المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

العكس؛ فلذا قال.   ‌ ‌[وأما العطف] (وأما العطف) يعنى جعل المسند إليه معطوفا - الأطول شرح تلخيص مفتاح العلوم - جـ ١

[العصام الأسفراييني]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المحقق

- ‌ترجمة المؤلف

- ‌متن كتاب التّلخيص في علوم البلاغة وهو تلخيص كتاب «مفتاح العلوم» للسّكاكيّ

- ‌كلمة الافتتاح

- ‌مقدّمة فى بيان معنى الفصاحة، والبلاغة

- ‌الفنّ الأوّل علم المعاني

- ‌تنبيه (1/ 213) صدق الخبر: مطابقته للواقع، وكذبه: عدمها

- ‌أحوال الإسناد الخبريّ

- ‌إخراج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر

- ‌أحوال المسند إليه

- ‌أولا: حذف المسند إليه، وذكره

- ‌ثانيا: تعريف المسند إليه، وتنكيره

- ‌[أتعريفه]

- ‌تعريف المسند إليه بالعلمية:

- ‌تعريف المسند إليه بالموصليّة:

- ‌تعريف المسند إليه بالإشارة:

- ‌تعريف المسند إليه باللام:

- ‌تعريف المسند إليه بالإضافة:

- ‌ب- تنكير المسند إليه

- ‌ثالثا: إتباع المسند إليه، وعدمه

- ‌وصف المسند إليه:

- ‌توكيد المسند إليه:

- ‌بيان المسند إليه:

- ‌الإبدال من المسند اليه:

- ‌العطف على المسند إليه:

- ‌رابعا:‌‌ تقديم المسند إليه، وتأخيره:

- ‌ تقديم المسند إليه

- ‌رأى عبد القاهر:

- ‌رأى السكاكى:

- ‌تأخير المسند إليه:

- ‌إخراج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر:

- ‌أحوال المسند

- ‌ترك المسند اليه:

- ‌ذكر المسند إليه:

- ‌وأما تنكيره:

- ‌وأما تخصيصه بالإضافة أو الوصف:

- ‌وأما تركه:

- ‌وأما تعريفه:

- ‌وأما كونه جملة:

- ‌وأما تأخيره:

- ‌وأما تقديمه:

- ‌تنبيه

- ‌أحوال متعلّقات الفعل

- ‌القصر

- ‌[طرق القصر]

- ‌منها: العطف

- ‌ومنها: النفى والاستثناء

- ‌ومنها: إنّما

- ‌ومنها: التقديم

- ‌الإنشاء

- ‌منها التمنّي

- ‌ومنها: الاستفهام

- ‌ومنها: الأمر

- ‌ومنها: النهي

- ‌[ومنها: العرض]

- ‌ومنها: النداء

- ‌الفضل والوصل

- ‌الإيجاز والإطناب والمساواة

- ‌(المساواة)

- ‌(الإيجاز)

- ‌(الإطناب)

- ‌الفنّ الثاني علم البيان

- ‌ التشبيه

- ‌ طرفاه

- ‌ ووجهه

- ‌أركان التشبيه

- ‌(الغرض من التشبيه)

- ‌خاتمة

- ‌الحقيقة والمجاز

- ‌ الاستعارة

- ‌المجاز المرسل

- ‌المجاز المركّب

- ‌فصل (2/ 305) عرّف السكاكى الحقيقة اللغوية بالكلمة المستعملة فيما وضعت له، من غير تأويل فى الوضع

- ‌فصل (2/ 332) حسن كل من التحقيقيّة والتمثيل

- ‌فصل (2/ 336) وقد يطلق المجاز على كلمة تغيّر حكم إعرابها

- ‌(الكناية)

