المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فصلٌ عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: "إنّ وَحْشِيًّا - البستان في إعراب مشكلات القرآن - جـ ١

[ابن الأحنف اليمني]

فهرس الكتاب

- ‌كلمة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية

- ‌مقدِّمة

- ‌ومن الأسباب التي دفعَتْني إلى تحقيق هذا الكتاب:

- ‌الجِبْلِيُّ وكتابُهُ "البُسْتانُ في إِعرابِ مُشْكِلاتِ القُرْآنِ

- ‌الفصل الأول الجِبْلِيُّ - حياتُهُ وآثارُهُ

- ‌المبحث الأول كُنْيتُه واسْمُهُ ونَسَبُه ولقَبُه

- ‌1 - كُنْيته واسْمُهُ ونَسَبُه:

- ‌2 - لقَبُه:

- ‌المبحث الثاني مولدُه

- ‌المبحثُ الثالث عصرُه

- ‌1 - الحياةُ السياسيّة:

- ‌2 - الحياةُ العِلميّة:

- ‌3 - المدارس التي أُنشئت في مدينة جِبْلةَ:

- ‌4).4 -اهتمامُ الدّولة الرَّسُوليّة بالعلم والعلماء:

- ‌5 - تأثُّر اليمنيِّين بالنَّحوِّيين المَشارِقة والمصريِّين:

- ‌المبحث الرابع شيوخه وتلاميذه

- ‌1 - شيوخه:

- ‌2).2 -تلاميذُه

- ‌المبحثُ الخامس مَنْزلةُ الجِبْليِّ العلميّةُ وثناءُ العلماءِ عليه

- ‌المبحثُ السادس آثارُه ووفاتُه

- ‌1 - آثاره:

- ‌2 - وفاتُه:

- ‌المبحثُ السابع موقفُ الجِبْليِّ من أصول النَّحو

- ‌المطلبُ الأول: موقفُه من السَّماع:

- ‌أولًا: موقفُه من الاستشهاد بالقرآن الكريم وقراءاتِه

- ‌1 - موقفه من القراءاتِ الصّحيحة:

- ‌أ - ارتضاء الجِبْلِيِّ القراءاتِ الصحيحةَ:

- ‌ب - اعتراضاتٌ للجِبْلِيِّ على قراءاتٍ صحيحة:

- ‌جـ - مفاضلةُ الجِبْليِّ بين قراءاتٍ صحيحة:

- ‌2 - موقفُ الجِبْلي من القراءات الشّاذّة:

- ‌3 - نظراتٌ في استشهاد الجِبْلِّي بالقراءات:

- ‌ثانيًا: موقفُ الجِبْليِّ من الاستشهاد بالحديث:

- ‌ثالثًا: موقفُ الجِبْليِّ من الاستشهاد بكلام العرب

- ‌أولًا- استشهاد الجِبْليِّ بالأمثال والأقوال:

- ‌ثانيًا - استشهاد الجِبْليِّ بالشعر:

- ‌ نظراتٌ في استشهاد الجِبْليِّ بالشعر:

- ‌ مآخذُ على استشهاد الجِبْلي بالشِّعر:

- ‌المطلب الثاني: موقفُ الجِبْلي من القياس:

- ‌ القياسُ عند الجِبْلي:

- ‌المطلبُ الثالث: موقفُ الجِبْلي من الإجماع

- ‌المبحثُ الثامن مذهبُه النَّحْويُّ واختياراتُه

- ‌فمن أمثلة ما اختار فيه مذهبَ البصريِّين:

- ‌ومما اختار فيه مذهبَ الكوفيِّين:

- ‌الفصلُ الثاني كتابُ البُستان في إعرابِ مشكلاتِ القرآن

- ‌المبحث الأول عنوانُ الكتاب، وتوثيق نِسبتِهِ للجِبْلي، وموضوعُه

- ‌المطلبُ الأول: عُنوانُ الكتاب:

- ‌المطلبُ الثاني: توثيق نِسبتِهِ للجِبْلي:

- ‌المطلبُ الثالث: موضوعه:

- ‌المبحثُ الثاني مصادرُه

- ‌أولًا: مصادرُ بصَرْيّةٌ، ومنها:

- ‌ثانيًا: مصادرُ كوفيّة، ومنها ما يلي:

- ‌ثالثًا: مصادرُ بغداديّةٌ:

- ‌رابعًا: مصادرُ مِصريّة:

- ‌خامسًا: مصادرُ أخرى:

- ‌المبحثُ الثالث منهجُ الجِبْليِّ في البستان

- ‌1 - خُطّةُ الكتاب:

- ‌2 - نُقولُه عن العلماء:

- ‌3 - اهتمامُه باللغة:

- ‌4 - اهتمامُه بتوضيح التصحيف:

- ‌5 - استطرادُه في ذكر أشياءَ بعيدةٍ عن موضوع الآية التي يشرحها:

- ‌6 - ترْكُه آياتٍ بدون إعراب أو شرح:

- ‌7 - تأثُّرُه بِلُغةِ الفقهاءِ والمتكلِّمين:

- ‌9 - أشعارٌ في الزهد والحِكمة:

- ‌المبحثُ الرابع المصطَلحاتُ النَّحوّية في البستان

- ‌المبحثُ الخامس العلّة النَّحويّةُ في البستان

- ‌العلّة البسيطةُ والمركَّبة:

- ‌أولًا- العِلَلُ البسيطة:

- ‌ثانيًا- العِلَل المُركَّبة:

- ‌المبحثُ السادس ملحوظاتٌ على الكتاب

- ‌أولًا: ملحوظاتٌ على المنهج:

- ‌أ- أخطاءٌ في النُّقول عن العلماء:

- ‌ب - آراءٌ منسوبةٌ خطأً:

- ‌جـ - نَقْلُهُ عن العلماء من كتُبِ غيرِهم:

- ‌ثانيًا: ملحوظات على الأسلوب:

- ‌1 - إيهامُ كلامِه خلافَ المراد:

- ‌2 - وقوعُ التناقُض في كلامه:

- ‌3 - ملحوظاتٌ نَحْويّة:

- ‌خاتمةُ الدِّراسة

- ‌ التحقيق

- ‌1 - وصفُ نُسخةِ المخطوط

- ‌2 - منهَجُ التحقيق

- ‌3 - نماذج مصوَّرة من المخطوط

- ‌سورةُ الأنبياء عليهم السلام

- ‌بابُ ما جاء في فَضْل قراءتها

- ‌بابُ ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصلٌ

- ‌فصلٌ

- ‌فصل

- ‌فصلٌ

- ‌فصلٌ

- ‌سورةُ الحجِّ

- ‌بابُ ما جاء في فضل قراءتها

- ‌بابُ ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصلٌ

- ‌فصلٌ

- ‌‌‌فصلٌ

- ‌فصلٌ

- ‌فصلٌ

- ‌سورةُ المؤمنين

- ‌بابُ ما جاء في فَضْل قراءتها

- ‌بابُ ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصلٌ

- ‌فصلٌ في معنى الآية

- ‌فصلٌ

- ‌فصلٌ في ذِكْرِ وجوهِ الحكمةِ في خَلْقِ اللَّهِ تعالى الخَلْقَ على الاختصار

- ‌سورةُ النُّور

- ‌بابُ ما جاء في فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصلٌ

- ‌فصلٌ

- ‌فصل

- ‌فصلٌ

- ‌فصلٌ

- ‌فصلٌ في معنى المشكاةِ والمِصباح والزَّجاجة والشَّجرة

- ‌فصلٌ

- ‌فصلٌ

- ‌فصل

- ‌فصلٌ

- ‌سورةُ الفرقان

- ‌بابُ ما جاء في فَضْل قراءتها

- ‌بابُ ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصلٌ

- ‌فصلٌ

- ‌فصلٌ

- ‌فصلٌ

- ‌سورةُ الشُّعراء

- ‌بابُ ما جاء في فَضْل قراءتها

- ‌بابُ ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصلٌ

- ‌فصل

- ‌سورةُ النمل

- ‌باب ما جاء في فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌سورةُ القَصَص

