بمنزلة كل أحد، لما أنه في الإيجاب لا ينفك عن الكل، إذ لم يكن همزته مبتدلة عن الواو كما في أحد عشر، أو لأنه يصح استعماله بمعنى الجمع كما صرح بهما أئمة اللغة، فليحمل على معنى الآحاد المستغرقة لكل أحد؛ لأنهما مع ضعف الأول وبعد الثاني لا يجريان فيما أنا قلت شعرا.

هذا غاية ما بذلنا الجهد في تحقيق الكلام، وقال السيد السند: إن التفصيل هاهنا أن يقال: إن كان النزاع في رؤية واقعة على شخص معين، كزيد مثلا يقال: ما أنا رأيت زيدا، فيكون هناك من رأى زيدا وهو ظاهر، وإن كان في رؤية واقعة على أحد لا بعنيه يقال: ما أنا رأيت الأحد من الناس، أو ذلك الأحد فإنه وإن كان غير معين، لكنه معهود من حيث تعلق الرؤية به فحقه أن يشار إليه بذلك الاعتبار، ولا يصح أن يقال هاهنا: ما أنا رأيت أحدا؛ لأنه في قوة قولك: ما أنا رأيت زيدا، ولا عمرا، ولا بكرا إلى غير ذلك في إفادة نفي الرؤية بالنسبة إلى كل واحد من المفاعيل، وإن اختلفا في الظهور والنصوصية، فيبقى عموم نفي الرؤية لكل واحد منها ضائعا؛ لأن الفعل المثبت في اعتقاد المخاطب متعلق منسوب إلى واحد، فلا يحتاج في رد خطئه في الفاعل إلى نفيه عن كل واحد، وإن كان النزاع في رؤية واقعة على كل أحد فهناك عبارتان إحداهما: أن يقال: ما أنا رأيت كل أحد، والثانية: ما أنا رأيت أحدا، وهذه أخصر من الأولى.

وفي إفادتها للمعنى المذكور نوع خفاء ودقة ولهذا اختلف فيها، وتوجيهها ما

ص: 376

قررناه، هذا كلامه، وأورد عليه أن نفي الرؤية عن واحد وأحد متحقق في: ما أنا رأيت الأحد؛ لأنه وإن عرف فيه الأحد لم يخرج عن الإيهام الذي يستلزم العموم في سياق النفي، فقد ضاع عموم النفي مع ضياع التعريف العهدي، وأن التعرض للنفي عن واحد وأحد ضائع في رد اعتقاد المخاطب أن فاعل الرؤية لكل أحد أنت، ويكفي نفي الرؤية عن كل واحد وإن نفي رؤية واحد، لا بعينه يقتضي إيراد النفي عليه، ولا لغو في الإجمال، وإنما يلزم اللغو لو فصل؛ لأنه إتيان بما عنه مندوحة هذا، ونحن نقول: ربما يقصد بنفي رؤية واحد لا بعينه السلب الكلي، وإنما يقصد مجرد سلب رؤية الواحد، ويلزم السلب الكلي، فالأول لرد اعتقاد ثبوت الحكم الكلي، والثاني لرد اعتقاد رؤية واحد لا بعينه، ففي: ما أنا رأيت الأحد إشعار بأنه لم يقصد السلب الكلي وإن لزم، بل سلب الأحد على وجه اعتقده المخاطب، وهو أحد لا بعينه فلا يلزم كون السلب الكلي لغوا؛ لأنه من ضرورات ما قصد، ولا يعد لغوا إلا ما تعلق به القصد من غير حاجة، فاندفع لزوم اللغو في: ما أنا رأيت الأحد في رد اعتقاد أحد أيضا، وإن لزوم اللغو في: ما أنا رأيت أحدا مبني على عدم الفرق بين الإجمال والتفصيل.