- ‌فصل (2/ 360) أطبق البلغاء على أنّ المجاز والكناية أبلغ من الحقيقة والتصريح

- ‌الفنّ الثالث علم البديع

- ‌ المطابقة

- ‌المحسّنات المعنويّة

- ‌المقابلة

- ‌مراعاة النظير

- ‌الإرصاد

- ‌المشاكلة

- ‌المزاوجة

- ‌العكس

- ‌الرجوع

- ‌التورية

- ‌الاستخدام

- ‌اللف والنشر

- ‌الجمع

- ‌التفريق

- ‌التقسيم

- ‌الجمع مع التفريق

- ‌الجمع مع التقسيم

- ‌الجمع مع التفريق والتقسيم

- ‌التجريد

- ‌المبالغة

- ‌المذهب الكلامي

- ‌حسن التعليل

- ‌التفريع

- ‌تأكيد المدح بما يشبه الذم

- ‌تأكيد الذم بما يشبه المدح

- ‌الاستتباع

- ‌الإدماج

- ‌التوجيه

- ‌الهزل يراد به الجد

- ‌تجاهل العارف

- ‌القول بالموجب

- ‌الاطراد

- ‌المحسنات اللفظية

- ‌رد العجز على الصدر

- ‌السجع

- ‌الموازنة

- ‌القلب

- ‌التشريع

- ‌لزوم ما لا يلزم

- ‌خاتمة: فى السّرقات الشّعريّة، وما يتّصل بها، وغير ذلك

- ‌ الاقتباس

- ‌التضمين

- ‌العقد

- ‌الحلّ

- ‌التلميح

- ‌فصل (2/ 523) ينبغى للمتكلّم أن يتأنّق فى ثلاثة مواضع من كلامه

- ‌[الخطبة]

- ‌[تسمية الكتاب]

- ‌[مقدمة]

- ‌[(الفصاحة)]

- ‌[والبلاغة]

- ‌[فالتنافر]

- ‌[والغرابة]

- ‌[والمخالفة]

- ‌[قيل ومن الكراهة في السمع]

- ‌[وفي الكلام خلوصه]

- ‌[أما في النظم]

- ‌[وأما في الانتقال]

- ‌[قيل ومن كثرة التكرار]

- ‌[وفي المتكلم ملكة يقتدر بها]

- ‌[والبلاغة في الكلام]

- ‌[فمقتضى الحال]

- ‌[ولها طرفان: ]

- ‌[وأن البلاغة مرجعها إلى الاحتراز]

- ‌(الفن الأول: علم المعاني)

- ‌[صدق الخبر]

- ‌(أحوال الإسناد الخبري)

- ‌[وقد ينزل العالم بهما منزلة الجاهل]

- ‌[ثم الإسناد منه حقيقة عقلية]

- ‌[ومنه مجاز عقلي]

- ‌[وأقسامه أربعة]

- ‌(أحوال المسند إليه)

- ‌[أما حذفه فللاحتراز عن العبث]

- ‌[وأما ذكره فلكونه إلخ]

- ‌[وأما تعريفه]

- ‌[فبالإضمار 291

- ‌[وأصل الخطاب]

- ‌[وبالعلمية]

- ‌[وبالموصولية]

- ‌[وبالإشارة]

- ‌[وباللام]

- ‌[وقد يفيد الاستغراق]

- ‌[وبالإضافة]

- ‌[وأما تنكيره]

- ‌[وأما وصفه]

- ‌[وأما توكيده]

- ‌[وأما بيانه]

- ‌[وأما الإبدال منه]

- ‌[وأما العطف]

- ‌[وأما الفصل]

- ‌[وأما تقديمه]

- ‌[وإن بنى الفعل على منكر]

- ‌[ومما نرى تقديمه كاللازم]

- ‌[مبحث كلمة كل]

- ‌[وأما تأخيره فلاقتضاء المقام]

- ‌[ويسمى هذا النقل عند علماء المعاني التفاتا]

- ‌[أحوال المسند أما تركه فلما مر]

- ‌[وأما ذكره فلما مر]

- ‌[وأما إفراده فلكونه غير سبب]

- ‌[وأما كونه فعلا فللتقييد بأحد الأزمنة الثلاثة]

- ‌[وأما كونه اسما فلإفادة عدمهما]

- ‌[وأما تقييد الفعل بمفعول ونحوه وأما تركه فللمانع منهما]

- ‌[وأما تقييده بالشرط]

- ‌[وأما تنكيره فلإرادة عدم الحاصر والعهد]

- ‌[وأما تخصيصه بالإضافة أو الوصف فلكون الفائدة أتم]

- ‌[وأما تعريفه فلإفادة السامع حكما]

- ‌(أحوال متعلقات الفعل)

- ‌[الحذف وأغراضه]

- ‌[أنواع القصر]

- ‌[شروط قصر الموصوف على الصفة]

- ‌(الإنشاء)

- ‌[أنواعه]

- ‌[من أنواع الطلب]

الفصل: العكس؛ فلذا قال.   ‌ ‌[وأما العطف] (وأما العطف) يعنى جعل المسند إليه معطوفا

العكس؛ فلذا قال.