- ‌باب ما جاء في فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

الفصل: ‌ ‌فصلٌ عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: "إنّ وَحْشِيًّا

‌فصلٌ

عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: "إنّ وَحْشِيًّا قاتِلَ حَمْزةَ

(1)

رضي الله عنه كتب إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إنِّي أريد أن أُسلم، ولكنْ منَعَني من الإسلام آيةٌ من القرآنِ أُنزِلت عليك، وهي قوله تعالى:{وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ} ، وإنّي قد فعلتُ هذه الأشياءَ كلَّها، فهل لي من توبة؟ فنزلت هذه الآية:{إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} ، فكتب بذلك النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى وَحْشي، فكتب وَحْشيٌّ إليه: إنّ في الآية لَشرطًا، وهو العمل الصالح، فلا أدري: أأنا أقدِرُ على العمل الصالح أم لا؟ فنزل قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}

(2)

، فكتب بذلك إلى وَحْشي، فكتب وَحْشيٌ إليه: إنّ في الآية شرطًا، فلا أدري: أيشاء أن يغفر لي أم لا؟ فنزل قوله تعالى: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}

(3)

، فكتب النبي صلى الله عليه وسلم بذلك إلى وَحْشي، فلم يجدْ في الآية شرطًا، فقَدِم المدينةَ فأسلم"

(4)

.

(1)

وَحْشِيُّ بن حرب، أبو دسمة الحبشي، مولى بني نوفل، صحابي من أبطال الموالي في الجاهلية، قَتَلَ حمزةَ بن عبد المطلب يوم أُحُدٍ، ثم أسلم وشهد اليرموك، وتوفِّي بحمص سنة (25 هـ). [الإصابة 6/ 470، تهذيب التهذيب 11/ 99، الأعلام 8/ 111].

(2)

النساء 48، 116.

(3)

الزمر 53.

(4)

رواه الطبراني في المعجم الكبير 11/ 157، 158، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 7/ 100، 101 كتاب التفسير: تفسير سورة الزمر، 10/ 214، 215 كتاب التوبة: باب في قوله تعالى: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} .

ص: 396

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: خَرَجْتُ ذاتَ ليلةٍ بعدَ ما صلَّيتُ العشاءَ الأخيرةَ مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فإذا أنا بامرأةٍ منْتقِبة قائمة على الطريق، فقالت: يا أبا هريرة: إني أذنبت ذنبًا عظيمًا، فهل لي من توبة؟ قلت: ما ذنبُكِ؟ قالت: إني زنَيْتُ، وقتلتُ ولدي من الزنا، قال: فقلت لها: هلكتِ وأهلكتِ، واللَّه ما لكِ من توبة، قال: فشَهِقَتْ شَهْقةً، وخرَّت مَغْشيًّا عليها، فقلتُ في نفسي: أُفتي ورسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم بين أظهُرِنا؟ فلمّا أصبحتُ غدَوْتُ إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليك وسلم-: إنّ امرأةً استفتَتْني البارحةَ في كذا وكذا، وإني أفتيتُها بكذا وكذا، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"إنّا للَّه وإنّا إليه راجعون! أنت -واللَّه- هلكتَ وأهلكتَ يا أبا هريرة، أين كنت من هذه الآية: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ} إلى قوله: {فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}؟ "، قال: فخرجتُ من عند رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأنا أعدو في سِكك المدينة، وأنا أقول: من يدُلُّني على امرأةٍ استفتَتْني البارحةَ بكذا وكذا؟ والصِّبيان يقولون: نحن يا أبا هريرة، حتى إذا كان في الليل لَقِيتُها في ذلك الموضع، وأعْلَمْتُها بقول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إنّ لها توبةً، فشَهَقَتْ شَهْقةً من السرور، وقالت: إنّ لي حديقةً، وهي صدَقةٌ للمساكين كفّارةً لذنبي

(1)

.

قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} قيل: أراد الشِّرك باللَّه وتعظيمَ الأنداد، وقيل: شهادةُ الزور، وقيل: أعيادُ المشركين، وقيل: الكذب، وقيل: مجالسُ الباطل، وقيل: الغناءُ، بدليل ما رُوِي عن محمد بن المنكدِر

(2)

أنه

(1)

ينظر: كتاب التوابين لابن قدامة ص 105، وأورده الذهبي في تهذيب التهذيب 8/ 192 وذكر أنه موضوع.

(2)

محمد بن المنكدر بن عبد اللَّه بن الهُدَيْرِ بن عبد العزى القرشي، أبو عبد اللَّه التيمي المدني، =

ص: 397

قال: بلَغَني أنّ اللَّه عز وجل يقول يومَ القيامة: "أين الذين كانوا يُنَزِّهُونَ أسماعَهُمْ وأنْفُسَهُم عن اللَّهو ومزامير الشيطان؟ أدخِلوهم رياضَ المِسك"، ثم يقول للملائكة:"أَسْمِعُوا عبادي تحميدي وثنائي وتمجيدي، وأخبِروهم أَنْ لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون".

وأصلُ الزُّور: تحسينُ الشيء، ووصْفُه بخلاف صفته، حتى يُخَيَّلَ إلى من يسمعه ويراه بخلاف ما هو فيه، فهو تَموِيهُ الباطلِ بما يُوهِمُ أنه حَقٌّ.

قوله: {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ} يعني: المعاصيَ كلَّها {مَرُّوا كِرَامًا (72)} ؛ أي: إذا سمعوا من الكفّار الشَّتمَ والأذى أعرَضوا عنه وصَفَحوا، نظيرُه: قوله تعالى: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ}

(1)

، والمعنى: مروا مُنَزِّهينَ أنفسَهُم مُعْرِضين عنه، والتقدير: وإذا مَرُّوا بأهل اللَّغو وذَوِي اللَّغْوِ مَرُّوا كِرامًا، فلم يُجارُوهم فيه، ولم يَخوضوا معهم فيه.

قال أهل اللغة: وأصلُه من قول العرب: ناقةٌ كريمةٌ، وبقرةٌ كريمةٌ، وشاةٌ كريمةٌ: إذا كانت تُعْرِضُ عند الحَلْبِ تكرمًا، كأنها لا تُبالِي بما يُحْلَبُ منها، ونَصْب {كِرَامًا}: على الحال.

قوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا} ؛ أي: إذا وُعِظوا بالقرآن {رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا} ؛ أي: لم يَقَعُوا ولم يقيموا {عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73)} بل يسمعون ما يُذَكَّرون به فيفهَمونَه، ويرَوْن الحقَّ فيه فيتَّبِعونه، وهو منصوبٌ أيضًا على الحال.

= محدث ثقة زاهد، أدرك بعض الصحابة، وروى عنهم، وتوفِّي سنة (135 هـ). [حلية الأولياء 3/ 146: 165، الأعلام 7/ 112]، وينظر قوله في الكشف والبيان 7/ 151، تفسير القرطبي 14/ 53، الدر المنثور 5/ 153، كنز العمال 15/ 220.

(1)

القصص 55.

ص: 398

قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا} قَرأَ أبو عَمْرٍو وأهلُ الكوفة إلّا حفصًا بغير ألف

(1)

، وقرأ الباقونَ بالألف، والذُّرِّيّةُ: يكون واحدًا وجمعًا، فكونُها للواحد قوله تعالى:{رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً}

(2)

، وكونُها للجمع قوله تعالى:{ذُرِّيَّةً ضِعَافًا}

(3)

، فمن أفرد في هذه الآية استغنى عن جمعها لَمّا كانت للجمع، ومَن جَمَعَ فلأنّ الأسماءَ التي للجمع قد تُجمع، نحو: قومٍ وأقوام، ورَهْطٍ وأَراهِط

(4)

.

