الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أو محل يحتاج معرفته إلى تأمل، ومنهم من قال: ما هو له للكوكب الوقت الذى يطلع فيه كما يقال كوكب الصبح، ورد بأن الكوكب ليس مملوكا له وليس بشىء لأن الاختصاص الملكى الذى يفيده الإضافة أعم من الملك الحقيقى المعتبر الذى لا يزاحم الوهم فيه للعقل أو كونه بمنزلته حتى يعد الوهم المضاف ملكا للمضاف إليه دون غيره، ألا ترى أن جل الفرس حقيقة وجل زيد تجوز، ومنها تعميم المضاف بإضافته إلى شىء يعم جميع أفراده فيعلم أن القصد إلى الجنس دون فرد بعينه، ولا يلزم فيه أن يكون المضاف إليه مخصوصا بالمضاف كقولهم: يدلك على خزامى الأرض نفحة من رائحتها، ومنها ما ذكره السكاكى من أنه لا طريق له سواها، وزيفه السيد السند بأنه ليس إلا تجويزا عقليا إذ الإضافة تتضمن نسبة خبرية ليصح جعلها صلة.
وقال: ولذا تركه المصنف ولم يلتفت إليه فى الإيضاح أيضا، ويمكن دفعه بأن النسبة الإضافية لاشتهارها وإلف نفسه بها حاضرة عنده، وطريق الموصول أن يحتاج إلى أعمال واستخراج من النسبة الإضافية فيصح أنه لا طريق له سواها؛ إذ الإمكان لا ينافى نفى الشىء بالفعل، وترك الإيضاح إنما يكون أمارة إعراض المصنف لو لم يترك غيره مما ذكره فى المفتاح واعتبارات الإضافة كثيرة، واستخراجها يسيرة فعليك به فإنه ليس بينك وبينه مسيرة.
[وأما تنكيره]
(وأما تنكيره) أى: جعل المسند إليه نكرة، قدم التنكير على التوابع والفصل احترازا عن الفصل بين التعريف والتنكير مع تناسبهما، والمفتاح قدم التوابع والفصل على التنكير لاختصاص الفصل بالمعارف ومزيد اختصاص التوابع بها (فللإفراد) أى: لجعل المسند إليه فردا من شىء بإفادة فرديته، فإن جعل الشىء سببا يكون بحسب الحقيقة، وبحسب القول، وبحسب الاعتقاد، وعليها قوله تعالى: فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً (1) أى: لا تعتقدوا ولا تذكروا له ندا، والفرد يكون شخصا ويكون نوعا لكن المتبادر منه الشخص؛ فلذلك جعله مقابلا للنوعية مع أن المفتاح جعل الإفراد شاملا لهما، ويحتمل أن يراد بالإفراد جعل الشىء فردا مطلقا من غير تعرض للنوعية والشخصية، وحينئذ يقابله الإفراد
(1) البقرة: 22.
الشخصى والنوعى، وحينئذ يكون التعرض بالإفراد الشخصى متروكا استغناء بشيوعه وظهوره عن البيان والمثال أعنى قوله: نحو: وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى ظاهر فى قصد الشخصى، والأظهر أو التنويع مكان قوله (أو النوعية) أى: جعل المسند إليه نوعا إلا أنه تفنن فى ذكر الأسباب فأبرز بعضها فى صورة الغرض المترتب وبعضها فى صورة الحامل المتقدم نحو: وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ (1) أى: نوع من الغشاوة غير ما يتعارفه الناس وهو غطاء التعامى عن آيات الله، فإن التنكير كما يفيد الوحدة الشخصية أو النوعية يفيد إبهامها وكونها مجهولة، وإفادة كونها مجهولة لئلا يتأتى المخاطب عن قبوله لعدم حضوره بغطاء من أغطيته يعرفها، وليعلم أنها عسيرة الإزالة لعدم معرفتها حتى يعرف طريق إزالتها، وبما شيدنا ببيان هذه النكتة اندفع ما قالوا: إن الأقضى لحق المقام حمله على التعظيم كما فعله المفتاح أى: غشاوة عظيمة تحول بين أبصارهم والحق المبين بالكلية، وما يسبق إلى الوهم أن عدول المصنف هنا عما فى المفتاح أشبه بالإفساد مما هو بصدده من الإصلاح، ولا يذهب عليك أن جعل تنوين غشاوة للنوعية يحوج إلى جعل غشاوة مستعملة فى المجاز الأعم من الحقيقة ليصير التعامى نوعا منها داخلا تحتها (أو التعظيم) أى: بيان العظمة لجعل الإبهام وسيلة إلى عظمته؛ لأن العظمة حاجبة عن معرفة العظيم (أو التحقير) أى: بيان الحقارة المناسبة للنكارة؛ لأن الحقير لعدم الاعتناء به لا يعرفهما (كقوله) أى قول ابن أبى السمط قال فى القاموس: السمط الرجل الخفيف وأبو السمط من كناهم، وفى سوق كلامه دلالة واضحة على أن المثال لهما فاعرفهما.
