المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فصلٌ قال جماعةُ المفسِّرين: "لَمّا فَرَغَ إبراهيمُ عليه السلام من بناء - البستان في إعراب مشكلات القرآن - جـ ١

[ابن الأحنف اليمني]

فهرس الكتاب

- ‌كلمة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية

- ‌مقدِّمة

- ‌ومن الأسباب التي دفعَتْني إلى تحقيق هذا الكتاب:

- ‌الجِبْلِيُّ وكتابُهُ "البُسْتانُ في إِعرابِ مُشْكِلاتِ القُرْآنِ

- ‌الفصل الأول الجِبْلِيُّ - حياتُهُ وآثارُهُ

- ‌المبحث الأول كُنْيتُه واسْمُهُ ونَسَبُه ولقَبُه

- ‌1 - كُنْيته واسْمُهُ ونَسَبُه:

- ‌2 - لقَبُه:

- ‌المبحث الثاني مولدُه

- ‌المبحثُ الثالث عصرُه

- ‌1 - الحياةُ السياسيّة:

- ‌2 - الحياةُ العِلميّة:

- ‌3 - المدارس التي أُنشئت في مدينة جِبْلةَ:

- ‌4).4 -اهتمامُ الدّولة الرَّسُوليّة بالعلم والعلماء:

- ‌5 - تأثُّر اليمنيِّين بالنَّحوِّيين المَشارِقة والمصريِّين:

- ‌المبحث الرابع شيوخه وتلاميذه

- ‌1 - شيوخه:

- ‌2).2 -تلاميذُه

- ‌المبحثُ الخامس مَنْزلةُ الجِبْليِّ العلميّةُ وثناءُ العلماءِ عليه

- ‌المبحثُ السادس آثارُه ووفاتُه

- ‌1 - آثاره:

- ‌2 - وفاتُه:

- ‌المبحثُ السابع موقفُ الجِبْليِّ من أصول النَّحو

- ‌المطلبُ الأول: موقفُه من السَّماع:

- ‌أولًا: موقفُه من الاستشهاد بالقرآن الكريم وقراءاتِه

- ‌1 - موقفه من القراءاتِ الصّحيحة:

- ‌أ - ارتضاء الجِبْلِيِّ القراءاتِ الصحيحةَ:

- ‌ب - اعتراضاتٌ للجِبْلِيِّ على قراءاتٍ صحيحة:

- ‌جـ - مفاضلةُ الجِبْليِّ بين قراءاتٍ صحيحة:

- ‌2 - موقفُ الجِبْلي من القراءات الشّاذّة:

- ‌3 - نظراتٌ في استشهاد الجِبْلِّي بالقراءات:

- ‌ثانيًا: موقفُ الجِبْليِّ من الاستشهاد بالحديث:

- ‌ثالثًا: موقفُ الجِبْليِّ من الاستشهاد بكلام العرب

- ‌أولًا- استشهاد الجِبْليِّ بالأمثال والأقوال:

- ‌ثانيًا - استشهاد الجِبْليِّ بالشعر:

- ‌ نظراتٌ في استشهاد الجِبْليِّ بالشعر:

- ‌ مآخذُ على استشهاد الجِبْلي بالشِّعر:

- ‌المطلب الثاني: موقفُ الجِبْلي من القياس:

- ‌ القياسُ عند الجِبْلي:

- ‌المطلبُ الثالث: موقفُ الجِبْلي من الإجماع

- ‌المبحثُ الثامن مذهبُه النَّحْويُّ واختياراتُه

- ‌فمن أمثلة ما اختار فيه مذهبَ البصريِّين:

- ‌ومما اختار فيه مذهبَ الكوفيِّين:

- ‌الفصلُ الثاني كتابُ البُستان في إعرابِ مشكلاتِ القرآن

- ‌المبحث الأول عنوانُ الكتاب، وتوثيق نِسبتِهِ للجِبْلي، وموضوعُه

- ‌المطلبُ الأول: عُنوانُ الكتاب:

- ‌المطلبُ الثاني: توثيق نِسبتِهِ للجِبْلي:

- ‌المطلبُ الثالث: موضوعه:

- ‌المبحثُ الثاني مصادرُه

- ‌أولًا: مصادرُ بصَرْيّةٌ، ومنها:

- ‌ثانيًا: مصادرُ كوفيّة، ومنها ما يلي:

- ‌ثالثًا: مصادرُ بغداديّةٌ:

- ‌رابعًا: مصادرُ مِصريّة:

- ‌خامسًا: مصادرُ أخرى:

- ‌المبحثُ الثالث منهجُ الجِبْليِّ في البستان

- ‌1 - خُطّةُ الكتاب:

- ‌2 - نُقولُه عن العلماء:

- ‌3 - اهتمامُه باللغة:

- ‌4 - اهتمامُه بتوضيح التصحيف:

- ‌5 - استطرادُه في ذكر أشياءَ بعيدةٍ عن موضوع الآية التي يشرحها:

- ‌6 - ترْكُه آياتٍ بدون إعراب أو شرح:

- ‌7 - تأثُّرُه بِلُغةِ الفقهاءِ والمتكلِّمين:

- ‌9 - أشعارٌ في الزهد والحِكمة:

- ‌المبحثُ الرابع المصطَلحاتُ النَّحوّية في البستان

- ‌المبحثُ الخامس العلّة النَّحويّةُ في البستان

- ‌العلّة البسيطةُ والمركَّبة:

- ‌أولًا- العِلَلُ البسيطة:

- ‌ثانيًا- العِلَل المُركَّبة:

- ‌المبحثُ السادس ملحوظاتٌ على الكتاب

- ‌أولًا: ملحوظاتٌ على المنهج:

- ‌أ- أخطاءٌ في النُّقول عن العلماء:

- ‌ب - آراءٌ منسوبةٌ خطأً:

- ‌جـ - نَقْلُهُ عن العلماء من كتُبِ غيرِهم:

- ‌ثانيًا: ملحوظات على الأسلوب:

- ‌1 - إيهامُ كلامِه خلافَ المراد:

- ‌2 - وقوعُ التناقُض في كلامه:

- ‌3 - ملحوظاتٌ نَحْويّة:

- ‌خاتمةُ الدِّراسة

- ‌ التحقيق

- ‌1 - وصفُ نُسخةِ المخطوط

- ‌2 - منهَجُ التحقيق

- ‌3 - نماذج مصوَّرة من المخطوط

- ‌سورةُ الأنبياء عليهم السلام

- ‌بابُ ما جاء في فَضْل قراءتها

- ‌بابُ ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصلٌ

- ‌فصلٌ

- ‌فصل

- ‌فصلٌ

- ‌فصلٌ

- ‌سورةُ الحجِّ

- ‌بابُ ما جاء في فضل قراءتها

- ‌بابُ ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصلٌ

- ‌فصلٌ

- ‌‌‌فصلٌ

- ‌فصلٌ

- ‌فصلٌ

- ‌سورةُ المؤمنين

- ‌بابُ ما جاء في فَضْل قراءتها

- ‌بابُ ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصلٌ

- ‌فصلٌ في معنى الآية

- ‌فصلٌ

- ‌فصلٌ في ذِكْرِ وجوهِ الحكمةِ في خَلْقِ اللَّهِ تعالى الخَلْقَ على الاختصار

- ‌سورةُ النُّور

- ‌بابُ ما جاء في فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصلٌ

- ‌فصلٌ

- ‌فصل

- ‌فصلٌ

- ‌فصلٌ

- ‌فصلٌ في معنى المشكاةِ والمِصباح والزَّجاجة والشَّجرة

- ‌فصلٌ

- ‌فصلٌ

- ‌فصل

- ‌فصلٌ

- ‌سورةُ الفرقان

- ‌بابُ ما جاء في فَضْل قراءتها

- ‌بابُ ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصلٌ

- ‌فصلٌ

- ‌فصلٌ

- ‌فصلٌ

- ‌سورةُ الشُّعراء

- ‌بابُ ما جاء في فَضْل قراءتها

- ‌بابُ ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصلٌ

- ‌فصل

- ‌سورةُ النمل

- ‌باب ما جاء في فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌سورةُ القَصَص

- ‌باب ما جاء في فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

الفصل: ‌ ‌فصلٌ قال جماعةُ المفسِّرين: "لَمّا فَرَغَ إبراهيمُ عليه السلام من بناء

‌فصلٌ

قال جماعةُ المفسِّرين: "لَمّا فَرَغَ إبراهيمُ عليه السلام من بناء البيت جاءه جِبريل عليه السلام فأمرَه أن يؤذِّن في الناس بالحج، فقال إبراهيم: يا ربِّ، وما يَبْلُغُ صوتي؟ فقال اللَّه تعالى: أَذِّنْ وعَلَيَّ البلاغُ، فَعَلَا على المقام، فأشرف به حتى صار كأطولِ الجبال، فأدخَل إصبعَيْه في أذُنَيْه، وأَقْبل بوجهه يمينًا وشمالًا وشرقًا وغربًا، فقال: يا أيُّها الناس، كُتِبَ عليكمُ الحجُّ إلى البيت العتيق فأَجِيبوا ربَّكم، فأجابَه مَن كان في أصلاب الرجال وأرحام النِّساء: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ"

(1)

.

