الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ جنةَّ عَدْنٍ، وخَلَق فيها ما لا عَيْنٌ رَأَتْ، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ، ولا خَطَرَ على قَلْبِ بَشَرٍ، قال لها: تَكَلَّمِي، فقالتْ: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} ثَلاثًا، ثم قالتْ: أنا حَرامٌ على كُلِّ بَخِيلٍ ومُراءٍ"
(1)
.
وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ اللَّهَ تعالى خَلَقَ جَنّةَ عَدْنٍ بيده، فخلقها من دُرّةٍ من لَبِنةٍ بَيْضاءَ وياقُوتةٍ حَمْراءَ وزَبَرْجَدةٍ خَضْراءَ، مِلَاطُها المِسْكُ الأَذْفَرُ، وحَشِيشُها الزَّعْفَرانُ، وحَصْباؤُها اللُّؤْلُؤُ، وتُرابُها العَنْبَرُ، فقال لها: انْطِقِي، فقالت: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ}، فقال: وَعِزَّتي لا يُجاوِرُنِي فِيكِ بَخِيلٌ"، ثم تلا:{يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}
(2)
.
وعن عُمر رضي الله عنه قال: كان إذا نَزَلَ الوحيُ على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يُسْمَعُ له عند وَجْهِهِ كَدَوِّيِّ النَّحْلِ، فمكث ساعةً فاسْتَقْبَلَ القِبْلةَ ورفع يديه، فقال:"اللَّهُم زِدْنا وَلَا تَنْقُصْنا، وَأَكْرِمْنا وَلَا تُهِنّا، وَأَعْطِنا وَلا تَحْرِمْنا، وَآثِرْنا ولا تُؤْثرْ عَلَيْنا، وارْضَ عَنّا"، ثم قال: "لقد أُنْزِلَتْ عَليَّ عَشْرُ آياتٍ، مَنْ أَقامَهُنَّ
= التخريج: ديوانه ص 14، مجاز القرآن 1/ 30، الشعر والشعراء ص 269، معاني القرآن وإعرابه 1/ 76، الزاهر لابن الأنباري 1/ 38، إعراب ثلاثين سورة ص 100، تهذيب اللغة 5/ 72، المخصص 13/ 152، منتهى الطلب 2/ 200، اللسان: فلح.
(1)
رواه الطبراني في المعجم الأوسط 1/ 224، والمعجم الكبير 11/ 148، وينظر: الكشف والبيان 7/ 38، عين المعانِي ورقة 87/ ب، مجمع الزوائد 10/ 397 كتاب أهل الجنة، باب في بناء الجنة.
(2)
الحشر 9، التغابن 16، والحديث ذكره ابن كثير في تفسيره 3/ 248، وينظر: الدر المنثور 6/ 196، فيض القدير للمناوي 3/ 461.
دَخَلَ الجَنّةَ"، ثم قرأ:{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} إلى عَشْرِ آياتٍ
(1)
.
ثم وصفهم فقال: {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)} محَلُّ {الَّذِينَ} : رفعٌ على النَّعت للمؤمنين، وإن شئتَ قلت: هو رفعٌ على الابتداء، وإن شئت قلت: محَلُّه نصبٌ على المدح، وما بعدَه ظاهرُ التفسير.
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5)} قال اللَّيث
(2)
: الفَرْجُ: اسمٌ يَجْمَعُ سَوْآتِ الرجال والنساء، فالقُبُلَانِ وما حَوالَيْهِما كُلُّهُ فَرْجٌ
(3)
. والمراد بالفَرْجِ هاهنا: فُرُوجُ الرجال خاصةً، قال الكلبيُّ: يعني: يَعَفُّونَ عما لا يَحِلُّ لهم.
{إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ} "عَلَى" هاهنا: بمعنى "مِنْ" في قول الفَرّاء
(4)
؛ أي: إلّا من أزواجهم {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} و"ما": في مَحَلِّ الخفض، يعنِي: أو مِنْ ما مَلَكت أَيْمانهم {فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6)} على إتيانِ نسائهم وإمائهم.