[وأما العطف]

(وأما العطف) يعنى جعل المسند إليه معطوفا عليه فالأولى ذكر قولنا عليه على ذكر نحو أما الأبدال منه (فلتفصيل المسند إليه) أى ذكره مفصلا بعضه عن بعض فى العبارة والمذكور إما لأن بيان خصوصية كل من متعدد مقصود لفوت بالإجمال أو بيان خصوصية بعض مقصود كذلك مثال الأول: جاءنى زيد وعمرو فإنه لا يعلم خصوصيتهما ولو قيل: جاءنى رجلان، ومثال الثانى: جاءنى زيد وعمرو ورجل آخر، وإما لقصد التعريض لغباوة السامع وأنه لا يفهم المتعدد مع وحدة اللفظ نحو جاءنى رجل ورجل آخر، وكل من هذه الصور لتفصيل المسند إليه الذى هو رجلان فى جاءنى رجلان فإذا لم يقل: أما العطف فلتفصيله لئلا يتبادر الذهن إلى المسند إليه المتبوع فى الذكر فإن «زيد وعمرو» وليس لتفصيل زيد بل لتفصيل «رجلان» هكذا حقق المقام لئلا يشكل عليك أن المعطوف ليس لتفصيل المعطوف عليه ولا يحتاج إلى أن يريد بالمسند إليه مجموع ما نسب إليه الشىء فى الكلام ويجعل ذكر المسند إليه مفردا مسامحة (مع اختصار) ولم يقل مع الاختصار لئلا يتبادر اختصار المسند إليه واحترز به عن تفصيل المسند إليه بالوصف أو عطف البيان نحو: جاءنى رجلان أحدهما زيد والآخر عمرو، وجاءنى رجلان زيد وعمرو، وليس احترازا عن تفصيل المسند إليه فى قولنا جاءنى زيد وجاءنى عمرو على ما قالوا فإنه وإن كان فيه تفصيل للمسند إليه لكنه ليس لتفصيل المسند إليه وإنما الغرض منه تفصيل القصص الواقعة والنسب المجملة، والبليغ ليس مرجحا له على جاءنى زيد وعمرو بل على وقع أمور ونحوه.

ومما يختلج فى القلب أن العطف لتفصيل المسند إليه لا يخص العطف على المسند إليه الذى هو فى الكلام متبوع محض بل يعم المسند إليه التابع، ويشمل نحو: جاءنى اثنان زيد وعمرو فإن زيدا بدل البعض وعمرو عطف عليه لتفصيل المسند إليه التابع وهكذا العطف لتفصيل المسند بأن تقول: زيد فعمرو وثم عمرو، وعليك أن تعود بهذا التحقيق على الوصف والتأكيد وعطف البيان ولا تجس فطنتك على ما يفصله البيان (نحو جاء زيد وعمرو) ونحو جاءنى زيد وعمرو بعده، فإنه لتفصيل المسند إليه ليتوسل به إلى تفصيل المسند فإنه لو لم يذكر

ص: 356

المعطوف لم يمكن تقييد مجيئه بما يفيد تأخره، والمراد بالكون لتفصيل المسند إليه من أن يكون تفصيله مقصودا لذاته أو ليتوسل به إلى غرض آخر (أو المسند كذلك) أى تفصيل المسند مع اختصار.

