الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- أ -
كلمة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية
الحمدُ للَّه ربّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على المبعوثِ رحمةً للعالمين.
وبعد،
فقد دأب مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، منذ نشأته الميمونة المبارَكة، على الأسهام الفاعل في نشر مجموعةٍ مختارة من أعلاق التراث ونفائسة النادرة، وتكليفِ نُخبةٍ من أفاضل المحقِّقين المتمرِّسين بدقائق الفن القيام بهذه المهمة على أكمل وجه ضمن التقاليد العلمية الراسخة في مسار التحقيق، وإخراج ذلك كُلّه في طبعاتٍ علميةٍ أنيقة استوفت مطالب التحقيق شكلًا ومضمونًا، بحيث غدتْ منشوراتُ المركز شامةً في وجه التراث النضِير، ويتطلّع إلى الإسهام فيها خيرةُ الباحثين والمحقِّقين.
وخلال هذه المسيرة الزاهرة أنجز المركز مجموعةً من كتب التراث القيّمة التي ظَفِرت بتقدير أهل العلم والباحثين؛ لما توفّر لها من ضروب العناية والإتقان، وكان هذا التقدير حافزًا لمواصلة المسيرة، ومُشجِّعًا على إعادة إصدار مجموعة مختارة من الكتب التي نشرت من قبل؛ لوضعها بين يدي الأجيال اللاحقة التي ربما لم تتيسّر لها تلك النشرات الأصيلة المتميزة.
في هذا السياق من الاهتمام والرغبة الصادقة في التجديد وإحياء الكنوز
-ب -
التراثية تأتي نشرتنا لهذا الكتاب البديع الذي يُنشَر لأول مرّة، وهو كتاب "البستان في إعراب مشكِلات القرآن" للإمام الفقيه النحْوي المفسِّر أحمد بن أبي بكر بن عمر الجِبْليّ الشهير بابن الأحنَف اليمني، المتوفّى سنةَ 717 هجرية، وقد نهض بأعباء تحقيقه باحثٌ صبورٌ هو الأستاذ الدكتور أحمد محمد الجندي، باذلًا فيه من الجهد والعناية ما يستحق التنويه والثناء، كاشفًا بذلك عن أثرٍ علميٍّ جديرٍ بالنشر من تراث القُطر اليمني الشقيق، ذلكم البلد المبارك الذي شهد رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم لأهله بفِقْهِ النفس ورِقّة القلب.
إنّ عِلْمَ (مُشكل إعراب القرآن) علمٌ راسخ المكانة بين جملة علوم القرآن، وقد صنّف فيه غير واحدٍ من أعلام المشتغلين بالنحو والتفسير، ويأتي هذا الكتاب القيّم "البستان" في هذا السياق من العناية بعلوم القرآن، ويتميّز "البستان" بغير واحدة من مظاهر الإجادة التي تجعل من نشره عملًا ذا قيمة في دوائر المشتغلين بعلوم القرآن خاصّة، وبالتراث على وجه العموم. فهو كتابٌ ضخمٌ على مستوى الحجم، وربما كان هو الأكبر بين جميع المصنّفات في هذا العلم، وكم نشعر بالأسف لأنّ هذه المجلدات الخمسة التي يتشرّف المركز بنشرها لا تحوي سوى نصف الكتاب وربما أقلّ قليلًا، ومع ذلك فإنه كتابٌ مشحونٌ بالفوائد العلمية الغزيرة الدالّة على الباع المديدة لصاحبه في العلم، وقد جرى فيه مصنّفه على الموضوعية العلمية دون تحيُّز لمدرسة نحْوية بعينها، لا سيّما المدرستان الكبيرتان: البصرة والكوفة، حيث مارس منحًى علميًّا ناضجًا في توجيه المعنى القرآني، معبِّرًا بذلك عن سدادٍ في الرؤية وبصيرة في المعالجة العلمية، فضلًا عن اشتمال الكتاب على غير قليل من النقول عن الكتب النادرة أو المفقودة، مشفوعًا ذلك كلّه بمتانة التكوين العلمي للمؤلف، فهو عالمٌ شهد معاصِرُوه ومَن اعتنى بترجمته بأنه كان من أعيان العلماء
- ج -
المحقِّقين، ولولا ما شاب كتابه من ذكر الأحاديث الضعيفة -بل الموضوعة أحيانًا- في فضائل سُوَر القرآن الكريم لكان الكتاب غايةً في بابه، لكنّ أمر تلك الأحاديث فاشٍ في كثيرٍ من كتب التفسير، وتولّى نَقَدةُ المحدِّثين تبيينَه، فليس يغضُّ من قيمة الكتاب.
لقد ظفر الكتاب بتحقيقٍ علمي شاهدٍ بكفاءة المحقق، وبنوعٍ من العناية دالٍّ على أهمية الكتاب، فضلًا عن المقدّمة التحليلية الضافية التي قدّمت صورة دقيقة للكتاب وموقعه بين مصنفات إعراب القرآن الكريم، مع استيفاءٍ لمطالب التحقيق العلمي، ما جعل منه عملًا علميًّا جَدِيرًا بالاحتفاء به مَتْنًا وتحقيقًا.
هذا، وقد حظي الكتاب بعناية إضافية من المركز، تصحيحًا وتدقيقًا ومراجعة، فتضافرت جهود المحقّق مع جهود المركز، فجاءت هذه الطبعة في غايةٍ من التجويد.
د. سعود السرحان
الأمين العام للمركز