الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المدينة بتمامها، وعن الثانى بأن ما قد سبق منه كان رواية عن علقمة فيحتمل أن لا يكون واثقا بها، أو يكون معنى الرواية ما صدر ب «يا أيها الناس» مكى لا محالة، وذلك لا ينافى النزول بمكة أيضا، وتصدى السيد السند لإثبات أن خبر المبتدأ يجب أن يكون جملة خبرية فيتم التوجيه الأول لوجوب كون الصفة كذلك فقال: خبر المبتدأ وضع على أن يكون حالا من أحوال المبتدأ سواء أسند إليه على وجه الاستفهام أو النفى. ولا شك أن الجمل الإنشائية ليست بمضموناتها أحوالا لما يجعل أخبارا له ونحن نقول: الجملة الخبرية لا تقع خبرا ما لم يخرج عن احتمال الصدق والكذب ولم يجعل نسبتها غير ملحوظة قصدا، فالقول بأن الجملة الخبرية تقع خبرا مؤوّلا بأن ما فى الأصل جملة خبرية تقع خبرا لا حال كونها جملة خبرية، وكذا الجملة الإنشائية إذا كانت نسبتها مقصودة وكانت لإنشاء شىء لا تقع خبرا ولا يرتبط بغيره لا أظنك فى مرية من ذلك، ووجدانك حاكم صدق وإذا أخرجت عن كونها كلاما تاما وجعلت فى حكم المفرد فلا مانع من جعلها خبرا فالجملة الخبرية والإنشائية سيان فى امتناع كونهما خبرين، وهما على فطرتهما، وإمكان جعلهما خبرين بجعلهما كالمفردين، فكما لا مانع من وقوع قام أبوه خبرا لزيد لجعله فى قوة قائم الأب لا مانع من جعل اضربه خبرا له لكونه فى قوة مطلوب اضربه أو واجب اضربه، نعم: ذلك التصرف فى الخبريات أكثر بقى الكلام فى أن زيدا اضربه هل هو جملة إنشائية اعتبر نسبة اضربه إلى زيد على وجه الطلب والإنشاء أو خبرية كما يشعر به قولهم إنه فى تأويل زيد مقول في حقه اضربه؟ الحق أنه إنشائي لا تفاوت في القصد بين زيد اضربه، واضرب زيدا، ثم لا وجه في جعل زيد قام أبوه فى قوة زيد قائم الأب دون زيد مقول فيه قام أبوه وجعل زيد اضربه فى قوة زيد مقول فيه اضربه دون زيد مطلوب الضرب أو حقيق به أو واجب الضرب كما استشهر.
[وأما توكيده]
(وأما توكيده) أى: إيراد التأكيد للمسند إليه، ومن لطائف ترتيب المصنف اتصال بحث التأكيد بقوله أو تأكيد لنحو أمس الدابر كان يوما عظيما فإن بحث التأكيد يوضحه، ولك أن تريد بقوله وأما توكيده إيراد التأكيد الاصطلاحى أو ما فى حكمه فيتقوى حسن الاتصال (فللتقرير) أى: جعل مفهوم المسند إليه مقررا
ثابتا فى ذهن المخاطب وذلك إذا توهم المتكلم أن المخاطب غفل عن سماع اللفظ لشاغل السمع عنه أو سمع لكن لم يلتفت إلى معناه لشاغل الفهم عنه ولا يخفى أن هذا التقرير ينفك عن دفع توهم التجوز أو السهو فيصبح ذكره مقابلا له وإن كان دفع توهم التجوز أو السهو مستلزما للتقرير؛ لأن توهم التجوز أو السهو يمنع عن ثبوت المسند فى نفس المخاطب بذكره مرة فإذا تكرر تقرر واندفع التوهم ولا حاجة فى توجيه ذكر التقرير مقابلا للدفع إلى ما ذكره الشارح من أن القصد إلى مجرد التقرير يغاير القصد إلى دفع التوهم وإن كان بالتقرير يندفع التوهم، وقد حمل العلامة التقرير على تقرير الحكم وأورد عليه الشارح. إن عرفت أنا نقرر المسند إليه دون الحكم كما سيأتى وكأنه أراد بتقرير الحكم ما يلزم تقرير المحكوم عليه من إدخال الحكم فى نفس المخاطب وإزالة غفلته عنه بغفلته عن المحكوم عليه لا التقرير الحاصل له بتكرير الإسناد وإزالة الشك أو الإنكار ويشهد به أنه قال: أى بمجرد تقرير الحكم لا توكيده فلا يتجه ما أورده عليه الشارح المحقق (أو دفع توهم) عدل عن الظن كما فى المفتاح؛ لأن ذكر المسند إليه لا