الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
آنسْتُ في الحَيّ نارًا
…
لَيْلاً فَبَشّرْتُ أهلي
قُلْتُ: امْكُثُوا، فلَعلّي
…
أجِدْ هُدايَ، لَعَلّي
دَنَوْتُ مِنها فكانَتْ
…
نار التكلم قبلي
نودِيتُ منها كفاحًا:
…
رُدّوا لَياليَ وصلي
حتى إذا ما تَدانَى ال
…
ميقاتُ في جَمْعِ شَملي
صارتْ جِبالِيَ دكًا
…
مِنْ هيبَةِ المُتَجَلّي
ولاحَ سرًّ خَفيٌ
…
يدْرِيه مَنْ كَانَ مِثْلي
فالموتُ فِيهِ حياتي
…
وفي حَياتيَ قَتلي
وصِرْتُ مُوسَى زَمَاني
…
مذ صار بعضي كلي
قوله: «صارت جبالي دكًّا» ، أي: جبال وجوده، فحصل الزوال من هيبة نور المتجلي، وهو الكبير المتعال. وهذا إنما يكون بعد موت النفس وقهرها، فإنها حينئذ تحيا بشهود ربها، حياة لا موت بعدها. وقوله:«مذ صارَ بَعْضِيَ كُلِّي» يعني: إنما حصلت له المناجاة والقرب الحقيقي حين فنيت دائرة حسه، فاتصل جزء معناه بكل المعنى المحيط به، وهو بحر المعاني المُفني للأواني. وبالله التوفيق.
ثم ذكر مكالمته مع كليمه عليه السلام، فقال:
[سورة طه (20) : الآيات 17 الى 23]
وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى (17) قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى (18) قالَ أَلْقِها يا مُوسى (19) فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى (20) قالَ خُذْها وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى (21)
وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى (22) لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى (23)
قلت: (وَما) : استفهامية، مبتدأ، و (تِلْكَ) : خبر، أو بالعكس، فما: خبر، وتلك: مبتدأ، وهو أوفق بالجواب.
و (بِيَمِينِكَ) : متعلق بالاستقرار حالاً، أي: وما تلك، قارةً أو مأخوذة بيمينك، والعامل معنى الإشارة. وقيل:(تِلْكَ) :
موصولة، أي: وما التي هي بيمينك، والاستفهام هنا: إيقاظ وتنبيه له عليه السلام على مما سيبدُو له من العجائب، وتكرير النداء لزيادة التأنيس والتنبيه.
يقول الحق جل جلاله: وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى، إنما سأله ليريه عظيم ما يفعل بها من قلبها حية، فمعنى السؤال: تقريره على أنها عصي، ليتبين له الفرقُ بين حالها قبل قلبها وبعده، وقيل: إنما سأله ليؤنسه وينبسط معه، فأجابه بقوله: هِيَ عَصايَ، نسبها لنفسه تحقيقًا لوجه كونها بيمينه، رُوي أنها كانت عصا آدم عليه السلام، فأعطاها له شعيب، حين قدمه لرعي غنمه، على ما يأتي في سورة القصص. وكان في رأسها شُعبتان، وفي أسفلها سنان، واسمها نبعة، في قول مقاتل «1» .
أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها أي: أعتمد عليها إذا مشيت، وعند الإعياء، والوقوف على رأس قطيع الغنم، وَأَهُشُّ أي: أخبط بِها الورق من الشجر ليسقط عَلى غَنَمِي فتأكله. وقرئ بالسين، وهو زجر الغنم، تقول العرب: هَس هَس، في زجرها، وعدَّاه بعلى لتضمنه معنى الإقبال والتوجه. وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى أي:
حاجات أخرى من هذا الباب. قال ابن عباس: كان موسى عليه السلام يحمل عليها زاده وسقاءه، فجعلت تأتيه وتحرسه، ويضرب بها الأرض فتخرج ما يأكل يومَه، ويركز بها فيخرج الماء، فإذا رفعها ذهب، وكان يرد بها عن غنمه ونعمه الهوام بإذن الله، وإذا ظهر له عدو حاربت وناضلت عنه، وإذا أراد الاستسقاء من البئر أَدْلَاهَا، فطالت على طول البئر وصارت شعبتاها كالدلو فيستقي بها، وكان يظهر على شعبتيها كالشمعتين بالليل فيستضيئ بها، وإذا اشتهى ثمرة ركزها فتغصّنت غصن تلك الشجرة وأورقت وأثمرت. فهذه المآرب «2» .
وكأنه عليه السلام فهم أن المقصود من السؤال بيان حقيقتها، وتفصيل منافعها بطريق الاستقصاء، فلذلك أطنب في كلامه، فلما بدت منها خوارق بديعة عَلِمَ أنها آية باهرة ومعجزات قاهرة، وأيضًا: الإطناب في مناجاة الأحباب محمود.
قالَ له تعالى: أَلْقِها يا مُوسى لترى من شأنها ما لم يخطر ببالك، قيل: إنما أُمِر بإلقائها قطعًا للسكون إليها، لِمَا كان فيها من المآربِ، وبالغ الحق تعالى في ذلك بقلبها حية، حتى خاف منها، وحين قطعه عنها، وأخرجها من قلبه، بالفرار منها ردها إليه بقوله: خُذْها وَلا تَخَفْ فَأَلْقاها على الأرض فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى، رُوِي أنه عليه السلام ألقاها فانقلبت حية صفراء، في غلظ العصا، ثم انتفخت وعظمت، فلذلك شبهت بالجان تارة، وبالثعبان مرة أخرى، وعبَّر عنها هنا بالاسم العام للحالين، وقيل: انقلبت من أول الأمر ثعبانًا، وهو أليق بالمقام، كما يفصح عنه قوله عز وجل: فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ «3» ، وإنما سميت بالجان في الجلادة وسرعة المشي، لا في صغر الجثة. وقيل: الجان عبارة عن ابتداء حالها، والثعبان عن انتهائه.
