المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

قوله: {وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا} أي: - البستان في إعراب مشكلات القرآن - جـ ١

[ابن الأحنف اليمني]

فهرس الكتاب

- ‌كلمة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية

- ‌مقدِّمة

- ‌ومن الأسباب التي دفعَتْني إلى تحقيق هذا الكتاب:

- ‌الجِبْلِيُّ وكتابُهُ "البُسْتانُ في إِعرابِ مُشْكِلاتِ القُرْآنِ

- ‌الفصل الأول الجِبْلِيُّ - حياتُهُ وآثارُهُ

- ‌المبحث الأول كُنْيتُه واسْمُهُ ونَسَبُه ولقَبُه

- ‌1 - كُنْيته واسْمُهُ ونَسَبُه:

- ‌2 - لقَبُه:

- ‌المبحث الثاني مولدُه

- ‌المبحثُ الثالث عصرُه

- ‌1 - الحياةُ السياسيّة:

- ‌2 - الحياةُ العِلميّة:

- ‌3 - المدارس التي أُنشئت في مدينة جِبْلةَ:

- ‌4).4 -اهتمامُ الدّولة الرَّسُوليّة بالعلم والعلماء:

- ‌5 - تأثُّر اليمنيِّين بالنَّحوِّيين المَشارِقة والمصريِّين:

- ‌المبحث الرابع شيوخه وتلاميذه

- ‌1 - شيوخه:

- ‌2).2 -تلاميذُه

- ‌المبحثُ الخامس مَنْزلةُ الجِبْليِّ العلميّةُ وثناءُ العلماءِ عليه

- ‌المبحثُ السادس آثارُه ووفاتُه

- ‌1 - آثاره:

- ‌2 - وفاتُه:

- ‌المبحثُ السابع موقفُ الجِبْليِّ من أصول النَّحو

- ‌المطلبُ الأول: موقفُه من السَّماع:

- ‌أولًا: موقفُه من الاستشهاد بالقرآن الكريم وقراءاتِه

- ‌1 - موقفه من القراءاتِ الصّحيحة:

- ‌أ - ارتضاء الجِبْلِيِّ القراءاتِ الصحيحةَ:

- ‌ب - اعتراضاتٌ للجِبْلِيِّ على قراءاتٍ صحيحة:

- ‌جـ - مفاضلةُ الجِبْليِّ بين قراءاتٍ صحيحة:

- ‌2 - موقفُ الجِبْلي من القراءات الشّاذّة:

- ‌3 - نظراتٌ في استشهاد الجِبْلِّي بالقراءات:

- ‌ثانيًا: موقفُ الجِبْليِّ من الاستشهاد بالحديث:

- ‌ثالثًا: موقفُ الجِبْليِّ من الاستشهاد بكلام العرب

- ‌أولًا- استشهاد الجِبْليِّ بالأمثال والأقوال:

- ‌ثانيًا - استشهاد الجِبْليِّ بالشعر:

- ‌ نظراتٌ في استشهاد الجِبْليِّ بالشعر:

- ‌ مآخذُ على استشهاد الجِبْلي بالشِّعر:

- ‌المطلب الثاني: موقفُ الجِبْلي من القياس:

- ‌ القياسُ عند الجِبْلي:

- ‌المطلبُ الثالث: موقفُ الجِبْلي من الإجماع

- ‌المبحثُ الثامن مذهبُه النَّحْويُّ واختياراتُه

- ‌فمن أمثلة ما اختار فيه مذهبَ البصريِّين:

- ‌ومما اختار فيه مذهبَ الكوفيِّين:

- ‌الفصلُ الثاني كتابُ البُستان في إعرابِ مشكلاتِ القرآن

- ‌المبحث الأول عنوانُ الكتاب، وتوثيق نِسبتِهِ للجِبْلي، وموضوعُه

- ‌المطلبُ الأول: عُنوانُ الكتاب:

- ‌المطلبُ الثاني: توثيق نِسبتِهِ للجِبْلي:

- ‌المطلبُ الثالث: موضوعه:

- ‌المبحثُ الثاني مصادرُه

- ‌أولًا: مصادرُ بصَرْيّةٌ، ومنها:

- ‌ثانيًا: مصادرُ كوفيّة، ومنها ما يلي:

- ‌ثالثًا: مصادرُ بغداديّةٌ:

- ‌رابعًا: مصادرُ مِصريّة:

- ‌خامسًا: مصادرُ أخرى:

- ‌المبحثُ الثالث منهجُ الجِبْليِّ في البستان

- ‌1 - خُطّةُ الكتاب:

- ‌2 - نُقولُه عن العلماء:

- ‌3 - اهتمامُه باللغة:

- ‌4 - اهتمامُه بتوضيح التصحيف:

- ‌5 - استطرادُه في ذكر أشياءَ بعيدةٍ عن موضوع الآية التي يشرحها:

- ‌6 - ترْكُه آياتٍ بدون إعراب أو شرح:

- ‌7 - تأثُّرُه بِلُغةِ الفقهاءِ والمتكلِّمين:

- ‌9 - أشعارٌ في الزهد والحِكمة:

- ‌المبحثُ الرابع المصطَلحاتُ النَّحوّية في البستان

- ‌المبحثُ الخامس العلّة النَّحويّةُ في البستان

- ‌العلّة البسيطةُ والمركَّبة:

- ‌أولًا- العِلَلُ البسيطة:

- ‌ثانيًا- العِلَل المُركَّبة:

- ‌المبحثُ السادس ملحوظاتٌ على الكتاب

- ‌أولًا: ملحوظاتٌ على المنهج:

- ‌أ- أخطاءٌ في النُّقول عن العلماء:

- ‌ب - آراءٌ منسوبةٌ خطأً:

- ‌جـ - نَقْلُهُ عن العلماء من كتُبِ غيرِهم:

- ‌ثانيًا: ملحوظات على الأسلوب:

- ‌1 - إيهامُ كلامِه خلافَ المراد:

- ‌2 - وقوعُ التناقُض في كلامه:

- ‌3 - ملحوظاتٌ نَحْويّة:

- ‌خاتمةُ الدِّراسة

- ‌ التحقيق

- ‌1 - وصفُ نُسخةِ المخطوط

- ‌2 - منهَجُ التحقيق

- ‌3 - نماذج مصوَّرة من المخطوط

- ‌سورةُ الأنبياء عليهم السلام

- ‌بابُ ما جاء في فَضْل قراءتها

- ‌بابُ ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصلٌ

- ‌فصلٌ

- ‌فصل

- ‌فصلٌ

- ‌فصلٌ

- ‌سورةُ الحجِّ

- ‌بابُ ما جاء في فضل قراءتها

- ‌بابُ ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصلٌ

- ‌فصلٌ

- ‌‌‌فصلٌ

- ‌فصلٌ

- ‌فصلٌ

- ‌سورةُ المؤمنين

- ‌بابُ ما جاء في فَضْل قراءتها

- ‌بابُ ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصلٌ

- ‌فصلٌ في معنى الآية

- ‌فصلٌ

- ‌فصلٌ في ذِكْرِ وجوهِ الحكمةِ في خَلْقِ اللَّهِ تعالى الخَلْقَ على الاختصار

- ‌سورةُ النُّور

- ‌بابُ ما جاء في فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصلٌ

- ‌فصلٌ

- ‌فصل

- ‌فصلٌ

- ‌فصلٌ

- ‌فصلٌ في معنى المشكاةِ والمِصباح والزَّجاجة والشَّجرة

- ‌فصلٌ

- ‌فصلٌ

- ‌فصل

- ‌فصلٌ

- ‌سورةُ الفرقان

- ‌بابُ ما جاء في فَضْل قراءتها

- ‌بابُ ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصلٌ

- ‌فصلٌ

- ‌فصلٌ

- ‌فصلٌ

- ‌سورةُ الشُّعراء

- ‌بابُ ما جاء في فَضْل قراءتها

- ‌بابُ ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصلٌ

- ‌فصل

- ‌سورةُ النمل

- ‌باب ما جاء في فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌سورةُ القَصَص

- ‌باب ما جاء في فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

الفصل: قوله: {وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا} أي:

قوله: {وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا} أي: أحضرناها، قَرأَ أهلُ المدينة المثقالَ بالرَّفع

(1)

، بمعنى: وإنْ وَقَعَ، وحينئذٍ لا خَبَرَ لها

(2)

، وقَرأَ الباقون بالنَّصب على معنى: وإن كان ذلك الشيءُ مِثْقالَ حبةٍ، يعني: العمل، وقيل: الظُّلَامة، ومثله في سورة لقمان

(3)

.

