الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من المسند إليه ليتناوله.
[وأما إفراده فلكونه غير سبب]
(وأما إفراده) أقول: فلكونه الأصل ولا مقتضى للعدول عنه (فلكونه غير سببي مع عدم إفادة تقوي الحكم) لم يقل: مع عدم إفادة نفس التركيب تقوي الحكم، وفي المفتاح: ولم يكن المقصود من نفس التركيب تقوي الحكم، وقد قيل:
احترز بنفس التركيب عن نحو: إن زيدا قائم، وعرفت، فإن فيه تقوي الحكم عرفت رد بتضمنه الإسناد، لا من نفس التركيب، بل من التكرير، ومن أداة التأكيد؛ لأنه أراد مع عدم إفادة الخبر تقوي الحكم، كما يتبادر من السياق، والسياق، ولا شك أن مناط إفادة التقوي هو الخبر؛ لأن التقوي إنما يحصل بتضمنه الإسناد، أو بتضمنه الإسناد بتكرر الإسناد، وكأنه أراد الإفادة المعتد بها؛ لأنها المتبادرة، وإلا فقد أثبت لزيد قائم تقوي الحكم قريبا من تقوي: زيد قام، فقول الشارح: إنه ليس بمعتد، بل هو قريب من: زيد قام في اعتبار التقوي محل نظر، وإنما لم يقل: مع عدم قصد التقوي، كما يقتضيه عبارة المفتاح؛ لأن عدم القصد علة لعدم الإفادة، وعدم الإفادة الأعم من المقارنة بالقصد، وغيرها؛ ليخرج صورة إيراد الخبر جملة، لقصد التخصيص، نحو: أنا سعيت في حاجتك، ورجل جاءني، وما أنا قلت، فإن فيها إفادة التقوي مع عدم قصد التقوي؛ إذ القصد إلى التخصيص، إلا أنه لزم التقوي من غير قصد ضرورة تكرر الإسناد، ولا يخفى أنه بعيد عن القصد؛ إذ المتبادر من الإفادة والدلالة فيما بينهم ما يقارن القصد، على أنه مع تقييد الإفادة بالمعتد بها؛ لئلا يخرج: زيد قائم، لا مجال لهذا التوجيه، وبالخروج عن العبارة لا ينسد خلل الضابطة لورود قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) لا محالة حتى تعلق الشارح لدفعه بأنه اعتمد على اشتهار أمره، ولو اعتدّ بالاعتماد على اشتهار الأمر، فليعتد بتقرر أن لخبر جملة في صورة قصد التخصيص بتقديم المسند إليه في بحث تقديم المسند إليه، وقد عدل عن عبارة المفتاح، فهي إذا كان فعليا إلى قوله: لكونه غير سببي، ليتناسب الباعثان للإفراد في كونهما عدميين كما تناسب باعثا؛ لكون جملة في كونهما وجوديين؛ ولأن الفعلي شاع في خلاف ما قصده من المنسوب إلى الفعل
(1) الإخلاص: 1.
المقابل للاسم، فاحترز عن لفظ هو ظاهر خلاف ما قصد به؛ ولأن في الاقتصار على إيراد السبب تسهيلا على المتعلم؛ لاغنائه عن معرفة مفهوم الفعلي، وفيه تعريض بالسكاكي إلى أن تصوير المقصود لم يكن متوقفا على إحداث اصطلاحين لم يكونا في كلام القوم، وكان يكفي اصطلاح السببي.
