الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[(الفصاحة)]
(1)
في اللغة تنبئ عن الإبانة والظهور؛ يقال فصح الأعجمي إذا انطلق لسانه، وخلصت لغته من اللكنة، وجادت فلم يلحن، ويقال فصح اللبن إذا أخذت رغوته، وذهب لباؤه، فالفصاحة يحتمل النقل باعتبار جامع الظهور بين معينى اللغوي عن كل واحد من المعنيين كما قيل، ويحتمل أن تجعل العلاقة الجودة وطلاقة اللسان والخلوص عن اللكنة.
(يوصف بها المفرد) فيقال هذه الكلمة فصيحة، أو هذه كلمة فصيحة، أو تكلمت بها فصيحة (والكلام) كذلك فيقال في النثر: رسالة فصيحة، وفي النظم: قصيدة فصيحة، وأما كلام فصيح فلا يخص النثر كما يشعر به كلام الشارح المحقق.
(والمتكلم) فيقال كاتب فصيح، وشاعر فصيح، والكتابة إنشاء النثر، ولا يخفى عليك أنه لا بد من جعل الفصاحة هنا من الألفاظ المستعملة في أكثر من معنى كما هو مجوز عند البعض، أو تأويلها بما يطلق عليه الفصاحة، وإلا فلا يصح الإخبار عنها بقوله: يوصف بها المفرد والكلام والمتكلم، وكذا في تعريف فصاحة المتكلم: بملكة يقتدر بها على التعبير عن المقصود بلفظ فصيح، إذ ليس للفصيح معنى يشمل المفرد والكلام حتى يوصف به اللفظ الشامل، والشارح المحقق غفل عنه في هذين المقامين، وتنبه لمثله في قول المصنف فيما بعد؛ فعلم أن كل بليغ فصيح ولا عكس، وكذا الحال في قوله:
[والبلاغة]
(والبلاغة)(2) وهي في الأصل تنبئ عن الوصول والانتهاء.
(يوصف بها الأخيران) أي: الكلام والمتكلم، يقال: كلام بليغ، ورجل بليغ (فقط) أي لا المفرد، إذ لم يسمع مفرد بليغ، فقط اسم فعل بمعنى انته، والفاء مزيدة تزيينا للفظ، أو جزائية، والتقدير: إذا وصفت الأخيرين بها فانته
(1) الفصاحة: قسمان: راجع إلى المعنى، وهو خلوص الكلام عن التعقيد، وراجع إلى اللفظ، وهو أن تكون الكلمة عربية أصلية، وعلامة ذلك: أن تكون على ألسنة الفصحاء من العرب، الموثوق بعربيتهم، أدور، واستعمالاتهم لها أكثر، لا مما أحدثه المولدون، ولا مما أخطأت فيه العامة؛ وأن تكون أجرى على قوانين اللغة، وأن تكون سليمة عن التنافر. انظر المفتاح للسكاكي: بتحقيقنا ص 526.
(2)
البلاغة: يعرفها العسكري بقوله: «والمبالغة في الشيء الانتهاء إلى غايته فسميت البلاغة بلاغة لأنها تنهي إلى قلب السامع فيفهمه» . انظر: الصناعتين: ص 15.