وقوله: {قُرَّةَ أَعْيُنٍ} ؛ أي: بأنْ نراهم مؤمنينَ صالحين مُطيعين لك، ووَحَّدَ القُرّةَ لأنها مصدر، يقال: قَرَّتْ عينُه قُرّةً، وأصلُها من البَرْد، والعرب تتأذَّى من الحرّ وتَسْتَرْوِحُ إلى البرد، {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74)}؛ أي: أئمةً يُقْتَدَى بنا.

وقال بعضُهم

(5)

: هذا من المقلوب؛ أي: واجعَل المتَّقينَ لنا إمامًا، واجعَلْنا مُؤْتَمِّينَ مقتدينَ بهم. ولم يقُلْ: أئمةً؛ لأنّ الإمامَ مصدر، يقال: أَمَّ فلانًا إمامًا مثلَ: الصِّيام والقيام.

وقال الفَرّاء

(6)

: إنما قال: "إمامًا" ولم يقل: "أئمةً"، كما قال: {إِنَّا رَسُولُ

(1)

قرأ بغير ألف أيضًا: أبو بكر عن عاصم، وخلفٌ واليزيديُّ والحسنُ والأعمشُ وطلحةُ وعيسى بنُ عمر، ينظر: السبعة ص 467، إعراب القراءات السبع 2/ 127، حجة القراءات ص 515، تفسير القرطبي 13/ 82، البحر المحيط 8/ 474.

(2)

آل عمران 38.

(3)

النساء 9.

(4)

قاله الفارسي في الحجة 3/ 216، 217، وينظر: الوسيط للواحدي 3/ 348.

(5)

قاله الحسن ومجاهد وابن قتيبة، ينظر: معاني القرآن للفرَّاء 2/ 274، تأويل مشكل القرآن ص 200، 205، معاني القرآن للنَّحاس 5/ 55، الكشف والبيان 7/ 152، تفسير القرطبي 13/ 83.

(6)

معاني القرآن 2/ 74.

ص: 399

رَبِّ الْعَالَمِينَ} إِنّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ"

(1)

للاثنَيْن، يعني: أنه من الواحد الذي أُرِيدَ به الجمعُ.

قال طاهر بن أحمد

(2)

: وإمامٌ في الآية جَمْع؛ لأنه المفعول الثاني لـ "جَعَلَ"، والمفعول الأول جمعٌ أيضًا، والثانِي هو الأول، فوجب أن يكون جمعًا واحدُه: آمٌّ؛ لأنه قد سُمِعَ هذا في واحِدِهِ، قال اللَّه -سبحانه-:{وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ}

(3)

، فهذا جمعُ: آمٍّ مُسَلَّمًا، وقياسُهُ على حدِّ: نائم ونِيامٍ وقائم وقِيامٍ، فأما قولهم: أَئِمّةٌ فجمعُ إمام الذي هو مفرد، على حدِّ: عِنانٍ وأَعِنّةٍ وسِنانٍ وأَسِنّةٍ، والأصل: أَيِمّةٌ فقلبت ألفًا

(4)

.

وقيل: من جَمَعه "أئمةً"، فلأنه قد كثُر حتى صار بمعنى الصِّفة، وقال بعضهم

(5)

: أراد "أئمةً"، قال اللَّه تعالى:{فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي}

(6)

، وقال الشاعر:

يا عاذِلاتي لا تُرِدْنَ مَلامَتِي

إنَّ العَواذِلَ ليسَ لي بِأَمِيرِ

(7)

أي: بأُمَراءَ. وقيل

(8)

: هو جَمْع "آمٍّ"، والجمعُ يَصلُح للواحد والجمع، يقال: دِرْعٌ دِلَاصٌ وأَدْرُعٌ دِلَاصٌ

(9)

.

(1)

الشعراء 16.

