الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ أي: أكاذيبهم التي سطروها، وهي جمع أسطورة، كأُحدوثة وأُعجوبة، أو جمع أسطار، جمع سَطر، فيكون جمع الجمع. والله تعالى أعلم.
الإشارة: ذكر في الآية خمس نِعَم، يجب على العبد شكر كل واحدة منها، فشُكْر نعمة السمع: أن تسمع به ما ينفع، وتكفه عما لا ينفع، وإذا سمعت خيراً أفشيته، وإذا سمعت شراً دفنته. وشكر نعمة البصر: أن تنظر به في ملكوت السموات والأرض وما بينهما، فتعرف عظمة الصانع، أو تشاهده وتوحده فيها. وشكر نعمة القلوب: أن تعرف بها علام الغيوب، وتُفرده بالوجود في كل مرغوب ومرهوب. وشكر نعمة الإيجاد: أن تكون له عبداً في كل حال. وشكر نعمة الإعادة: أن تتأهب للقائه في كل لحظة وساعة. (وهو الذي يحيي ويميت) يحيي قلوباً بالمعرفة بعد الجهل، ويميت قلوباً بالغفلة والجهل بعد العلم واليقظة، وذلك بالسلب بعد العطاء، والعياذ بالله. وله اختلاف ليل القبض ونهار البسط على العبد، ثم يُخرجه عنهما ليكون مع الله لا مع شيء سواه. وبالله التوفيق.
ثم ذكر دلائل ما أنكروه من البعث، فقال:
[سورة المؤمنون (23) : الآيات 84 الى 90]
قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (85) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ (87) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88)
سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (89) بَلْ أَتَيْناهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (90)
يقول الحق جل جلاله: قُلْ يا محمد لمن أنكر البعث: لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها من المخلوقات عاقلاً أو غيره، أي: من أوجدها، ودبر أمرها، إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ شيئاً؟ والجواب محذوف، أي: فأخبروني فإن ذلك كاف في الجواب، سَيَقُولُونَ لِلَّهِ لأنهم مُقرُّون بأنه الخالق، فإن أقروا بذلك فقل أَفَلا تَذَكَّرُونَ فتعلمون أنَّ مَن قَدَر على خلق السماوات والأرضَ وما فيهن، كيف لا يقدر على إعادة الخلق بعد عدومها؟ فإن الإعادة أهون من البدء. قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، أعيد الرب تنويهاً لشأن العرش، ورفعاً لمحله لئلا يكون تبعا للسماوات والأرض، وجوداً وذكراً، ولقد روعي في الأمر بالسؤال الترقي من الأدنى إلى الأعلى، فإن سألتهم (سيقولون لله) أي: هي لله، كقولك: من رب هذه الدار؟ فتقول: هي لفلان، وقال الشاعر:
إذَا قِيل: مَن رَبُّ الْمَزالِفِ والْقِرَى
…
ورَبُّ الْجِياد الجُرْدِ؟ قيل: لخَالِدِ
وقال الأخَفش: اللام زائدة، أي: هو الله، وبعدمه قرأ أهل البصرة، فيه وفيما بعده، واتفقوا على إثباته في الأول، ليطابق السؤال، فإن أجابوا بذلك فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ أي: أتعلمون ذلك، ولا تتقون عذابه في كفركم وجحودكم قدرته على البعث؟
قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ أي: التصرف التام في كل شيء بقهره وسلطانه، فالملكوت، في أصل اللغة، مبالغة في الملك، زيدت الواو والتاء للمبالغة، كالجبروت مبالغةً في الجبر، وفي عرف الصوفية، الملكوت:
ما بطن من أسرار المعاني القائمة بالأواني، أو نقول: ما غاب في عالم الشهادة من أسرار الذات، فحس الأواني مُلك، ومعانيها ملكوت، والجبروت: ما خرج عن دائرة الأكوان من بحر الأسرار، الفائض بأنوار الملكوت، وهذه أسماء لمسمَّى واحد، وهو بحر الوحدة.
ثم قال تعالى: وَهُوَ يُجِيرُ أي: يغيث، يقال: أجرت فلاناً على فلان: إذا أغثته منه، يعني: وهو يغيث من شاء ممن شاء، وَلا يُجارُ عَلَيْهِ: ولا يغيث أحد عليه، أي: لا يمنع أحدٌ أحداً بالنصر عليه. إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ شيئاً ما، أو تعلمون ذلك، فأجيبوني؟ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ أي: لله ملكوت كل شيء، وهو يُجير ولا يُجار عليه، قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ أي: فمن أين تُخدعون وتُصرفون عن الرشد، وعن توحيد الله وطاعته؟ فإنَّ من لا يكون مسحوراً مختل العقل لا يكون كذلك، قال تعالى: بَلْ أَتَيْناهُمْ بِالْحَقِّ الذي لا محيد عنه من التوحيد والوعد بالبعث، وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ فيما قالوا من الشرك وإنكار البعث. وبالله التوفيق.
الإشارة: قل: لمن أرض النفوس، وما فيها من الأهوية والحظوظ والعلائق؟ سيقولون: هي لله يتصرف فيها كيف يشاء، فتارة يُملِّكها لعبده، فتكون تحت قهره وسلطانه، فيكون حراً من رق الأشياء، وتارة يُملّكه لها بعدله، فيكون تحت قهرها وسلطانها، تتصرف فيه كيف تشاء، ويكون مملوكاً لها، ينخرط في سلك من اتخذ إلهه هواه، قل: من رب سماوات الأرواح وعرش الأسرار والأنوار، وهو القلب الذي هو بيت الرب، قل: سيقولون: لله، يظهرها متى شاء، ويوصلها إلى أصلها كيف شاء، قل: من بيده ملكوت كل شيء، فيتصرف في النفوس والأرواح بالتقريب والتبعيد، وهو يُجير مِن الحظوظ والأهوية مَن يشاء، ويسلطها على مَن يشاء، ولا يُجار عليه، لا يمتنع من قهره أحد، فأنَّى تسحرون.
قال القشيري: أولاً قال: (أفلا تذكرون)، ثم قال بعده:(أفلا تتقون) قدَّمَ التذكرَ على التقوى لأن بتذكيرهم يَصلُون إلى المعرفة «1» ، وبعد أن عرفوه، علموا أنه يجب عليهم اتقاءُ مخالفته، ثم بعد ذلك قال:(فأنى تُسْحَرون) ؟
أي: بعد وضوح الحجة، أيُّ شَكٍّ بَقِيَ حتى تَنْسِبُوه إلى السِّحر؟. هـ.
(1) فى القشيري: المغفرة. [.....]