ورُوِيَ عن ابن عبّاس، أنه قال: "لما أَمَرَ اللَّهُ إبراهيمَ عليه السلام أن يناديَ في الناس بالحجِّ صَعِد أبا قُبَيْسٍ، ووضَع إصبعَيْه في أذُنيه وقال: يا أيُّها الناس: أَجِيبوا ربَّكم، فأجابوا بالتلبية من أصلابِ الرجال وأرحام النِّساء، وأولُ من أجابه أهلُ اليمن، فليس أحدٌ يحُجُّ البيتَ إلى أن تقومَ الساعة إلّا من أجاب إبراهيمَ ذلك اليوم، فإنّ ذلك قوله تعالى:{يَأْتُوكَ رِجَالًا} ، فمن أتى الكعبة حاجًّا فكأنه أتى إبراهيم، لأنه مجيبٌ نداءَه

(2)

".

ورُوِيَ عن ابن عبّاس أنه قال لِبَنِيهِ: يا بَنِيَّ، حُجُّوا من مكةَ مُشاةً حتى ترجِعوا إليها، فإني سمعتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "للحاجِّ الراكبِ بكل خطوةٍ تخطوها

(1)

رواه البيهقي بسنده عن ابن عباس في السنن الكبرى 5/ 176 كتاب الحج/ باب دخول مكة بغير إرادة حج ولا عمرة، وينظر: الكشف والبيان 7/ 18، الوسيط 3/ 266، زاد المسير 5/ 423، تفسير القرطبي 12/ 38.

(2)

رواه البيهقي في السنن الكبرى 5/ 176 كتاب الحج/ باب دخول مكة بغير إرادة حج ولا عمرة، ورواه الحاكم في المستدرك 2/ 388، 389 كتاب التفسير/ تفسير سورة الحج، وينظر: الوسيط للواحدي 3/ 267.

ص: 243

راحلتُه سبعونَ حسنة، وللحاجِّ الماشي بكل خطوءة يخطوها سبعُمائة حسَنةٌ من حسَناتِ الحرم"، قيل: وما حسناتُ الحرم؟ قال: "الحسنة بمائة ألف"

(1)

.

وعن أنس، قال: سمعتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "إنّ اللَّه يباهي بأهل عَرَفاتٍ الملائكةَ، يقول: يا ملائكتي، انظُروا إلى عبادي شُعْثًا غُبْرًا، أَقْبَلوا يضربون إِلَيَّ من كلِّ فجٍّ عميق، فأُشهدُكم أني قد أَجَبتُ دعاءهم، وشفعت رغبتَهم، ووهبتُ مسيئَهم لمحسنِهم، وأعطَيْت محسنَهم ما سألوني غيرَ التبعات التي بينَهم"، فإذا أفاض القومُ إلى جمع، ووقَفوا وعادوا في الرغبة والطلَب إلى اللَّه، يقول:"يا ملائكتي: عبادي وَقَفوا فعادوا في الرغبة والطلب، فأُشهِدُكم أنّي قد أجبتُ دعاءهم، وشفعت رغبتَهم، ووهبت مسيئَهم لمحسنِهم، وأعطيت محسنَهم جميعَ ما سألوني، وكفَلت عنهم التَبِعاتِ التي بينَهم"

(2)

.

ورُوِيَ في المَعْنَى، عن أبي القاسم بِشْرِ بن محمد بن بِشْرٍ القاضي، أنه قال: رأيتُ في الطواف كهلًا وقد أجهَدتْه العبادة، واصفرَّ لونه، وبيدِه عصًا، وهو يطوفُ معتمدًا عليها، فتقدَّمتُ إليه، وجعلتُ أُسائِلُهُ، فقال: من أين أنتَ؟ فقلتُ: من خُراسانَ، قال لي: من أيِّ ناحيةٍ تكون خراسان؟ -كأنه جَهِلها- فقلتُ: ناحيةٌ من نواحي المشرق، فقال لي: في كم تقطَعون هذه الطريق؟ قلتُ: في شهرَيْنِ وثلاثة أشهر، قال: أفلا تحُجُّون في كل عام وأنتم من جيرانِ هذا البيت؟ فقلتُ: وكم بينَكم وبينَ هذا البيت؟ فقال: مسيرةُ

(1)

أخرجه الطبراني في المعجم الكبير 12/ 59، وينظر: الوسيط 3/ 267، مجمع البيان 7/ 145، الدر المنثور 4/ 355، الجامع الصغير 1/ 364، كنز العمال 5/ 5.

(2)

ينظر: مسند أبي يعلى 7/ 140، 141، الوسيط 3/ 267، مجمع الزوائد 3/ 257 كتاب الحج/ باب فضيلة الوقوف بعرفة، وقال ابن حجر:"وفيه صالح المري، وهو ضعيف"، وينظر: الدر المنثور للسيوطي 1/ 230.

ص: 244

خمسِ سنين، خرجتُ من بيتي ولم يكن في رأسي ولحيتي شيب، فقلتُ: هذا -واللَّه- الجَهْدُ البَيِّن والطاعةُ الجميلة والمحبّةُ الصادقة، فضحك في وجهي، وأنشأ يقول:

15 -

زُرْ مَنْ هَوِيتَ وإنْ شَطَّتْ بك الدارُ

وحالَ مِنْ دُونِها حُجْبٌ وأستارُ

لا يَمْنَعَنَّكَ بُعْدٌ مِنْ زِيارَتِهِ

إِنَّ المُحِبَّ لِمَنْ يَهْواهُ زَوّارُ

(1)

قوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا} يعني: من الأنعام التي تُنْحَرُ، وهو أمرُ إباحة، وليس بواجب، وإنّما قال ذلك لأنّ أهلَ الجاهلية كانوا ينحَرون ويذبحون ولا يأكلون من لحوم هداياهم شيئًا، فأَعْلَمَ اللَّهُ تعالى أن ذلك جائزٌ

(2)

.

قوله تعالى: {وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28)} يعني: الزَّمِنَ الفقيرَ الذي لا شيءَ له، يقال: بَئِسَ الرجلُ يَبْأَسُ بُؤْسًا: إذا اشتدت حاجتُه فهو بائس.

قوله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ (29)} اختلف القُرّاءُ في هذه اللام

(3)

، فكسَرَها بعضُهم، وفَرَّقوا بين {ثُمَّ} والواو والفاء؛ لأن {ثُمَّ} مفصولٌ من الكلام، والواو والفاء كأنّهما من نفس الكلمة، وجَزَمَهما الآخَرون لأنها كلمةٌ لإثبات الأمر.

(1)

هذه القصة وردت في الكشف والبيان 7/ 19، ورواها النسفي في تفسيره ببعض الاختلاف، فقد قال:"قال محمد بن ياسين: قال لي شيخ في الطواف: من أين أنت؟. . . . إلخ"، ورواية البيت الأول فيه:

زُرْ مَنْ تُحِبُّ. . . . . .

وَحالَ مِنْ دُونِهِ تُرْبٌ وَأَحْجارُ

التخريج: تفسير النسفي 2/ 435، عين المعاني 85/ ب، المستطرف 1/ 190.

