الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب ما جاء فيها من الإعراب
بسم الله الرحمن الرحيم
قولُه عز وجل: {سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا} قَرأَه العامّةُ بالرَّفع، بمعنى: هذه سورةٌ؛ لأنّ العربَ لا تبتدئ بالنَّكرة، هذا قولُ الخليل
(1)
والزَّجّاج
(2)
، و {أَنْزَلْنَاهَا}: صفةٌ لها، وقال الأخفش
(3)
: {سُورَةٌ} ابتداءٌ، وخبَرُه في {أَنْزَلْنَاهَا} ، وقَرأَ طلحةُ ابن مصرِّف
(4)
والحَسن وعيسى بن عُمر
(5)
: {سُورَةٌ} بالنَّصبِ
(6)
على معنى: أَنْزَلْناها سُورةً، والكنايةُ صلةٌ زائدة
(7)
،. . . . . .
(1)
الجمل في النحو المنسوب للخليل ص 158.
(2)
معاني القرآن وإعرابه 4/ 27.
(3)
ينظر قوله في الكشف والبيان 7/ 63، عين المعانِي 88/ ب، تفسير القرطبي 12/ 158.
(4)
طلحة بن مصرف بن كعب بن عمرو الهمدانِي، أبو محمد اليامي الكوفِيُّ، أقرأُ أهلِ الكوفة في عصره، وكان يسمى سَيِّدَ القُرّاءِ، وهو من رجال الحديث الثقات ومن أهل الورع والنسك، توفِّي سنة (112 هـ). [غاية النهاية 1/ 343، سير أعلام النبلاء 5/ 191 - 193، الأعلام 3/ 230].
(5)
عيسى بن عمر الثقفي بالولاء، أبو سليمان أو أبو عمرو، من أئمة اللغة، شيخ الخليل وسيبويه وأبي عمرو، وهو أول من هَذَّبَ النحو ورَتَّبَهُ، كان صاحبَ تَقَعُّرٍ في كلامه، مكثرًا من استعمال الغريب، من كتبه: الجامع، الإكمال، توفي سنة (149 هـ). [غاية النهاية 1/ 613، إنباه الرواة 2/ 374 - 377، الأعلام 5/ 106].
(6)
وقرأ بالنصب أيضًا: أبو عمرو وابن محيصن ومجاهد وعمر بن عبد العزيز وابن أبي عبلة وأبو حيوة ومحبوب وأم الدرداء وعيسى الهمدانيُّ، ينظر: معاني القرآن للفراء 2/ 244، مختصر ابن خالويه ص 101، المحتسب 2/ 99، القرطبي 12/ 158، البحر 6/ 392، الإتحاف 2/ 291.
(7)
يعني أن {سورة} منصوب على الحال من الهاء في {أَنْزَلْنَاهَا} ، إلّا أن الحال تقدمت على صاحبها، وهو قول الفراء في المعاني 2/ 244، ولكن الهاء في {أَنْزَلْنَاهَا} ليست زائدة =
وقيل
(1)
: على الإغراء؛ أي: اتَّبِعوا سورةً أنزلناها.
والسُّورة مشتقّةٌ من السُّورِ الذي يُحِيطُ بالبَلَدِ؛ لأنها تحيطُ بآياتٍ من القرآن
(2)
، وقيل
(3)
: هي مشتقّةٌ من السُّؤْرِ، وهو البَقِيّةُ، وقيل
(4)
: من الشَّرف والفخر، قال النابغة:
34 -
ألمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَعْطاكَ سُوْرةً
…
تَرَى كُلَّ مَلْكٍ دُونَها يَتَذَبْذَبُ
(5)
= كما زعم الجبلي هنا، بل هي مفعول به، وينظر: الكشف والبيان 7/ 63، البحر المحيط 6/ 393، الدر المصون 5/ 208.
(1)
قاله السجاوندي في عين المعانِي 88/ ب، وعلى هذا فجملة {أَنْزَلْنَاهَا} نعت لـ {سُورَةً} . وفي الآية وجه آخر، وهو أن يكون {سُورَةً} منصوبًا على الاشتغال، ينظر: معاني القرآن وإعرابه 4/ 27، المحتسب 2/ 99، 100، مشكل إعراب القرآن 2/ 115، 116، البحر المحيط 6/ 392، 393، الدر المصون 5/ 207، 208.