وأما لزوم اللغو في: ما أنا رأيت أحدا في رد اعتقاد رؤية كل أحد بناء على أن قصد نفي رؤية كل أحد يتأتى بدون نفي رؤية واحد وأحد، فندفع بأن فيه تحقيق نفي رؤية كل واحد، وبيان أن التحقق هو السلب الكلي، بل فيه مبالغة في رد الاعتقاد، إذ يفيد أنه لم ير أحدا فضلا عن كل أحد، واعلم: أن إيلاء المسند إليه المقدم حرف النفي يفيد بظاهره نفي اختصاص الخبر الفعلي، لا اختصاص النفي، وإنما يستفاد حصر النفي، واختصاصه بجعل الاختصاص المستفاد من التقديم واردا على النفي، وإن كان الظاهر ورود النفي عليه، ونظيره كون النفي في الجملة الاسمية لاستمرار النفي، لا لنفي الاستمرار، وكون قوله تعالى: وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (1) للمبالغة في نفي الظلم لا لنفي المبالغة في الظلم، وهذا المعنى، وإن كان بعيدا عن الظاهر، لكن جعله عرف البلغاء في ما نحن فيه واضحا، والواضح مهجور.

(1) ق: 29.

ص: 377

(ولا ما أنا ضربت إلا زيدا) قد تقرر في النحو، أن الاستثناء المفرغ في الإثبات لا يستقيم غالبا؛ لأن ثبوت الحكم للجنس في غير المستثنى لا يتحقق غالبا، فلا يصح: ضربت إلا زيدا لامتناع أن يضرب كل أحد إلا زيدا فإذا دخل عليه النفي وقلت: ما ضربت إلا زيدا صح؛ لأنه لا بعد في أن لا تضرب أحدا إلا زيدا، إذا عرفت هذا فاعلم أنه جعل المصنف من ثمرات إفادة التقديم في هذه الصورة تخصيص المسند إليه بنفي الحكم وثبوت الحكم بعينه لغيره. إن دخول النفي على قولنا: أنا ضربت إلا زيدا لا يوجب صحة الاستثناء، وما أنا ضربت إلا زيدا باق على عدم الصحة، بخلاف: ما ضربت إلا زيدا؛ لأن دخول النفي يفيد تخصيص المسند إليه بنفي الضرب المقيد بالمستثنى مع ثبوته بعينه لغيره، فالمستثنى على ما كان قبل دخول النفي من كونه في الإثبات، ويستلزم صحة التركيب كون كل واحد مضروبا لغيرك سوى زيد، وأن يعتقد المخاطب أن هذا الضرب صدر عنك، ويعقتد أنه صدر عن غيرك، وتريد أن ترده إلى اعتقاد أنه صدر عن غيرك، فهذا المثال يشارك المثال الثاني في الفساد، فناسب أن يجمع معه دون الأول، لكن الشيخ عبد القاهر (1) والسكاكي (2) جعلاه مشاركا للمثال الأول في الفساد، وناسب أن يجمع معه، وإن لم يجمعاه معه، بل مع الثاني كما فعله المصنف، وقالا: لم يصح: ما أنا ضربت إلا زيدا، لأن نقض النفي بأن يقتضي أن يكون ضربت زيدا، وتقديم الضمير وإيلائه حرف النفي يقتضي نفي أن يكون ضربته، فهما أرادا أن من ثمرات إفادة هذا التركيب تخصيص المسند إليه بالنفي وغيره بالإثبات أنه لا يصح استثناء شيء من هذا النفي لاستلزام نقض ذلك النفي بإلا التناقض، فلكل من المصنف والشيخ وجهة هو موليها، ولا يتمانعان عن سلوك الطريق، إلا أنه خفي على المصنف اقتضاء التقديم، وإيلاء النفي نفي:

ضربك زيدا فمنعه، ويمكن إثباته بأن: ما أنا ضربت يقتضي تخصيصك بنفي هذا الضرب عنك وإثباته لغيرك.

وإذا كان هذا الضرب منتفيا عنك، فلست ضاربا زيدا ولا غيره بهذا

(1) دلائل الإعجاز ص 85.

(2)

المفتاح ص 125.