وقال الشارح المحقق: وجه العدول أن المصنف زعم صدق ما عرف به صاحب المفتاح الفعلي على كل مسند؛ لأنه قد فسره بما يكون مفهومه محكوما به بالثبوت للمسند إليه، أو بالانتفاء عنه، ولا يخفى أن كل مسند كذلك. ضرورة أن الإسناد حكم بثبوت الشيء للشيء أو بنفيه عنه، ولا يخفى أنه لا يوجب العدول عن الفعلي، بل عن تعريفه إلى تعريفه منطبق على ما سوى السببي، إلا أن يقال: لم يتعسر له تحصيل مفهومه، وفيه بعد أنه أشكل عليه توضيح مفهوم السببي وتنقيحه، حتى اكتفى في بيانه بالتمثيل كما ذكره ذلك المحقق، فينبغي: أن يذكر الفعلي ويبينه بالتمثيل هذا، ومما يجب أن ينبه عليه: أن كلام السكاكي في بيان مفهوم السببي غير منقح، وفي مفهوم الفعل منقح لا غبار عليه، ومع ذلك تحير في آراء الفحول، وطال كلامهم فيما لم يفد شيئا من المعقول، والشارح العلامة، والشارح المحقق، والسيد السند قد أجابوا في ميدان اصطياده، وأطالوا، ولم أرض بأن أقتص عليك ما ذكروا، فإنه ليس مما يسمع من القصص، وكيف ينسب إليهم ما لا يليق بشأنهم؟ ولهم في قسمة المعارف أعلى الخصص، ونحن نأتي لك بما يظهر لك معنى الفعلي والسببي، وتضبط به هذه النكتة للإفراد، فأقول: المسند الفعلي- كما ذكره المفتاح- ما يكون مفهومه محكوما بثبوته للمسند إليه، أو بالانتفاء عنه بخلاف السببي، فإن (زيد ضرب) حكم فيه بثبوت الضرب لزيد، و (زيد ما ضرب) حكم فيه بنفي الضرب عنه، بخلاف (زيد ضرب أبوه)، فإنه لم يحكم فيه بثبوت ضرب أبوه لزيد، بل بثبوت أمر يدلك عليه ذلك المذكور، وهو كائن بحيث ضرب أبوه، فالمسند السببي سمي مسندا، لأنه دال على المسند الحقيقي، والمسند السببي: ما أسند فيه شيء إلى ما هو متعلق زيد، وصار ذلك سببا لإسناد كون زيد، بحيث ينطلق أبوه إليه، وعلى هذا يلزم أن يكون منطلق أبوه في: زيد منطلق أبوه مسندا سببيا، ولا يضر
ضابطه الإفراد؛ لأن كون المسند سببيّا، يقتضي كونه جملة؛ لأنه يتبادر من الاسم ربطه إلى ما قبله، بخلاف الجملة والفعل، فيوهم:(زيد منطلق أبوه)، ربطه الانطلاق إلى زيد قبل سماع ما بعده بخلاف: زيد أبوه منطلق، أو انطلق أبوه، فالكون سببيّا يقتضي الجملة، ولا بد معه من نكتة للإفراد، وعلى هذا ليس نحو: زيد مررت به، وزيد كسرت سرج فرس غلامه فعليّا ولا سببيّا، وإن جعله الشارح المحقق سببيّا؛ لأن تعريف المفتاح للسببي صريح في أنه ليس سببيّا، ويخرج بقول المفتاح؛ لكونه فعليّا، ويدخل في قول المصنف؛ لكونه غير سببي، فالعدول مفسد.
فإن قلت: ما حققته، وإن كان كلاما محصلا منقحا لكن يخالف ما ذكره المفتاح؛ لأنه قال: ويكون المسند جملة إذا كان سببيّا، وهو أن يكون مفهومه مع الحكم عليه بالثبوت لما هو مبني عليه، أو بالانتفاء عنه مطلوب التعليق بغير ما هو مبني عليه تعليق إثبات له بنوع ما، كقولك: زيد أبوه انطلق، أو منطلق، أو يكون المسند فعلا يستدعي الإسناد إلى ما بعده بالإثبات، أو بالنفي، فيطلق تعليقه على ما قبله بنوع إثبات أو نفي عنه بنوع ما، أو نفي لكون ما بعده تسبب مما قبله، نحو: عمرو ضرب أخوه، لا سببيّا متصلا بالفعل، نحو: زيد ضارب أخوه، أو مضروب، أو كريم، لسرّ نطلعك عليه. هذا كلامه. وقد صرح بكون زيد منطلق أبوه غير داخل في المسند السببي، قلت: قدمنا لك أن كلامه في بيان السببي غير منقح، وهو كما ترى في غاية التعقيد، وقد صرح في قسم النحو أن: زيد الكريم أبوه، نعت سببي، ومن الواضح أن الفرق بين النعت والخبر في ذلك بعيد عن الاعتبار، وإذا انحصر السببي في الجملة فلا تصير السببية نكتة لاختيار الجملة؛ لأنه ما لم يترجح زيد أبوه منطلق على زيد منطلق أبوه، لا يتأتى للبليغ إيراده بمجرد كونه سببيّا، وإلا لكان مآل التعليل أن إيراده جملة، لكونه جملة مخصوصة، فينبغي أن يكون السببي أعم من الجملة، وتكون السببية مقتضية للجملة، فلا بد من تأويل كلامه، فنحن نأوله بأنه عرف الجملة السببية، لا مطلق السببي، ولذا قال: لا سببيّا متصلا بالفعل
…
إلخ.