(2)
قاله أبو عبيدة في مجاز القرآن 1/ 3، 20، وينظر: الزاهر لابن الأنباري 1/ 75.
(3)
قاله أبو عبيدة أيضًا في مجاز القرآن 1/ 5، وابن الأنباري في الزاهر 1/ 76، وقال ابن الأعرابِي:"ومن همز السُّؤْرةَ من سُؤَرِ القُرآن جعلها بمعنى بَقِيّةٍ من القرآن وقِطْعةٍ"، ينظر قوله في التهذيب 13/ 47.
(4)
قاله ابن الأنباري في الزاهر 1/ 75، وحكاه الأزهري عن أبِي الهيثم في تهذيب اللغة 13/ 49 - 50.
(5)
البيت من الطويل، من قصيدة له في مدح النعمان بن المنذر، ومنها الشاهد رقم 42 ص 148، ويُرْوَى:
وذلك أن اللَّه أعطاك سورة
اللغة: السُّورة: الشرف والمنزلة وجمعها سُورٌ بسكون الواو، وأما سُورةُ القرآن فجمعها سُوَرٌ بالفتح، يتذبذب: يضطرب، والمعنى: أن منازل الملوك دون منزلته.
التخريج: ديوانه ص 73، مجاز القرآن 1/ 4، 20، 196، جمهرة اللغة ص 174، 723، الزاهر 1/ 75، تهذيب اللغة 13/ 49، الصاحبي ص 323، زاد المسير 1/ 50، عين المعاني ورقة 88/ ب، تفسير القرطبي 5/ 424، 12/ 158، 15/ 165، اللسان والتاج: سور.
يريد: شرفًا وفخرًا ومَنْزِلةً، والجمع: سُوَرٌ بفتح الواو، ويجوزُ أن تُجمَع على سُوراتٍ.
قوله: {وَفَرَضْنَاهَا} ؛ أي: أوجَبْنا فيها الأحكامَ، وقَرأَ الحسنُ ومجاهدٌ وابنُ كثير وأبو عَمْرو
(1)
: {وَفَرَضْنَاهَا} بالتشديد؛ أي: فَصَّلْناها وبَيَّنّاها، وقيل: هو من الفَرْض، والتشديد على التكثير؛ أي: جعلناها فرائضَ مختلفةً، وأوجبناها عليكم وعلى مَنْ بَعْدَكُمْ إلى قيام الساعة، وتصديقُ التخفيف قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ}
(2)
؛ أي: أنزله، وأرادوا أحكام القرآن وفرائض القرآن.
قوله: {وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} من الأمر بالحلال والنَّهي عن الحرام {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (1)} ؛ أي: لكي تتَّعِظوا وتعمَلوا بما أمركم اللَّه به، وتنتهوا عما نهاكم اللَّه عنه.
وما بعدَه ظاهرُ الإعراب، إلى قوله تعالى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} ؛ أي: بالزِّنا {وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ} يشهدون على صحة ما قالوا {إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} ، رفْعُ {شُهَدَاءُ} على معنى اسم {يَكُنْ} ، ورَفْعُ {أَنْفُسُهُمْ} على التحقيق؛ لأنهم هم الشهداءُ، ومثله: لا رَجُلَ إلا زيدٌ، فما كان جحدًا لم يكن بعد "إلّا" إلّا مرفوعًا، مثلَ: لا إله إلّا اللَّه وما أشبَه ذلك، هكذا قاله الخليل
(3)
.
(1)
قرأ بالتشديد أيضًا ابنُ مسعود وَعُمَرُ بن عبد العزيز وابن محيصن واليزيدي وقتادة، ينظر: معاني القرآن 2/ 244، السبعة ص 452، معاني القراءات 2/ 201، إعراب القراءات السبع 2/ 98، الحجة للفارسي 3/ 191، تفسير القرطبي 12/ 158، البحر المحيط 6/ 393.
(2)
القصص 85.
(3)
الجمل المنسوب للخليل ص 297 - 298.
وقوله: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ (6)} قَرأَ أهل الكوفة إلّا أبا بكر: {أَرْبَعُ} بالرَّفع على خبرِ الابتداء، المعنى: فشهادةُ أحدهم التي تَدْرَأُ حَدَّ القاذف أربعُ شهاداتٍ باللَّه
(1)
، وقَرأَ الباقون بالنَّصب
(2)
على معنى: أن يشهَد أربعَ شهادات.