[له حاجب] أى مانع عظيم [فى كلّ أمر يشينه] أى يعيبه وهو كونه عيبا؛ فلذا قال: فى كل أمر [وليس له عن طالب العرف] أى الإحسان [حاجب](2)
(1) البقرة: 7.
(2)
البيت كما في زهرة الآداب لأبي السمط مروان بن أبي حفص، وقبله:
فتى لا يبالي المدلجون بنوره
…
إلى بابه ألا تضيء الكواكب
ومعنى البيت: أن ممدوحه له حاجب عظيم من نفسه، يمنعه عن فعل ما يشينه، وليس له حاجب ما عن طلب الندى، فالحاجب الأول التنكير فيه للتعظيم، والحاجب الثاني التنكير فيه للتحقير على سبيل المبالغة في النفي وفي قوله:(وليس له عن طالب العرف حاجب) قلب، والأصل: وليس لطالب العرف حاجب عنه. انظر البيت في التبيان (1/ 171)، والإشارات
…
-
حقير فكيف العظيم؟ والظهور تعين الأول للتعظيم والثانى للتحقير عند الطبع السليم كما ادعاه السكاكى لم يبينه، ولا يخفى أنه لو جعل الأول للتحقير والثانى للتعظيم لأقبل عليه الذوق القويم حيث يفيد أنه يكفيه مانع حقير عن العيب ولا بد له من مانع عظيم عن الإحسان، ولك أن تجعل نكتة ترك تعيين المثال وعدم تعينه عنده لتنبهه لهذا المقال لكن لتعيينه فى الإيضاح ينوه عن هذا الاحتمال، ولو جعل الثانى للإفراد حتى يكون عموم النفى صريحا لم يبعد، ومن البين أن إثبات المانع عن كل أمر يشينه يستلزم انتفاء المانع عن الإحسان؛ لأنه شين، فالأبلغ «فليس» ولجعل التنكيرين للتكثيرة والتقليل على ما عرفت فى التعظيم والتحقير من التفصيل مساغ (أو التكثير) بعلاقة إن الكثيرة تمنع عن المعرفة (كقولهم إن له لإبلا وإن له لغنما أو التقليل) بعلاقة إن القلة لعدم الاعتداد بها تحول بينه وبين المعرفة نحو: وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ (1) وفى تعريض بالتقليل والتحقير تعرض بما صرح به فى الإيضاح من أن السكاكى لم يفرق بين التعظيم والتكثير والتقليل والتحقير، وأكد الفرق بقوله:(وقد جاء للتعظيم والتكثير) جميعا نحو: وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ (2) وجعله الشارح إشارة إلى الفرق، والظاهر ما ذكرنا، وتحقيق الفرق أن القلة والكثرة باعتبار الكمية تحقيقا أو تقديرا، والتعظيم والتحقير بحسب ارتفاع الشأن وانحطاطه كما أشار إليه بقوله:(أى: ذو عدد كثير وآيات عظام) والأظهر استفادة الكثرة من جمع الكثرة إلا أن يراد المبالغة فى الكثرة أو فى الدلالة عليها، والعجب من المصنف كيف وافق السكاكى فى هذا المقام وخالفه فى جعل تنوين «نفحة» فيما سيأتى للتحقير، ولم يتعرض لاجتماع التقليل والتحقير لعدم عثوره على مثال من كلامهم، وجعل السكاكى التنكير فى قوله تعالى: وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ (3) للتحقير، واعترض المصنف بأن التحقير مستفاد من بناء
- والتنبيهات (41)، والمفتاح (103)، وشرح المرشدي على عقود الجمان (1/ 66)، ديوان المعاني (1/ 127)، ومعاهد التنصيص (1/ 127)، أمالي القالي (1/ 238) مغني اللبيب (577).
(1)
التوبة: 72.
(2)
فاطر: 4.
(3)
الأنبياء: 46.