عن وصف الأول بها، ومما لا بد منه في هذا المقام معرفة المراد بالمفرد والكلام، فقيل: المراد بالمفرد ما لا يدل جزؤه على جزء معناه، وبالكلام ما يقابله سواء كان مركبا تامّا أو غيره؛ لأن المركب الناقص يوصف بالفصاحة، فلا بد أن يكون داخلا في الكلام، وتعقبه الشارح المحقق بأن صحة هذا القول يتوقف على أن لا يكون وصف المركب الناقص بالفصاحة مجازيّا من قبل فصل المركب بحال أجزائه، وأن يثبت منهم إطلاق الكلام الفصيح على هذا المركب، وأنه لا يكون داخلا في المفرد، وكل من الثلاثة ممنوع، بل الحق أنه داخل في المفرد، لأن المفرد إذا قوبل بالكلام يتعين لإرادة ما يشمل المركبات الناقصة، ونقح السيد السند هذا القول بما يندفع به المنوع الثلاثة، وينقلب ما جعله الشارح حقّا بالباطل، وهو أنه أراد بتعليل تعميم الكلام بوصف المركب الناقص بالفصاحة، أنه يوصف بالفصاحة مع أنه لا يكفي في فصاحة ما ذكر في تعريف فصاحة المفرد بل لا بد معه من الخلوص عن تنافر الكلمات وضعف التأليف والتعقيد فلا يكفي في فصاحتها فصاحة الأجزاء حتى يكون وصفا بحالها، ولا يتوقف دخوله في الكلام على ثبوت إطلاق الكلام الفصيح بل يكفي إطلاق الفصيح لأنه بمجرد إطلاق الفصيح يعرف أنه داخل في الكلام، إذ لا بد فصاحته مما لا بد لفصاحة الكلام، ولا يصح دخوله في المفرد، لأنه لا يكفي في فصاحته ما بين فصاحة المفرد، وأورد عليه أنه لا يصلح تعريف فصاحة المفرد بإدخال هذا المركب في الكلام؛ لأنه بعد حمل لمفرد على ما لا يدل جزؤه على جزء معناه لدعوى تبادر هذا المعنى منه لاشتهاره، وحمل الكلام بقرينة المقابلة على ما يجمع المركبات الناقصة يتجه على تعريف فصاحة المفرد أنه لا يشمل فصاحة عبد الله علما، لأنه لا يكفي في فصاحته ما ذكر في تعريف فصاحة المفرد، إذ لا بد لها من الخلوص من تنافر الكلمات أيضا، إذ يتصور فيه ذلك التنافر فعلم أنهم غفلوا عن فساد تعريف فصاحة المفرد؛ لأنهم قصدوا بالمفرد ما يقابل المركب، وجعلوا المركبات مطلقا كلاما، ويمكن أن يدفع بأن تنافر الكلمات لا ينفك عن تنافر الحروف، لكنهم اشترطوا في فصاحة المفرد الخلوص من تنافر الحروف؛ لأنه لا قصد للمتكلم فيه إلا إلى جمع حروف بخلاف فصاحة الكلام فإن قصد إلى جمع الكلمات،
فناسب أن يشترط فيه التجنب عن التنافر في جمعها، والعلم في العلم العلمي ليس فيه جمع الكلمات، فهو داخل في اشتراط الخلوص عن تنافر الحروف، ودفعه بأن العلم المركب خارج عن حد الكلمة لاشتراط كونها لفظة مبني على نهاية الغفلة؛ لأن أحدا لم يجعله خارجا عن المفرد، ولا ينفع خروجه عن الكلمة دخوله في الكلام في هذا المقام.
بقي أنه يرد على تعريف فصاحة المفرد مفرد أريد به لازم بعيد، بحيث يختل الانتقال، فينبغي أن لا يكون فصيحا؛ فتعريف فصاحة المفرد لا يصح بإخراج المركبات عن المفرد حتى يجعل قرينة على إخراجها! ! وغاية ما يمكن أن يقال لحمل المفرد والكلام على حقيقتهما وما يتبادر منهما: إن الموصوف بالفصاحة في الاصطلاح ليس إلا المفرد (1) المقابل للمركب مطلقا وإلا الكلام؛ لأن احتياجهم إلى الفصاحة لتوقف معرفة البلاغة عليها، ويكفي في معرفة البلاغة معرفة فصاحة الكلام المتوقف على معرفة فصاحة المفرد المقابل لمطلق المركب. ولا غرض يتعلق بالاصطلاح على معنى للفصاحة بحيث يشمل صفة المركبات الناقصة مثلا، ولا يخفى أن قوله: والبلاغة يوصف بها الأخيران فقط يقتضي أن يحمل الكلام على حقيقته؛ لئلا يفيد وصف المركبات الناقصة.