قوله تعالى: {وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ (7)} قَرأَ نافعٌ
(3)
: {أَنْ} مخفَّفةً {لَعْنَةُ اللَّهِ} بالرَّفع، قال سيبوَيْه
(4)
: لا تُخفِّف "أَنَّ" في الكلام وبعدها الأسماءُ إلّا وأنت تريد الثقيلةَ، وقال الأخفش
(5)
: لا أعلمُ الثقيلةَ إلا أجودَ في العربية؛
(1)
قاله الفراء والزجاج وغيرهما، وأجاز الفراء أن يكون {شَهَادَةً}: مبتدأً محذوف الخبر؛ أي: فعليه أن يشهد، ينظر: معاني القرآن 2/ 246، وينظر: معاني القرآن وإعرابه 4/ 32، ويجوز وجه آخر، وهو أن يكون {شَهَادَةً} خبر ابتداء محذوف، أي: فالواجب شهادةُ أحدِهم، ينظر: البيان للأنباري 2/ 192، الفريد في إعراب القرآن المجيد للمنتجب الهمدانِي 3/ 589، الدر المصون 5/ 210، 211.
(2)
قرأ بالنصب ابنُ كثير ونافع وابن عامر وأبو عمرو ويعقوب وأبو جعفر، وعاصمٌ في رواية أبي بكر عنه، وقرأ الباقون، وعاصمٌ في رواية حفص عنه بالرفع، ينظر: السبعة ص 452، 453، إعراب القراءات السبع 2/ 100، 101، حجة القراءات ص 495، تفسير القرطبي 12/ 182، البحر المحيط 6/ 399، الإتحاف 2/ 292.
(3)
قرأ: {أَنَّ لَعْنَتُ اللَّهِ} : نافعٌ وقتادةُ وعيسى بن عمرو سلام والأعرج ويعقوب والحسن وأبو رجاء وعمرو بن ميمون، ينظر: السبعة ص 453، إعراب القراءات السبع 2/ 101، المحتسب 2/ 10، الكشف عن وجوه القراءات 2/ 134، التيسير ص 161، البحر المحيط 6/ 399، الإتحاف 2/ 292، 293.
(4)
قال سيبويه: ". . . إلا وأنت تريد الثقيلة مُضْمَرًا فيها الاسمُ". الكتاب 3/ 163، 164.
(5)
قال الأخفش في معرض حديثه عن "أَنْ": "وتكون خفيفةً في معنى الثقيلة في مثل قوله: {أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ} و {أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ} على قولك: أَنَّهُ لَعْنةُ اللَّهِ عَلَيْهِ، وأَنَّهُ الحمدُ للَّهِ". معاني القرآن ص 114، أما القول الذي أورده الجبلي هنا فقد حكاه الفارسي بنصه عن الأخفش في الحجة 3/ 194.
لأنك إذا خَفَّفْتَ والأصلُ التثقيلُ، فتُخَفِّفُ وتضمرُ الشأنَ، بأن تجيءَ بالأصل ولا تحذفَ شيئًا ولا تُضْمِرَ، أجودُ. وقرأ الباقونَ بتشديد "أَنَّ" ونصبِ اللعنة.
قوله تعالى: {وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا} قَرأه العامّةُ بالرَّفع على الابتداء، وخبَرُه في "أَنَّ"، وكذلك حُكمُ الآية التي قبلَها حُكمُها، فتَرفَعُ "الْخامِسةُ" بـ "أَنَّ"، و"أَنَّ" بالخامسة، وقَرأَ حفصٌ وطلحةُ وأبو عبد الرحمن السُّلمي
(1)
بالنَّصب
(2)
، على معنى: وتَشْهَدُ الشهادةَ الخامسةَ، ولا خلافَ في التي قبلَها
(3)
، وقرأ نافعٌ
(4)
: {أَنْ} بالتخفيف {غَضِبَ اللَّهُ} مثل: سَمِعَ اللَّهُ، على الفعل، وقرأ الباقونَ بتشديد "أَنَّ" ونَصْب الغضب على الاسم.
