الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفيها ينزل عيسى عليه السلام، وقال أُبي بن كعب: ما من ماء عذب إلَاّ وأصله من تحت صخرة بيت المقدس، وهي أرض خِصب، يعيش فيها الفقير والغني.
قال ابن إسحاق: خرج إبراهيم من كُوثى من أرض العراق، وخرج معه لوط وسارة، فنزل حَرّان، ثم خرج منها إلى مصر، ثم خرج منها إلى الشام، فنزل السَّبُعَ من أرض فلسطين بزوجه سارة، بنت عمه هاران الأكبر، ونزل لوط عليه السلام بالمؤتفكة، وبينهما مسيرة يوم وليلة، وكلاهما من الشام.
وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً أي: وهبنا له إسحاق ولدًا من صلبه، وزاد يعقوب، ولد ولده، نافلة لأنه سأل ولدًا بقوله: رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ «1» فأُعطيه، وأُعطى يعقوب نافلة، زائدًا على ما سأل لأنه أعطى من غير سؤال، فكأنه تبرعًا. قال ابن جزي: واختار بعضهم- على هذا- الوقف على «إسحاق» لبيان المعنى، وهذا ضعيف لأنه معطوفٌ على كل قول. هـ. وقيل:(نافِلَةً) يرجع لهما معًا، أي: أعطيناه ولدًا وولد ولد، عطيةً، فيكون حالاً منهما معًا، قيل: هو مصدر، كالعاقبة من غير لفظ الفعل، الذي هو (وَهَبْنا) وقيل: اسم، وَكُلًّا أي:
كل واحد من هؤلاء الأربعة، جَعَلْنا صالِحِينَ بأن وفقناهم لصلاح الظاهر والباطن، حتى استحقوا الخصوصية. والله تعالى أعلم.
الإشارة: الهجرة سُنَّة من سُنن الأنبياء والأولياء، فكل من لم يجد في بلده من يعينُه على دينه، يجب عليه الانتقال إلى بلدٍ يجد فيها ذلك. وكذلك المريد إذا لم يجد قلبه في محل لكثرة عوائده وشواغله، بحيث يشوش عليه قلبه، فلينتقل إلى بلد تقل فيها العلائق والشواغل، إن وجد فيها من يحرك معهم فنَّه، كان بادية أو حاضرة.
والغالب أن الحاضرة تكثر فيها العوائد والحظوظ والشهوات، فلا يدخلها المريد حتى يتقوى ويملك نفسه، يأخذ النصيب من كل شيء، ولا ينقص من نصيبه شيء، وقد تقدّم هذا مراراً. وبالله التوفيق.
ثم مدحهم بالإمامة والاهتداء، فقال:
[سورة الأنبياء (21) : آية 73]
وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ (73)
يقول الحق جل جلاله: وَجَعَلْناهُمْ أي: إبراهيم وإسحاق ويعقوب، أَئِمَّةً يُقتدى بهم في أمور الدين إجابة لدعوته بقوله: وَمِنْ ذُرِّيَّتِي «2» أي: فاجعل أئمة، يَهْدُونَ الخلق إلى الحق، بِأَمْرِنا
(1) الآية 100 من سورة الصافات.
(2)
كما جاء فى الآية 124 من سورة البقرة.
لهم بذلك، وإرسالنا إياهم حتى صاروا مكملين، أو يهدون الخلق بإرادتنا ومشيئتنا. وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وهي جميع الأعمال الصالحة، أي: أمرناهم أن يفعلوا جميع الخيرات، ليتم كمالهم بانضمام العمل الصالح إلى العلم، وأصله: أن يفعلوا الخيرات، ثم فعلَ الخيرات، وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ، وهو من عطف الخاص على العام دلالة على فضله وشرفه، وأصله: وإقامة الصلاة، فحذفت التاء المعوضة من إحدى الألفين لقيام المضاف إليه مقامها. وَكانُوا لَنا عابِدِينَ: قانتين مُطيعين، لا يخطر ببالهم غير عبادتنا ومشاهدتنا.
وأنتم يا معشر العرب والعجم من ذريتهم، فاتبعوهم في ذلك. وبالله التوفيق.
الإشارة: إنما يعظم جاه العبد عند الله بثلاثة أمور: انحياشه بقلبه إلى الله، ومسارعته إلى ما فيه رضا الله، وإرشاد العباد إلى الله، بدعائهم إلى الله بالحال والمقال، فبقدر ما يقع من هداية الخلق على يديه يعلو مقامه عند الله، إن حصلت المعرفة بالله، وبهذا تعرف شرف مرتبة مشيخة الصوفية، الدالين على الله، الداعين إلى حضرة الله، إن تكلموا وقع كلامهم في قلوب الخلق، فيرجعون إلى الله من ساعتهم، مجالسهم كلها وعظ وتذكير، حالهم يُنهض إلى الله، ومقالهم يدل على الله، ففي ساعة واحدة يتوب على يديهم من الخلق ما لا يتوب على يد العالم في سنين وذلك لإنهاض الحال والمقال، فلا جَرَمَ أنهم أعز الخلق إلى الله، وأعظمهم قدرًا عند الله.
قال السهروردي في العوارف: ورد في الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «والذي نفسُ محمدٍ بيده لئن شئتُم لأُقسِمَنَّ لكم، إنَّ أحبَّ عباد الله إلى الله الذين يُحَبَّبُون اللهُ إلى عباده، ويحببون عباد الله إلى اللهِ، ويمشُون في الأرض بالنصيحة» . وهذا الذي ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم هو رتبة المشيخة والدعوة فإن الشيخ يُحبب الله إلى عباده حقيقة، ويحبب عباد الله إلى الله.
فأما كونه يُحبب عباد الله إلى الله لأن الشيخ يسلك بالمريد طريق الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في أفعاله وأخلاقه.
ومن صح اقتداؤه واتباعه أحبه الله، قال تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ «1» ، ووجه كونه يُحبب الله إلى عباده لأنه يسلك بالمريد طريق التزكية، وإذا تزكت النفس انجلت مرآة القلب، ودخل فيها نور العظمة الإلهية، ولاح فيها جمال التوحيد، وذلك ميراث التزكية، قال الله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها «2» ، وفلاحها: الظفر بمعرفة الله، فإذا عرفه، قطعًا، أحبه وفنى فيه. فرتبة المشيخة من أعلى الرتب لأنها خلافة النبوة في الدعوة إلى الله.
(1) من الآية 31 من سورة آل عمران.
(2)
من الآية 9 من سورة الشمس.