الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا البيت الثانِي للمتنبي.
- والثانِي: في قوله تعالى: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}
(1)
، فقد قال الجِبْلي
(2)
: "وقيل: معنى {لَكُمْ دِينُكُمْ} تَهْدِيدٌ، كقوله تعالى:{اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ}
(3)
؛ أي: جَزاؤُكُم في الآخرة، فَأَخْرَجَ الكلامَ مُخْرَجَ اللِّينِ في الحُسْنِ للأعمالِ رَجاءَ أن يُنْصِفُوا عند اللُّطْفِ، كما قال الشاعر:
فمَن وَجَدَ الإحسانَ قَيْدًا تَقَيَّدا".
وهذا الشَّطر الذي استأنَس به الجِبْلي إنّما هو عَجُزُ بَيْتٍ لأبِي الطَّيِّبِ المُتَنَبِّي، وصدره:
وقَيَّدْتُ نَفْسِي في ذَراكَ مَحَبّةً".
-
نظراتٌ في استشهاد الجِبْليِّ بالشعر:
يُلاحَظ على الجِبْليِّ عدةُ أمورٍ في استشهاده بالشعر، ومن هذه الأمور:
1 -
تَكرار بعض الشواهد: بعضُ الشواهد كرَّره الجِبْلي في موضعَيْنِ، وبعضها كرَّره في ثلاثة مواضعَ، وبعضُها كرَّره في أربعة مواضع.
- فمن الشواهد التي تكرَّرت مرتَيْنِ، واستشهَد به على الوَجْه نفسِه، قولُ الراجز:
جاؤُوا بِصَيْدٍ عَجَبٍ منَ العَجَبْ
أُزَيْرِقِ العَيْنَيْنِ طُوّالِ الذَّنَبْ
(1)
الكافرون 6.
(2)
البستان 5/ 98.
(3)
فصلت 40.
استشهَد به الجِبْلي على قراءة أبِي عبد الرحمن السُّلَمي وعيسى بن عُمر: {عُجّابٌ}
(1)
بالتشديد، ثم استشهَد بالبيت الثانِي على الوجه نفسِه في قوله تعالى:{وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا}
(2)
.
- قولُ الشاعر:
إذا قَصُرَتْ أَسيافُنا كان طُولُها
…
خُطانا إلى أَعْدائِنا فنُضارِبِ
استشهَد به الجِبْلي مرتَيْنِ على وجهٍ واحد، وهو أن الجَزْم بـ "إذا" إنّما يجوز في الشِّعر للضرورة
(3)
.
- قولُ الراجز:
نَحنُ بَنُو جَعْدةَ أربابُ الفَلَجْ
نَضْرِبُ بِالسَّيْفِ ونرجُو بِالفَرَجْ
استشهَد به الجِبْليُّ مرتَيْنِ على وجهٍ واحد، وهو زيادةُ الباء
(4)
.
- قولُ ذي الرُّمّة:
بَدَتْ مِثْلَ قَرْنِ الشَّمْسِ في رَوْنَقِ الضُّحى
…
وصُورتِها، أو أنتِ في العَيْنِ أَمْلَحُ
استشهَد به الجِبْلي مرتَيْنِ على مجيء "أو" بمعنى: "بل"
(5)
.
(1)
ص 5، وينظر: البستان 2/ 301.
(2)
نوح 22، وينظر: البستان 4/ 90.
(3)
ينظر: البستان 2/ 151.
(4)
ينظر: البستان 4/ 12.
(5)
ينظر: البستان 2/ 284، 476.
- قولُ ذي الرُّمّة:
حَتَّى إذا ما أَضاءَ الصُّبْحُ في غَلَسٍ
…
وغُودِرَ البَقْلُ مَلْوِيٌّ ومحصُودُ
استشهَد به الجِبْلي مرتَيْن، الأولى: في قوله تعالى: {هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ}
(1)
، والثانية: في قوله تعالى: {إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ}
(2)
، فقد قال
(3)
: "وزعم الفَرّاء
(4)
أنه يجوز: {مُحَلِّقُونَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرُونَ} يعني: بعضُكُم كذا وبعضُكُم كذا".
وأَنْشَدَ البيتَ السابقَ على أنّ التقدير: منه مَلْويٌّ ومنه محصودٌ.
- قولُ كُثَيِّرِ عَزّةَ:
لِمَيّةَ مُوحِشًا طَلَلُ
…
يَلُوحُ كأَنَّهُ خِلَلُ
استشهَد به الجِبْلي مرتَيْنِ على وجهٍ واحد، وهو أنّ نعتَ النُّكرة إذا تقدَّم عليها أُغْرِبَ حالًا
(5)
.