والسر الذي نطلعك عليه: أن اسم الفاعل لكونه بمنزلة خارج الضمير، لا
يكون مع فاعله جملة، وليس قوله: لا سببيّا متصلا بالفعل؛ لإخراج المتصل بالفعل عن المسند السببي، كما توهمه السيد السند، وقال: إنما أخرجه عن المسند السببي؛ ليصلح كون المسند سببيّا لنكتة الإيراد جملة، فإنك عرفت: أن حصر السببي في الجملة يخرج السببية عن صلاحية كونها نكتة لإيراد المسند جملة، ولا ينبغي أن يتوهم أنه يصلحها لذلك، وبالجملة يرد على السكاكي خروج نحو:
زيد ما ينطلق أبوه عن المسند السببي أو عن الجملة السببية، مع أنه جملة سببية، لا نكتة لإيرادها جملة سوى كونها سببية، إلا أن يتكلف، ويقال: المراد بالفعل أعم من الفعل حقيقة أو حكما، واسم الفاعل بعد النفي والاستفهام في حكم الفعل، ولذا صار مع مرفوعه جملة.
ومما أورده السيد السند على السكاكي: أنه ليس زيد منطلق أبوه فعليّا عنده، فيلزم خروجه عن ضابطة الإفراد، وهو ليس بشيء؛ لأن السكاكي لم يذكر ضابطة للإفراد، لا يخرج عنه إفراد، بل ذكر نكتة للإفراد يستدعي الإفراد، ولا عليه أن لا يتعرض لنكتة يستدعي إفراد منطلق في زيد منطلق أبوه، وبما حققناه لك صرت ممن لا يشتبه عليه أن هذا المثال ليس مسندا فعليّا، وإن ادعاه الشارح العلامة، واستدل عليه بأن: المسند فيه منطلق وحده؛ لأن اسم الفاعل مع فاعله ليس بجملة، فالمحكوم به هنا مفرد؛ لأن دعواه مما لا يلتفت إليه بعد تحقق الحق، لا لما قال الشارح المحقق: إن هذا خبط ظاهر؛ لأن اللازم مما ذكر أن لا يكون (منطلق أبوه) جملة، ولم يلزم أن يكون المسند هو منطلق وحده؛ لعدم استلزام الإفراد ذلك؛ لأن الإفراد بمعنى يقابل الكون جملة، لا الكون مركبا، وهل هذا إلا غلط من اشتراك اللفظ؟ لأن ما ذكره خبط مبين على قلة التأمل، وعدم التثبت الحافظ عن التزلزل؛ إذ منقح استدلاله: أن عدم كون اسم الفاعل جملة يجعله بمنزلة الخالي عن الضمير، وإلحاقه بالجامد، كما صرح به السكاكي، وهذا يوجب إلحاق فاعله بالعدم، واعتباره وحده، فلا فرق في الاعتبار بين: زيد منطلق، وبين: زيد منطلق أبوه، فكما أن الأول مسند فعلي عنده، فكذلك الثاني.
(والمراد بالسببي، نحو: زيد أبوه منطلق) أي: لا منطلق، كما هو ظاهر