ص: 378

الضرب، ونقض النفي بإلا يقتضي كونك ضاربا بهذا الضرب، فقد تم التناقض من وجهين: كونك ضاربا وغير ضارب وكون عمرو مضروبا لك وغير مضروب لك؛ إلا أن الشارح المحقق أثبته بأن تخصيصك بالنفي يقتضي ثبات ضرب من عدا زيدا لغيرك فيلزم أن لا يكون زيد مضروبا لك ولا لغيرك، فاعترض بأن الاستثناء حينئذ من الإثبات لا من النفي فليس النفي من الانتقاض في شيء، فكأنك قلت: لست الذي ضرب إلا زيدا، فكأن المخاطب اعتقد أن إنسانا ضرب كل أحد إلا زيدا، وأنت ذلك الإنسان فبقيت أن يكون أنت ذلك الإنسان، وشنع على المصنف بأنه غفل عن أن الأجدر بالاعتراض انتقاض النفي بإلا دون اقتضاء تقديم المسند إليه، وإيلاءه حرف النفي، نفي أن يكون ضارب زيد، وقد نبهناك أن هذا اعتراض على نفسه دون القوم، وكان منشؤه قلة التأمل وإهمال العقل وإعمال الوهم؛ لكن لا يتجه عليه ما ذكره السيد السند من أنه يوجب هدم ما قرره من أن: ما أنا رأيت أحدا يقتضي إثبات الرؤية لغير المسند إليه على طبق النفي من العموم؛ لأن النفي إذا كان للفاعلية لا يفيد عموم الأحد لعدم توجه النفي إلى المفعول، ويكون مآل التركيب أني لست فاعل رؤية أحد، فلا يقتضي أن يكون الشأن رأى كل أحد، بل أن يكون الشأن رأى أحدا؛ لأن قولك: إني لست فاعل رؤية أحد في قوة لست فاعل رؤية زيد ولا عمرو إلى غير ذلك، فعموم النكرة واضحة فلو لم يكن القصد إلى إثبات رؤية كل أحد لغير المسند إليه لكان ذلك العموم ضائعا، ولا ما ذكره من أنه لا يصح أن يكون الاستثناء من الإثبات؛ لأنه حينئذ يكون المستثنى منه أحد، وهو ليس بعام، فلا يصح:

ما أنا ضربت إلا زيدا، كما لا يصح ضربت إلا زيدا لعدم تناول أحد زيدا؛ لأنه لا موجب لكون المستثنى منه أحدا، بل المستثنى منه في المفرغ عام من جنس المستثنى مثبتا كان أو منفيّا، فيجب أن يكون المستثنى منه كل أحد، كما أن المستثنى منه في: قرأت إلا يوم كذا قرأت كل يوم على أنك عرفت أن نفي الفاعلية بضرب أحد يفيد عموم أحد، والإثبات للغير يجب أن يكون على طبق النفي على زعم الشارح، فالمثبت للغير ضرب كل أحد إلا زيدا.