(2)

قاله الزجاج والنحاس، ينظر: معاني القرآن وإعرابه 3/ 423، معاني القرآن 4/ 401، 402، وينظر: تفسير القرطبي 12/ 46.

(3)

سبق التعرض لهذه القراءة عند تخريج قراءة {ثُمَّ لْيَقْطَعْ} 1/ 233.

ص: 245

والتَّفَثُ: مناسكُ الحجِّ كلُّها من: الحَلْق والتنظيف وأخْذ الشارب ونَتْف الإبط وحَلْق العانة وقصِّ الأظفار ولُبْس الثياب ونحوها

(1)

، وأصل التَّفَثِ في اللغة: الوَسَخُ، تقول للرجل تَسْتَقْذِرُهُ: ما أَتْفَثَكَ! أي: ما أَوْسَخَكَ وأَقْذَرَكَ

(2)

، قال أُميةُ بن أبي الصَّلت

(3)

:

16 -

شاحِينَ آباطَهُمْ لم يَقْلَعُوا تَفَثًا

وَيَنْزِعُوا عَنْهُمُ قَمْلًا وصِئْبانا

(4)

قوله تعالى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ} يعني: عبادتَها؛ لأن الأوثانَ كلَّها رجسٌ، قال الزَّجّاجُ

(5)

: {مِنَ} هاهنا: تخليص جنس من أجناس،

(1)

ينظر: جامع البيان 17/ 196، معاني القرآن وإعرابه 3/ 424، معاني القرآن للنحاس 4/ 40 تهذيب اللغة 14/ 266، الكشف والبيان 4/ 402، شمس العلوم 2/ 753.

(2)

قاله الثعلبي في الكشف والبيان 7/ 20، وينظر: عين المعاني 86/ أ، تفسير القرطبي 12/ 50، البحر المحيط 6/ 323.

(3)

أمية بن أبي الصلت بن أبي ربيعة بن عوف، أبو الحكم الثقفي، نظر في الكتب، ولبس المسوح، وطمع في النبوة لَمّا عَلِمَ أن نَبيًّا يُبْعَثُ بالحجاز، فلما بُعِثَ النبي صلى الله عليه وسلم حسده فلم يُسلم، ومات بعد بدر، وقيل: سنة (9 هـ)، قال النبي صلى الله عليه وسلم عنه:"قد كاد أمية أن يسلم". [الشعر والشعراء ص 466 - 469، الأعلام 2/ 23].

(4)

البيت من البسيط، ورواية ديوانه:

حَفُّوا رُءُوسَهُمُ لَمْ يَحْلِقُوا تَفَثًا

ولَمْ يَسُلُّوا لَهم قَمْلًا وصِئْبانا

ويُرْوَى: "لَمْ يَقْذِفُوا تَفَثًا"، ويُرْوَى:"لَمْ يَقْرَبُوا تَفَثًا".

اللغة: شاحِينَ: شَاحِينَ الرَّجُلُ فاهُ شَحْوًا: إذا فتحه، التَّفَثُ: التَّشَعُّثُ وهو ما يفعله المُحْرِمُ في الحج إذا حَلَّ كقَصِّ الشارب والأظفار، الصِّئْبانُ جمع صُؤابٍ، وهو بَيْضُ البُرْغُوثِ والقَمْلِ.

التخريج: ديوانه ص 136، الحيوان 5/ 376، شمس العلوم 2/ 735، عين المعاني 86/ أ، تفسير القرطبي 12/ 50.

(5)

معاني القرآن وإعرابه 3/ 425.

ص: 246

المعنى: فاجتنبوا الرِّجسَ الذي هو وَثَنٌ {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ} ثم ضَرَب لمن أشرك به مَثَلًا، فقال:{وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ} ؛ أي: سقط {مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ} ؛ أي: تأخذه بسرعة، من قولهم: خَطِفَ يَخْطَفُ خَطْفًا: إذا سَلَبه، ومنه قوله:{يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ}

(1)

، قال ابن عباس: يريد: تخطَفُ لحمَه. {أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ} ؛ أي: تُسقِطه {فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31)} بعيد، يقال: سحُقَ يَسْحُقُ سُحْقًا، فهو سَحِيقٌ. قرأ نافع

(2)

: {فَتَخْطَفُهُ} بالتشديد

(3)

، وقَرأَ الباقون بالتخفيف.

قوله: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ} يريد: استعظامَ البُدُن واستسمانُها واستحسانَها، والشعائر: جمع الشَّعيرة، وهي: البُدْنُ إذا أُشْعِرَتْ؛ أي: أُعْلِمَتْ بحديدةٍ في صَفْحةِ سَنامِها الأيمنِ ليُعْلَمَ أنها هَدْيٌ {فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32)} يعني: فإنّ تعظيمها، ثم حذَفَ المضاف لدلالة "يُعَظِّمْ" على التعظيم

(4)

، وأضاف التقوى إلى القلوب لأن حقيقةَ التقوى تَقْوَى القلوبِ.

قوله: {لَكُمْ فِيهَا} ؛ أي: في الشعائريه {مَنَافِعُ} بركوبها وشرب لبنها

(1)

البقرة 20.

(2)

هو: نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم الليثي بالولاء، أبو رويم المدني، أحد القراء السبعة، كان شديد السواد صبيح الوجه حسن الخلق فيه دعابة، أصله من أصبهان، اشتهر بالمدينة وانتهت إليه رياسة القراءة فيها، وأقرأ الناس نَيِّفًا وسبعين سنة وتوفِّي بها سنة (169 هـ). [غاية النهاية 2/ 330: 334، الأعلام 8/ 5، 6].

(3)

وهذه قراءة أبي جعفر المدني أيضًا، ينظر: السبعة ص 436، البحر المحيط 6/ 340، الإتحاف 2/ 274.

(4)

ويرى الزمخشري أن التقدير: فإن تعظيمها من أفعال ذوي تقوى القلوب، فحذفت هذه المضافات، الكشاف 3/ 13، 14، وينظر أيضًا: التبيان للعكبري ص 941، البحر المحيط 6/ 340، الدر المصون 5/ 147، همع الهوامع 2/ 429.

ص: 247

إن احتيج

(1)

إليه {إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} يعني: إلى أن تُنحَر {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (33)} ؛ أي: مَنْحَرُها عند البيت العتيق، يعنِي: أرضَ الحرم كلَّها، نظيره قوله تعالى:"فَلَا يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هَذا"

(2)

يريد: الحرمَ كلَّه.

وسُمِّيَ البيتَ العتيقَ لأنّ اللَّه تعالى أعتَقَه من الجبابرة فلم يَظْهَرْ عليه جَبّارٌ قَطُّ، رَوَى ذلك عبدُ اللَّه بن الزُّبير، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

(3)

.

وقيل

(4)

: سُمِّيَ عتيقًا لقِدَمِهِ، بدليل قوله تعالى:{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا} ؛ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكّةَ مُبارَكًا

(5)

، وقيل

(6)

: لِكَرَمِهِ، وقيل

(7)

: لأنَّهُ أُعْتِقَ يوم الطُّوفان من الغرق.

قولُه تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ} ؛ أي: جماعةٍ مؤمنة سَلَفت قبلَكم {جَعَلْنَا مَنْسَكًا} قَرأَ أهلُ الكوفة إلّا عاصمًا بكسرِ السين في الموضعَيْن: على معنى الاسم

(8)

مثلَ: المجلِس والمطلِع؛ أي: مَذْبَحًا، وهو موضعُ القربان، وقَرأَ

(1)

في الأصل: "احتاج".

(2)

التوبة 28.

(3)

روى الترمذي بسنده عن عبد اللَّه بن الزبير، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إِنَّما سُمِّيَ البَيْتُ العَتِيقُ لأَنَّهُ لم يَظْهَرْ عَلَيْهِ جَبّارٌ"، ورُوِيَ عن الزهري مرسلًا. سنن الترمذي 5/ 6، 7 أبواب التفسير/ سورة الحج، ورواه الحاكم في المستدرك 2/ 389، كتاب التفسير/ تفسير سورة الحج، وينظر: الدر المنثور 4/ 357.