قوله: {وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} ؛ أي: مُحاسِبين وكافِيَن ومُطالِبين ومُجازِين وشاهدين ومُحصِين، والحَسْبُ معناه: العَدُّ، وقال ابن عباس: عالِمينَ حافظين، وذلك أن من حَسَبَ شيئًا عَلِمَهُ وحَفِظَهُ، وهو منصوبٌ على الحال أو التمييز

(4)

.

‌فصل

عن حُذَيفةَ بن اليمان، قال: إنّ جِبريلَ عليه السلام صاحبُ الميزان يوم القيامة، يقول له ربُّه: زِنْ بينَهم، ورُدَّ من بعضهم على بعض -ولا ذَهَبٌ يومئذٍ ولا فِضّةٌ- فيَرُدُّ على المظلوم من الظالم ما وَجَدَ له من حسناتٍ، فإن لم تكن له حسنةٌ أَخَذَ من سيئاتِ المظلوم فيَرُدُّ على الظالم، فيرجع وعليه مثلُ الجبال

(5)

.

(1)

هذه قراءة نافع وأبِي جعفر وزيد بن عَلِيٍّ وشيبةَ، ينظر: السبعة ص 429، تفسير القرطبي 11/ 294، البحر المحيط 6/ 294، إتحاف فضلاء البشر 2/ 264، 265.

(2)

لأنها تامة، ينظر: معاني القرآن وإعرابه 3/ 394، البحر المحيط 6/ 294.

(3)

يشير إلى قوله تعالى: {يَابُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ} [لقمان: 16]، فقد قرأ نافع وأبو جعفر والأعرج برفع المثقال، وقرأ الباقون بالنصب، ينظر: السبعة لابن مجاهد ص 513، البحر المحيط 7/ 182، إتحاف فضلاء البشر 2/ 362. وانظر ما يأتي ص 2/ 58 من هذا الكتاب.

(4)

ينظر: معاني القرآن وإعرابه 3/ 394، وقال أبو حيان:"والظاهر أن {حَاسِبِينَ}: تَمييزٌ لِقَبُولِهِ: "مِنْ"، ويجوز أن يكون حالًا"، البحر المحيط 6/ 295.

(5)

رواه ابن الجوزي في زاد المسير 3/ 171، وينظر: القرطبي 7/ 167، 11/ 293، فتح الباري 11/ 344، 13/ 450، الدر المنثور 3/ 69.

ص: 192

قوله: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ} يعني: التَّوراةَ التي تفرِّق بين الحلال والحرام {وَضِيَاءً وَذِكْرًا} أي: ضياءً، والواو هاهنا زائدة

(1)

لا موضعَ لها؛ لأنها دخلت حَشْوًا، ومنه قولُ امرئ القيس:

7 -

فَلَمّا أَجَزْنا ساحةَ الحَيِّ وانْتَحَى

بِنا بَطْنُ خَبْتٍ ذِي قِفافٍ عَقَنْقَلِ

(2)

معناه: انتحى، فأُدخلت الواو حشوًا وإقحامًا، هكذا قاله الخليل

(3)

.

(1)

الأَوْلَى أن يقول: "والواو صِلةٌ" تأدُّبًا مع القرآن الكريم، وقد قرأ ابن عباس وعكرمة والضحاك:{ضِيَاءً} بغير واو، ينظر: المحتسب 2/ 64، عين المعاني ورقة 84/ أ، تفسير القرطبي 11/ 295، البحر المحيط 6/ 295.

(2)

البيت من الطويل من معلقته، ورواية العَجُزِ في الديوان:

بِنا بَطْنُ حِقْفٍ ذِي رُكامٍ عَقَنْقَلِ

اللغة: أجزنا: سِرْنا وقطعنَا، انتحى له الشيء: اعترض، الخبت: ما اطمأن من الأرض واتسع، والخبت: صحراء بين المدينة والحجاز، القفاف: جمع قُفِّ وهو: ما غلظ من الأرض وارتفع، العقنقل: الكثيب العظيم المتداخل الرمل.

والشاهد فيه: زيادة الواو في جواب "لَمّا" على مذهب الكوفيين، وأما البصريون فإنهم يقولون: الواو غير زائدة، وإنما هي عاطفة وجواب "لَمّا" محذوف تقديره مثلًا: فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى. . . . خَلَوْنا وَنَعِمْنا.