والأوضح الأخصر معه وفيه أن لا تفصيل فى جاءنى زيد فعمرو بمعنى ذكر كل منهما منفصلا عن ذكر الآخر بل كلاهما ذكرا بقولك جاء، نعم فيه تفصيل بمعنى بيان خصوصيته فى كل لم يفهم من ذكر المسند إلا أن يقال العطف أفاد تذكر المسند فى المعطوف بخصوصه، فكأنه ذكر بعبارة منفصلة عن عبارة ذكرتها للمعطوف عليه، والمراد بكونه لتفصيل المسند أن الداعى إليه تفصيل المسند إما لذاته أو ليتوسل به إلى غرض نحو جاء زيد فعمرو بساعة فإن تفصيل المسند بالعطف ليتأتى التقييد بساعة واحترز بقوله كذلك عن نحو جاء زيد بعيد أن جاء عمرو فإنه لتفصيل المسند لكن لا اختصار فيه قال الشارح المحقق: احترز به عن نحو جاءنى زيد وعمرو بعده بيوم أو سنة وفيه بحث؛ لأن المقصود بهذا التركيب ليس من مقاصد العطف حتى يكون الاختصار داعيا إلى اختيار العطف عليه كيف وشىء من الفاء وثم وحتى لا يفيد التعقيب بيوم أو سنة فلإفادة التعقيب بلا مهلة مقام يقتضى الفاء ولإفادة التعقيب بيوم مقام يقتضى هذا التركيب، وليس ترجيح العطف عليه للاختصار، بل لأنه لا يفيد ما يفيده العطف على أنه لتفصيل المسند مع اختصار، إذ لو لم يعطف لاحتيج إلى ذكر المسند (نحو جاءنى زيد فعمرو) (1) فإنه قد يدل على أن مجىء عمرو يفيد مجىء زيد ففيه تفصيل للمسند على وجه الاختصار فإن قلت: العطف فيما يجعل لتفصيل المسند يشتمل على تفصيل المسند إليه أيضا فينبغى أن يقول: أو التفصيل المسند أو المسند إليه.

كذلك قلت: تفصيل المسند إليه فى هذه الصورة ليتوسل به إلى تفصيل المسند فإنه لا يتأتى تقييد المسند بالتعقيب على أخصر وجه إلا بعد نسبته إليه، وما يكون لداع هو وسيلة إلى أمر آخر كثيرا ما يطوى فى بيان الداعى إليه الغرض الأول ويكتفى بالغرض الثانى، كما يقال تعريف المسند إليه بالإشارة لتحقيره مع

(1) أي المراد: جاء زيد فجاء عمرو، أو ثم جاء عمرو

إلخ حتى يستقيم الكلام على أنه عطف للمسند.

انظر الإيضاح ص 58.

ص: 357

أنه لبيان القرب ليتوسل به إلى التحقير على أن اللازم للعطف بالفاء، وثم هو تفصيل المسند دون تفصيل المسند إليه ألا ترى أنه لا تفصيل له فى قولك:

جاءنى رجل فرجل آخر أو ثم رجل آخر وأجاب عنه الشارح المحقق بأنه ذكر الشيخ ما محصله: أنه ما من كلام فيه أمر زائد على مجرد إثبات شىء لشىء أو نفيه عنه إلا وهو الغرض الحاصل والمقصود من الكلام وهذا مما لا سبيل إلى الشك فيه، ففى نحو جاءنى زيد فعمرو يكون الغرض إثبات مجىء عمرو بعد مجىء زيد بلا مهلة كأنه معلوم أن الجائى زيد وعمرو، والجهل إنما تعلق بالترتيب والتعقيب فيكون العطف لإفادة تفصيل المسند لا غير حتى لو قلت: ما جاءنى زيد، فعمرو كان نفيا لمجيئه عقيب مجىء زيد ويحتمل أنهما جاءاك معا أو جاءك عمرو قبل زيد أو بعده بمدة متراخية هذا كلامه، وفيه نظر؛ لأن كون العطف لتفصيل المسند إليه والمسند أعم من الكون له مقصودا لذاته أو لغيره ولا خفاء فى كون تفصيل المسند إليه مقصودا بالعطف ليتوسل به إلى تفصيل المسند فى العطف بالفاء ولولا اعتباره أعم لم يتم نكتة العطف فى جاءنى زيد وعمرو بعده بيوم؛ فإن المقصود فيه الترتيب والتعقيب حتى كأن مجيئهما معلوم، والجهل إنما وقع بالترتيب والتعقيب.

