الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإشارة: تقدمت إشارة هذه القصة مراراً بتكررها، وفيها تسلية لمن أوذي من الأولياء بقول قبيح أو فعل ذميم.
وقال القشيري في قوله: وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبارَكاً: الإنزال المبارك: أن تكون بالله ولله على شهود الله، من غير غفلة عن الله، ولا مخالفة لأمر الله. هـ.
ثم ذكر قصة هود أو صالح، فقال:
[سورة المؤمنون (23) : الآيات 31 الى 41]
ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ (31) فَأَرْسَلْنا فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (32) وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْناهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ما هذا إِلَاّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (33) وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ (34) أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ (35)
هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ (36) إِنْ هِيَ إِلَاّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (37) إِنْ هُوَ إِلَاّ رَجُلٌ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً وَما نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ (38) قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ (39) قالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ (40)
فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (41)
يقول الحق جل جلاله: ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ من بعد قوم نوح قَرْناً أي: قوماً آخَرِينَ هم عادٌ قوم هود، حسبما رُوِي عن ابن عباس، ويشهد له قوله تعالى: وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ «1» ، ومجيء قصة هود على إثر قصة نوح في الأعراف وهود والشعراء، ونقل ابن عطية عن الطبري: أن المراد بهم ثمود قوم صالح، قال: والترتيب يقتضي قوم عاد، إلَاّ أنهم لم يُهلكوا بالصيحة، بل بالريح. قال في الحاشية: والظاهر أنهم صالح. كما قاله الطبري. وحمل الواحدي الصيحة على صيحة العذاب، فيتجه لذلك أنهم عاد قوم هود، وقد تقرر أن ثمود بعد عاد. ثم قال: وفي السيرة: عادٌ بن عَوْص بن إرم بن سام بن نوح، وثمود بن عابر بن أرَم بن سام بن نوح. هـ.
(1) من الآية 69 من سورة الأعراف.
فَأَرْسَلْنا فِيهِمْ، الإرسال يُعَدّى بإلى، ولم يعدّ بهاهنا وفي قوله: كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ «1» ، وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ «2» لأن الأمة والقرية جعلت موضعاً للإرسال، إيذاناً بأن المرسل إليهم لم يأتيهم من غير مكانهم، بل إنما نشأ بين أظهرهم، كما ينبىء عنه قوله: رَسُولًا مِنْهُمْ أي: من جملتهم نسباً، وهو: هود أو صالح، فإنهما- عليهما السلام كانا منهم. قائلاً لهم: أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ عذابه، الذي يقتضيه ما أنتم عليه من الشرك والمعاصي.
وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ، ذكر مقال قوم هود، في جوابه، في الأعراف وهود بغير «واو» لأنه على تقدير سؤال سائل، قال: فما قال قومه؟ فقيل: قالوا: كيت وكيت، وهنا مع الواو لأنه عطفٌ لما قالوه على ما قاله الرسول ومعناه: حكاية قولهم الباطل إثر حكاية قول الرسول الحق، وليس بجواب للنبي متصل بكلامه، وجيء بالفاء في قصة نوح عليه السلام لأنه جواب لقوله، واقعٌ عَقِبَه، أي: وقال الأشراف من قومه الَّذِينَ كَفَرُوا، وُصفوا بالكفر ذَماً لهم، وتنبيهاً على غُلوِّهم فيه، وَكَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ أي: بلقاء ما فيها من الحساب والثواب والعقاب وغير ذلك، أو بمعادهم إلى الحياة الثانية، وَأَتْرَفْناهُمْ: نَعَّمناهم فِي الْحَياةِ الدُّنْيا بكثرة الأموال والأولاد، أي:
قالوا لأتباعهم، مُضلين لهم: ما هذا النبي إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ في الصفة والأحوال، والاحتياج إلى القِوام، ولم يقولوا: مثلنا تهويناً لأمره عليه السلام.
ثم فسر المثلية بقوله: يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ أي: منه، فحذف لدلالة ما قبله عليه، وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ فيما يأمركم به وينهاكم عنه، إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ بالانقياد لمثلكم، ومن حمقهم أنهم أبو اتِّباع مثلهم وعبدوا أعجز منهم.
أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ- بالكسر والضم- من مات يُمات ويموت، وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً نخرة، أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ، فأنكم الثانية، توكيد للأولى للفصل بينهما، والتقدير: أيعدكم أنكم مخرجون بالبعث إذا متم وكنتم تراباً وعظاماً؟ هَيْهاتَ هَيْهاتَ، تكرير لتأكيد البُعد، وهو اسم فعل مبني على الفتح، واقع موقع بَعُد، فاعلها مضمر، أي: بعد التصديق أو الوقوع لِما تُوعَدُونَ من العذاب، أو فاعلها:«ما توعدون» ، واللام زائدة، أي: بَعُد ما تعدون من البعث، وقيل: ما توعدون من البعث. وقيل: مبتدأ، وهما اسم للبعد، و (لِما تُوعَدُونَ) : خبر، أي: بُعْدٌ بُعْدٌ لما توعدون، إِنْ: ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا، والضمير لا يعلم ما يعنى به إلا بما بعده من بيانه، وأصله: إن الحياةُ إلا حياتنا، وأتى بالضمير حذراً من التكرير، أي: لا حياة إلا هذه الحياة التي نحن فيها، ودنت منا، نَمُوتُ وَنَحْيا أي: يموت بعضنا ويولد بعضٌ، إلى انقراض العصر، وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ بعد
(1) من الآية 30 من سورة الرعد.
(2)
من الآية 94 من سورة الأعراف.