الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المخلد. وهو إضراب عما قبله، من وصف أنفسهم بالغفلة، أي: لم نكن غافلين عنه، حيث نُبِّهْنَا عليه بالآيات والنذر، بل كنا ظالمين بتكذيبهم، والله تعالى أعلم.
تذييل: رَوى حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أول الآية: الدَّجال، ونزول عيسى، ونار تخرج من قرن عدن، تسوق الناس إلى المحشر- أي الشام- تقيل معهم إذا قالوا، والدُّخان، والدَّابة، ثم يأجوج ومأجوج» «1» . قلت: وبعد موت يأجوج ومأجوج، تبقى مدة عيسى عليه السلام، في أَمَنَةٍ ورَغَدِ عَيْشٍ. قيل: سبع سنين، وقيل: أربعون. ثم يُقبض عيسى، ويُدفن فى روضته صلى الله عليه وسلم، ثم تهب ريح تقبض المؤمنين، فلا يبقى من يقول الله الله، قيل: مائة سنة، وقيل:
أقل، ثم تخرب الكعبة، ثم يُنفخ في الصور للصعق، واقترب الوعد الحق. والله تعالى أعلم.
الإشارة: الحضرة محرمة على قلبٍ خراب، أهلكه الله بالوساوس والخواطر، وفتحت عليه من الشواغل والشواغب والخواطر يأجوج ومأجوج، فأفسدته وخربته وجعلته مزبلة للشياطين. فحرام عليه رجوعه إلى الحضرة حتى يتطهر من هذه الوساوس والخواطر، ومن الشواغل والعلائق. قال بعض الصوفية:(حضرة القدوس محرمة على أهل النفوس) . فإذا اقترب وعد الحق، وهو أجل موته، قال: يَا وَيْلَنَآ إِنَّا كُنَّا عن هذا غافلين، لم نتأهب للقاء رب العالمين، حتى لقيتُه بقلب سقيم. والعياذ بالله.
ثم ذكر مآل الكفرة إذا وقع الوعد الحق، فقال:
[سورة الأنبياء (21) : الآيات 98 الى 100]
إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ (98) لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها وَكُلٌّ فِيها خالِدُونَ (99) لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَهُمْ فِيها لا يَسْمَعُونَ (100)
يقول الحق جل جلاله: إِنَّكُمْ، يا كفار قريش ومن دان دينكم، وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ من الأصنام والشياطين لأنهم، لطاعتهم لهم واتباعهم خطواتهم، في حكم عبادتهم، ويدخل فيه الشمس والقمر والنجوم، وكل ما عُبد من دون الله ممن لا يعقل، للحديث الوارد في دخولهم النار، تبكيتًا لمن عبدهم لأنهم لا
(1) أخرجه مسلم فى (الفتن، باب الآيات التي تكون قبل قيام الساعة) . من حديث حذيفة بن أسيد. ولفظه كاملا: «إن الساعة لا تكون حتى تكون عشر آيات: خسف بالمشرق وخسف بالمغرب، وخسف فى جزيرة العرب، والدخان، والدجال، ودابة الأرض، ويأجوج ومأجوج، وطلوع الشمس من مغربها، ونار تخرج من قعر عدن ترحل الناس» .
يتضررون بالنار. وأما من يعقل فلا يدخل حيث عبَّر بما. وقيل: يدخل، ثم استثناه بقوله: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى
…
، فكل من عبد شيئًا من دون الله فهو معه، حَصَبُ جَهَنَّمَ أي: حطبها، وقرئ بالطاء، أي: وقودها أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ أي: فيها داخلون.
لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً كما زعمتم ما وَرَدُوها ما دخلوا النار، وَكُلٌّ فِيها خالِدُونَ أي: وكل من العابد والمعبود في النار خالدون. لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ أي: للكفار في النار أنينٌ وبكاء وعويل، وَهُمْ فِيها لا يَسْمَعُونَ شيئًا لأن في سماع بعضهم بعضًا نوع أُنس. قال ابن مسعود رضى الله عنه: يُجعلون في توابيت من نار، ثم جعلت التوابيت في توابيت أُخَر لها مسامير من نار، فلا يسمعون شيئًا.
رُوِيَ أن النبي صلى الله عليه وسلم دَخَلَ المَسْجِدَ الحَرام، وصَنَادِيدُ قُريشٍ في الحَطِيمِ، وَحَوْلَ الكَعْبَةِ ثلاثمائة وَسِتونَ صَنَمًا، فَجَلَسَ إِلَيْهِمْ، فَعَرَضَ لَهُ النَّضْرُ بْنُ الحَارِثِ، فكلَّمهُ النبي صلى الله عليه وسلم حَتَّى أفْحَمَهُ، ثُمَّ تلا عليه وعليهم: إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ
…
الآيات الثلاث. ثم أقْبَلَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الزِبَعْرَى فرآهم يتساهمون، فقال: فيم خوضكم؟ فأخفى الوَلِيدُ ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أخبره بعضهم بما قاله، عليه الصلاة والسلام، فقال ابن الزبعرى للنبي صلى الله عليه وسلم: أأنت قلت: إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ؟ قال: نعم، قال: قد خصمتك، ورب الكعبة، أَلَيْست اليَهُودُ تعبد عُزَيرًا، والنصارى تعبد المَسِيحَ، وبَنُو مُلَيْحٍ يعبدون الملائكة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
قلت: كل من عَبَدَ شيئًا من دون الله فإنما عَبَدَ في الحقيقة الشيطان لأنه أمر به وزينه له، ويدل على ذلك أنهم يتبرؤون يوم القيامة، حين تتحقق الحقائق، من عبادتهم، كما قال تعالى: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ، قالُوا سُبْحانَكَ مَا كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ «2» مع قوله تعالى: وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ «3» . والله تعالى أعلم.
(1) أخرجه بنحوه الواحدي فى الأسباب (413) . والطبراني فى الكبير (12/ 153 ح 12739) ، عن ابن عباس وأخرجه، مختصرا، الطبري (17/ 97) ، والحاكم فى (التفسير 2/ 385) وصححه، ووافقه الذهبي.
(2)
الآيتان: 17- 18 من سورة الفرقان.
(3)
من الآية 38 من سورة العنكبوت.