الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: ولعله ذكر اسمًا آخر يكمل التسعة والتسعين. وإلا فهو مذكور في الرواية المتقدمة من التسعة والتسعين.
والله تعالى أعلم.
الإشارة: (قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ)، قال الورتجبي: إن الله سبحانه دعا عباده إلى معرفة الاسمين الخاصين، اللذين فيهما أسرار جميع الأسماء والصفات والذات، والنعوت والأفعال فالله اسمُهُ، وهو اسمُ عَيْنِ جَمْعِ الجَمعِ، والرحمن اسم عين الجمع فالرحمن مندرج تحت اسمه:«الله» لأَنه عين الكل، وإذا قلت: الله ذكرت عين الكل. ثم قال: وإذا قال «الله» يفنى الكل، وإذا قال:«الرحمن» يبقى الكل، من حيث الاتصاف والاتحاد، فالاتصاف بالرحمانية يكون، والاتحاد بالألوهية يكون. ثم قال: عن الأستاذ: من عظيم نعمه سبحانه على أوليائه: أنه يُنزههم بأسرارهم في رياض ذكره بتعداد أسمائه الحسنى، فيتنقلون من روضة إلى روضة، ومن مأنس إلى مأنس، ويقال:
الأغنياء تنزههم في بساتينهم، وتنزههم في منابت رياحِينهم. والفقراء تنزههم في مشاهد تسبيحهم، ويستروحون إلى ما يلوح لأسرارهم من كشوفات جلاله وجماله. هـ. قلت: والعارفون تنزههم في مشاهدة أسرار محبوبهم، وما يكشف لهم من روض جماله وجلاله. وبالله التوفيق.
ثم أمره بإخفاء قراءته عن المشركين لئلا يسبوا القرآن ومن جاء به، فقال:
[سورة الإسراء (17) : الآيات 110 الى 111]
قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً (110) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً (111)
يقول الحق جل جلاله: وَلا تَجْهَرْ بقراءة صلاتك، بحيث تُسمع المشركين، فإن ذلك يحملهم على السب واللغو فيها، وَلا تُخافِتْ أي: تُسر بِها حتى لا تُسمع من خلفك من المؤمنين، وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا واطلب بين المخافتة والإجهار طريقًا قصدًا، فإنَّ خير الأمور أوسطها. والتعبير عن ذلك بالسبيل باعتبار أنه طريق يتوجه إليه المتوجهون، ويؤمه المقتدون ليوصلهم إلى المطلوب. رُوي أن أبا بكر رضي الله عنه كان يخفت، ويقول: أُنَاجِي ربِّي، وَقَدْ عَلِمَ حَاجَتِي. وعمر رضي الله عنه كان يجهر، ويقول: أطردُ الشَّيْطَانَ وأُوقِظُ الوَسْنَانَ. فلما نزلت، أَمَرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أبا بَكْرٍ أَنْ يَجْهَر قليلاً، وعمر أن يَخْفِض قليلاً «1» .
وقيل: المعنى: وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ كلها، وَلا تُخافِتْ بِها بأسرها، وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا بالمخافتة نهارًا والجهر ليلاً. وقيل:(بِصَلاتِكَ) بدعائك. وذهب قوم إلى أنها منسوخة لزوال علة السب واللغو
(1) أخرجه بنحوه أبو داود فى (التطوع، باب فى رفع الصوت بالقراءة فى صلاة الليل) ، والترمذي فى (المواقيت، باب ما جاء فى قراءة الليل) عن أبى قتادة.
بإظهار الدين وإخفاء الشرك وبطلانه فالحمد لله على ذلك كما قال تعالى: وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً كما يزعم اليهود والنصارى وبنو مدلج حيث قالوا: عزيز ابن الله، والمسيح ابن الله، والملائكة بنات الله. تعالى الله عن قولهم علوًا كبيرًا، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ في الألوهية كما تقول الثنوية القائلون بتعدد الآلهة.
وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ أي: لم يكن له ناصر ينصره (مِنَ الذُّلِّ) أي: لم يذل فيحتاج إلى ولي يُواليه ليدفع ذلك عنه. وفي التعرض في أثناء الحمد لهذه الصفات الجليلة إيذان بأن المستحق للحمد من هذه نعوته، دون غيره إذ بذلك يتم الكمال، وما عداه ناقص حقير، ولذلك عطف عليه: وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً عظيمًا، وفيه تنبيه على أن العبد وإن بالغ في التنزيه والتمجيد، واجتهد في العبادة والتحميد، ينبغي أن يعترف بالقصور عن حقه في ذلك. رُوِي أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا أفصح الغلام من بني عبد المطلب علَّمه هذه الآية: (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ
…
) الخ «1» . والله تعالى أعلم.
الإشارة: الإجهار بالذكر والقراءة والدعاء، مباح لأهل البدايات، لمن وجد قلبه في ذلك، وأما النهي الذي في الآية فمنسوخ لأن الصحابة، حين هاجروا من مكة، رفعوا أصواتهم بالقراءة والتكبير. لكن المداومة عليه من شأن أهل البُعد عن الحضرة، وأما أهل القُرب فالغالب عليهم السكوت أو المخافتة قال تعالى: وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً «2» . وأما أمر الرسول عليه الصلاة والسلام لأبى بكر رضي الله عنه بالإجهار قليلاً، وعمر بالخفض قليلاً فإخراج لهم عن مرادهم تربيةً لهم. وختم السورة بآية العز إشارة إلى أنَّ مَن أسرى بروحه، أو بجسده إلى الملأ الأعلى كان عاقبته العز والرفعة في الدارين.
(1) أخرجه ابن السنى فى عمل اليوم والليلة (باب ما يلقن الصبى إذا أفصح بالكلام) ، من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده.
(2)
من الآية 108 من سورة طه.