الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
استثناء من الضمير المجرور في قوله: إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ، وذلك هو الذي يقتضيه المعنى. هـ. أي: إنا لمنجوهم من العذاب إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ الباقين في العذاب مع الكفرة لتهلك معهم، وقرأ أبو بكر عن عاصم:«قدرنا» بالتخفيف، وهما لغتان، يقال: قدّر الله كذا وقدره. قال البيضاوي: وإنما علق، والتعليق من خواص أفعال القلوب لتضمنه معنى العلم، ويجوز أن يكون (قدرنا) : أجرى مجرى قلنا لأن التقدير بمعنى القضاء قول، وأصله: جعل الشيء على مقدار غيره، وإسناد التقدير إلى إنفسهم، وهو فعل الله تعالى لما لهم من القرب والاختصاص. هـ.
قلت: وفيه إشارة إلى حذف الوسائط، كما هو توحيد المحققين. والله تعالى أعلم.
الإشارة: لا يلزم من ثبوت الخصوصية عدم وصف البشرية، فالوجل والخوف والفرح والحزن والتعجب والاستعظام للأشياء الغريبة، كل ذلك من وصف البشر، يقع من الخصوص وغيرهم، لكن فرق بين خاطر وساكن فالخصوص تهجم عليهم ولا تثبت، بخلاف العموم.
ويؤخذ من الآية: أن صحبة الخصوص لا تنفع إلا مع الاعتقاد والتعظيم، فإنَّ امرأة نبي الله لوط كانت متصلة به حساً، ومصاحبة له، ولم ينفعها ذلك، حيث لم يكن لها فيه اعتقاد ولا تعظيم. وكذلك صحبة الأولياء: لا تنفع إلا مع الصدق والتعظيم. وقول ابن عطاء الله: «سبحان مَن لم يجعل الدليل على أوليائه إلا من حيث الدليل عليه.
ولم يوصل إليهم إلا مَن أراد أن يوصله إليه» : مقيد بوصول التعظيم والاعتقاد، والاستماع والاتباع. والله تعالى أعلم.
ثم ذكر قصة هلاك قوم لوط، فقال:
[سورة الحجر (15) : الآيات 61 الى 77]
فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ (61) قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (62) قالُوا بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ (63) وَأَتَيْناكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (64) فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (65)
وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ (66) وَجاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ (67) قالَ إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ (68) وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ (69) قالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعالَمِينَ (70)
قالَ هؤُلاءِ بَناتِي إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (71) لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (72) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (73) فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (74) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (75)
وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ (76) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (77)
قلت: وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ، القضاء هنا بمعنى القدر السابق، وضمَّنه معنى أوحينا، فعداه بإلى. و (أنَّ دابر) : بدل من الأمر، وفي ذلك تفخيم الأمر وتعظيم له، ومُصْبِحِينَ: حال من «هؤلاء» ، أو من ضمير مقطوع، وجمعه للحمل على المعنى لأن دابر بمعنى دوابر، أي: قطعنا دوابرهم حال كونهم داخلين في وقت الصباح.
ولَعَمْرُكَ: مبتدأ، والخبر محذوف، أي: قسمي، قال ابن عزيز: عَمْرٌ وعُمْرٌ واحد، ولا يقال في القسم إلا مفتوحاً، وإنما فتح في القسم فقط لكثرة الاستعمال.
يقول الحق جل جلاله: فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ، وهم أضياف إبراهيم، فلما دخلوا عليه ولم يعرفهم، قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ لا نعرفكم. أو تنكركم نفسي مخافة أن تطرقوني بشيء، قالُوا بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ أي: ما جئناك بما تنكرنا لأجله، بل جئناك بما يسرك، وهو: قطع الفاحشة من بلدك، وإتيان العذاب لعدوك الذي توعدناهم، فكانوا يمترون فيه ويشكون في إتيانه، وَأَتَيْناكَ بِالْحَقِّ باليقين الثابت، وهو إتيان العذاب لا محالة، وَإِنَّا لَصادِقُونَ فيما أخبرناك به.
فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ: فاذهب بهم بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ أي: فاخرج بهم في طائفة من الليل، قيل: آخره، وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ أي: كن خلفهم في ساقتهم، حتى لا يبقى منهم أحد، أو: أمره بالتأخر عنهم ليكونوا قدامه، فلا يشتغل قلبه بهم لو كانوا خلفه لخوفه عليهم، أي: ليسرع بهم، ويطلع على أحوالهم. وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ خلفه، لينظر ما وراءه، فيرى من الهول ما لا يطيقه، أو: ولا ينصرف أحد منكم، ولا يتخلف لغرض فيصيبه ما أصابهم. وقيل: نهوا عن الالتفات ليوطنوا أنفسهم على الهجرة. وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ أي: إلى حيث أمركم الله، وهو الشام أو مصر، وقال بعضهم:«ما من نبي هلك إلا لحق بمكة، وجاور بها حتى مات» .