فإن قلت: ما الفائدة فى عطف المسند إليه فى نحو قولك: جاءنى الآكل فالشارب فالنائم ومن البين أنه ليس لتفصيل المسند، لعدم تعدد المجىء ولا الجائى؟ قلت: قال الشارح: وهو فى التحقيق ليس من عطف المسند إليه بل من عطف الصلات أى: جاءنى الذى يأكل فيشرب فينام، هذا: وتوجيهه أن اللام وصلته لشدة الامتزاج كالكلمة الواحدة فيدخل عاطف الصلة على اللام كما يدخل إعراب اللام على الصلة، ولو قدرت الموصوف وجعلته من عطف الصفة على الصفة أى: جاءنى الرجل الآكل فالشارب فالنائم، لاستغنيت عن هذا التكلف (أو ثم عمرو) لائمة فإنه مخصوص بعطف الجمل والفرق بينه وبين الفاء أن الفاء لنفى المهلة وثم لإثباتها (أو جاء القوم حتى خالد) لم يقل: أو حتى خالد؛ لأن «حتى» لعطف جزء من متعدد عليه بخلاف «ثم» فلا يقال: جاء القوم ثم خالد، وهذا هو الفارق بين «حتى» و «ثم» بعد اشتراكهما فى التراخى

ص: 358

بمهلة.

وقال الجزولي: هى متوسطة بين الفاء وثم، والتحقيق أن المهلة المعتبرة فى حتى بين أول جزء للمعطوف عليه وما بعدها لا بين المعطوف عليه والمعطوف؛ إذ المعطوف من تتمة المعطوف عليه، ولخفاء المهلة بين ما بعد حتى وما قبلها أنكر نجم الأئمة كونها للمهلة وأنكر أيضا الترتيب الخارجى، وقال: إن الترتيب المعتبر بين أجزاء المعطوف عليه هو الذهنى دون الخارجى، وفى قولنا: جاء القوم حتى زيد يعتبر العقل ترتب تعلق المجىء بأجزاء القوم بحسب رجحانه بالنظر إلى بعض ببعض حتى ينتهى إلى الأقوى أو الأضعف، وما قال يخالف جعلهم إياها مثل «ثم» وما استدل عليه من قولهم: مات كل أب لى حتى آدم مع أن موته متقدم، ومات الناس حتى الأنبياء مع أن موت الأنبياء فى أثناء موت الناس.

وقولهم: جاء القوم حتى خالد مع أن مجيئهم معا لا يتم لجواز أن تكون هذه الأمثلة مستعارات للترتيب الذهنى للمبالغة فى الترتيب الذهنى بحيث يخل الترتيب الخارجى وقد جاء مثله فى «ثم» فى قوله:

إنّ من ساد ثمّ ساد أبوه

ثمّ ساد قبل ذلك جدّه (1)

على أن الترتيب فيما ذكره من الأمثلة أيضا خارجى لكنه رتبى لا زمانى وليس للعقل إلا ملاحظة هذا الترتيب الرتبى كما يلاحظه الترتيب الزمانى (أو رد السامع عن الخطأ) أى: الاعتقاد الغير المطابق (إلى الصواب) أى: اعتقاد المطابق وأما تفسير قوله مما فى الإيضاح والشرح حيث قالا: أو رد السامع عن الخطأ فى الحكم فيقتضى جعل الخطأ والصواب صفتين للحكم لا جعلهما نفس الحكم وحينئذ يكون المعنى رد السامع عن كون حكمه خطأ إلى كون حكمه صوابا، ولا يخفى أنه معنى سمج وإن وافق المفتاح ففيه تفويت لما اتفق فى عبارة المتن من إصلاح عبارة المفتاح، ولا بد من تقييد الرد بقولنا:«مع اختصار» ليخرج عنه نحو ما جاءنى زيد، ولكن جاء عمرو، وكذا فى البواقى ليخرج عنه عطف الجمل على الجمل، ولا بد من تقييده أيضا مما يخرج ما عداه من طريق القصر فإنه يصح فى (نحو جاءنى زيد لا عمرو) وما جاء إلا زيد، وإنما جاء زيد، وزيد جاء، فالأولى أن

(1) البيت لأبي نواس في ديوانه ص 106، والتبيان ص 130، والمصباح ص 163.

