الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جاءنى مستعملا فى المجىء والتحريض على سبيل عموم المجاز، فإنه إنما يدفع بقولك: جاءنى الرجلان؛ لأن توهم التجوز إنما وقع فيه، نعم لو جعل كون أحدهما محرضا وسيلة إسناد المجىء إليهما تجوزا يصح أن يكون لدفع توهم الشمول على ما حققناه لك.
[وأما بيانه]
(وأما بيانه) أى: تعقيب المسند إليه بعطف البيان (فلإيضاحه) المراد بالإيضاح: رفع الاحتمال سواء كان فى المعرفة أو النكرة فلا يلزم كون المتبوع فيه معرفة، ولعل الإيضاح ليس كالتوضيح مخصوصا برفع الاحتمال فى المعرفة ولذا عرف النحاة عطف البيان بتابع غير صفة يوضح متبوعه مع تخصيصهم التوضيح بالمعارف كما عرفت، وسواء كان الاحتمال محققا أو مقدرا إذ قد يكون متبوع عطف البيان مما لا إبهام فيه أصلا، وإنما يؤتى بعطف البيان لتقدير الاحتمال بتقدير الاشتراك أو اتفاق الإطلاق على غيره مجازا؛ ولذا جعل قوم هود فى قوله تعالى: أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ (1) عطف بيان لعاد مع كون عاد علما مختصا بهم لا إبهام له، قال السيد السند: عطف البيان ههنا لدفع الإبهام التقديرى إما من تقدير اشتراك الاسم بينهم وبين غيرهم وإما من جواز إطلاق اسمهم على غيرهم لمشاركتهم إياهم فيما اشتهروا به من العتو والعناد كثمود، ولذا قيل: عاد الأولى، فالفائدة التى لا يخلو عنها عطف بيان هو الإيضاح الحقيقى أو التقديرى؛ فلذا صح جعل النحاة إيضاح المتبوع فصلا لتعريفه، لكنه قد لا يكون الإيضاح مقصودا لذاته بل يجعل وسيلة إلى غيره كالمدح على ما ذكره صاحب الكشاف فى قوله تعالى: جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ (2) أن البيت الحرام عطف بيان جىء به للمدح لا للإيضاح كما تجىء الصفة لذلك أراد: لا لمجرد الإيضاح أو لا للإيضاح الحقيقى فلا ينافي جعل النحاة كل عطف بيان للإيضاح لكن يمكن أن يكون عطف البيان مجرد البيت، فإن البيت- معرف باللام- علم للكعبة كالنجم ويكون المدح فى وصف عطف البيان بالحرام لا فى جعل الموصوف بالحرام عطف بيان ولجعل المسند إليه موسوما بالشىء لذكر عطف البيان على ما
(1) هود: 60.
(2)
المائدة: 97.
ذكره صاحب الكشاف فى قوله تعالى: أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ من أنه عطف بيان لقوم عاد.
وفائدته وإن كان البيان حاصلا بدونه أن يوسموا بهذه الدعوة وسما وتجعل فيهم أمرا محققا لا شبهة فيه، يد أن بيان المتبوع حصل بدونه إذ لا اشتباه محققا لكن بذكر عطف البيان يندفع الاشتباه التقديرى على ما عرفت، جعل قوم هود فى الآية الكريمة للتصريح بأنهم قوم هود «الرسول من الله» فاستحبوا العمى على الهدى فهم أحقاء بهذا الدعاء أو كجعله لتعبيرهم بالضلالة مع كونهم قوم نبى هو فيهم على ما ألهمت (باسم) المراد به ما يقاب الفعل والحرف (مختص به) فى التركيب وأن لا اختصاص له بانفراده وذلك الاسم، أما عطف البيان فإنه وقت ذكره بعد متبوعه مختص بالمتبوع لا يحتمل غيره؛ فلذا ذكر لإيضاحه المتبوع فإنه بعد تعقيبه بعطف البيان يختص بالمسند إليه، فذكر عطف البيان لإيضاح المسند إليه باسم مختص به هو المتبوع الحاصل اختصاصه بذكر عطف البيان، حسن التأمل لعلك تصير من أهل التعقل، ولا تقصر طوقك دون التحمل فلا يرد أن عطف البيان لا يلزم أن يكون مختصا بالمتبوع، ألا ترى أنهم ذكروا أن الطير فى قوله:
والمؤمن العائذات الطير يمسحها
…
ركبان مكة بين الفيل والسند
عطف بيان مع أن الطير لا يخص العائذات وأن لا خلاف فى أن كل موصوف أجرى على الصفة نحو: جاءنى الفاضل الكامل زيد يحتمل أن يكون عطف بيان كما يحتمل أن يكون بدلا، وعلى التقديرين يشعر بكونه علما فى هذه الصفة بحيث يتعين له الصفة إما لجعله تفسيرا وإيضاحا لهذه الصفة كما ذكروا، وإما للتعبير عن ذاته بهذه الصفة حتى كأنه بلغ فيها بحيث يكفى للكشف عنه ذكر الصفة، كما يمكن أن يقال: وإنما النزاع فى أن الأحسن جعله بدلا أو عطف بيان فرجح الشارح المحقق كونه عطف بيان؛ لأن الإيضاح له مزيد اختصاص به، ولك أن ترجح البدل بما وجه السيد السند ترجيح الكشاف له من أن فيه تكرير العامل حكما، ويتفرع عليه تأكيد النسبة وبما يمكن أن يقال حق الصفة أن يجرى على الغير ويفاد بها معنى فيه لا أن يعبر بها عن الذات فى حال نسبة شىء إليه،