قوله تعالى: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} ؛ أي: سَتْرُه {وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (10)} وجواب "لَوْلا" محذوفٌ، يعني: لَعاجَلَكُمْ بالعقوبة وفَضَحَكُم، ولكنه سَتَرَ عليكم ورَفَعَ عنكم الحَدَّ باللِّعانِ حِكْمةً منه ورَحْمةً، {وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ} يعود على من رَجَع عن معاصي اللَّه إلى ما يحب بالرحمة {حَكِيمٌ} فيما فَرَضَ من الحدود.
(1)
هو: عبد اللَّه بن حبيب بن رُبَيِّعةَ الكوفي، من أولاد الصحابة ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، قرأ القرآن ومهر فيه، وعرض على عثمان وعَلِيٍّ وابن مسعود رضي الله عنهما، وأقرأَ الناسَ في المسجد الأعظم أربعين سنة، وكان ثقة رفيع المحل، توفِّي سنة (73 هـ). [تاريخ بغداد 9/ 430، غاية النهاية 1/ 413، سير أعلام النبلاء 4/ 267 - 272].
(2)
ينظر: السبعة ص 453، الكشف عن وجوه القراءات 2/ 135، تفسير القرطبي 12/ 183، البحر المحيط 6/ 399، الإتحاف 2/ 293.
(3)
لا، بل هناك خلافٌ، فقد قرأ طلحة والسلمي والحسن والأعمش وخالد بن إلياس:{وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ} بالنصب، ينظر: حجة القراءات ص 495، تفسير القرطبي 12/ 183، مفاتيح الغيب 23/ 166، البحر المحيط 6/ 399.
(4)
ينظر: السبعة ص 453، حجة القراءات ص 496، البحر المحيط 6/ 399، الإتحاف 2/ 292.
قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ} يعني: بالكذب على عائشةَ رضي الله عنها. والإفك: أسوأُ الكذب وأقبَحُه، وهو مأخوذٌ من: أَفَكَ الشيءَ: إذا قَلَبَهُ عن وجهه، والإفكُ: هو الحديثُ المقلوبُ عن وجهه.
وقوله: {عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} ؛ أي: جماعةٌ منكم، وهو خبر "إِنَّ"، ويجوز النصبُ على الحال
(1)
، ويكون الخبر:{لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ} قال الفراء
(2)
: العُصْبةُ: الجماعة من الواحد إلى الأربعين.
قوله تعالى: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ} يعني: الإفْك، أي: والذي تَحَمَّلَ مُعْظَمَهُ فبدأَ بالخَوْض فيه منهم {لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11)} . قَرأَ العامة {كِبْرَهُ} بكسر الكاف، وقرأ حُميدٌ الأعرج
(3)
ويعقوبُ بضمِّ الكاف
(4)
، قال أبو عَمْرو ابن العلاء
(5)
: هو خَطَأٌ؛ لأنّ الكُبْر بالضم في الوَلَاءِ والسِّنِّ، ومنه الحديث:
(1)
قاله النحاس في إعراب القرآن 3/ 130، وهذا إنما يجوز في غير القرآن.
(2)
قال الفراء: "والعُصْبةُ: عَشَرةٌ فما زادَ". معاني القرآن 2/ 36.
(3)
هو حميد بن قيس المكي الأعرجُ، أبو صفوان المروزي، مولى بني أسد بن عبد العزى، لم يكن بمكة أقرأ منه ومن ابن كثير، وهو ثقة، رَوَى عن مجاهد وعكرمة وغيرهما، وروى عنه أبو حنيفة ومالك وابن عيينة، توفِّي سنة (130 هـ). [غاية النهاية 1/ 265، تهذيب التهذيب 3/ 41، 42].
(4)
قرأ بضم الكاف أيضًا الكسائيُّ، وأبو عمرو في رواية محبوبٍ عنه، وأبو رجاء والثوريُّ والحسنُ ومجاهدٌ والزهريُّ والأعمشُ وابنُ أبي عبلة وأبو جعفر وأبو البَرَهْسَم وابنُ قطيب، ينظر: مختصر ابن خالويه ص 102، المحتسب 2/ 103، 104، تفسير القرطبي 12/ 200، مفاتيح الغيب 23/ 147، البحر المحيط 6/ 402، الإتحاف 2/ 293.