(4)

ذكره ابن الأنباري في الزاهر 2/ 178.

(5)

آل عمران 96.

(6)

ذكره ابن الأنباري في الزاهر 2/ 178.

(7)

المصدر السابق 2/ 178.

(8)

بكسر السين في الموضعين قرأ الأعمش وحمزة والكسائي وخلفٌ، وأبو عمرو في روايةٍ، وقرأ الباقون وأبو عمرو بالفتح، ينظر: السبعة ص 436، الكشف عن وجوه القراءات 2/ 119، البحر المحيط 6/ 341، الإتحاف 2/ 275.

ص: 248

الباقونَ بالفتح فيهما على المصدر، مثلَ: المَدْخَلِ والمَخْرَجِ، وهو: إِهْراقُ الدماء وذَبْحُ القرابين.

والفتح أَوْلى؛ لأنّ المصدر من هذا الباب بفتح العين

(1)

، يقال: نَسَكَ يَنْسُكُ: إذا ذَبَحَ القُرْبانَ، وأصل المَنْسَكِ -في كلام العرب-: الموضعُ المعتاد لعملِ خيرٍ أو شرّ، يقال: إنّ لفلانٍ

(2)

منسَكًا؛ أي: مكانًا يغشاه ويألَفُه للعبادة، ومنه مناسكُ الحجِّ لِتَرَدُّدِ الناس إلى الأماكن التي تُعمَلُ فيها أعمال الحج والعمرة

(3)

.

قوله تعالى: {لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ} ؛ أي: على نَحْر ما رَزَقَهم {مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} ؛ أي: لا ينبغي أن تذكروا على ذبائحكم إلّا اللَّهَ وحدَه {فَلَهُ أَسْلِمُوا} ؛ أي: انقادوا وأطيعوا {وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34)} يعني: المتواضعينَ المطمئنِّين إلى اللَّه، ثم وَصَفَهم فقال:{الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} ؛ أي: إذا خُوِّفوا باللَّه خافوا {وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ} من البلاءِ والمصائبِ في طاعة اللَّه.

ومحَلُّ "الَّذِينَ": نصبٌ، نعتٌ للمُخْبِتين، ويجوزُ أن يكون نصبًا على المدح، ويجوز أن يكونَ رفعًا على أنه خبرُ ابتداءٍ محذوف تقديرُه: هم الذين

(4)

،

(1)

يعني باب "فَعَلَ يَفْعُلُ" فقياس أسماء المكان منها "مَفْعَلٌ" بفتح العين، إلّا ما سمع عن العرب على "مَفْعِلٍ" بكسرها، قال الفراء:"والمَنْسِكُ لأهل الحجاز، والمَنْسَكُ لبني أسد". معاني القرآن 2/ 230، وينظر في هذه المسألة: معاني القرآن وإعرابه 3/ 426، إعراب القرآن للنحاس 3/ 97، 98 إعراب القراءات السبع 2/ 77، 78، تهذيب اللغة 10/ 74، معاني القراءات 2/ 180، 181، شرح الشافية للرضي 2/ 181، 182.

(2)

في الأصل: "لفلانا".

(3)

قاله الفراء والنحاس، ينظر: معاني القرآن 2/ 230، إعراب القرآن 3/ 98.

(4)

ينظر في هذه الأوجه الإعرابية: التبيان للعكبري ص 942، الدر المصون 5/ 148.

ص: 249

و {الصَّابِرِينَ} عطفٌ على {الْمُخْبِتِينَ} ، وكذلك قوله تعالى:{وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ} يعني: في أوقاتها، وهو عطفٌ على ما قبلَه في الإعراب، وفيه أيضًا ثلاثةُ أوجه: بالخَفْض على الإضافة وتُحذَفُ النُّونُ لها، ويجوزُ النَّصبُ معَ حذفِ النون؛ لأنّ الألفَ واللام بِمَعْنَى {الَّذِينَ} ، والوجهُ الثالث:{وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ} على الأصل

(1)

.

قوله تعالى: {وَالْبُدْنَ} : نصبٌ بإضمارِ فعل تقديره: وجَعَلْنا البُدنَ {جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} ؛ أي: من أعلام دينِه، وهي جمعُ: بَدَنة، ويجوز ضمُّ الدال مثلَ: ثَمَرةٍ وثُمُر

(2)

، وهي: الناقة والبقرة مما يجوز في الهَدْي والأضاحي {لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ} يعني: النَّفعُ في الدنيا والأجرُ في الآخرة. {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} يعني: عندَ نحرِها، قال ابنُ عباس

(3)

: هو أن يقول: اللَّهُ أكبر لا إلَه إلّا اللَّه، واللَّهُ أكبر، اللهمَّ منكَ ولك.

وقوله: {صَوَافَّ} يعني: قيامًا على ثلاثِ قوائم، قد صَفَّتْ رِجْلَيْها وإحدى يدَيْها، ويدُها اليسرى معقولةٌ

(4)

، وقيل

(5)

: الصَّوافُّ: أن يَعْقِلَ رِجْلَها

(1)

الوجه الثاني -وهو النصب مع حذف النون- قرأ به أبو عمرو في روايةٍ عنه، وابنُ أَبي إسحاق والحسنُ، وأما الوجه الثالث -وهو إثبات النون- فهو قراءة لابن مسعود والأعمش وابن محيصن، ينظر: مختصر ابن خالويه ص 97، المحتسب 2/ 80، تفسير القرطبي 12/ 59، البحر المحيط 6/ 342، الإتحاف 2/ 275.

(2)

قرأ الحسن وابن أبي إسحاق وشيبة وعيسى بن عمر: {وَالْبُدُنَ} بضم الدال، ورويت عن أبِي جعفر ونافع، وقرأ ابن أبي إسحاق أيضًا:{وَالْبُدُنَّ} بضم الدال وتشديد النون، ينظر: مختصر ابن خالويه ص 97، تفسير القرطبي 12/ 60، البحر المحيط 6/ 342، الإتحاف 2/ 275.

(3)

ينظر: قوله في جامع البيان 17/ 216، الكشف والبيان 7/ 23.

(4)

قاله الثعلبي في الكشف والبيان 7/ 23.

(5)

قاله مجاهد، ينظر: جامع البيان 17/ 217، الكشف والبيان 7/ 23.

ص: 250

اليسرى، وتقوم على ثلاث فيَنْحَرُها كذلك، وهو منصوبٌ على الحال.

وتُقْرَأُ: {صَوافِنَ}

(1)

، وأصلُ هذا الوَصْف في الخَيْل، يقال: صَفَنَ الفرسُ فهو صافنٌ: إذا قام على ثلاثِ قوائم وثَنَى سُنْبُكَ الرابعةِ، والسُّنْبُكُ: طَرَفُ الحافر، والبعيرُ إذا أرادوا نَحْرَهُ تُعْقَلُ إحدى يدَيْه فيقوم على ثلاث قوائم، وتُقرَأ أيضًا:{صَوَافِيَ}

(2)

؛ أي: خَوالِصَ للَّه، لا تُشركوا به في التسمية على نحرها أحدًا

(3)

.

قوله: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} ؛ أي: سَقَطت بعد النحر، فوَقَعت جُنوبُها على الأرض، وأصل الوجوب: الوقوع، يقال: وَجَبت الشمس: إذا سقطت للمغيب، وقوله:{فَكُلُوا مِنْهَا} أمرُ إباحةٍ ورخصة مثلَ قوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا}

(4)

وقوله: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ}

(5)

.

قوله: {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ (36)} قيل: القانعُ: الذي يقنَع بما أُعْطِيَ، ويَرْضَى بما عندَه ولا يَسْأَلُ، وقيل: القانع: المتعفِّف الجالس في بيته، والمعترُّ:

(1)

هذه قراءة ابن مسعود وابن عمر وابن عباس وقتادة ومجاهد وعطاء والضحاك والكلبي والأعمش وأبِي جعفر، ينظر: مختصر ابن خالويه ص 97، 98، المحتسب 2/ 81، تفسير القرطبي 12/ 61، البحر المحيط 6/ 242.