ص: 359

يقال: أو رد السامع صريحا إلى الصواب فإن فى ما عداه لا نص إلا على المثبت ويجب فيه التصريح بالمثبت والمنفى إلا إذا كان المنفى لكمال ظهوره كالمصرح كما سيجىء إن شاء الله تعالى، ورد السامع إلى الصواب فى المثال المذكور بإزالة اعتقاده الشركية لا غير، فإنه إنما يكون لقصر الإفراد، على ما بينه الشيخ عبد القاهر وعند المفتاح تقلب به اعتقاد المخاطب أيضا، ويخاطب به من اعتقد أنه جاء عمرو دون زيد ووافقه المصنف، ويفهم من كلام الشارح فى بحث القصر أنه يخاطب به من اعتقد بمجىء أحدهما من غير تعيين لكنه حينئذ ليس لرد السامع إلى الصواب، بل لحفظه عن الخطأ، فليكن هذا نكتة أخرى للعطف على ذكر منك، ومن أمثلة رد السامع إلى الصواب: ما جاءنى زيد بل عمرو على ما قال ابن مالك (1) إن بل بعد النفى والنهى ك «لكن» ، وجعل ابن الحاجب ذلك محتملا حيث قال: ما جاءنى زيد بل عمرو ويحتمل إثبات المجىء لعمرو مع تحقيق نفيه عن زيد وعليه ما سيأتى فى بحث القصر أن ما جاءنى زيد بل عمرو للقصر، ومما ذكره المفتاح والإيضاح أن ما جاءنى زيد لكن عمرو بمن اعتقد أن زيدا جاءك دون عمرو ولم يتعرضا لكونه لمن اعتقد الشركة فقال الشارح: إن مجيئه لرد السامع اعتقاد الشركة لم يقل به أحد وهذا وجه خفى، ومنهم من وجهه بأنه يحصل رد اعتقاد الشركة بالمعطوف عليه، فذكر الإثبات لغو ورده السيد السند بأنه منقوض بقولك: جاءنى زيد لا عمرو، والأولى أنه منقوض بباقى طرق القصر.

ونحن نقول: لم يذكروا «لكن» من طرق القصر إلا فى بحث العطف مثالا لرد السامع إلى الصواب، والعطف لا يرد به إلى الصواب فى قصر الإفراد؛ إذ هو مما اعتقده المخاطب بل هو لتقرير ما اعتقده من الصواب فجعله لقصر القلب فى مقام التمثيل به للرد إلى الصواب لا يوجب عدم كونه لقصر الإفراد لاحتمال أن يكون عدم التعرض به؛ لأنه لا يصلح بهذا الاعتبار لما يتم فيه من التمثيل وإنما لم يذكره المصنف فى المتن مع تعرضه له فى الإيضاح لأنه نحو جاء زيد لا عمرو من

(1) ابن مالك: أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن مالك الطائي أحد الأئمة في علوم العربية، صاحب الألفية الشهيرة بألفية ابن مالك، ولد بالأندلس عام 600 هـ وتوفي فيها عام 672 هـ.

ص: 360

طرق القصر؛ كذا ذكره الشارح، ونحن نقول: لم يتعرض له؛ لأنه مخالفة من المفتاح مع الأئمة الأعلام من النحاة حيث جعلوه لدفع توهم المخاطب أن عمرا أيضا لم يجئ كزيد بناء على ملابسة بينهما، وقلة انفراد أحدهما بأمر ولم يتعرض لما ذكروه أيضا ليعلم أن العطف ب «لكن» لدفع توهم ناشئ من السابق لاحتمال أن يكون الحق مع المفتاح، وكلام الشارح المحقق والسيد السند يشعران بأن المراد بالتوهم الاعتقاد سواء كان جزما أو ظنا ضعيفا ويمكن أن يقال: لا مخالفة بين كلام السكاكى والنحاة على ما توهموا لأنه يجوز أن يكون ذكر «لكن» فى التصريح بالإثبات بعد النفى للقصر واختياره على «بل» لأنه نشأ من نفى ما اعتقده ثانيا يوهم أنه وافقه المتكلم فيما نفاه؛ ولذا لم يبدأ بإثباته مع أن الإثبات أحق بالتقديم ففيه مع رد المخاطب إلى الصواب دفع توهم المشاركة فى النفى، ولا يبعد أن يجعل رد السامع إلى الصواب شاملا لدفع التوهم بعد ما بين أن المراد بالتوهم الاعتقاد، فإن العطف بلكن حينئذ لرد المخاطب من خطأ أوقعه المتكلم فيه وهو اعتقاد أنه لم يجئ عمرو، أو اعتقاد أنه مشارك لزيد فحينئذ يكون من طريق قصر الإفراد.