وأما ما يقال: من أن كون الاستثناء من الإثبات إنما لزم من كلامهم حيث

ص: 379

قالوا: إن تخصيصك بالنفي يقتضي إثبات ضرب من عدا زيدا بغيرك، وظاهر أن ذلك مبني على كون الاستثناء من الإثبات فلا توجيه له؛ لأن الشارح دفع بهذا البيان منع المصنف، فالمناقشة فيه مع الشارح مناقشة فيما هو معتقده ولا بد له منه لا فيما لزم القوم، وهو لا يرضى به على أنك عرفت أنه شيء فهمه من كلامهم وليس بكلامهم، ونحن نقول: امتنع: ما أنا ضربت إلا زيدا، لأن قولك: ما أنا ضربت لنفي ضرب معين عن نفسك مع إثباته للغير فإما أن يكون زيد داخلا في المضروب، فيكون مضروبا، فلا يصح استثناؤه، وإن لم يكن داخلا فيه، فكذلك؛ لأنه غير داخل في مفهوم الحكم حتى يصح إخراجه، ولأن التقديم يفيد كون المخاطب مصيبا فيما عدا تعيين الفاعل، فيجب أن لا يكون زيد مضروبا لك، والقصر بالنفي والاستثناء يقتضي كونه مصيبا فيما عدا تعيين المفعول، فيجب أن يكون زيد مضروبا لك، ولا يذهب عليك أن إفادة التقديم التخصيص بالنفي لا يخص تقديم المسند إليه، بل منه: ما شعرا قلت؛ حيث خصصت الشعر بنفي القول، وقصدت تعلق القول بغيره، فلا يصح: ما شعرا قلت، ولا غيره، ولا ما شيئا قلت، ولا ما شعرا قلت؛ إلا قصيدة (وإلا) نفي للشرط السابق أعني: ولي حرف النفي يعني: إن لم يقع بعد حرف النفي بلا فصل، فقد خرج من الشرط الأول، مثل: ما إن أنا قلت هذا، ودخل في هذا الشرط مع أنه من دواخل جزاء الشرط الأول فيفسد الحكمان، إلا أن لا يعد ما هو من توابع حرف النفي فاصلا بينه وبين مدخوله، فحينئذ ما لم يل حرف النفي ما تقدم، ولم يكن في الكلام حرف نفي أو كان، وقد تقدم على حرف النفي، نحو: أنا ما قلت، أو تقدم حرف النفي، ولكن فصل بينه وبين المسند إليه نحو: ما زيدا أنا ضارب، فإنه لتخصيص نفي الفعل بالمفعول مع إيقاعه على غيره، لا لتخصيص نفي الخبر بالمسند إليه وإثباته لغيره وجزاء قوله، وإلا قوله فقد يأتي، ومجموع الشرط والجزاء معطوف على مجموع قوله، وقد تقدم ليفيد تخصيصه بالخبر الفعلي إن ولي حرف النفي أي: إن لم يل المسند إليه حرف النفي (فقد يأتي) التقديم (للتخصيص) أي: لتخصيص المسند إليه بالمسند، لا لتخصيصه بالنفي (ردّا على من زعم انفراد غيره) أي: غير المسند إليه بخصوصه (به)

ص: 380

أي: بالمسند لا ردّا على من زعم انفراد المسند إليه به كما في القسم السابق، وهو قصر قلب على ما ستعرف.

(أو زعم مشاركته فيه) أي: مشاركة الغير في المسند، أو في احتمال كون المسند إليه فهو قصر إفراد أو تعيين، فالفرق بين ما يلي حرف النفي وما لا يليه:

أن الأول لتخصيص المسند إليه بالنفي، والثاني لتخصيصه بالخبر، وأن الأول رد على من زعم انفراد المسند إليه بالخبر، والثاني على من زعم انفراد الغير به، وأن الأول للتخصيص، والثاني للتخصيص، أو التقوى، وإنما قلنا: زعم انفراد غيره بخصوصه؛ ليخص الكلام بغير المنكر كما يقتضيه قوله فيما بعد، وإن بنى الفعل على منكر، فإنه تفصيل لتخصيص المنكر على خلاف ما بينا لك، فإن التخصيص في المعرف بخصوصه ورد على ثبوت الحكم لغيره من حيث الخصوص، وفي المنكر تخصيص بالمسند إليه بحسب الجنس أو الوصف، ورد على من زعم انفراد الغير بحسب الجنس أو الوصف، لأن الخصوص غير معلوم حتى يعتبر الغير بحسب الخصوص، والتفصيل في المنكر في مجرد التخصيص لعدم التفاوت في التقوى، فالمراد بتخصيص المسند إليه في هذين القسمين تخصيص خصوصه، وإن بنى الفعل على منكر أفاد تخصيص الجنس أو الواحد.