(2)

في الأصل: "صَوافِينَ" وهو خطأ، و"صَوافِيَ" قراءة الحسن وأبي موسى الأشعري ومجاهد وزيد بن أسلم والأعرج، ينظر: مختصر ابن خالويه ص 97، تفسير القرطبي 12/ 61، المحتسب 2/ 81.

(3)

من أول قوله: "وأصل هذا الوصف في الخيل" إلى هنا قاله أبو بكر السجستانِي بنصه في تفسير غريب القرآن ص 108، وينظر: تفسير القرطبي 12/ 61، عين المعاني ورقة 86/ ب.

(4)

المائدة 2.

(5)

الجمعة 10.

ص: 251

السائلُ الذي يسألُك ويعتريك، فعلى هذَيْن التأويلَيْنِ هو مأخوذٌ من القناعة، وهي الرضا والتعفُّف وتركُ السؤال.

وقيل

(1)

: القانع: الذي يسألك، والمعترُّ: الذي يتعرَّض لك وترتاب نفسُه ولا يسألك، وعلى هذا القول يكونُ القانعُ من القنوع وهو السؤال، يقال: قنَعَ -بالفتح- يَقْنَعُ بالفتح

(2)

قُنُوعًا: إذا سأل، ويقال من القناعة: قَنِعَ -بالكسر- يَقْنَعُ بالفتح قناعةً: إذا رضي، قال الشَّمّاخ

(3)

:

17 -

لَمالُ المَرْءِ يُصْلِحُهُ فيُغْنِي

مَفاقِرَهُ أَعَفُّ مِنَ القُنُوعِ

(4)

(1)

قاله المبرد في كتاب الروضة ص 177.

(2)

في الأصل: "يَقْنِعُ بالكسر"، وضبطه المؤلف بالحروف هكذا "بالكسر"، وهو خطأ، وقد أَثْبَتُّ ما ذكرتْهُ كتبُ اللغة، ينظر: العين 1/ 170، إصلاح المنطق ص 189، الروضة للمبرد ص 177، الزاهر 2/ 41، تهذيب اللغة 1/ 258، 259، تصحيح الفصيح وشرحه ص 115.

(3)

الشماخ بن ضرار بن حرملة المازنِيُّ الذبيانِيُّ، شاعر مخضرم من طبقة لبيد والنابغة، أسلم وشهد القادسية، وتوفِّي في غزوة موقان سنة (22 هـ). [الشعر والشعراء 322: 325، الإصابة 3/ 286 - 288، الأعلام 3/ 175].

(4)

البيت من الوافر للشماخ يخاطب امرأته، ويُرْوَى:

لَحِفْظُ المالِ تُصْلِحُهُ فَينْفِي

ويروى: "من الكُنُوع"، ويُنْسَبُ البيت لِمُعاوِية بن أبِي سفيان أيضًا.

اللغة: المفاقر: وجوه الفقر لا واحد لها من لفظها، الكُنُوع: التَّقَبُّضُ والتصاغر.

التخريج: ديوان الشماخ ص 221، ديوان معاوية ص 132، مجاز القرآن 2/ 51، البخلاء ص 181، معاني القرآن وإعرابه 3/ 428، تهذيب اللغة 1/ 259، 3/ 71، المخصص 12/ 287، الحلل في شرح أبيات الجمل ص 236، زاد المسير 5/ 434، عين المعاني ورقة 86/ ب، تفسير القرطبي 2/ 64، اللسان: ضيع، فقر، قنع، البحر المحيط 6/ 323.

ص: 252

يعني: من السؤال، وقال آخر:

18 -

وَلا أَحْرِمُ المُضْطَرَّ إِنْ جاءَ قانِعا

(1)

يعني: سائلًا، وقيل

(2)

: هو من الأضداد، يقال: قَنع: إذا رضي، وقنع: إذا سأل، وقيل: القانعُ: هو المسكين الذي يطوف فيسأل، والمُعْتَرُّ: الصّديق الزائر الذي يَعْتَر بالبُدْنِ، يقال: عَرَّهُ واعْتَرَّهُ وعَراهُ واعْتَراهُ: إذا أتاه طالبًا منه معروفًا

(3)

.

وقيل

(4)

: القانع: الذي يَسْأَلُ وتَرُدُّهُ التمرةُ واللُّقْمةُ، والمُعْتَرُّ: الذي لا يَسأل فيُبدَأُ بالصدقة.

قوله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} ؛ أي: بسبب ما ظُلِمُوا واعتُدِيَ عليهم بإيذائهم وإخِراجهم من ديارهم، قَرأَ ابنُ كثيرٍ وابنُ عامر وحمزةُ والكِسائي

(5)

: {أُذِنَ} بفتح الألف على إسناد الفعل إلى اللَّه تعالى لتقدُّم ذكرِه، وقَرأَ الباقونَ بضمِّ الألف على المجهول.

(1)

هذا عجز بيت من الطويل وصدره:

وَما خُنْتُ ذا عَهْدٍ وَأَيْتُ بِعَهْدِهِ

وهو لِعَدِيِّ بن زيد العِبادِيِّ، ورواية ديوانه:

وَلَمْ أَحْرِم المُضْطَرَّ إِذْ جاءَ. . .

اللغة: الوَأْيُ: الوعد، يقال: وَأَى يَئِي وَأْيًا. القانع -هنا- السائل من قولهم: قنَعَ -بالفتح- يَقْنَعُ قُنُوعًا، وأما "قَنِعَ" -بالكسر- قناعة فمعناه: رَضِيَ.

التخريج: ديوانه ص 145، الزاهر 2/ 41، تهذيب اللغة 15/ 652، غريب الحديث للهروي 2/ 156، اللسان: قنع، وأى.

(2)

قاله أبو حاتمٍ وابنُ الأنباريِّ، ينظر: الأضداد لأبي حاتم ص 193، الأضداد لابن الأنباري ص 66.

(3)

قاله النحاس في معاني القرآن 4/ 414.

(4)

قاله أبو عمر الزاهد في ياقوتة الصراط ص 370.

(5)

وقرأ بها خلف أيضًا، ينظر: السبعة ص 437، البحر المحيط 6/ 346، الإتحاف 2/ 276.

ص: 253

وقَرأَ ابنُ عامر ونافعٌ وحفص: {يُقَاتَلُونَ} بفتح التاء، وقَرأَ الباقون بكسرِها

(1)

، وفي الآية محذوفٌ والتقدير: أُذِن لهم أن يقاتِلوا أو: بالقتال.

ثم وَعَدَهم بالنَّصر، فقال:{وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39)} يعني: المؤمنين.

ثم وَصَفهم فقال: {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ} محَلُّ {الَّذِينَ} : خفضٌ على البدل من {الَّذِينَ} الأول، وقوله:{إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ} ؛ أي: لم يُخرَجوا من ديارهم إلّا بقولهم: ربُّنا اللَّهُ وحدَه، فيكون {أَنْ}: أَنْ "في موضع الخفض ردًّا على الباء في قوله: {بِغَيْرِ حَقٍّ}

(2)

، ويجوزُ أن يكون في موضع نصبٍ على وَجْه الاستثناء

(3)

.

قال سيبوَيْه

(4)

: هذا من الاستثناء المنقطع، المعنى: لكنْ بأنْ يقولوا: ربُّنا اللَّه

(5)

؛ أي: أَخرجَوهم بتوحيدهم.

(1)

قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر وخلفٌ ويعقوب: {يُقَاتِلُونَ} بكسر التاء، ينظر: معاني القرآن للفراء 2/ 227، السبعة ص 437، البحر المحيط 6/ 346، الإتحاف 2/ 276.

(2)

قاله الفراء والزَّجّاج والنحاس، ينظر: معاني القرآن للفراء 2/ 227، معاني القرآن وإعرابه 3/ 430، إعراب القرآن للنحاس 3/ 100.

(3)

يعني: على الاستثناء المتصل، وهو قولٌ آخَرُ للفراء والنحاس، ينظر: معانِي القرآن للفراء 2/ 227، إعراب القرآن للنحاس 3/ 100، وينظر أيضًا: البيان للأنباري 2/ 177.

