الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إضافة موصوفها. وقيل: الضعف من أسماء العذاب. وقيل: المراد بضعف الحياة: عذاب الآخرة لأن حياته دائمة، وبضعف الممات: عذاب القبر. ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً يدفع عنك العذاب.
وَإِنْ كادُوا أي: كاد أهل مكة لَيَسْتَفِزُّونَكَ ليزعجونك بعداوتهم ومكرهم مِنَ الْأَرْضِ التي أنت فيها. وهي: أرض مكة، لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلًا إلا زمنًا قليلاً. وقد كان كذلك، فإنهم أُهلكوا ببدر بعد هجرته صلى الله عليه وسلم، وقيل: نزلت في اليهود فإنهم حَسَدوا مقام النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة، فقالوا:
الشام مقام الأنبياء، فإن كنت نبيًا فالحَقْ بها حتى نؤمن بك. فوقع ذلك في قلبه صلى الله عليه وسلم، فخرج مرحلة، فنزلت «1» ، فرجع صلى الله عليه وسلم، ثم قتل منهم بني قريظة، وأجلى بني النضير بقليل، سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا أي:
عادته تعالى: أن يُهلك من أُخْرِجَتْ رسلهم من بين أظهرهم، فقد سنَّ ذلك في خلقه، وأضافها إلى الرسل لأنها سُنت لأجلهم. وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلًا أي: تغييرًا وتبديلاً.
الإشارة: من شأن العارف الكامل أن يأخذ بالعزائم، ويأمر بما يقتل النفوس، ويوصل إلى حضرة القدوس، وهو كل ما يثقل على النفوس، فإن أتاه من يفتنه ويرده إلى الهوى، حفظته العناية، واكتنفته الرعاية، فيقال له:
وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك وحي إلهام، لتفتري علينا غيره، فتأمر بالنزول إلى الرخص والتأويلات، وإذا لا تخذوك خليلاً. ولولا أن ثبتناك بالحفظ والرعاية، لقد كدت تركنُ إليهم شيئًا قليلاً، وهي:
خواطر تخطر ولا تثبت. إذًا لأذقناك ضعف الحياة، وهو: الذل والحرص والطمع. وضعف الممات، وهو: السقوط عن مقام المقربين، أهل الرَّوح والريحان. وإن كادوا ليستفزونك من أرض العبودية، ليخرجوك منها إلى إظهار الحرية، من العز والجاه، وإذًا لا يلبثون خلافك ممن اتبعك إلا قليلاً لأن من رجع إلى مباشرة الدنيا والحس قلَّ مدده، فيقل انتفاعه، فلا يتبعه إلا القليل. هذه سُنة الله في أوليائه، ولن تجد لسنة الله تحويلا.
ثم أمر بمراسم الشريعة، التي هى عنوان العناية، فقال:
[سورة الإسراء (17) : الآيات 78 الى 79]
أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً (78) وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً (79)
(1) أخرجه ابن أبى حاتم فى تفسيره (7/ 2341) والبيهقي فى الدلائل (باب ماروى فى سبب خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى تبوك عن عبد الرحمن بن غنم، وضعف الحافظ ابن كثير فى تفسيره (3/ 53) هذا القول لأن هذه الآية مكية. وسكنى المدنية بعد ذلك.
قلت: الدلوك: الميل. واشتقاقه من الدَّلْك لأن من نظر إليها حينئذ يدلك عينه. واللام للتأقيت بمعنى: عند.
و (قُرْآنَ) : عطف على (الصَّلاةَ) ، أو منصوب بفعل مضمر، أي: اقرأ قرآن الفجر، أو على الإغراء.
يقول الحق جل جلاله: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ أي: عند زوال الشَّمْسِ، وهو إشارة إلى إقامة الصلوات الخمس، فدلوك الشمس: زوالها وهو إشارة إلى الظهر والعصر، وغسق الليل: ظلمته، وهو إشارة إلى المغرب والعشاء، وَقُرْآنَ الْفَجْرِ صلاة الصبح، وإنما عبَّر عن صلاة الصبح بقرآن الفجر لأن القرآن يُقرأ فيها أكثر من غيرها لأنها تُصلي بسورتين طويلتين، ثم مدحها بقوله: إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً تشهده ملائكةُ الليل وملائكة النهار، أو: يشهده الجم الغفير من المصلين، أو فيه شواهد القدرة من تبدل الظلمة بالضياء، والنوم، الذي هو أخو الموت، بالانتباه.
ثم أمر بقيام الليل فقال: وَمِنَ اللَّيْلِ أي: بعض الليل فَتَهَجَّدْ بِهِ أي: اترك الهجود، الذي هو النوم فيه، للصلاة بالقرآن، نافِلَةً لَكَ أي: فريضة زائدة لك على الصلوات الخمس، أو فريضة زائدة لك لاختصاص وجوبها بك، أو نافلة زائدة لك على الفرائض غير واجبة. وكأنه، لما أمر بالفرائض، أمر بعدها بالنوافل. وتطوعه- عليه الصلاة والسلام لزيادة الدرجات، لا لجبر خلل أو تكفير ذنب لأنه مغفور له ما تقدّم وما تأخّر. و «مِنَ» : للتبعيض، والضمير في «بِهِ» : للقرآن. والتهجد: السهر، وهو: ترك الهجود، أي: النوم. فالتفعل هنا للإزالة كالتأثم والتحرج، لإزالة الإثم والحرج.
ثم ذكر ثوابه فى حقه- عليه الصلاة والسلام فقال: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً عندك وعند جميع الناس، وهي: الشفاعة العظمى. وفيه تهوين لمشقة قيام الليل. رَوى أبو هريرة رضي الله عنه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
«المَقَام المحمُود هُوَ المَقَامُ الذي أَشْفَعُ فِيهِ لأمَّتِي «1» » . وقال ابن عباس رضي الله عنه: مقامًا محمودًا يحمده فيه الأولون والآخرون، ويشرف فيه على جميع الخلائق، يسأل فيُعطى، ويشفع فيُشَفَّع. وعن حذيفة: يُجْمع الناس في صعيد واحد، فلا تتكلم فيه نفس إلا بإذنه، فأول مدعو محمد صلى الله عليه وسلم، فيقول:«لبيك وسعديك. والشر ليس إليك، والمَهدي من هديت، وعبدك بين يديك، وبك وإليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، تباركت وتعاليت، سبحانك رب البيت» .
ثم يأذن له في الشفاعة. والله تعالى أعلم.
وقال ابن العربي المعافري في أحكامه: واخْتُلِفَ في وجه كون قيام الليل سببًا للمقام المحمود على قولين، فقيل:
إن البارئ تعالى يجعل ما يشاء من فضله سببًا لفضله، من غير معرفة منا بوجه الحكمة. وقيل: إن قيام الليل فيه
(1) أخرجه أحمد فى المسند (2/ 441) ، والترمذي وحسّنه فى (التفسير، سورة الإسراء) ، والبيهقي فى الدلائل (5/ 484) ، وأصل الحديث عند البخاري ومسلم.