- ومما استشهَد به مرتَيْنِ، ولكنْ على وجهَيْنِ مختلفَيْن قولُ النابغة:
يا دارَ مَيّةَ بِالعَلياءِ فالسَّنَدِ
…
أَقْوَتْ وطالَ عَليها سالِفُ الأَبَدِ
فقد استشهَد به على الالتفاتِ من الخطاب إلى الغَيْبة في قوله تعالى: {وَكَرَّهَ
(1)
ص 57، ينظر: البستان 2/ 326.
(2)
الفتح 27.
(3)
البستان 3/ 105.
(4)
معاني القرآن 3/ 68.
(5)
ينظر: البستان 5/ 134.
إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ}
(1)
، والثانية في قوله تعالى:{وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ}
(2)
على أن "المُقْوِينَ" بمعنى: المسافرين.
- وقولُ الشاعر:
أستَغْفِرُ اللَّهَ ذَنْبًا لستُ مُحْصِيَهُ
…
رَبَّ العِبادِ إليهِ الوَجْهُ والعَمَلُ
فقد استشهَد به مرتَيْنِ، الأولى: على أنّ الوجهَ في قوله تعالى: {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}
(3)
معناه: العَمَلُ، والثانية: في قوله تعالى: {وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ}
(4)
على أنه ممّا حُذِفَ منه حَرْفُ الجرِّ، وتعَدَّى إليه الفعلُ بنفسه.
- قولُ حَسّانَ بن ثابت:
هَجَوْتُكَ فاخْتَضَعْتَ لها بِذُلٍّ
…
بِقافِيةٍ تَأَجَّجُ كالشُّواظِ
رواه الجِبْلي بهذه الرواية شاهدًا على أنّ الشُّواظَ هو اللَّهَبُ الذي لا دُخانَ فيه
(5)
، ثم استشهَد به مرةً أخرى بروايةٍ مختلفة قليلًا على معنى الهَمْزِ
(6)
، وهذه الرواية هي:
هَمَزْتُكَ فاخْتَضَعْتَ بِذُلِّ نَفْسٍ
…
بقافِيةٍ تَأَجَّجُ كالشُّواظِ
- وأمّا ما تكرَّر ثلاثَ مرات: فهو قول علقمةَ بن عَبَدةَ:
فإنْ تَسألوني بالنِّساءِ فإنَّني
…
بَصِيرٌ بِأَدواءِ النِّساءِ طَبيبُ
(1)
الحجرات 7، وينظر: البستان 3/ 118.
(2)
الواقعة 73، وينظر: البستان 3/ 313.
(3)
القصص 68، وينظر: البستان 1/ 517.
(4)
سورة المطففين 3، ينظر: البستان 4/ 335.
(5)
البستان 3/ 267.
(6)
البستان 5/ 58.
استشهَد به الجِبْليُّ ثلاثَ مراتٍ على شاهدٍ واحد، وهو مَجِيءُ "الباء" بمعنى "عن"
(1)
.
- وأمّا ما تكرَّر أربعَ مرات: فهو قولُ الشاعر:
أَمَرْتُكَ الخَيْرَ فافْعَلْ ما أُمِرْتَ بِهِ
…
فقَد تَرَكتُكَ ذا مالٍ وذا نَشَبِ
فقد استشهَد به الجِبْليُّ أربعَ مراتٍ على حذف الباءِ من "الخير"، وتَعَدِّي الفعلِ إليه بنفسه
(2)
.
2 -
اهتمامه بإيراد الرِّوايات المختلفة للشواهد الشِّعرية: كان الجِبْلي يهتمُّ أحيانًا بذكر الرِّوايات المختلفة للشاهد الشِّعري الذي يُنشده، ومن أمثلة ذلك ما يلي:
أ - قال الجِبْلي
(3)
: "والجزم بـ "إِذا" -وإن جاء في الشعر ضرورةً- لا يُحْمَلُ عليه القرآنُ، ورواية الجزم في الشِّعر كما قال:
إذا قَصُرَتْ أسيافُنا كان طُولُها
…
خُطانا إلى أعدائِنا فنُضارِبِ
وخَطَّأَهُ المغرِبيُّ؛ لأنّ القصيدةَ مرفوعةُ القوافي، وفيها:
وقدْ عِشْتُ دَهْرًا والغُواةُ صَحابَتِي
…
أُولَئِكَ خُلْصانِي الَّذِينَ أُصاحِبُ
وفيها:
فلِلْمالِ عِنْدِي اليَوْمَ راعٍ وكاسِبُ"
(1)
ينظر: البستان 1/ 387.