(أو صرف الحكم إلى آخر) سواء جعل الأول فى حكم المسكوت عنه بحيث يحتمل أن يكون ثانيا وأن لا يكون ويسمى الإضراب، أو لم يجعل فى حكم المسكوت عنه وذلك حين يزاد «لا» قبل «بل» فإنه يبطل الإيجاب قبله وتقرير النفى ويؤكده، فلا يكون ما قبل «بل» حينئذ محتملا بل مقطوعا به فإذا قلت:

جاء زيد لا بل عمرو وأبطلت مجىء زيد وصرفت الحكم إلى عمرو، وإذا قلت: ما جاء زيد لا بل عمرو وقررت النفى وصرفته إلى عمرو فإن قلت: آخر بمعنى غير من جنس السابق، فلا يقال: جاءنى زيد وحمار آخر بل رجل آخر، فقوله: أو صرف الحكم إلى آخر يوجب عدم صحة جاءنى زيد بل حمار مع أنه ليس كذلك فالصحيح: أو صرف الحكم إلى غيره.

قلت: معنى قوله أو صرف الحكم إلى آخر: إلى مسند إليه آخر والمسند إليه الآخر من جنس السابق فى هذا الكلام، وذلك لا يقتضى كونه فيما بعد، بل من جنس السابق عليه وهذا من قبيل اشتباه مفهوم الحكم بموارده فلما كان الإضراب غير شامل لجميع صور العطف ببل وإن كان متحققا فى (نحو جاء زيد بل عمرو

ص: 361

وما جاءنى زيد بل عمرو) أضرب عن ذكر الإضراب والنفى بصرف الحكم الشامل لجميع الصور، لكن كون المثال الثانى لصرف الحكم غير واضح على مذهب الجمهور من أن «بل» يبطل النفى فيما بعده ويجعل ما قبله فى حكم المسكوت عنه حتى يكون المعنى ما جاءنى زيد بل جاءنى عمرو؛ لأنه لا معنى لصرف الحكم إلى ما بعد «بل» بعد اختلاف الحكم السابق واللاحق، نعم يتضح على مذهب المبرد أن النفى والإثبات سببان والمعنى: بل ما جاءنى عمرو مع احتمال جاءنى زيد بين النفى والإثبات، فالغلط عند المبرد فى الاسم المعطوف عليه فقط وعند الجمهور فيه وفى ذكر النفى فكلمة «بل» لتدارك غلطين عندهم تدارك النفى بالإبطال وتدارك المعطوف عليه بعينه بصرف الحكم إلى المعطوف ويمكن توضيح صرف الحكم بأن المراد صرف الحكم بعينه أو بعد إصلاحه بإبطال نفيه، والمراد بالحكم إما الوقوع واللاوقوع أو الإيقاع والانتزاع والمراد بصرفه صرفه باعتبار الإفادة فلا يتجه أنه يقتضى تكذيب الحكم فى المعطوف عليه مع أنه غير تكذيب بل مسكوت عنه والصرف فى الإفادة كما يصح في الإيقاع يصح في الوقوع، والصرف بحسب الواقع لا يصح في شيء منهما فما ذكره الشارح المحقق في شرح المفتاح أن المراد بالحكم الإيقاع فلا يستلزم صرف الحكم كذب الحكم في المعطوف عليه لا يتم ولا يشكل عليك عدم شمول النكتة للعطف في: ليضرب زيد بل عمرو؛ لأنه ليس لصرف الحكم بل لصرف الطلب؛ لأن الكلام في المسند إليه بالإسناد الخبري على أن التحقيق أن الحكم هنا يعم الخبر والإنشاء قال الرضى: وإذا عطفت ب «بل» مفردا بعد النفي أو النهي فالظاهر أنها للإضراب أيضا ومعنى الإضراب: جعل الحكم الأول موجبا أو غير موجب كان، كالمسكوت عنه بالنسبة إلى المعطوف عليه وفرق بين العطف ببل وبدل الغلط وإن كان كلاهما لتدارك الغلط في المتبوع فإن الأول لا يقع في كلام البليغ والثاني شائع بين البلغاء مطرد في كلامهم؛ لأنها موضوعة لتدارك مثل هذا الغلط وقد نبه عليه المصنف حيث ترك بدل الغلط وذكر العطف ببل، وابن الحاجب سوى بينه وبين البدل لكن تعقبه الرضي بهذا الفرق وهو المرضي كذا قيل، وقد عرفت أن من بدل الغلط ما هو أبلغ من المعطوف فالفرق بأن هذا البدل ليس من أحوال المسند إليه إذ لا مسند إليه

ص: 362