(4)

هو: أبو بشر عمرو بن عثمان بن قَنْبَر الحارثي بالولاء، إمام النحاة، وأول من بسط النحو، ولد في شيراز، وقَدِمَ البصرة، فلزم الخليل بن أحمد، ورحل إلى بغداد، فَناظَرَ الكسائيَّ، وأَجازَهُ الرشيدُ بعشرة آلاف درهم، وعاد إلى الأهواز فمات بها شابًا سنة (180 هـ). [إنباه الرواة 2/ 346 - 360، بغية الوعاة 2/ 229، 230، الأعلام 5/ 81].

(5)

الكتاب 2/ 325.

ص: 254

{وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} يُقرَأُ بإثبات الألف وحذفِها

(1)

، وقد تقدَّم ذكره في سورة البقرة

(2)

، وقوله:{لَهُدِمَتْ} يقال: هَدَمتُ البناءَ: إذا نقَضتَه وانهدم، قَرأَ نافعٌ وابنُ كثير بتخفيفِ الدال

(3)

، وقَرأَ الباقونَ بالتشديد، وأظهرَ التاءَ نافعٌ وابنُ كثير وعاصم، وأدغَمَها الباقون، والتخفيفُ يكون للقليل والكثير

(4)

، والتشديدُ يختص به الكثير.

وقوله: {صَوَامِعُ} هي: منازلُ الرُّهبان {وَبِيَعٌ} جَمْع: بَيْعةِ النصارى، {وَصَلَوَاتٌ} يعني: كنائسَ اليهود، وهي بالعبرانيّة صُلُوثا، {وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا (40)} يعني: مساجدَ المسلمين من أُمّة محمدٍ صلى الله عليه وسلم، ونَصْبُ {كَثِيرًا} على النَّعت لمصدرٍ محذوف، أراد: ذِكْرًا كثيرًا، ويقال: ومعنى الآية يقولُ: لولا دفاعُ اللَّه الناسَ عن الفساد ببعضِ الناس لهُدِم في شريعةِ كلِّ نبيٍّ المكانُ الذي يُصلَّى فيه، فلولا الدَّفْعُ لَهُدِّمَ في زمن موسى الكنائسُ، وفي زمن عيسى الصَّوامعُ والبِيَعُ، وفي زمن محمدٍ صلى الله عليه وسلم المساجدُ.

(1)

قرأ نافع وأبو جعفر ويعقوب والحسن: "دفاع اللَّه" بالألف، وقرأ الباقون بغير ألف، ينظر: معاني القرآن 2/ 227، السبعة ص 437، النشر 2/ 230، التيسير ص 82، الإتحاف 2/ 276.

(2)

يشير إلى قوله، تعالى:{وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} البقرة 251، وهي في القسم المفقود من هذا الكتاب.

(3)

قرأ بالتخفيف أيضًا أبو جعفر وابن محيصن وأيوب وقتادة وطلحة، والأعمش في رواية زائِدة عنه، والشنبوذيُّ والزعفرانيُّ، وأدغم التاء من {لَهُدِّمَتْ} في الصاد من {صَوَامِعُ} أبو عمرو وحمزة والكسائي وخلف وابن عامر، ينظر: السبعة ص 437، الكشف عن وجوه القراءات 2/ 121، حجة القراءات ص 479، التيسير ص 157، البحر المحيط 6/ 347، الإتحاف 2/ 276، 277.

(4)

في الأصل: "والتشديد والتخفيف يكون للقليل الكثير"، والصواب ما أُثْبِتَ، وينظر: إعراب القراءات السبع 2/ 78، الحجة للفارسي 3/ 172.

ص: 255

قوله تعالى: {وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ} ؛ أي: أمهَلْتُ {لِلْكَافِرِينَ} وأَخَّرْتُ عقوبتَهم، يقال: أَمْلَى اللَّهُ لفلان في العمُر: إذا أخَّر عنه أجَلَه، وقوله:{ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ} يريد: بالعذاب {فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (44)} ؛ أي: إنكاري بالعذابِ والهلاك؟ وهذا استفهامٌ معناه التقرير، والنكير: اسمٌ من الإنكار، ومحَلُّه رفعٌ؛ لأنَّهُ اسم {كَانَ} ، قَرأَ ورشٌ:{نَكِيرِي} بياءٍ في الوصل فقط، وقَرأَ الباقونَ بالحذف

(1)

.

قوله: {فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ} ؛ أي: فكم من قرية {أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ} يعني: وأهلُها ظالمون، فنَسَب الظلمَ إلى القرية لقُرب الجِوار. قَرأَ ابنُ كثير

(2)

: {وَكائِنْ} بالمدِّ، وقد ذَكَر في آل عمران

(3)

، وقرأ أبو عَمْرو

(4)

: {أَهْلَكْتُها} بالتاء، على الفعل الواحد، وهو الاختيارُ، لقوله:{فَأَمْلَيْتُ} ، وقرأ الباقون:{أَهْلَكْنَهُا} على التعظيم {فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ (45)} عطفٌ على قوله: {مِنْ قَرْيَةٍ}

(5)

؛ لأن المعنى: وكم من

(1)

قرأ ورش عن نافع: {نكيري} بياء في الوصل فقط، وأثبتها يعقوب في الحالين، ينظر: السبعة ص 441، مختصر ابن خالويه ص 98، الكشف عن وجوه القراءات 2/ 124، التيسير ص 185، الإتحاف 2/ 277.

(2)

وهي أيضًا قراءة أبي جعفر، ينظر: النشر 2/ 242، الإتحاف 2/ 277.

(3)

يشير إلى قوله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ} الآية: 146، وهي في القسم المفقود من هذا الكتاب.

(4)

وهذه أيضًا قراءة عاصم في رواية أبي بكر عنه، وقراءة يعقوب واليزيدي والحسن، ينظر: السبعة ص 438 حجة القراءات ص 479، الكشف عن وجوه القراءات 2/ 121، التيسير ص 157، الإتحاف 2/ 277.

(5)

قاله النحاس في إعراب القرآن 3/ 102، ويرى الفراء أن قوله:{وَبِئْرٍ} معطوف على {عُرُوشِهَا} ، معانِي القرآن 2/ 228، وينظر: مشكل إعراب القرآن 2/ 100، البيان للأنباري 2/ 178.

ص: 256

بئرٍ معطَّلةٍ وقصرٍ مَشِيد تَرَكوا بعد إهلاكهم، والمُعَطَّلةُ: المتروكةُ من العمل والاستسقاء، ومعنى التعطيل: التركُ من العمل، والمَشِيدُ: المُطَوَّلُ المرفوع، مأخوذٌ من قولهم: شادَ بِناءَهُ: إذا رَفَعه

(1)

، وقد ذكرنا ذلك في سورة النِّساء في قوله تعالى:{بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ}

(2)

.

{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ} يريد: في أرضِ اليمن والشام {فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا} ما يرَوْن من العِبَر ممّا نزل بمن كذَّب قبلَهم {أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا} أخبارَ الأُممِ المكذِّبة، قال ابنُ قُتيبة

(3)

: وهل شَيْءٌ أَبْلَغُ في العِظةِ والعِبْرةِ من هذه الآية؟ ونصْبُ {فَتَكُونَ} على جواب الجحد بالفاء.

ثم قال تعالى: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)} قال الفَرّاء

(4)

والزَّجّاج

(5)

: هذا من التوكيد الذي تزيده العربُ في الكلام، كقوله تعالى:{تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ}

(6)

، وقوله تعالى:{وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ}

(7)

، وقوله تعالى:{يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ}

(8)

.

قوله تعالى: {وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ} ؛ أي: عَمِلوا في إبطال آياتنا مغالِبينَ مُشاقِّينَ، وقيل: مسابِقين، وقيل: معانِدين، وقيل: ظانِّينَ أنْ لا

(1)

ينظر: غريب القرآن لابن قتيبة ص 294، غريب القرآن للسجستاني ص 109، الوسيط 3/ 274.

(2)

النساء 78، وهي في القسم المفقود من هذا الكتاب أيضًا.

(3)

تأويل مشكل القرآن ص 10.

(4)

معاني القرآن 2/ 228.

(5)

معاني القرآن وإعرابه 3/ 432.

(6)

البقرة 196.

(7)

الأنعام 38.