التخريج: ديوانه ص 15، معاني القرآن للفراء 2/ 50، 211، أدب الكاتب ص 273، إعراب القراءات السبع 2/ 258، الأزهية ص 234، البيان للأنباري 2/ 35، الإنصاف ص 457، 460، عين المعاني 84/ ب، 112/ أ، رصف المباني ص 425، شرح الكافية 4/ 416، اللسان: جوز، خزانة الأدب 11/ 43 - 45، 47.

(3)

ينظر: ما حكاه المؤلف هنا عن الخليل في كتاب الجمل المنسوب له ص 288، والمؤلف هنا وافق الكوفيين وبعض البصريين كالأخفش وابن بَرْهانَ الذين أجازوا زيادة الواو، وأما جمهور البصريين فإنهم لا يجيزون زيادتها ويقولون: إنها حرف جاء لمعنى فلا يجوز الحكم بزيادته، ينظر: معانِي القرآن للفراء 2/ 205، 211، معانِي القرآن للأخفش ص 125، 141، 457، تأويل مشكل القرآن ص 252 - 254، معانِي القرآن وإعرابه 3/ 394، =

ص: 193

وهو نصبٌ على الحال

(1)

، و {وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ (48)} عطفٌ عليه؛ أي: أنهم يذكرونه، ويعملون بما فيه، ويتَّعظون بمواعظه، وقيل

(2)

: هو من صفة التوراة، مثلَ قوله:{فِيهَا هُدًى وَنُورٌ}

(3)

، والمعنى: أنهم استضاءُوا بها حتى اهتدَوْا في دينهم، وقيل

(4)

: معناه: وجَعَلناها ضياءً، وأراد بالفُرقان: فَرْق البحر أو النَّصر أو اليد أو التوراة.

قوله تعالى: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57)} الكيد: المكر، يقال: كادَهُ يَكِيدُهُ كَيْدًا ومَكِيدةً، والمكرُ هو: الاحتيال والخديعة، ونصب "مُدْبِرِينَ" على الحال.

قوله: {فَجَعَلَهُمْ} يعني: الأصنام {جُذَاذًا} الجَذُّ: القَطْعُ والكَسْرُ، والجُذاذُ: قِطَعُ ما كُسِّرَ، الواحدة: جُذاذةٌ، وهو مثل الحُطامِ والرُّفاتِ والدُّقاقِ، وقَرَأ الكِسائيُّ بكسر الجيم

(5)

على أنه جَمْعُ جَذِيذٍ، مثل: ثقيل وثِقالٍ، وخفيف

= إعراب القرآن للنحاس 3/ 72، 73، الإنصاف ص 456، شرح الكافية للرضي 4/ 416، 417، خزانة الأدب 11/ 43 - 45.

(1)

هذا على أن الواو زائدة، وأما على مذهب البصريين قالواو عاطفة، و {ضِيَاءً} معطوف على {الْفُرْقَانَ} الذي هو مفعول ثانٍ لـ {آتَيْنَا} ، ينظر: معاني القرآن للفراء 2/ 205، البيان للأنباري 2/ 163، الدر المصون 5/ 91.

(2)

قاله الواحدي في الوسيط 3/ 241، وهذا راجع إلى رأي البصريين في أن الواو عاطفة، ومعنى قوله:"هو من صفة التوراة" أنه من باب عطف الصفات، ينظر: معانِي القرآن وإعرابه 3/ 394، 395، وقال السمين الحلبي:"يجوز أن يكون من باب عطف الصفات، فالمراد به شيء واحد، أي: آتيناه الجامع بين هذه الأشياء". الدر المصون 5/ 91.

(3)

المائدة 44.

(4)

أي: أن {ضِيَاءً} مفعول بفعل محذوف، وهذا أيضًا يتوجه على رأي البصريين.

(5)

وبها قرأ أيضًا الأعمشُ في روايةٍ عنه، وابنُ محيصن وابنُ مقسم وأبو حيوة وحميدٌ وابنُ =

ص: 194

وخِفافٍ

(1)

، والجَذيذ بمعنى المجذوذ، وهو المكسور

(2)

.

ثم استثنى كبيرَ الأصنام، فقال:{إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ} يعني: كَسَّرَ الأصنامَ إلا كبيرَها {لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (58)} الهاء عائدةٌ على إبراهيم عليه السلام

(3)

أي: يرجِعون إلى دينه، وإلى ما يدعوهم إليه من عبادة ربه، لوجوب الحُجّة عليهم في عبادة ما لا يَدفَع عن نفسه.