(2)

شرح جمل الزَّجّاجي 2/ 217.

(3)

المائدة 2.

(4)

يعني: همزة.

(5)

قاله الأخفش في معاني القرآن ص 423، وإليه ذهب الزمخشري في الكشاف 3/ 102، وينظر: الفريد للمنتجب الهمداني 3/ 644.

(6)

الشعراء 77.

(7)

تقدم عَجُزُهُ برقم 11 ص 1/ 228.

(8)

قاله طاهر بن أحمد كما سبق، وينظر: الكشاف 3/ 102، البيان للأنباري 2/ 210، الفريد 3/ 644.

(9)

دِرْعٌ دِلَاصٌ: بَرّاقةٌ مَلْساءُ لَيِّنةٌ. اللسان: دلص.

ص: 400

قوله تعالى: {أُولَئِكَ} يعني: أهلُ هذه الصِّفات {يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا} يعني: على دينِهم، وقيل: على أذى المشركين، والغُرفة: كلُّ بناءٍ مرتفع، وأراد: غُرَفَ الجنّة من الزَّبرْجَد والدرِّ والياقوت.

قوله: {وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا} يعني: فِي الغرفة {تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75)} ، قال الكلبي: يُحَمِّى بعضُهُمْ بَعْضًا بالسلام، ويرسل الربُّ تبارك وتعالى إليهم بالسلام.

قرأ الكوفيُّون -سوى حفص-: {ويَلْقَوْنَ} بالتخفيف

(1)

، وقرأ الباقون بالتشديد، فمن شدَّد فحُجته قوله تعالى:{وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا}

(2)

، ونَصْب {تَحِيَّةً} على خبرِ ما لم يُسَمَّ فاعلُهُ، ومن خَفَّفَ فحُجته قوله تعالى:{فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا}

(3)

، ونصَبْ {تَحِيَّةً} على المفعول به، والفرق بين التحية والسلام، قال محمد بن يزيد

(4)

: التحيّةُ: تكون لكلِّ دعاء، والسلام مخصوص.

وقوله: {خَالِدِينَ فِيهَا} يعني: مقيمينَ في الغرفة من غير موتٍ ولا زوال، وهو منصوبٌ على الحال، {حَسُنَتْ} الغرفة {مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (76)} نَصْبٌ على التمييز.

قوله تعالى: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي} ؛ أي: ما يُبالِي بكم، وقيل: ما يصنع،

(1)

قرأ بالتخفيف أيضًا: أبو بكر عن عاصبم، والأعمشُ وخلفٌ والمفضلُ ومحمدٌ اليمانيُّ، ينظر: السبعة ص 468، إعراب القراءات السبع 2/ 128، تفسير القرطبي 13/ 83، 84، البحر المحيط 6/ 474، الإتحاف 2/ 311، 312.

(2)

الإنسان 11.

(3)

مريم 59، وينظر في حجة التخفيف والتشديد: الحجة للفارسي 3/ 217، 218.

(4)

ينظر قوله في إعراب القرآن 3/ 319.

ص: 401

وقيل: ما يفعَلُ بكم رَبِّي؟ قال أبو عُبيد

(1)

: يقال: ما عَبَأْتُ به شيئًا: أي لم أَعُدَّهُ، فوجودُه وعدمُه سواءٌ، مجازه: أيُّ مقدارٍ لكم؟

وأصل هذه الكلمة تَهْيِئةُ الشيءِ، يقال: عَبَأْتُ الجيشَ وعَبَأْتُ الطِّيبَ أَعْبَؤُهُ عَبْئًا وعُبُوًّا: إذا هَيَّأْتَهُ وعَمِلْتَهُ، قال الشاعر:

62 -

كَأَنَّ بِنَحْرِهِ وبِمَنْكِبَيْهِ

عَبِيرًا باتَ تَعبَؤُهُ عَرُوسُ

(2)

وقوله: {لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ} يعني: إياه فِي الشدائد، ومعنى الآية: قل ما يعبَأْ بخَلْقِكُم رَبِّي لولا عبادتُكم وطاعتُكم وتوحيدُكم إياه، يعنِي: أنه خَلَقكم لعبادتكَم، نظيرُها قوله تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}

(3)

، وفي الآية دليلٌ على أنّ من لا يعبد اللَّه ولا يوحِّده ولا يطيعه لا وزنَ له عند اللَّه

(4)

.