(2)
ينظر: البستان 1/ 22.
(3)
البستان 2/ 151.
ب - في قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ}
(1)
، قال الجِبْلي
(2)
: "فإنْ قيل: "بَيْنَ" لا يقعُ إلّا لاثنَيْن فصاعدًا، فكيف جاء "بَيْنَهُ"؟ فالجوابُ: أنّ "بَيْنَهُ" هاهنا لجماعة السَّحاب، كما تقول: الشجر حَسَنٌ وقد جلستُ بينَه. وفيه جوابٌ آخَر، وهو: أن يكونَ السّحابُ واحدًا، فجاز أن يقال: "بَيْنَهُ"؛ لأنه مشتملٌ على قِطَعٍ كثيرة، كما قال الشاعر:
بَيْنَ الدَّخُولِ فحَوْمَلِ
فأوقع "بَيْنًا" على الدَّخُولِ -وهو واحدٌ- لاشتماله على مواضعَ، هذا قولُ النَّحْويِّين إلّا الأصمعيَّ، فإنه زَعَم أن هذا لا يجوز، وكان يرويه:
. . . . . . . بَيْنَ الدَّخُولِ وحَوْمَلِ
جـ - وفي قوله تعالى: {كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ}
(3)
، قال الجِبْلي
(4)
: "قرأ أهل المدينة والشّام وأيوبُ بفتح الفاء؛ أي: مُنَفَّرةٌ مذعُورةٌ، وقرأ الآخَرون بالكسر؛ أي: نافِرةٌ، يقال: نَفَرَتْ واسْتَنْفَرَتْ بِمَعْنًى واحِدٍ، وأنشد الفَرّاءُ:
أَمْسِكْ حِمارَكَ إنَّهُ مُسْتَنْفَرٌ
…
فِي إِثْرِ أَحْمِرةٍ عَمَدْنَ لِقُرَّبِ
والقَرَبُ: طَلَبُ الماءِ، والقارِبُ: هو الطّالِبُ، ويروى:
فِي إِثْرِ أَحْمِرةٍ عَمَدْنَ لِغُرَّبِ
(1)
النور 43.
(2)
البستان 1/ 345.
(3)
المدثر 50.
(4)
البستان 4/ 160.
و"غُرَّبٌ": اسم جَبَلٍ، ذكره صاحب ديوان الأدب"
(1)
.
3 -
معانِي الأبيات: اهتم الجِبْلي في بعض المواضع بتوضيح معانِي ألفاظ الشاهد الذي ينشده، ومن أمثلة ذلك ما يلي:
أ - أنشد الجِبْليُّ قولَ الشاعر
(2)
:
وكُنّا إذا الجَبّارُ صَعَّرَ خَدَّهُ
…
ضَرَبْناهُ تَحْتَ الأُنْثَيَيْنِ على الكَرْدِ
ثم قال
(3)
: "أي: العُنق، والأُنثَيان: الأُذُنان".
ب - أنشد الجِبْلي قول خِداش بن زُهير
(4)
:
ونَرْكَبُ خَيْلًا لا هَوادةَ بَيْنَها
…
وتَشْقَى الرِّماحُ بِالضَّياطِرةِ الحُمْرِ
ثم قال
(5)
: "الضَّياطِرة: جمع ضَيْطَرٍ، وهو الرجلُ الضَّخم اللئيم، ومثلُه: الضَّوْطَر، ويقال: ضَيْطار أيضًا بالألف، على فَيْعالٍ، ذكره صاحب الضِّياء"
(6)
.
جـ - أنشد الجِبْلي قول ابن مُقبِل:
باتَتْ حَواطِبُ لَيْلَى يَلْتَمِسْنَ لها
…
جَزْلَ الْجِذا غَيرَ خَوّارٍ ولا دَعِرِ
ثم قال
(7)
: "الخَوّار: الذي يَتَقَصَّفُ، والدَّعِرُ: الذي فيه ثُقب".
(1)
1/ 323.
(2)
البستان 1/ 61.
(3)
البستان 1/ 61.
(4)
البستان 1/ 511.
(5)
البستان 1/ 511.
(6)
يعني: صاحب ضياء الحلوم، ينظر: شمس العلوم 6/ 3967.
(7)
البستان 1/ 490.