الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 -
في قوله تعالى: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ}
(1)
، قال الجِبْلي
(2)
: "واختلف القُرّاءُ في قوله: {تَأْمُرُونِّي}، فقرأ أهل المدينة: {تَأْمُرُونِي} بنونٍ واحدةٍ خفيفة على الحذف والتخفيف، وقَرأَ أهلُ الشّام بنونَيْنِ على الأصل، وقرأ الآخَرونَ بنونٍ واحدةٍ مشدَّدة على الإدغام. . . . والأصل: تأمرونَني، فأُدغِمت النونُ في النون، فأمّا {تَأْمُرُونِي} بنونٍ واحدةٍ مخفَّفة فإنّما يجيءُ مِثلُه في الشِّعر شاذًّا، وأبو عَمْرٍو يقول: إنه لَحْنٌ".
فقد حكم الجِبْليُّ هنا على قراءة أهل المدينة بالشُّذوذ.
5 -
في قوله تعالى: {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ}
(3)
، قال الجِبْلي
(4)
: "هو مأخوذٌ من: أَنْشَأَهُ اللَّهُ، أي: ابْتَدَأَ خَلْقَهُ، قَرأَ أهل الكوفة إلّا أبا بكرٍ بضمِّ الياء وفتح النُّون وتشديد الشِّين على غيرِ تسميةِ الفاعل، أي: يُرَبَّى في الحُلِيِّ، يعني: البناتِ، وهو رديءٌ؛ لأنه لم يُحْكَ في اللغة: نَشَّأَ بمعنى أَنْشَأَ، إلّا أن يقال: إنه في القياس، مثل: بَلَّغَ وأبْلَغَ وفَرَّحَ وأفْرَحَ".
فهو هنا يَحكُم على قراءة أهل الكوفة بالرَّداءة.
جـ - مفاضلةُ الجِبْليِّ بين قراءاتٍ صحيحة:
وفي مواضعَ أخرى نجدُ الجِبْليَّ يُفاضِلُ بينَ قراءتَيْنِ صحيحتَيْن، أو يرجِّح إحداهما على الأخرى، أو يَحكم عليها بأنها أَوْلَى من الأخرى، على الرَّغم من أنّ
(1)
الزمر 64.
(2)
البستان 1/ 366.
(3)
الزخرف 18.
(4)
البستان 2/ 459.
العلماء حَذَّروا من ذلك، يقول النَّحّاس
(1)
: "والسلامة من هذا عند أهل الدِّين إذا صحَّت القراءتان عن الجماعة ألّا يقال: إحداهما أجوَدُ من الأخرى؛ لأنهما جميعًا عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيأثَم من قال ذلك، وقد كان رؤساء الصَّحابة رحمهم الله ينكرون مثل هذا".
وقال النَّحّاس أيضًا
(2)
: "الدِّيانة تحظُر الطعن على القراءة التي قرأ بها الجماعة، ولا يجوز أن تكون مأخوذةً إلّا عن النبي صلى الله عليه وسلم".
وقد أورد الزَّرْكَشي والسُّيوطي وغيرُهما كلام العلماء في هذا الأمر
(3)
.
ومن أمثلة ما فاضَلَ فيه الجِبْلِيُّ بَيْنَ قراءات صحيحة:
1 -
في قوله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا}
(4)
، قال الجِبْلي
(5)
: "قرأ أهل الكوفة إلّا عاصمًا: بكسر السين في الموضعَيْنِ، على معنى الاسم، مثلَ: المجلِس والمطلِع، أي: مَذْبَحًا، وهو موضعُ القُربان، وقرأ الباقون بالفتح فيهما على المصدر، مثلَ: المَدْخَلِ والمَخْرَجِ، وهو إهْراقُ الدّماء وذَبْحُ القَرابِين، والفتحُ أَوْلى؛ لأنّ المصدر من هذا الباب بفتح العين، يقال: نَسَكَ يَنْسُكُ: إذا ذَبَحَ القُرْبانَ".
2 -
في قوله تعالى: {أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ}
(6)
، قال الجِبْلي
(7)
: "قرأ أبو عبد الوحمن السُّلَميُّ وأبو جعفرٍ وحُمَيدٌ الأعرجُ والكِسائيُّ، ويعقوبُ
(1)
إعراب القرآن 5/ 62.
(2)
المصدر السابق 5/ 231.
(3)
ينظر: البرهان للزركشي 1/ 340، الإتقان للسيوطي 1/ 109، وينظر: البحث اللغوي عند العرب للدكتور أحمد مختار عمر ص 22.
(4)
الحج 34.
(5)
البستان 1/ 248.
(6)
النمل 25.
(7)
البستان 1/ 452.
برواية وَرْشٍ: {أَلَا يا اسْجُدُوا} بالتخفيف، على معنى: ألا يا هؤلاءِ اسجُدوا. . . قال الواحدي
(1)
: والوجهُ قراءةُ العامّة لئلّا تنقطع الصِّلة بما ليس منها".
3 -
في قوله تعالى: {تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ}
(2)
، قال الجِبْلي
(3)
: "واختَلف القُرّاء فيها، فقرأ ابنُ كثيرٍ ووَرْشٌ وأبو عُبَيد وأبو حاتم بفتح الخاء وتشديد الصاد، ومِثْلَهُ رَوَى هشامٌ عن أهل الشام، لَمّا أدغَموا نَقَلوا حركةَ التاء إلى الخاء، وقرأ حفصٌ وأيوبُ، ووَرْشٌ عن نافعٍ، ساكنةَ الخاء مشدَّدةَ الصاد، وقرأ أبو عَمْرٍو بالإخفاء، غيرَ أنّ أبا عَمْرٍو وهشامًا يُشِمّانِ الخاءَ شيئًا من الفتح، وقرأ حمزةُ الخاءَ مخفَّفةً والصادَ مكسورةً، أي: يَغلِب بعضُهم بعضًا بالخِصام، وهي قراءة أُبَيِّ بنِ كعب، وقرأ الباقونَ بكسر الخاء وتشديد الصّاد إلّا أنّ أبا بكرٍ يكسر الياء، وأجوَدُ القراءةِ فتحُ الخاء مع تشديد الصاد؛ لأنّ الأصل: يختصِمون، فألقِيَت حركةُ الحرف المدغَم، وهو التاء، على الساكن الذي قبلَه، وهو الخاء".
4 -
في قوله تعالى: {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا}
(4)
، قال الجِبْلي
(5)
: "قرأ حمزةُ والكِسائيُّ وعاصمٌ وابنُ ذَكْوانَ: {كُرْهًا} بضمِّ الكاف، ورُوِيَ ذلك عن الحَسَنِ، وقرأ نافعٌ وشَيْبةُ وأبو جعفرٍ وأبو عَمْرٍو وأبو عبد الرحمن السُّلَميّ: {كُرْهًا} بفتح الكاف، وهو أَوْلى؛ لأنه المصدر بِعَيْنِهِ، والكُرْهُ: اسمٌ للمصدر لا مصدرٌ".
(1)
الوسيط 3/ 375.
(2)
يس 49.
(3)
البستان 2/ 238.
(4)
الأحقاف 15.
(5)
البستان 3/ 49.