قال الشارح المحقق: الدليل على أنه لا يوصف بالبلاغة غيرهما أنه لم يسمع كلمة بليغة، والتعليل بأن البلاغة إنما هي باعتبار المطابقة لمقتضى الحال لا يتحقق في المفرد وهم؛ لأن ذلك إنما هو في بلاغة الكلام والمتكلم. هذا وأورد عليه أن نفي كلمة بليغة لا يستلزم حصر الوصف في الكلام والمتكلم لاحتمال أن يوصف به مركب ناقص، ويدفعه أن النفي عن الكلمة على سبيل التمثيل، فالمناقشة عائدة إلى العبارة، وأورد أيضا أن التعليل الذي نسبه إلى الوهم أيضا ملخصه أن العرب لا تطلق البلاغة إلا باعتبار مطابقة الكلام لمقتضى الحال، فمرجعه إلى قولك: لم يسمع كلمة بليغة، ويدفعه أن التبادر من العبارة أن بناء التعليل على تعريف القوم لا على التتبع وتزييفه لما هو المتبادر.
***
(1) في الأصل: المرد.
بقي أنه لو ساعدنا في أنه لا يسمى مطابقة مقتضيات الأحوال في المركبات الناقصة والمفردات بلاغة؛ لكن لا ينكر فضلها كالبلاغة، فلا وجه لإهمالها وعدم ضبطها. ومن البين أنه يجري في المركبات الناقصة بل المفردات أيضا؛ فإن في تعداد جماعة بعبدي تعظيم المضاف إليه، وبعبد السلطان تعظيم المضاف، وبأبي لهب الإشعار بالجهنمية، إلى غير ذلك، وإنما قسم الفصاحة أولا، ثم عرف كلا لأن قصده كان التمييز بين فصاحة موصوفها المفرد، وفصاحة موصوفها الكلام، وفصاحة موصوفها المتكلم؛ بتعريفات صالحة خلا عنها كلام القوم، بتأمله من موارد الاستعمال، وتحصيل قدر مشترك بين الإفراد يظن به كونه مما وضع له اللفظ كما هو مسلك علماء اللغة ومدونيها، على ما يستفاد من الإيضاح، وإنما لم يعرف الفصاحة المطلقة لأنه لم يجد مفهوما مشتركا بين فصاحة المتكلم وفصاحة اللفظ، ويرجح كونه مشتركا عنده، ولا فصاحة اللفظ مطلقا لأنه لم يتخلص له مفهوم للفصاحة جامع لأفرادها القائمة باللفظ، فأعرض عن تحصيل مفهوم لها إما لظن الاشتراك به، أو لإبهام الحال. فقسم الفصاحة إلى الثلاثة تقسيم اللفظ المشترك إما باستعمالها في المفهومات الثلاثة، أو بإرادة ما يطلق عليه الفصاحة، فإن قلت: قد عرف صاحب المفتاح فصاحة اللفظ بكون اللفظ جاريا على القوانين المستنبطة من استقراء كلامهم كثير الاستعمال على ألسنة العرب الموثوق بعربيتهم! ! قلت: قد زيف المصنف هذا التعريف إجمالا بما قال في الإيضاح من أن للناس في تفسير الفصاحة والبلاغة أقوالا مختلفة لم أجد فيما بلغني منها ما يصلح لتعريفهما به، ولا إلى ما يشير إلى الفرق بين كون الموصوف بهما الكلام وكون الموصوف بهما المتكلم. فإن قلت: هل لهذا الإجمال عندك تفصيل؟
أو أنت معرض عن هذا التزييف، جازم بصحته كما هو الظاهر من كلام الشارح المحقق؟ قلت: كثرة الاستعمال لا تشترط في فصاحة الخالص عن التعقيد المعنوي؛ لأنه لو استعمل لفظ في لازم ظاهر الانتقال لعد خاليا عن التعقيد المعنوي، ولم يطلب له كثرة الاستعمال، لا يقال يكفي كون حقيقته كثير الاستعمال لأنا نقول فلا يخل بالفصاحة إرادة ما لا ينتقل إليه بلا خلل، وأيضا كون اللفظ جاريا على القوانين المستنبطة من استقراء كلامهم تطويل يغني عنه بقية