الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المكذبين، أو المصيبات الدواهي، حتى صاروا مثلاً لمن بعدهم. فمالهم لم يعتبروا، ولم يخافوا حلول مثلها عليهم؟
وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ أي: مع ظلمهم أَنْفُسَهم بالكفر والمعاصي، فسترهم وأمهلهم في الدنيا. فالمغفرة هنا لغوية، وقيل: يغفر لهم بالتوبة. وقيل: بلا قيد التوبة، بل بمجرد الحلم. قال البيضاوي: وفيه جواز العفو قبل التوبة، فإن التائب ليس على ظلمه، ومن منع ذلك خص الظلم بالصغائر المكفرة باجتناب الكبائر. هـ. وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ لمن يريد تعذيبه، أو للكفار. وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«لَوْلَا عَفْوُ اللَّهِ وَتَجَاوُزُه مَا هنَأ أَحَد العَيْش، وَلَوْلَا وَعِيدُهُ وعِقَابُه لاتَّكَلَ كُلُّ أحَد» «1» . قاله البيضاوي.
الإشارة: ترى بعض المستهزئين بالأولياء يؤذيهم بلسانه، أو بغيره، ويقول: إن كان بيده ما يفعل يفعله بي، والله تعالى يقول:«مَنْ آذَى لي وليّاً فقد آذنته بالحَرْب» . ولكن الحق تعالى يُمهل ولا يُهمل وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ.
ثم طلبوا المعجزة، كما قال تعالى:
[سورة الرعد (13) : الآيات 7 الى 10]
وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ (7) اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ (8) عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ (9) سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ (10)
. قلت: وَسارِبٌ: عطف على جملة مَنْ هُوَ أي: ومن هو سارب، ليكمل التقسيم أربعة: من أسر، ومن جهر به، ومن استخفى، ومن سرب أي: برز. انظر ابن جزى. والْمُتَعالِ: منقوص، يجوز في الوقف عليه حذف الياء وإثباتها، وكذلك: هادٍ، وواقٍ، وشبهه، غير أن الراجح في المعرّف بأل الإثبات، وفي المُنَوّنِ: الحذف. قال ابن مالك:
وَحَذْفُ يَا المَنقُوصِ ذي التَّنوين ما
…
لَمْ يُنْصَب) أَوْلَى مِنْ ثُبُوتٍ فَاعْلَمَا
وغَيْرُ ذِي التَّنْوين بالْعَكْسِ، وفِي
…
نَحْو مُرٍ: لُزُومُ رَدِّ اليَا اقْتُفِي
وأثبتها ابن كثير في الجميع، ووافقه يعقوبُ في المُعرّف بأل، وَحَذَفَها غيرهُ مطلقاً.
(1) أخرجه ابن أبى حاتم فى تفسيره (12145) عن سعيد بن المسيب، مرسلا، وزاد فى الفتح السماوي (2/ 738) عزوه للثعلبى.
يقول الحق جل جلاله: وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا من أهل مكة: لَوْلا: هلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ أي: معجزة واضحة مِنْ رَبِّهِ كما أوتي موسى وعيسى. ولم يعتدوا بالآيات المنزلة عليه كانشقاق القمر وانقياد الشجر، وتسليم الحجر، وأعظمها: القرآن العظيم. وذلك عناد منهم. قال تعالى: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ مُرْسَل إليهم لتنذرهم كغيرك من الرسل، وما عليك إلا الإتيان بما تصح به نبوتك من جنس المعجزات، لا مما يُقترح عليك.
وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ رسول يهديهم إلى الحق والصواب، مخصوص بمعجزات من جنس ما هو الغالب عليهم ففي زمن موسى عليه السلام كان الغالب عليهم السحر، فأوتي بالعصا تنقلب حية ليبطل سحرهم، وفي زمن عيسى عليه السلام كان الغالب عليهم الطب، فأوتي إبراء الأكمه والأبرص، وإحياء الموتى الذي يعجزون عن مثله، وفي زمن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كان الغالب عليهم البلاغة والفصاحة، بها كانوا يتباهون ويتناضلون، فأوتي القرآنَ العظيم، أعجز ببلاغته البلغاء والفصحاء. أو: ولكل قوم هاد، يقدر على هدايتهم، وهو الله تعالى، أي: إنما عليك الإنذار، والله هو الهادي لمن يشاء، أو: ولكل قوم واعظ ومذكر من نَبِيِّ أو وَليّ. رُوي أنها لمّا نزلت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا المُنْذِرُ، وَأنْتَ يا عَلِيُّ الهَادي» «1» .
ثم أردف ذلك ما يدل على كمال علمه وقدرته، وشمول قضائه وقدره تنبيهاً على أنه تعالى قادر على إنزال ما اقترحوه، وإنما لم يُنزله لعلمه بأن اقتراحهم كان عناداً لا استرشاداً. أو ان وقت الإنزال لم يحضر، فقال:
اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى هل هو ذكر أو أنثى، أو تام أو ناقص، أو حسن أو قبيح «2» . وهو من الخمس التي اختص بها. وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ أي: ما تنقص في الجثة بمرض الجنين او إسقاطه، وما تزداد بنمو الجنين إلى أمده أو أكثر. قال البيضاوي: مدة الحمل عندنا اربع سنين، وخمس عند مالك، وسنتان عند أبي حنيفة. رُوي أن الضحاك وُلد لسنتين، وهرم بن حيان لأربع سنين. وأعلى عدده لا حد له. «3» - قلت: يعني مع تحققه- وقيل: المراد نقصان دم الحيض وزيادته. هـ. وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ: بقدر محدود، ووقت مخصوص، لا يجاوزه ولا ينقص عنه، فالحق- تعالى- قد خص كل حادث بوقت مخصوص معين، وهيأ له أسباباً تسوقه إليه على ما تقتضيه حكمته.
(1) أخرجه الطبري فى تفسيره (13/ 108) عن ابن عباس. وانظر تفسير ابن كثير (2/ 502) والآلوسى (13/ 8) .
(2)
هذا النوع الذي ذكره الشيخ المفسر، من المعرفة، ليس هو النوع الذي اختص الله نفسه بعلمه- وهو يعلمه أيضا- فإن هذا العلم ممكن للإنسان، بل قد علمه فعلا عن طريق الأشعة وغيرها. والأساس فى فهم الآية قوله تعالى في الآية «ما» وهى التي تدل على الماهية.
فقوله تعالى: اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى أي: يعلم ماهيته وحقيقته، هل يكون شخصا مؤمنا أو كافرا، سعيدا أو شقيا فى الدنيا والآخرة، يعلم كنهه وهويته ومعتقده، واتجاهاته وميوله، وفكره وعمله، ونيته ومصيره، علما كليا وتفصيليا، وهو ما يستحيل على العقل البشرى أن يعلمه، فالله هو المختص وحده بعلم ذلك كله، فضلا على علمه: هل هو ذكر أو أنثى.. إلخ ما يعلمه الإنسان بأدوات العلم التجريبى.
(3)
ما قاله الإمام البيضاوي عن مدة الحمل يرجع فيه إلى أهل الطب المختصين، فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ، وقد قال أهل الاختصاص: إن الجنين إذا ظل فى الرحم أكثر من مدته، فإن الرحم قد ينفجر. إلخ ما قالوا.