وَقَضَيْنا: أوحينا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ، وهو هلاك قومه، ذكره مبهماً ثمَّ فسره بقوله: أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ وهو كناية عن استئصالهم، والمعنى: أنهم يستأصلون عن آخرهم حتى لا يبقى منهم أحد، حال كونهم وقت العذاب مُصْبِحِينَ: داخلين في الصباح.
وَجاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ، وهي سدوم، يَسْتَبْشِرُونَ بأضياف لوط طمعاً فيهم في فعل الفاحشة، والظاهر:
أن هذا المجيء إليه، وما جرى له معهم من المحاورة، كان قبل الإعلام بهلاكهم، كما تقدم في هود. وانظر ابن عطية. فلما جاءوه يراودونه عن ضيفه قالَ إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ بهتك حرمة ضيفي، فإنَّ
من فُضح ضيفه فقد فُضح هو، ومن أًسِيء إلى ضيفه فقد أُسيء إليه، وَاتَّقُوا اللَّهَ في ركوب الفاحشة، وَلا تُخْزُونِ: ولا تهينوني بإهانتهم. والخزي هو الهوان، أو: ولا تخجلون فيهم، من الخزاية وهو الحياء.
قالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعالَمِينَ عن أن تجير منهم أحداً، أو تحول بيننا وبينهم، وكانوا يتعرضون لكل أحد، وكان لوط عليه السلام يمنعهم ويزجرهم عنه بقدر وسعه. وذكر السدي: إنهم إنما كانوا يفعلون الفاحشة بالغرباء، ولا يفعلونها بعضهم ببعض، فكانوا يعترضون الطرق. هـ. أو: أَوْ لم ننهك عن ضيافة العالمين وإنزالهم؟ قالَ هؤُلاءِ بَناتِي تُزَوِّجُوهُنَّ إياكم، وقد كان يمنعهم قبل ذلك لكفرهم، فأراد أن يقي أضيافه بهن. ولعله لم يكن حراماً في شريعته. أو يريد بالبنات نساء القوم فإن نبي كل أمة بمنزلة أبيهم، إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ قضاء الوطر، أو: ما أقولُ لكم من التزويج، فابوا، ولجوا في عملهم.
قال تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: لَعَمْرُكَ: لحياتك يا محمد، أقسم بحياته- عليه الصلاة والسلام لشرف منزلته عنده. قال ابن عباس- رضى الله عنهما:«ما خلق الله خلقاً أكرم عليه من محمد صلى الله عليه وسلم، وما أقسم بحياة أحد إلا بحياته، فقال: لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ قال القرطبي: وإذا أقسم الله بحياة نبيه فإنما أراد التصريح لنا أنه يجوز لنا أن نحلف بحياته. وقد قال الإمام أحمد فيمن أقسم بالنبي صلى الله عليه وسلم: ينعقد به يمينه، وتجب الكفارة بالحنث، واحتج بكون النبي صلى الله عليه وسلم أحد ركني الشهادة. قال ابن خُوَيْزِ مَنْدَاد: هذا إذ استدل من جوّز الحلف به عليه الصلاة والسلام، بأن أيمان المسلمين جرت من عهده صلى الله عليه وسلم حتى إن أهل المدينة إلى يومنا هذا إذا جاء صاحبه قال له: احلف لي بما حوى هذا القبر، وبحق ساكن هذا القبر، يعني النبي صلى الله عليه وسلم. هـ «1» .
قلت: ومذهب مالك أنه لا ينعقد يمين بغير الله، وصفاته، وأسمائه. وقيل: إن قوله تعالى: لَعَمْرُكَ: هو من قول الملائكة للوط، أو لحياتك يا لوط، إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ: أي: لفي غوايتهم، أو شدة غلمتهم التي أزالت عقولهم وتمييزهم بين الخطأ والصواب، يتحيرون. والغلمة: شهوة الوقاع. والعمه: الحيرة، أي: إنهم لفي عماهم يتحيرون، فكيف يسمعون نصح من نصحهم؟ والضمائر لقوم لوط، وقيل: لقريش، والجملة: اعتراض.
قال تعالى: فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ، يعني: صيحة هائلة مهلكة. قال ابن عطية: هذه الصيحة صيحة الرجعة، وليست كصيحة ثمود. هـ. وقيل: صاح بهم جبريل فأهلكتهم الصيحة، مُشْرِقِينَ: داخلين في وقت شروق الشمس فابتدئ هلاكهم بعد الفجر مصبحين، واستوفى هلاكهم مشرقين. فَجَعَلْنا عالِيَها أي: عالي المدينة، أو قراها، سافِلَها، فصارت منقلبة بهم.
(1) ملخّصا.