يوجب ظن التجوز أو غير غاية التوهم (التجوز) أى المتكلم بالمجاز، والمجاز مشترك بين المجاز اللغوى والمجاز العقلى والتأكيد يعم دفعهما وإرادتهما توجب الجمع بين المعنيين أو عموم الاشتراك، ولا يخفى أن فائدة التأكيد لا يقتصر على دفع توهم التجوز بل هو لدفع توهم التجوز أو الحذف فإن قولنا: أحببت قريتى يحتمل أن تكون القرية مجازا عن الأهل وكون الأحباب متعلقا بالقرينة مجازا عقليا وحذف المضاف أى أهل قريتى، فأحببت قريتى لدفع توهم التجوز أو الحذف ودعوى أنه يكون لدفع توهم التجوز لا غير الحكم ولا تظنن أن التأكيد لا يجامع المجاز؛ لأن دفع توهم المجاز لا يوجب دفع المجاز المحقق فقولنا: رمانى أسد نفسه فيه تأكيد الأسد المجاز عن الشجاع لدفع توهم أن الرامى بعض غلمانه وإسناد الرمى إليه مجاز وكأنى بك أن تقول: زيد نفسه جاء لدفع توهم التجوز على مذهب غير المصنف وليس عند المصنف لدفع توهم التجوز فإن إسناد الخبر إلى المبتدأ ليس مجازا عنده فعبارة المصنف قاصرة فى بيان النكتة وإنما هى وافية فى كلام المفتاح لا تقول: إذا أكد زيد اندفع توهم التجوز فى إسناد «جاء» إلى الضمير فقد تم أن التأكيد لدفع توهم
التجوز فى إسناد الخبر إلى المبتدأ بل هو الظاهر، وبيان المصنف لا يشمله.
(أو) دفع توهم (السهو) ترك النسيان مع أنه مذكور فى المفتاح لعدم الفرق بين السهو والنسيان فى اللغة فى القاموس: سها عنه نسيه وغفل عنه، والمفتاح جرى على اصطلاح الحكمة من جعل السهو لزوال الصورة عن المدركة دون الحافظة حتى لا يحتاج فى حصولها إلى تحصيل ابتداء بل يكفى الاستحضار والنسيان لزوال الصورة عن الحافظة حتى يحتاج فى حصولها إلى تحصيلها ابتداء، والظاهر أن التأكيد ليس لدفع توهم السهو بل لدفع توهم وضع صورة مكان صورة وإلا فزوال الصورة عن المدركة لا يوجب الإتيان بالخطأ، نعم منشأ الوضع زوال الصورة عن الحافظة فالأولى لدفع توهم الخطأ فإن قلت: إيراد التأكيد لدفع توهم ما سبق اللسان مما فاتهم لأنه ليس للسهو بل يكون مع حصول الصورة فى المدركة، قلت: سبق اللسان لزوال الصورة اللفظ الذى يراد ذكره عن المدركة، وإنما الصورة الحاصلة معه صورة المفهوم نحو: جاءنى زيد زيد لئلا يتوهم أن الجائى عمرو وإنما ذكر «زيد» على سبيل السهو، فإن قلت: التكرار لا يدفع توهم السهو لأنه ربما يتوهم فى: جاءنى زيد زيد أن زيد الأول وقع موقع أخوك، وزيد الثانى بدل أو عطف بيان، وفى زيد قائم قائم يتوهم أن الأول قائم مقام قاعد سهوا والثانى خبر ثان قلت: اندفع به توهم السهو فى الإخبار عن مجىء زيد وعن قيامه، قال الشارح المحقق: وهذا التوهم لا يندفع بالتأكيد المعنوى، وهو ظاهر ووجهه السيد السند بأنه إذا قيل: جاءنى زيد نفسه احتمل أنه أراد أن يقول:
جاءنى عمرو نفسه فيها وتلفظ بزيد مكان عمرو وفيه بحث لأن حفظ الكلام عن توهم التجوز ينبئ عن مزيد احتياط ويبعد المتكلم عن مظنة السهوية وسنزيد لك غير بعيد، ولأنه ينافى ما حقق بعيد هذا الكلام أن الأولى إن جاءنى الرجلان كلاهما ليس لدفع توهم عدم الشمول؛ لأن المثنى نص فيه بل لدفع توهم أن الجائى واحد منهما والإسناد إليهما وقع سهوا ولأنه ينافى ما ذكره السكاكى فى بحث الفصل والوصل أن إتباع لا رَيْبَ فِيهِ لذلك الكتاب كإتباع نفسه للخليفة فى قولك:
جاءنى الخليفة نفسه إزالة لما عسى أن يتوهم السامع أنك فى قولك: جاءنى الخليفة، متجوز وساه؛ ولم يخالفه الشارح المحقق والسيد السند فى شرحيهما فى
هذا المقام.
