الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجحدها لبيان كمال تنزهه تعالى عنه. وعبّر عن العمل بالسعي لإظهار الاعتداد به، وَإِنَّا لَهُ أي: لسعيه كاتِبُونَ مُثبتون في صحائف أعمالهم، نأمر الحفظة بذلك، لا نغادر من ذلك شيئاً. والله تعالى أعلم.
الإشارة: الصوفية- رضى الله عنهم-، في حال سيرهم إلى الحضرة وسلوكهم في طريق التربية، مختلفون بحسب الأزمنة والأمكنة والأشخاص. وفي حال نهايتهم- وهو الوصول إلى حضرة الشهود والعيان، وإشراق شمس العرفان، الذي هو مقام الإحسان، ويُعبِّرون عنه بالفناء والبقاء، وهو التوحيد الخاص- متفقون، وفي ذلك يقول القائل:
عباراتنا شَتَّى، وحُسْنُكَ واحِدٌ
…
وكُلٍّ إلى ذاك الجَمَالِ يُشير
لأن ما كان ذوقًا ووجدًا لا يختلف، بل يجده كل من له ذوق سليم. نعم تتفاوت أذواقهم على حسب مشاربهم، ومشاربُهم على حسب إعطائهم نفوسَهم وبيعها لله، وتتفاوت أيضًا بحسب التخلية والتفرغ، وبحسب الجد والاجتهاد، وكلهم على بصيرة من الله وبينة من ربهم. نفعنا الله بذكرهم، وخرطنا في سلكهم، آمين.
ثم تمم قوله: كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ، فقال:
[سورة الأنبياء (21) : الآيات 95 الى 97]
وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ (95) حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (96) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ (97)
قلت: «حرام» : مبتدأ، وفيه لغتان: حرام وحِرْم، كحلال وحِلّ. و «أنهم..» الخ: خبر، أو فاعل سد مسده، على مذهب الكوفيين والأخفش. والجملة: تقرير لقوله: (كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ) ، و «لا» نافية، أي: ممتنع على قرية أهلكناها عدمُ رجوعهم إلينا بالبعث، بل كل إلينا راجعون. وقيل:«لا» زائدة، والتقدير: ممتنع رجوع قرية أردنا إهلاكها عن غيهم، «فإنهم» : على هذا: فاعل بحرام. قاله القصار. و «حتى» : ابتدائية، غاية لما يدل عليه ما قبلها، أي: يستمرون على ما هم عليه من الهلاك، حتى إذا قامت القيامة يرجعون إلينا، ويقولون: يا ويلنا. وقال أبو البقاء: «حتى» :
متعلقة في المعنى بحرام، أي: يستقر الامتناع، أي: هذا الوقت. و «فإذا هي» : جواب «إذا» . وفي الأزهري: وقد يجمع بين الفاء وإذا الفجائية تأكيدًا، خلافًا لمن منع ذلك. قال تعالى:(فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ)، فإنه لو قيل: إذا هي، أو فهي شاخصة لصح. هـ. وقيل:«يا ويلنا» : على حذف القول، أي: إذا فتحت قالوا: يا ويلهم. و «اقترب» : عطف على «فُتحت» .
يقول الحق جل جلاله: وَحَرامٌ أي: ممتنع عَلى أهل قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها قدرنا هلاكها، أو حكمنا بإهلاكها لعتوهم، أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ بالبعث والحشر، بل لا بد من بعثهم وحشرهم وجزائهم على أعمالهم. وتخصيص امتناع عدم رجوعهم بالذكر مع شمول الامتناع للكل لقوله: كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ لأنهم المنكِرون للبعث والرجوع دون غيرهم. وقيل: المعنى: وممتنع على قرية، أردنا إهلاكها، رجوعهم إلى التوبة، أو ممتنع على قرية، أهلكناها بالفعل، رجوعهم إلى الدنيا. وفيه رد على مذهب القائلين بالرجعة من الروافض وأهل التناسخ، على أن «لا» صلة. وقرىء بالكسر «1» ، على أنه تعليل لما قبله، فحرام، على هذا، خبر عن مبتدأ محذوف، أي: ذلك العمل الصالح حرام على قرية أردنا إهلاكها لأنهم لا يَرْجِعُونَ عن غيّهم.
وقال الزجاج: المعنى: وحرام على قرية، أردنا إهلاكها، أن يُتَقَبَّلَ منهم عمل لأنهم لا يرجعون، أي: لا يتوبون، ويجوز حمل المفتوحة على هذا بحذف اللام، ويستمرون على ما هم عليه من الهلاك، أو: فليستمر امتناعهم من الرجوع.
حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ ونُفخ في الصور، وقامت القيامة، فيرجعون، ولا ينفعهم الرجوع.
ويأجوج ومأجوج قبيلتان، يقال: الناس عشرة أجزاء، تسعة منها يأجوج ومأجوج. والمراد بفتحها: فتح سدها، على حذف مضاف أي: حتى إذا فُتح سد يأجوج ومأجوج، وَهُمْ أي: يأجوج ومأجوج، وقيل: الناس بعد البعث، مِنْ كُلِّ حَدَبٍ أي: نشز ومرتفع من الأرض، يَنْسِلُونَ: يسرعون، وأصل النسل: مقاربة الخطو مع الإسراع. ويدل على عَود الضمير ليأجوج ومأجوج: قوله- عليه الصلاة والسلام: «ويفتح ردم يأجوج ومأجوج، فيخرجون على الناس، كما قال الله تعالى: مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ
…
» الحديث «2» ، ويؤيد إعادتَه على الناس قراءة مجاهد:«من كل جدث» بالجيم، وهو القبر.
ثم قال تعالى: وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ أي: ما بعد النفخة الثانية من البعث والحساب، فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أي: فإذا القصة أو الشأن، وهو أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا شاخصة، أي: مرتفعة الأجفان، لا تكاد تطرق من شدة الهول، حال كونهم يقولون: يا وَيْلَنا يا هلكتنا، هذا أوانك، فاحضري، قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ تامة مِنْ هذا الذي دهَمنا من البعث، والرجوع إليه تعالى، للجزاء، ولم نعلم، حيث نُبِّهْنَا عليه بالآيات والنُذر، أنه حق، بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ بتلك الآيات والنذر، مُكذبين بها، أو ظالمين أنفسنا بتعريضها للعذاب
(1) فى قوله: «إنهم» .
(2)
أخرجه، مطولا، مسلم، فى (الفتن، وأشراط الساعة، باب ذكر الدجال) ، من حديث النواس بن سمعان.