قوله تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ} يعني: لإبراهيم عليه السلام {إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً} أي: زيادةً، والنافلة: ما كان زيادةً على الفرض، ويقال لولَد الولد: نافلةٌ لأنه زيادةٌ علي الولد؛ لأنّ إبراهيم عليه السلام دعا بإسحاقَ فاستُجيب له وزِيدَ يعقوبَ عليه السلام، و {نَافِلَةً} نصبٌ على المصدر

(4)

.

قوله: {وَكُلًّا} يعني: إبراهيمَ ويعقوبَ {جَعَلْنَا صَالِحِينَ (72)} يريد:

= وثابٍ، ينظر: السبعة ص 429، تفسير القرطبي 11/ 297، النشر 2/ 324، البحر المحيط 6/ 301، الإتحاف 2/ 265.

(1)

ينظر: معاني القرآن للفراء 2/ 206، تفسير غريب القرآن لابن قتيبة ص 286، معاني القرآن وإعرابه 3/ 395، 396، تهذيب اللغة 10/ 469، تفسير غريب القرآن للسجستاني ص 105، شمس العلوم 2/ 943.

(2)

ينظر: إعراب القراءات السبع 2/ 63، الوسيط 3/ 242، عين المعاني ورقة 84/ أ.

(3)

يعني الهاء في {إِلَيْهِ} وهذا قول الزجاج، وقيل: هي عائدة على {كَبِيرُهُمْ} ، ينظر: معاني القرآن وإعرابه 3/ 396، زاد المسير 5/ 358، البحر المحيط 6/ 301، عين المعاني ورقة 84/ أ، الدر المصون 5/ 95.

(4)

الأرجح أن {نَافِلَةً} منصوب على الحال؛ لأنه بمعنى الزيادة وهي يعقوب، أما ما ذكره المؤلف من انتصابه على المصدر فيتجه على أن النافلة بمعنى العطية، فيكون مصدرًا من معنى العامل {وَهَبْنَا} ؛ لأن الهبة والعطية متقاربان، فهو مصدر كالعاقبة والعافية، ينظر: التبيان للعكبري ص 922، البحر المحيط 6/ 305، الدر المصون 5/ 99.

ص: 195

أنبياءً عاملينَ بطاعة اللَّه عز وجل، ونصب "كُلَّا" بـ "جعلنا"

(1)

.

قوله: {وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا} ؛ أي: وآتينا لوطًا، وقيل: هو منصوبٌ بإضمار فعل، تقديرُه: وأرسَلْنا لوطًا، وقيل: معناه: واذكر لوطًا

(2)

{آتَيْنَاهُ حُكْمًا} يعني: النُّبوةَ، وقيل: الفصل بين الخصوم بالحق {وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ} ؛ أي: من أهل القرية {الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ} وهي سَدُومُ، وكان أهلُها يأتُون الذُّكرانَ في أدبارهم، ويتضارَطون في أنديتِهم، معَ أشياءَ أُخَرَ كانوا يعملونها من المنكرات {إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ (74)} خارجين عن الطاعة مُصِرِّينَ على المعصية.

قولُه تعالى: {وَنُوحًا} ؛ أي: واذكُرْ نوحًا

(3)

{إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ} يعني: من قبلِ إبراهيمَ ولوطٍ؛ لأنه كان قبلَهما، دعا على قومه بالهلاك فقال:{رَبِّ لَا تَذَرْ أَنهَارًا. . .} الآيةَ

(4)

، {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ} وأتباعَه، يعني: من كان معه في سفينته {مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76)} يعني: الغرقَ يومَ الطُّوفان، والكربُ: أشدُّ الغمّ.

قوله: {وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ

(1)

{كُلا} : مفعول أول لـ {جَعَلنَا} والمفعول الثاني {صَالِحِينَ} ، ينظر: التبيان للعكبري ص 922، الدر المصون 5/ 99.

(2)

ينظر في هذه الأوجه: معانِي القرآن للفراء 2/ 207، 208، معانِي القرآن وإعرابه 3/ 398، 399، إعراب القرآن للنحاس 3/ 75، البيان للأنباري 2/ 163، عين المعاني ورقة 84/ أ.