(1) انظر تفسير البغوي (5/ 268) . [.....]
(2)
قال الحافظ ابن كثير عن هذه المآرب: الظاهر أنها- أي: العصا- لم تكن كذلك، ولو كانت كذلك لما استنكر موسى عليه السلام صيرورتها ثعبانا، فما كان يفرّ منها هاربا، ولكن كل ذلك من الأخبار الإسرائيلية، انظر: تفسير ابن كثير (3/ 145) .
(3)
من الآية 107 من سورة الأعراف
قالَ تعالى: خُذْها يا موسى، وَلا تَخَفْ، قال ابن عباس رضي الله عنه: انقلبت ثعبانًا ذَكَرًا، يبتلع كل شيء من الصخر والشجر، فلما رآه كذلك خاف ونفر، ولحقه ما يلحق البشر عند مشاهدة الأهوال من الخوف والفزع، إذ لا يلزم من ثبوت الخصوصية عدم وصف البشرية. سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى أي: سنعيدها، بعد الأخذ، إلى حالتها الأولى التي كانت عليها عصًا، قيل: بلغ عليه السلام عند ذلك من الثقة وعدم الخوف إلى حيث كان يدخل يده في فمها، ويأخذ بلَحْيَيْهَا. فلما أخذها عادت عصًا، وحكمة قلبها وأخذها هنا ليكون معها على ثقة عند مخاصمة فرعون، وطمأنينةٍ من أمره، فلا يعتريه شائبة دهش ولا تزلزل. والسيرة: فعلة من السير، يجوز بها إلى الطريقة والهيئة، وانتصابها على نزع الخافض.
ثم أراه معجزة أخرى، فقال: وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ أي: أدخلها تحت عضدك، فجناح الإنسان:
جنباه، مستعار من جناح الطير، تَخْرُجْ بَيْضاءَ: جواب الأمر، أي: إن أدخلتها تخرج بيضاء شعاعية، مِنْ غَيْرِ سُوءٍ أي: حال كونها كائنة من غير عيب بها كبرص ونحوه. رُوِي أنه عليه السلام كان آدم اللون، فأخرج يده من مدرعته بيضاء، لها شعاع كشعاع الشمس، تضيء حال كونها آيَةً أُخْرى أي: معجزة أخرى غير العصا، لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى أي: فعلنا ما فعلنا، لنريك بعض أياتنا العظمى، أو: لنريك الكبرى من آياتنا. قال ابن عباس: «كانت يد موسى أكبر آياته» . والله تعالى أعلم.
الإشارة: يقال للفقير: وما تلك بيمينك أيها الفقير؟ فيقول: هي دنياي أعتمد عليها في معاشي وقيام أموري، وأُنفق منها على عيالي، ولي فيها حوائج أخرى من الزينة والتصدق وفعل الخير، فيقال له: ألقها من يدك أيها الفقير، واخرج عنها، أو أخرجها من قلبك إن تيسر ذلك مع الغيبة عنها، فألقاها وخرج عنها، فيلقيها، فإذا هي حية كانت تلدغه وتسعى في هلاكه وهو لا يشعر. فلما تمكن من اليقين، وحصل على غاية التمكين، قيل له: خذها ولا تخف منها، حيث رفضت الأسباب، وعرفت مسبب الأسباب، فاستوى عندك وجودها وعدمها، ومنعها وإعطاؤها، سنعيدها سيرتها الأولى، تأخذ منها مأربك، وتخدمك ولا تخدمها. يقول الله تعالى:«يا دنياي، اخدمي من خدمني، وأتبعي من خدمك» «1» .
وأما قوله تعالى في حديث آخر مرفوعًا: «تمرري على أوليائي ولا تحلو لهم فتفتنهم عني» «2» فالمراد بالمرارة: ما يصيبهم من الأهوال والأمراض وتعب الأسفار، وإيذاء الفجار وغير ذلك. وقد يلحقهم الفقر الظاهر شرفًا لهم، لقوله صلى الله عليه وسلم:«الفقر فخري وبه أفتخر» «3» ، أو كما قال عليه السلام إن صح. وقال شيخنا البوزيدى رضي الله عنه:
(1) أخرجه الخطيب البغدادي فى تاريخه (8/ 44) عن ابن مسعود مرفوعا. وقال الشوكانى فى الفوائد (ص/ 238) : «وفى إسناده الحسن بن داود والحديث موضوع» . والحديث فى الإتحاف السنية (257) للديلمى مختصرا.
(2)
أخرجه البيهقي فى الشعب (ح 9800) بنحوه ومطولا عن قتادة بن النعمان، وقال البيهقي: لم نكتبه إلا بهذا الإسناد، وفيه مجاهيل. والحديث فى الاتحافات (258) للديلمى.
(3)
قال القاري فى الأسرار المرفوعة (ص 255، ح 320)«قال الحافظ ابن حجر: «موضوع لا أصل له» .