(8)

آل عمران 167.

ص: 257

نقدرَ عليهم

(1)

، وقرأ هاهنا وفي سبأٍ مكيٌّ وأبو عَمْرو

(2)

: {مُعْجِّزِينَ} ؛ أي: مُثَبِّطِينَ عن الإيمان، وقيل: مُبَطِّئِينَ، وقيل: فائتين، وهو منصوبٌ على الحال، ثم أَخْبر عن هؤلاءِ أنهم أصحابُ النار بقوله:{أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (51)} .

قوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ} ، المُرْسَلُ: الذي يُنزَلُ عليه كتابٌ، وغيرُ المرسَل: الذي يُبعَثُ بغيرِ كتاب.

الفَرْقُ بينَ النَّبِيِّ المرسَل وغيرِ المرسَل: أن المرسَل هو: الذي يأتيه جِبريلُ عليه السلام بالوحي عِيانًا وشِفاهًا، وغيرُ المرسَل هو: الذي تكون نبوّتُه إلهامًا أو منامًا، فكلُّ رسولٍ نبيّ، وليس كلُّ نبيٍّ رسولًا.

قوله {نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى} ؛ أي: إذا تلا القرآنَ {أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ (52)} ؛ أي: تلاوته، وذلك أنّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم كان حريصًا على إيمان قومه، فجلس يومًا في مجلسٍ لهم، وقَرأَ عليهم سُورةَ النَّجم، فلمّا أتَى على قوله:{أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى}

(3)

، ألقى الشّيطانُ في أمنيّتِه حتَّى وَصَل به: تِلكَ الغَرانيقَ

(4)

العُلَى، وإنّ شفاعتَهنَّ لَتُرْتَجَى، ففرح المشركونَ

(1)

ينظر في هذه الأقوال: جامع البيان 17/ 243، 244 معاني القرآن وإعرابه 3/ 433، إعراب القراءات السبع 2/ 82، 83، معاني القراءات 2/ 184، 185، عين المعاني ورقة 87/ أ.

(2)

وهي أيضًا قراءة ابن كثير واليزيدي وابن محيصن والجحدري وأبي السمال والزعفراني، ينظر: السبعة ص 439، حجة القراءات ص 480، التيسير ص 581، تفسير القرطبي 12/ 79، البحر المحيط 6/ 351، الإتحاف 2/ 278.

(3)

النجم 19، 20.

(4)

الغرانيق: الأصنام، جمع غُرْنُوقٍ وغِرْتِيقٍ، وهي في الأصل: طائر أبيض أو أسود من طير الماء طويل العنق، اللسان: غرنق.

ص: 258

بذلك، وقالوا: قد ذَكَرَ محمدُ آلِهَتَنا بأحسنِ الذِّكْرِ، فأتاه جبريلُ فأَخْبره بما جرى من الغَلَط على لسانه، فاشتدَّ ذلك على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فأنزل اللَّه تعالى هذه الآيةَ

(1)

.

{لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً} ؛ أي: مِحنةً، واللام في قوله:{لِيَجْعَلَ} متعلِّقة بقوله: {أَلْقَى الشَّيْطَانُ} ؛ أي: لِيجعلَ اللَّهُ

(2)

{مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} ؛ أي: شكٌّ ونفاق {وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ (53)} وهم الذين لا تَلينُ قلوبُهم بتوحيد اللَّه، {وَالْقَاسِيَةِ}: خفضٌ بالعطف على قوله: {لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} ، و {قُلُوبُهُمْ}: رَفْعٌ؛ لأنها فاعلٌ، تقديرُه: للذين قَسَت قلوبهم.

قوله تعالى: {وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ} ؛ أي: في شَكٍّ مِمّا أَلْقَى الشيطانُ على لسان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم {حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً} ؛ أي: فَجْأةً، وهو نَصبٌ على الحال

(3)

، ويجوزُ أن يكون نصبًا على المصدر.

وقوله: {أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ (55)} يريد: يومَ بدر، وسُمِّيَ

(1)

رواه الطبراني بسنده عن عثمان بن مظعون وابنِ عباس في المعجم الكبير 9/ 34، 12/ 42، وينظر: شفاء الصدور 70/ ب، 71/ أ، مجمع الزوائد 7/ 115، كتاب التفسير/ سورة النجم، أسباب النزول للسيوطي ص 208، 209. وهو حديث موضوع، لا يجوز في حق النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّهُ معصوم، وقد تكلم العلماء في عدم جواز ذلك في حقه صلى الله عليه وسلم، ينظر: الشفا للقاضي عياض 2/ 124: 133، زاد المسير 5/ 441: 443، القرطبي 12/ 81: 86، تذكرة الموضوعات ص 82.

(2)

وقال ابن عطية: "اللام في قوله: {لِيَجْعَلَ} متعلقة بقوله: "فَيَنْسَخُ"، المحرر الوجيز 4/ 129، وقال أبو حيان: "والظاهر أنها للتعليل"، البحر المحيط 6/ 353، وينظر: الدر المصون 5/ 160.

(3)

قاله المبرد فيما حكاه عنه النحاس في إعراب القرآن 3/ 104.

ص: 259

عَقِيمًا لأنَّهُ لم يَكُنْ للكفار فيه بركةٌ ولا خَيْرٌ، فهو كالرِّيح العقيم التِي لا تأتي بِخَيْرٍ

(1)

.

قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} يعني: المطرَ {فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً (63)} يعني: بالنبات.

ورَفَع {فَتُصْبِحُ} لأنّ ظاهرَ الآية استفهامٌ ومعناه الخبر، مجازها: اعلَمْ يا محمد أنّ اللَّه يُنزِلُ من السماء ماءً فتصبحُ الأرض مخضَرّةً

(2)

، وإن شئت قلت: قد رأيتَ أنّ اللَّه أنزل من السماء ماءً، كقول الشاعر:

19 -

أَلمْ تَسْأَلِ الرَّبْعَ القَواءَ فيَنْطِقُ

وهلْ تُخْبِرَنْكَ اليَوْمَ بيْداءُ سَمْلقُ؟

(3)

(1)

ينظر: معاني القرآن للنحاس 4/ 428.

(2)

قال سيبويه: "وسألته [يعني الخليل] عن {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً}، فقال: هذا واجب، وهو تنبيه كأنك قلت: "أتسمع أن اللَّه أنزل من السماء ماءً فكان كذا وكذا؟ "، الكتاب 3/ 40، وينظر: المقتضب 2/ 19، معاني القرآن وإعرابه 3/ 436، الإغفال 1/ 378، المسائل المنثورة ص 147.

(3)

البيت من الطويل لجميل بثينة، ويُرْوَى:"الربع الخلاء"، ويُرْوَى "الربع الخواء"، ويُرْوَى "الربع القديم"، ويُرْوَى "صملق" بالصاد.

اللغة: القَواءُ: المُقْفِرُ الخالي، البيداء: المفازة لا شيء فيها، السملق والصملق بالسين والصاد: القاع الأملس لا شجر فيه، والشاهد فيه: رفع "ينطق" الواقع بعد الفاء على الاستئناف والقطع.

التخريج: ديوانه ص 145، الكتاب 3/ 37، معاني للفراء 1/ 27، 2/ 229، معاني القرآن وإعرابه 3/ 436، شرح أبيات سيبويه 2/ 187، الحلل ص 263، 350، 364، ذكر الفرق بين الأحرف الخمسة ص 335، شرح الجمل لطاهر بن أحمد 1/ 310، شرح المفصل 7/ 36، 37، عين المعاني ورقة 87/ أ، رصف المباني ص 378، 385، اللسان: حدب، سملق، الجنى الداني ص 76، مغني اللبيب ص 222، شرح شواهد المغني ص 474، همع الهوامع 2/ 308، 3/ 163، خزانة الأدب 8/ 524، 525.

ص: 260

معناه: قد سألته فنَطَق

(1)

.

قوله تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} قال ابن عباس: يريدُ: قد علمتَ وأيقنتَ ذلك، وهذا استفهامٌ يُراد به التقريرُ {إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ} يعني: ما يجري في السماء والأرض كلُّ ذلك مكتوبٌ في اللوح المحفوظ {إِنَّ ذَلِكَ} يعني: عِلمَه بجميع ذلك {عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (70)} سهلٌ لا يتعذَّر عليه العلمُ به.