فقولك: ما رجل جاءني، تخصيص جنس الرجل أو الرجل الواحد بالنفي، وقولك: رجل جاءني، تخصيص جنس الرجل أو الواحد منه بالمجيء، فعلم بهذا أن قوله: وإن بني الفعل على منكر لا يخص بالقسم الثاني، وإنه لا يوجب أن لا يكون المنكر للتقوى حتى يرده إشارة الشيخ في دلائل الإعجاز إلى كونه للتقوى أيضا (نحو أنا سعيت في حاجتك) لأحد الفرضين، فهو مثال للتخصيص كما يصرح به قوله:(ويؤكد على الأول بنحو لا غيري)، مثل: لا غيرك، ولا غيره، ولا زيد، ولا عمرو، ولا ما سواي (وعلى الثاني بنحو وحدي)، مثل:

وحدك، ووحده، ومنفردا، ومتوحدا، ولا غيري- أيضا- فافهم.

وفيه دفع شبهة ربما يختلج في صدرك من أنه لو كان التقديم للتخصيص لما يجتمع مع مثل قولك: وحدي، ولا غيري، فدفعه بأنه لتأكيد التخصيص، ووجه تخصيص كل تأكيد بقسم مع أن كل تخصيص تشتمل على وحدة

ص: 381

المخصص، والسلب عن الغير أن الملائم لزعم استقلال الغير التصريح بالسلب عنه، والملائم، لزعم الشركة التصريح بالوحدة كما لا يخفي على سلامة الذوق.

(وقد يأتي) التقديم (لتقوي الحكم) الأنسب بقوله: للتخصيص لتقوية الحكم، ولا يبعد أن يجعل: فعل مضارع منصوب بإن المقدرة بعد اللام مسندا إلى ضمير التقديم أي: قد يأتي التقديم لتقوي الحكم، ويقرره في ذهن السامع (نحو: هو) أي: الله تعالى (يعطي الجزيل) أي: كل مسند إليه مقدم على خبر مسند إلى ضميره إسنادا تامّا؛ لأن التقوية من جهة تكرر الإسناد التام عند السكاكي وتبعه المصنف، وأما عند الشيخ ففي كل مبتدأ مقدم تقوية الحكم؛ لأنه بيان للحكم بعد التقدمة للإعلام، فعلى هذا: زيد ضربته للتقوي، بخلاف ما ذهب إليه المصنف لكن هذا ينافي كون التقوي مختصّا بالخبر الجملة، والذي أراد أن وجه التقوي:

أن الخبر الذي هو جملة مستقلة بعيدة الارتباط بما قبله فإذا ربط بالعائد أو غيره يتقرر إسناده إلى المبتدأ؛ لأن في تحصيله احتمالا ومزيد توجه، وعليه يجري التقوي في كل خبر جملة ولا يتعداه، والسيد السند ذهب إلى أن تحقيق كلام السكاكي: أن ربط الخبر بالمبتدأ بسبب ضمير ليس ملحقا بالعدم يوجب التقوي، فزيد ضربته توجيه؛ لأنه تكرر إسناد الضرب إلى زيد بالوقوع سبب الضمير، فتخصيص التقوي بما يكون فيه الضمير مسندا إليه توهم من الشارح المحقق، ويزيفه أن ذلك يقتضي أن يكون في عمرو ضاربه أنا تقوي؛ لأنه تكرر بواسطة الضمير إسناد الضرب على وجه الإيقاع إلى زيد فلذا بينا الكلام في شرح كلام المصنف على ما ذكره الشارح، وأثبتنا المخالفة بينه وبين الشيخ في كون زيد ضربته للتقوي، وكما أن التخصيص لا بد له من داع إليه كذلك التقوي، وهو إزالة الشك أو الإنكار حقيقة أو ادعاء؛ إلا إنه لما تقرر هذا في أحوال الإسناد دون فوائد التخصيص لم يتعرض له كما تعرض لفوائد التخصيص، ولتخصيصه بالتعرض وجه آخر وجيه لا أظن بك الغفلة عنه فيما قدمنا لك، ولما كان الخبر المنفي مظنة اشتباه بما يلي فيه المسند إليه حرف النفي لم يكتف بعموم قوله فقد يأتي للتخصيص وقد يأتي لتقوي الحكم مع ظهور اندراج المنفي فيه، وصرح بقوله:

(وكذا إذا كان الفعل منفيّا نحو: أنت لا تكذب) لقصد التخصيص أو مجرد

ص: 382