(3)

أي أنه منصوب بفعل مضمر، ينظر: معاني القرآن للفراء 2/ 208، معاني القرآن وإعرابه 3/ 399، ويجوز أن يكون معطوفًا على {لوطا} في قوله:{وَلُوطًا آتَيْنَاهُ} ، ينظر: إعراب القرآن للنحاس 3/ 75، الدر المصون 5/ 100.

(4)

نوح 26.

ص: 196

أَجْمَعِينَ (77)} قيل: مَنَعْناهُ من القوم الذين كذَّبوا بآياتنا

(1)

، وقيل:"مِن" هاهنا بمعنى "عَلَى"

(2)

أي: ونصرناه على القوم، نَصْب "أجمعين" لأنه توكيدٌ للمضمر، وهو الهاء والميم، وهما في موضع نصب.

قوله تعالى: {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ} ؛ أي: واذكُرْ يا محمدُ داودَ وسليمانَ {إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ} قيل: كان الحرث زرعًا، وقيل: كان كَرْمًا قد نَبَتَتْ عناقيدُهُ وتَدَلَّتْ {إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ} ؛ أي: رَعَتْهُ ليلًا فأفسدته، والنَّفَشُ: بالليل، والهَمَلُ: بالنهار، وهما الرَّعْيُ بلا راعٍ.

"ولم ينصرفْ داودُ لأنه اسمٌ أعجميٌّ لا يَحسُن فيه الألف واللام، ولم ينصرف سُليمانُ لأنّ في آخِره ألفا ونونًا زائدتَيْن"

(3)

.

قوله: {وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78)} يعني: داودَ وسُليمانَ وأصحابَ الغنم وصاحبَ الكَرْم

(4)

، وقال الفراء

(5)

: إنما جَمَع اثنَيْنِ فقال: {لِحُكْمِهِمْ}

(1)

هذا على رأي البصريين، وهو أن {نَصَرْنَا} ضُمِّنَ معنى "مَنَعْنا"، لأنهم لا يجيزون نيابة حروف الخفض بعضها عن بعض، ينظر: الكشاف 1/ 579، التبيان للعكبري ص 923، البحر المحيط 6/ 306، المساعد 2/ 248، الدر المصون 5/ 101.

(2)

هذا على رأي الكوفيين والأخفش وابن قتيبة وكثير من المتأخرين في أن حروف الخفض ينوب بعضها عن بعف، ينظر: معاني القرآن للأخفش ص 46، تأويل مشكل القرآن ص 577، تفسير القرطبي 11/ 307، البحر المحيط 6/ 306، المساعد 2/ 248، وقد قرأ أُبَيٌّ:{وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ} ، مفاتيح الغيب 22/ 194.

(3)

من أول قوله: "وَلَمْ ينصرف داود" إلى هنا قاله النحاس في إعراب القرآن 3/ 75.

(4)

أي: أن الضمير عائد إلى جمع، وهذا رأي الطبري والكرمانِي، ينظر: جامع البيان 17/ 67، غرائب التفسير وعجائب التأويل للكرمانِي 1/ 744، وينظر أيضًا: الكشاف 1/ 579، زاد المسير 5/ 371.

(5)

معاني القرآن 2/ 208.

ص: 197

وهو يريد داودَ وسُليمان؛ لأنّ الاثنَيْنِ جمع، وهو مثل قوله:{فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ}

(1)

وهو يريد أخوَيْنِ.

وقوله: {شَاهِدِينَ} ؛ أي: لم يغب عنا من أمرهم شيء.

قوله: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} يعني: الحكومة، كُنِّي عنها لأنه سَبَق ما يدلُّ عليها من ذكر الحُكم. {وَكُلًّا آتَيْنَا} يعني: داودَ وسليمان {حُكْمًا} نبوةً {وَعِلْمًا} بأمور الدين، ونصب {وَكُلًّا} بـ {آتَيْنَا} .

قوله: {وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ} التقدير: وسخَّرنا الجبالَ يسبِّحن مع داود، وهو أنه كان إذا وَجَد فترةً أَمَرَ الجبالَ فسبَّحت حتى يشتاق هو فيسبح، وقال وَهْب

(2)

: كانت الجبال تجاوبه بالتسبيح، وكذلك الطير.

قوله: {وَالطَّيْرَ} معطوفٌ على الجبال، ويجوز أن يكون بمعنى: مع الطير، كما تقول: التقى الماءُ والخشبةَ

(3)

، قال الزَّجّاج

(4)

: ويجوز: {وَالطَّيْرَ} بالرفع بمعنى: يسبِّحن هن والطيرُ.