قوله تعالى: {أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ} يعني: القرآنَ الذي يُتلى عليهم فيكرهون سماعَه، ثم قال:{النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا} ؛ أي: يُصيِّرُهم إليها {وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (72)} ، وفي رَفْع النار وجهان، أحدُهما: بالابتداء، والثاني: أن تكونَ خبرَ ابتداءٍ محذوف تقديرُه: هو النار

(2)

، ومن قرأ:{النَّارِ} بالخفض، فعلى: البدل من قوله: {بِشَرٍّ} ، ومن قَرأَ بالنَّصب

(3)

نَصبَها بإضمار فعل تقديره: وُعِدَ النارَ وعدها.

قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} يعني: المشركين يَدْعُونَ الأصنام، وكانت ثلاثَمائة وستينَ صنمًا حول الكعبة {لَنْ يَخْلُقُوا

(1)

قاله الفراء في معاني القرآن 2/ 229، وينظر: إعراب القرآن للنحاس 3/ 105، مشكل إعراب القرآن لمكي 2/ 100.

(2)

في الأصل: "هي النار"، وإذا جعل لفظ "النار": مبتدأً فخبره جملة "وَعَدَها اللَّهُ"، وإذا كان خبر مبتدأ محذوف فجملة "وَعَدَها اللَّهُ" خبرٌ ثانٍ أو مستأنفة، ينظر: معانِي القرآن وإعرابه 3/ 438، إعراب القرآن 3/ 105، الكشاف 3/ 22، البحر المحيط 6/ 359.

(3)

قرأ بالخفض ابنُ أبي إسحاق وإبراهيمُ بنُ نوح عن قتيبة، وقرأ بالنصب ابنُ أبي عبلة وزيدُ ابنُ عَلِيٍّ وإبراهيمُ بنُ يوسف عن الأعشى، ينظر: إعراب القرآن 3/ 105، تفسير القرطبي 12/ 96، البحر المحيط 6/ 359.

ص: 261

ذُبَابًا} مع صِغَره وقلّته {وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا} مما عليهم، وذلك أنّهم كانوا يَطْلُونَ أصنامَهم بالزَّعفران فتَجِفُّ، فتأتي الذُّباب فتختلسه.

وقيل: كانوا يجعَلون للأصنام طعامًا فيقعُ عليه الذُّباب، فيأكل منه فلا يقدِرون أن يستردُّوه من الذباب، فذلك قوله تعالى:{لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ} وفي الآية معنى الشَّرط والجزاء.

ثم قال تعالى: {مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73)} قيل: الطالب: الصَّنم، وقيل: المطلوب: الذُّباب، وقيل: الطالبُ: الكافرُ؛ لأنَّهُ طَلَب إلى هذا الصنم التقرُّبَ إليه، والمطلوب: الصَّنم؛ أي: ضَعُف العابدُ والمعبود.

ثم قال: {مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} ؛ أي: ما عظَّموه حقَّ عظَمته حيث جعلوا هؤلاءِ الأصنامَ شُركاءَ له {إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ} على خَلْقِه {عَزِيزٌ (74)} في مُلكِه.

وقوله -تعالى عز وجل: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} يريدُ: جميعَ أعمال الطاعة، وهو منصوبٌ على المصدر، وحقُّ الجهاد أن يكون بنيّةٍ صادقة خالصة للَّه، {هُوَ اجْتَبَاكُمْ}؛ أي: اختاركم واصطفاكم لديه {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} ؛ أي: ضِيقٍ، قيل: أراد الرُّخَصَ عند الضرورات كالقَصْرِ والتَّيَمُّمِ وأكل المَيْتة والإفطار عندَ المرض والسفر، وهذا قولُ مُقاتلٍ

(1)

(1)

مقاتل بن سليمان بن بشير الأزدي بالولاء أبو الحسن البلخي من أعلام المفسرين، أصله من بلخ، انتقل إلى البصرة، ودخل بغداد فحدث بها، وتوفِّي بالبصرة سنة (150 هـ)، كان متروك الحديث، من كتبه: التفسير الكبير، نوادر التفسير، الناسخ والمنسوخ. [سير أعلام النبلاء 7/ 201، الأعلام 7/ 281].

ص: 262

والكلبِيِّ، واختيارُ الزَّجّاجِ

(1)

، وقال ابنُ عباس

(2)

: الحَرَج: ما جُعِل على بني إسرائيلَ من الإصرِ والشدائد التي كانت عليهم، وَضَعَها اللَّه عن هذه الأُمةِ رحمةً منه وتفضيلًا عليهم ليزدادوا شكرًا.

قوله: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} : هو نصبٌ على الإغراءِ والأمر؛ أي: الْزَمُوا واتَّبِعُوا مِلّةَ أبيكم إبراهيم، وهذا قولُ الأخفش والمبرّد

(3)

والزَّجّاج

(4)

.

وقال الفَرّاء

(5)

: هو نصبٌ بنَزْع حرفِ الصِّفة؛ أي: كمِلّةِ أبيكم، ومعناه حُرمةُ إبراهيمَ على المسلمين كحُرمة الوالد، كما قال تعالى:{وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ}

(6)

، وقال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"أنا لكم مِثْلُ الوالد"

(7)

، والخطابُ إن كان للعرب خاصةً فإبراهيمُ عليه السلام أبو العرب قاطبةً، وإن كان الخطابُ عامًّا فهو أبو المسلمين كافةً؛ لأنّ حُرمتَه وحقَّه عليهم كحقِّ الوالد، وأُمِرنا باتّباع مِلّته؛ لأنها داخلةٌ في مِلّةِ محمد صلى الله عليه وسلم.

وقوله: {هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ} يعني: أنّ اللَّهَ سمّاكم بهذا الاسم من قبلِ إنزال القرآن في الكتُب التي أُنزِلت قبلَه، وقيل: معنى قوله: {مِنْ قَبْلُ}

(1)

معاني القرآن وإعرابه 3/ 440.

(2)

ينظر قوله في معاني القرآن للنحاس 4/ 435.

(3)

ينظر قوله في الكشف والبيان 7/ 36، الوسيط 3/ 282.

(4)

معاني القرآن وإعرابه 3/ 440.

(5)

معاني القرآن 2/ 231، وحرف الصفة مصطلح كوفي يراد به حرف الجر.

(6)

الأحزاب 6.

(7)

هذا جزء من حديث رواه الإمام أحمد عن أبي هريرة في المسند 2/ 250، والدارمي في سننه 1/ 172، 173 كتاب الصلاة. والطهارة/ باب الاستنجاء بالأحجار، وابن ماجه في سننه 1/ 114 كتاب الطهارة/ باب الاستنجاء بالحجارة.

ص: 263

يريد: في أُمِّ الكتاب، وقال الحَسَن

(1)

: معناه: إبراهيمُ سماكم المسلمينَ بقوله: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ}

(2)

، فإبراهيمُ سأل اللَّهَ هذا الاسم. {وَفي هَذَا} يعني: القرآن {لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ} بالتبليغ {وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} أنّ الرُّسُلَ بَلَّغَتْهُم، نظيرُها قولُه تعالى:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا. . . .} الآيةَ

(3)

.

قوله: {فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ} ؛ أي: سَلُوا رَبَّكُم أن يعصِمَكم من كلِّ ما يَسْخَطُ ويَكْرَهُ، وقيل: تمسَّكوا بدِين اللَّه، وقيل: اتقوا اللَّه، {هُوَ مَوْلَاكُمْ} ناصرُكم والذي يتولَّى أمورَكم، {فَنِعْمَ الْمَوْلَى}؛ أي: نعم المولى لكم {وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)} هو لكم يَنصُرُكم على أعدائكم، وباللَّه التوفيق.

* * *

(1)

ينظر قوله في عين المعاني ورقة 87/ ب، وحكاه القرطبي عن ابن زيد في تفسيره 12/ 101.

(2)

البقرة 128.

(3)

البقرة 143.

ص: 264