وقوله: {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ} ؛ أي: فمن طلب سوى ذلك {فَأُولَئِكَ
(1)
رواه الإمام أحمد في المسند 1/ 34، والترمذيُّ في سننه 5/ 8 أبواب التفسير/ سورة المؤمنين، والحاكمُ في المستدرك 1/ 535 كتاب الدعاء/ باب رفع اليدين عند الدعاء، 2/ 392 كتاب التفسير/ سورة المؤمنون.
(2)
الليث بن المظفر بن نصر بن يسار الخراساني اللغوي، صاحِبُ الخليلِ، كان فقيهًا زاهدًا، اجتهد المأمون أن يوليه القضاء فَأَبَى، ذكره الأزهري في تهذيب اللغة في ذِكْرِ أَقْوامٍ تَسَمُّعُوا بمعرفة اللغة وأَلَّفُوا كُتُبًا أو ادَّعَوْها، وقال: إنه نحل الخليلَ تأليف كتاب العين. [فهرست ابن النديم ص 48، 49، لسان الميزان 4/ 494].
(3)
قول الليث في تهذيب اللغة 11/ 44، الوسيط للواحدي 3/ 284، اللسان: فرج.
(4)
معاني القرآن 2/ 231.
هُمُ الْعَادُونَ (7)}؛ أي: العاصُونَ الظالمون المتجاوزون إلى ما لا يحلُّ لهم، ومحل "مَنْ": رفعٌ بالابتداء، وكذلك:"أُوْلَئِكَ": رفعٌ بالابتداء، و"هُم": ابتداءٌ ثانٍ
(1)
، و"العادُونَ": خبرُ ابتداءِ الثاني، وهذه الجملة خبرُ ابتداءِ الأول.
قوله: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8)} ؛ أي: حافظون، وقَرأَ ابن كثير
(2)
: {لِأَمَانَاتِهِمْ} على التوحيد، وذلك أنه: مصدرٌ واسمُ جِنْسٍ فيقعُ على الكثير وإن كان مفردًا في اللفظ
(3)
. {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9)} وقرئ: {عَلَى صَلَوَاتِهِمْ}
(4)
، فمن أَفْرَدَ فَلَأنَّ الصلاةَ في الأصل عَمَلٌ مخصوص، ومَنْ جَمَعَ فلأنه قد صار اسمًا شرعيًّا لانضمام ما لم يكن في أصل اللغة إليها
(5)
، ومعنى الآية: والذين هم يحافظون على الصلوات المكتوبة، ويقيمونَها في أوقاتها.
قوله تعالى: {أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10)} يعني: الموصوفينَ الذين تَقدَّم ذِكرُهم يَرِثُونَ منازلَ أهل النار من الجنة، ثم ذكر ما يَرِثون فقال:{الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11)} مقيمون.
(1)
{أُولَئِكَ} مبتدأٌ أول، و {هُمُ}: ضمير فصل لا محل له على مذهب البصريين، وأما على مذهب الكوفيين، وهو ما اختاره الجِبْلِيُّ هنا، فهو مبتدأ ثانٍ، و {الْعَادُونَ} خبره، وجملة {هُمْ}: خَبَر المبتدأ الأول {أُولَئِكَ} .
(2)
وهي أيضًا قراءة أبي عمرو في رواية عنه وابن محيصن، ينظر: السبعة ص 444، الكشف 2/ 125، حجة القراءات ص 483، الإتحاف 2/ 281.
(3)
قاله الفارسي في الحجة 3/ 177.
(4)
هذه قراءة حمزة والكسائي وخلف والأعمش، ينظر: السبعة ص 444، حجة القراءات ص 483، الإتحاف 2/ 282.
(5)
من أول قوله: "فَلَأنَّ الصلاة في الأصل" إلى هنا قاله الفارسي في الحجة 3/ 177.