(5)
قال النحاس: "قِيلَ لأبِي عمرو بن العلاء: أَتَقْرَأُ: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ}؟ فقال: لا، إنما الكُبْرُ في النسب". معاني القرآن 4/ 509، وينظر قوله أيضًا في الكشف والبيان 7/ 78، عين المعاني 91/ أ.
"الولاءُ للكُبْر"
(1)
وهو أَقْعَدُ وَلَدِ الرَّجُلِ من الذكور وأقربُهم إليه نسبًا، وقال الكسائي
(2)
: هما لغتان مثلَ: صِفْر وصُفْر.
والكِبْر بالكسر: المأثم، وبضمِّ الكاف: المُعْظَمُ، وقيل
(3)
: الضمُّ في النَّسَب، والكسرُ في النَّفْسِ، ويقال
(4)
: كِبْرٌ -بالكسر-: مصدرُ الكبير من الأشياء والأمور، وكُبْرٌ -بالضم-: مصدر الكبير من السن.
والذي تولى كِبْرَهُ قيل: هو عبدُ اللَّه بن أُبَيِّ بن سَلُولٍ وأصحابه وحَسّانُ ابن ثابت ومِسْطَحُ بن أُثاثة
(5)
وحَمْنةُ بنتُ جحش
(6)
، فهم الذين تولَّوا كِبرَه، ثم فشا ذلك في الناس حتى نزلت البراءةُ والوحي في شأن عائشة رضي الله عنها وصفوانَ بنِ المُعَطَّلِ
(7)
.
(1)
رواه الدارمي في سننه 2/ 375، 376، 396 كتاب الفرائض: باب الولاء للكبر، وباب ما للنساء من الولاء، والبيهقي في السنن الكبرى 10/ 303 - 305 كتاب الولاء: باب الولاء للكبر.
(2)
ينظر قوله في تهذيب اللغة 10/ 209، الكشف والبيان 7/ 78.
(3)
قاله ابن السكيت والنحاس، ينظر: إصلاح المنطق ص 33، إعراب القرآن 3/ 130.
(4)
ذكره الرازي بدون نسبة في تفسير غريب القرآن ص 239.
(5)
هو: عوف بن أثاثة بن عباد بن المطلب بن عبد مناف، غلب عليه لقب مسطح، كان شجاعًا شريفًا، وكان ممن خاضوا في حديث الإفك، شهد بدرًا والمشاهدَ كلها، وتوفِّي سنة (34 هـ). [الإصابة 6/ 74، الأعلام 7/ 215].
(6)
حمنة بنت جحش بن رئاب الأسدية، أخت السيدة زينب، تزوجها مصعب بن عمير، وقُتِلَ يوم أُحُدٍ فتزوجها طلحة بن عبيد اللَّه، وكانت ممن خاضوا في حديث الإفك. [أسد الغابة 5/ 428، الإصابة 8/ 88].
(7)
صفوان بن المعطل بن رحضة، أبو عمرو السلمي، صحابي، شهد الخندق والمشاهد كلها، وحضر فتح دمشق، واستشهد بأرمينية سنة (19 هـ)، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثين. [أسد الغابة 3/ 26، الأعلام 3/ 206].
قال اللَّه تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ}
(1)
، وهو من الأَلِيّةِ، والأَلِيّةُ: اليَمِينُ، قال حسان:
36 -
آلَيْتُ ما في جَمِيعِ النّاسِ مُجْتَهِدًا
…
مِنِّي أَلِيّةَ بَرٍّ غَيْرِ إِفْنادِ
(2)
وقوله: {أَنْ يُؤْتُوا (22)} معناه: ألّا يُؤْتُوا، فحذف "لا"، نظيره قوله:{يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا}
(3)
؛ أي: ألا تضلوا، وقوله:{وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ}
(4)
يريد: ألّا تَقَعَ على الأرض
(5)
، قال يزيد بن مُفَرِّغٍ
(6)
:
= ولا يُقِرُّ على شيءٍ واحدٍ، رددته: يعنِي: عن نصيحتِي، التَّعْذالُ: اللَّوْمُ، المُؤْتَلِي: المُقَصِّرُ، أي: لا يُقَصِّرُ في نُصْحِي.
التخريج: ديوانه ص 18، السيرة النبوية لابن هشام 3/ 770، معاني القرآن للنحاس 4/ 511، شرح القصائد المشهورات للنحاس 1/ 30، شرح المعلقات السبع للزوزني ص 34، أشعار الشعراء الستة الجاهليين 1/ 36.