(أو) دفع توهم (عدم الشمول) هو أوضح وأخصر من خلاف الشمول نحو جاءنى القوم كلهم لمن شأنه أن يتوهم أن القوم لم يجىء منهم البعض إلا أنك لم تعتد بذلك البعض وجعلت الجائين كل القوم، أو أن القوم جاءوا برمتهم، إلا أنك لم تقصد إلا بعضهم لعدم الاعتداد بغيرهم، أو لجعل البعض منزلة الكل لكونهم بمنزلة الكل فى المجىء لتفاوتهم واشتباك مصالحهم واشتراك مضارهم وتوقف فعل بعضهم على رضا كلهم وفى كون التأكيد دافعا للتوهم بحث؛ لأن التأكيد مما يؤكد كون البعض بمنزلة الكل سواء كان بالاعتبار الأول أو بالاعتبار الثانى وسواء كان مبنى التوهم على توهم إطلاق الاسم على البعض فيكون مجازا لغويا أو على توهم إسناد فعل البعض إلى الكل وتخصيص البحث بالتأكيد بالاعتبار الثانى كما وقع من السيد السند خفى، كما أن جعله الاعتبار الأول من المجاز اللغوى والثانى من المجاز العقلى غير ظاهر، على أن جعل الكل بمنزلة البعض لما ذكر ليس من الملابسات التى ضبطها المصنف للمجاز العقلى، ولا يدفع للشبهة إلا بكون دفع التأكيد لذلك مبنيا على المواضعة والعرف لا على اقتضاء المفهوم التركيبى ذلك.
قال الشارح المحقق: وههنا بحث وهو أن ذكر عدم الشمول إنما يفيد زيادة توضيح، وإلا فهو من قبيل دفع توهم التجوز، نص عليه الشيخ عبد القاهر حيث قال: لا نعنى بقولنا يفيد الشمول أنه توجيه من أصله وأنه لولاه لما فهم الشمول من اللفظ وإلا لم يسم تأكيدا بل المراد أنه يمنع أن يكون اللفظ المقتضى للشمول مستعملا على خلاف ظاهره ومجوزا فيه، انتهى كلامه.
وههنا أبحاث:
أحدها: أن ذكر إفادة الشمول المندرج تحت دفع توهم التجوز فى مقابلته هل هو إغلاق أو توضيح، ويمكن دفعه بأنه لما كان الاندراج واضحا علم أن المقصود من دفع توهم التجوز دفع توهم تجوز سواه، وصار الكلام تفصيلا لدفع توهم التجوز توضيحا للمقام.
وثانيها: أنه ينبغى أن لا يفصل بينه وبين دفع توهم التجوز بالسهو.
وثالثها: أنه لا يظهر كون دفع الشمول دفع توهم تجوز، بل يحتمل دفع توهم سهو خاص هو وضع القوم مثلا فى جاء القوم موضع بعض القوم أو أكثر القوم سهوا، نعم حينئذ أيضا لمزيد توضيح من غير نقضية الفصل بينه وبين قسميه بالسهو.
ورابعها: أن فى كلام السكاكى ما ينافى كلام الشيخ حيث جعل «كل إنسان حيوان» و «كل رجل عارف» ولدفع توهم عدم الشمول مع أنه يوجب الشمول من أصله، ولولا «كل» لما فهم الشمول من اللفظ ويمكن دفعه بأنه ربما يكون النكرة فى الإيجاب للعموم، وذلك فى المبتدأ غير قليل، كما فى الفاعل فلو لم يكن «كل» لكان رجل عارف للعموم وكيف لا ولا مخصص للنكرة حتى يقع مسندا سوى ذا، ويمكن تفصيل هذا التفصيل على الإجمال بأن دفع توهم الشمول فى التأكيد أشيع، والمتكلم البليغ أحوج بهذا القسم لشيوع التخصيص فى العمومات حتى قيل: ما من عام إلا وقد خص منه البعض، ولهذا عين له مراتب على قدر قوة التوهم فربما يكتفى بالتأكيد بالكل، وربما يتبع الكل بأجمع، وربما يتبع ببعض توابعه أيضا، وربما يتبع بتوابعه أجمع فاستحق بذلك تمييزه فى البيان وجعله مشارا إليه بالبنان فإن قلت: قد يوجد دفع توهم عدم الشمول مع التجوز فلا نعنى دفع توهم التجوز عنه، ألا ترى أن قوله تعالى: فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ* شامل لإبليس تجوزا، فإن الأصح أنه كان جنيا مغمورا فى الملائكة فلذا أدخل فيها وتأكيد الملائكة ب «كلهم أجمعون» يفيد شمول الحكم لما قصد بالملائكة تجوزا ولا يدفع التجوز، قلت: يحتمل الإسناد التجوز بأن إسناد السجدة إلى الكل تجوزا فهذا التأكيد المفيد للشمول يدفع توهم هذا التجوز.