المرة ونفس الكلمة؛ لأنها إما من قولهم: نفحت الرياح إذا هبت، أى: هبته، أو من نفح الطيب إذا فاح، أى: فوحه، ولا يرد أن بناء المرة للوحدة لا للحقارة؛ لأن النفحة إذا كانت واحدة تفيد كمال حقارة ما عبر بها عنه، والجواب: أن التنوين لتحقير النفحة لا لتحقير العذاب، وتحقير النفحة لا يستفاد من بناء المرة ولا من نفس الكلمة، نعم تحقير النفحة لغاية المبالغة فى تحقير العذاب، وهذا أظهر مما ذكروه، ونفحة السيد السند فى شرح المفتاح من أن التحقير مما يقبل الشدة والضعف فيفهم من اجتماع الدوال الثلاث أن العلة فى الغاية، وزاد فى حواشى شرح المفتاح عليه حيث قال: على أن اجتماع الدوال على مدلول واحد لا يقبل تفاوتا جائز للمبالغة فى الدلالة عليه وإيضاحه ومما جعله فى المفتاح محتملا للتهويل وبخلافة قوله تعالى: إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ (1) وقال المصنف هو ظاهر فى الثانى، ووجه قوله: أن ذكر المس والرحمن يشعر بأنه بصدد تخويفه من أدنى عذاب وإظهار شفقته عليه بحيث لا يجوز أدنى عذاب له يدفعه ما ذكره الشارح أنه لا دلالة للفظ المس وإضافة العذاب إلى الرحمن على ترجيح الثانى كما ذكره بعضهم لقوله تعالى:
لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (2) ولأن العقوبة من الحليم أشد، على أن بين إضافة العذاب إلى الرحمن وإضافته إلى الحليم فرقا (ومن تنكير غيره) لا من تنكير المسند إليه كما هو ظاهر عبارة المفتاح فليحمل كلامه على ذكر النظير دون المثال (للإفراد أو النوعية) لا لمجرد النوعية كما هو الظاهر من المفتاح وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ (3) أى: كل فرد منها من فرد للنطفة، فى الشرح هى نطفة أبيه المختصة به، ووجه التخصيص بنطفة أبيه غير ظاهر والظاهر: وهى النطفة الممتزجة من نطفة أبيه به أو كل نوع من الدواب من نوع من أنواع المياه، وهو نوع النطفة الممتزجة من نطفتى أبويه، ولا يجوز أن يراد كل شخص من الدواب من نوع من الماء؛ لأنه بعيد عن العبارة وخلاف الواقع ولا كل نوع من كل شخص من الماء لذلك لا لأنه محال كما زعم السيد السند؛ إذ لا يبعد أن
(1) مريم: 45.
(2)
الأنفال: 68.
(3)
النور: 45.
يخلق نوع منحصر فى شخص من شخص من الماء فلذا لم يلتفت المصنف فى الإيضاح إلى هذين الاحتمالين، واكتفى بالاحتمالين الأولين وأورد على الاحتمالين آدم وحواء وعيسى عليهم السلام والغراب والفأرة والعقرب. ويمكن منع عدم خلقهم وعدم خلقها من النطفة إذ لم يقم دليل على بطلانه حتى يؤوّل له النظم.
نعم لا ينبغى أن يفسر الماء بنطفة الأب أو الأبوين، وأورد على الاحتمال الثانى خصوصا البغل فإنه خلق من نوعى نطفة، ويدفعه أن ليس النوع هو النوع الحقيقى بل أخص من النطفة، فالنطفة الممتزجة من نطفتى الحمار والفرس نوع من النطفة، ولصاحب المفتاح تفسير آخر لماء وهو نوع الماء يعنى: النطفة إذ هى نوع من الماء ولم يلتفت إليه المصنف؛ لأنه خلاف سوق النظم؛ لأن الظاهر تخصيص كل دابة بماء، ورد كون التنكير فى الآية للإفراد بأن تفصيل الدابة بالأنواع حيث قال: فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ (1) الآية لا يلائم إرادة الفرد وللتعظيم نحو: فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ (2) حيث أوثر على بحرب الله ورسوله، ويحتمل النوعية أى: نوع حرب غير متعارف وهو حرب جند الغيب لا يدرك حربهم حتى يدفع ضره (وللتحقير) قوله تعالى: إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا (3) أى: لا نظن بالساعة إلا ظنا ضعيفا لا اعتداد به؛ ولهذا صح الاستثناء ولم يلزم استثناء الشىء عن نفسه، وهذا من مزالق النحاة حيث خرجوا فى دفع الإشكال عن مقتضى اللفظ والمعنى، فتارة يجعلون إن ضربت إلا ضربا بمعنى إن أنا إلا ضربت ضربا ويقولون: فى التركيب تقديم وتأخير وتارة يقولون: لم يقصد بالضرب إلا مطلق الفعل، كأنه قيل: ما فعلت إلا ضربا، ولا يخفى أن اللفظ بعيد عن هذا الحمل غاية البعد وأن المعنى على حصر الضرب فى نوع منه لا على حصر الفعل فى الضرب، على أنه لا يصح فى: إن ضربت زيدا ضربا جعله فى تقدير إن فعلت زيدا إلا ضربا، فليس ترجيح هذا التوجيه على ما ذكروه لمجرد أنه مغن عن تكلف فيما ذكروه كما يدل عليه كلام الشارح؛ بل لأن توجيههم فاسد والأنجع للنحاة حذف الصفة فى أمثاله فيكون التقدير ما ضربت إلا ضربا حقيرا أو عظيما
(1) النور: 45.
(2)
البقرة: 279.
(3)
الجاثية: 32.