وقوله: {فَقَدْ كَذَّبْتُمْ} يعني: أهلَ مكة؛ أي: أنّ اللَّه دعاكم بالرسول إلى توحيده وعبادته، فكذَّبتم الرسول، ولم تُجِيبُوا دعوتَه {فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا} تهديدٌ لهم، قال الزَّجّاجُ

(5)

: تأويلُه: فسوف يكون تكذيبكم لزامًا

(1)

ينظر قوله في الكشف والبيان 7/ 153، الوسيط للواحدي 3/ 349.

(2)

البيت من الوافر، لأبي زبيد الطائي يصف أسدًا، ويُرْوَى:

كأَنَّ بِصَدْرِهِ وبجانِبَيْهِ

اللغة: العبير: نوع من الطيب ذو لون، عَبَأْتُ الطَّيبَ عَبْئًا: إذا صَنَعْتَهُ وَهَيَّأْتَهُ وخَلَطْتَهُ.

التخريج: ديوانه ص 99، جمهرة اللغة ص 1025، جامع البيان 19/ 70، معاني القرآن للنَّحاس 5/ 56، الصحاح 1/ 61، مقاييس اللغة 4/ 216، تاريخ دمشق 12/ 324، عين المعاني ورقة 93/ ب، اللسان: عبأ، نسس، التاج: عبأ، عرس، نسس.

(3)

الذاريات 56.

(4)

قاله الواحدي في الوسيط 3/ 349.

(5)

معاني القرآن وإعرابه 4/ 78.

ص: 402

يلزمكم، فلا تُعْطَوْنَ التوبةَ، وقال غيره: يعني: موتًا، وقيل: قتالًا، وقيل هلاكًا، وقيل: عذابًا دائمًا لازمًا، قال الشاعر:

63 -

فإمّا يَنْجُوا مِن خَسْفِ أَرْضٍ

فقَد لَقِيا حُتُوفَهُما لِزاما

(1)

وقال المفسِّرون في تفسير اللِّزام: إنه يومُ بدر، والمعنى: أنّ كفار مكة قُتِلُوا ببدر، واتَّصل به عذابُ الآخرة لازمًا لهم، فلَحِقَهُمُ الوعيدُ الذي ذكره اللَّه تعالى ببدرٍ

(2)

، واللَّه أعلم.

* * *

(1)

البيت من الوافر لصخر الغَيِّ الهذلي يرثي ابنه تليدًا، والضمير في "يَنْجُوا" و"لَقِيا حُتُوفَهُما"، يعود إلى قوله:"عِلْجانِ" فِي بيت سابق عليه فِي قوله:

أَرى الأَيّامَ لا تُبقي كَريما

ولا العُصْمَ الأَوابدَ والنَّعاما

ولا عِلْجانِ يَنتابانِ رَوْضًا

نَضِيرًا نَبْتُهُ عُمَّا تُؤاما

التخريج: شرح أشعار الهذليين ص 291، مجاز القرآن 2/ 82، معاني القرآن وإعرابه للزَّجّاج 4/ 79، تهذيب اللغة 13/ 220، المحرر الوجيز 4/ 223، عين المعاني ورقة 93/ ب، تفسير القرطبي 13/ 86، البحر المحيط 6/ 475، اللسان: لزم، التاج: لزم.

(2)

ينظر في هذه الأقوال: جامع البيان 19/ 72 - 73، معاني القرآن للنحاس 5/ 57 - 58، الكشف والبيان 7/ 154، الوسيط 3/ 349، تفسير القرطبي 13/ 85 - 86.

ص: 403