قال السيد السند: استدراك قوله أو عدم الشمول إنما يتوهم إذا أريد بالتجوز ما يتناول العقلى واللغوى، أما إذا خص بالعقلى كما يشعر به كلام السكاكى حيث قال: وأما الحالة التى تقتضى تأكيده فهى إذا كان المراد أن لا يظن بك السامع فى حكمك ذلك تجوزا أو سهوا أو نسيانا فلا بد من التعرض بعدم الشمول فإنه تجوز لغوى لم يندرج فى التجوز المذكور، هذا وفيه أن تخصص التجوز بالعقلى مما يضيق دائرة النكتة الوسيعة بلا جهة؛ فلذا أسقط المصنف لفظ الحكم الموهوم
للتخصيص فلا يعتد به لتوجيه ذكر عدم الشمول، وقد اتضح لك بما قدمناه أن قوله: فإنه تجوز لغوى ما يلوح عليه أثر الإهمال والحق المبين فإنه ربما يكون تجوزا لغويا، ولولا الضنة بتفويت عموم دفع توهم التجوز العقلى ولدفع توهم التجوز اللغوى ولدفع توهمهما (لأقبلنا على ما يختلج فى القلب أنه)(1) فليكن المراد بدفع توهم التجوز دفعه بالمرة حتى لا يبقى توهمه من وجه، وحينئذ يقابله القصد إلى دفع توهم تجوز خاص وهو استعمال العام فى البعض أو إسناد حكم البعض إلى الكل فلا ريبة فى قبول ذكر أو عدم الشمول، وكنت معتبرا فى التأكيد لدفع توهم الحذف لأمكنك النزاع فى اندراج دفع توهم الشمول فى دفع توهم التجوز؛ لأن توهم عدم الشمول يجوز أن يكون بتوهم اعتبار حذف مضاف كما نبهت عليه، لكن بيانهم يكشف عن غفلتهم عن الحذف؛ فلذا لم ينظر إليه إلا بمؤخر العين، ما يحق أن يطوى به الكل ويتحمل بحلق القلب حق التحمل أن توهم عدم الشمول ربما يكون لظن أن المتكلم حاكم بالتخمين غير متتبع أجزاء الكثرة حق التتبع المفيد لليقين فيدفع ذلك بتأكيد الشمول إفادة للاستقصاء فى تفحص الكثرة والتجنب عن الغفلة والعثرة.
ومما ينبغى أن ينبه عليه، وأن هو (2) عقيب الإطناب تكميلا لفوائد هذا الباب: أن التأكيد لدفع التوهم إنما يكون شديدا إذا كان فى المتبوع مجال التوهم؛ وذا منع النحاة عن «اختصم الرجلان كلاهما» لكن جوزوا: جاءنى الرجلان كلاهما؛ لأن المثنى وإن لا يحتمل إرادة البعض منه وهو نص فى العدد لكن يحتمل جعلهما بمنزلة الشخص الواحد حتى يسند فعل أحدهما إليهما، فرد الشارح جعل «جاءني الرجلان كلاهما» لدفع توهم عدم الشمول لكونه نصا في العدد وحكمه بأن الأولى أنه لدفع توهم السهو، ووضع الرجلين مقام الرجل محل نظر لوجهين فتأمل، ولا ينبغى أن يقول جاءنى الرجلان كلاهما لدفع توهم أن القصد إلى مجىء رسوليهما أو رسول أحدهما ونفس الآخر؛ لأنه لا يدفعه إلا جاءنى الرجلان أنفسهما ونحوه، ولا لدفع توهم أن الجائى أحدهما والآخر باعث، وجعل
(1) كذا بالأصل، ولعله اختصار ومراده أنه لأنه كذلك.
(2)
هكذا بالأصل، ولعلها «وأنه» .