(1)
البقرة 226.
(2)
البيت من البسيط، من قصيدة له في رثاء النبي صلى الله عليه وسلم، ورواية ديوانه:
آلَيْتُ حَلْفةَ بَرٍّ غَيْرِ ذِي دَخَلٍ
اللغة: الأَلِيّةُ على وزن فَعِيلةٍ: اليمين، والجمع: أَلَايا، الإِفْنادُ: الكذب.
التخريج: ديوانه ص 207، السيرة النبوية لابن هشام 3/ 717، نهاية الأرب للنويري 18/ 402.
(3)
النساء 176.
(4)
الحج 65.
(5)
ما قاله الجبلي هنا موافق لمذهب الكوفيين، وهو ما قاله الفراء في أكثر من موضع من معاني القرآن 1/ 223، 297، 366 وغيرها، وأما البصريون فيقدرون مضافًا محذوفًا يكون مفعولًا لأجله، والتقدير: كراهةَ أن يؤتوا، ينظر: معانِي القرآن للنحاس 4/ 512.
(6)
يزيد بن زياد بن ربيعة الملقب بِمُفَرِّغٍ، أبو عثمان الحِمْيَرِيُّ، شاعر غَزِلٌ هَجّاءُ مقذع، سكن البصرة، مدح عبد الملك بن مروان، ثم سكن الكوفة وتوفِّي بها سنة 69 هـ. [الشعر والشعراء ص 367 - 371، الأعلام 8/ 183].
37 -
لاذَعَرْتُ السَّوامَ في وَضَحِ الصُّبْـ
…
حِ مُغِيرًا ولا دُعِيتُ يَزِيدا
يَوْمَ أُعْطِي مَخافةَ المَوْتِ ضَيْمًا
…
والمَنايا يَرْصُدْنَنِي أَنْ أَحِيدا
(1)
يريد: ألّا أَحِيدا.
قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ} أراد: أن الجوارحَ تتكلَّم وتنطق بما عَمِلت في الدنيا، {يَوْمَئِذٍ} يريد: يوم القيامة {يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ} ؛ أي: جزاءَهم وحسابهم الحق، يعني: الواجب.
قَرأَه العامّةُ بنصبِ القاف، وقرأ مجاهدٌ:{الْحَقَّ} بالرَّفع: على نعت {اللَّهُ} ، وتصديقه قراءةُ أُبَيٍّ
(2)
: {يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ} . {وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (25)} .
قوله تعالى: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ. . . الآية} إلى قوله تعالى: {أُولَئِكَ} يعني: الطيِّبين والطيبات {مُبَرَّءُونَ} ؛ أي: مُنَزَّهُونَ {مِمَّا يَقُولُونَ} يعني: مما
(1)
البيتان من الخفيف، ويُرْوَيانِ:
. . . . . . . . . في فَلَقِ الصُّبْحِ
…
. . . . . . . . . دُعِيتُ يَزِيدُ
يَوْمَ أُعْطِي مِنْ المَخافةِ ضَيْمًا
…
. . . . . . . . . . . . . . . . . .
اللغة: ذَعَرَ السَّوامَ: أفزعها، والسَّوامُ: كل إِبِلٍ تُرْسَلُ تَرْعَى ولا تُعْلَفُ، وَضَحُ الصبحِ وفَلَقُهُ: بياضه، لا دُعِيتُ يزيد؛ أي: لا دُعِيتُ الفاضلَ، يعني: هذا يزيد ولا يفتخر بأن اسمه يزيد، أن أحيد: يريد: لئلّا أحيد؛ أي: أميل عنها.
التخريج: ديوانه ص 72، السيرة النبوية لابن هشام 3/ 771، الأغاني 17/ 51، الخصائص 3/ 273، المختار من شعر بشار ص 177، أمالي ابن الشجري 1/ 131، خزانة الأدب 8/ 367.
(2)
قرأ ابن عباس وابن مسعود ومجاهد وأبو روق وأبو حيوة: {يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ} برفع الحق، وقرأ النبي صلى الله عليه وسلم وأُبَيٌّ:{يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ} ، ينظر: مختصر ابن خالويه ص 103، المحتسب 2/ 107، تفسير القرطبي 12/ 210، البحر المحيط 6/ 405.