(1)

النساء 11.

(2)

وهب بن منبه بن كامل الأبناوي الصنعاني الذماري أبو عبد اللَّه، مؤرخ كثير الإخبار عن الكتب القديمة، ويُعَدُّ في التابعين، أصله من أبناء الفرس الذين بعث بهم كسرى إلى اليمن، ولد بصنعاء وَوَلَّاهُ عُمَرُ بن عبد العزيز قضاءها، وتوفِّي بها سنة (114 هـ). [سير أعلام النبلاء 4/ 557 - 544، الأعلام 8/ 125].

(3)

من أول قوله: "معطوف على الجبال. . . " قاله النحاس بنصه في إعراب القرآن 3/ 75، 76.

(4)

معاني القرآن وإعرابه 3/ 400، ومعنى كلام الزجاج أنه مرفوع بالعطف على الضمير المرفوع المستتر في {يُسَبِّحْنَ} ، وهذا يجوز على رأي الكوفيين، وأما البصريون فإنهم يجيزونه على قبح في ضرورة الشعر، ينظر: الإنصاف ص 474 - 478، وقد قرأ بعضهم:{وَالطَّيْرَ} بالرَّفع، البحر المحيط 6/ 307، الدر المصون 5/ 102.

ص: 198

ثم قال: {وَكُنَّا فَاعِلِينَ (79)} ؛ أي: نَقْدِرُ على ما نريد.

قوله تعالى: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ} ؛ أي: وسخَّرنا لسليمان الريحَ {عَاصِفَةً (81)} يعني: شديدةَ الهبوب، قال ابن عباس: إنْ أَمَرَ الرِّيحَ أَنْ تَعْصِفَ عَصَفَتْ، فإذا أراد أن تُرْخِيَ أَرْخَتْ، وذلك قوله:{رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ}

(1)

. ونَصْب {عَاصِفَةً} : على الحال

(2)

.

والرِّيح: هواءٌ مُحَرِّكٌ، وهو جسمٌ لطيفٌ ممتنع بلُطْفِهِ من القبض عليه، وتَظْهَرُ لِلْحِسِّ حَرَكتُهُ، وهو يُذَكَّرُ ويُؤَنَّثُ

(3)

.

قوله تعالى: {وَأَيُّوبَ} ؛ أي: واذكُرْ أيوب {إِذْ نَادَى رَبَّهُ} ؛ أي: دعا ربه {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ} ؛ أي: أصابني الجَهْد {وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83)} أكثرهم رحمةً {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ} يريد: الأوجاع {وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا} نَصْبٌ علي المصدر، وقيل

(4)

: على المفعول من

(1)

ص 36.

(2)

والعامل فيها فعل مقدر، أي: سخرنا الريح حالط كونها عاصفةً، ينظر: معاني القرآن وإعرابه 3/ 400، التبيان للعكبري ص 924.

(3)

ينظر: المذكر والمؤنث للفراء ص 87، المذكر والمؤنث للسجستاني ص 41، 169، المذكر والمؤنث لابن التستري ص 51، 78، المذكر والمؤنث لابن الأنباري 1/ 256، غير أن الفراء قال: "والرياح كلها إناث، قال: أنشدني بعض بني أسد:

كَمْ مِنْ جِرابٍ عَظِيمٍ جِئْتَ تَحْمِلُهُ

ودُهْنةٍ ريحُها يَغْطِي عَلَى التَّفَلِ

قال: أنشدنيه عِدّةٌ من بني أسد كلهم يقول: "يَغْطِي" فَيُذَكِّرُونَهُ، وكأنهم اجترأوا على ذلك، إِذْ كانت الريح ليس فيها هاء، وربما ذُهِبَ بالريح إلى الأَرَجِ والنشر"، المذكر والمؤنث ص 87، وقال ابن التستري: "فإن ذَكَّرَها شاعر للضرورة فإنما يذهب بها إلى النَّشْرِ، وهو فَغًا لا يجوز في تصاريف الكلام"، المذكر والمؤنث لابن التستري ص 79، والفَغا: الرديء من كل شيء.

(4)

قاله الفراء في معاني القرآن 2/ 209، وينظر: التبيان للعكبري ص 924، البحر المحيط 6/ 310، الدر المصون 5/ 104.

ص: 199