الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمعنى: زوِّجوا أيُّها المؤمنونَ مَن لا زوجَ له من أحرار رجالكم ونسائكم، وهو أَمْرُ نَدْبٍ واسْتِحْبابٍ، وهو الصحيح المشهور والذي عليه الجمهور، وفَسَّرَ بعض الفقهاءِ الآيةَ على الحَتْمِ والإيجابِ، فأَوْجَبَ النكاحَ على من استطاعه.
فصلٌ
قال الشافعيُّ رحمه الله
(1)
: "واجِبٌ للمرأة والرجل أن يتزوَّجا إذا تاقتْ أنفسُهُما إلى النكاح؛ لأنّ اللَّهَ -جل ثناه وتقدَّست أسماؤه- أَمَرَ به ورَضِيَهُ ونَدَبَ إليه، فبلَغَنا أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تَناكَحُوا تَكْثُرُوا، فإنّي أُباهِي بكم الأُمَمَ، حتى بالسِّقْطِ"
(2)
.
وقال عليه السلام: "مَنْ أَحَبَّ فِطْرَتِي فلْيَسْتَنَّ بسُنَّتي، وهي النكاح"
(3)
.
ولأنه يَنتفعُ بدعاء وَلَدِهِ مِن بَعْدِهِ، ومَن لم تَتُقْ نَفْسُهُ إِلَى ذَلِكَ فأَحَبُّ إليَّ أَن يتخلَّى لعبادة اللَّه تعالى، وقد ذكر اللَّه سبحانه وتعالى القواعد من النساء وذَكَرَ عَبْدًا أكرمه، فقال -عزَّ من قائل-: {وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ
= الكشف والبيان 7/ 89، عين المعاني ورقة 91/ ب، مجمع البيان 7/ 244، تفسير القرطبي 12/ 240، اللسان: أيم.
(1)
كتاب الأم 5/ 154، 155 بتصرف من المؤلف.
(2)
ينظر: الجامع الصغير 1/ 517، الدر المنثور 2/ 310، كنز العمال 16/ 276، كشف الخفاء 1/ 318.
(3)
رواه البيهقي بسنده عن أبي هريرة في السنن الكبرى 7/ 78 كتاب النكاح: باب الرغبة في النكاح، وينظر: مجمع الزوائد 4/ 252 كتاب النكاح: باب الحث على النكاح، كنز العمال 16/ 272، 279.
الصَّالِحِينَ}
(1)
، والحَصُورُ: الذي لا يأتي النساءَ، ولا يَحْتاجُ إلى النكاح، فدَلَّ على أن المندوب إليه من يَحْتاجُ إليه" اهـ.
وعن عبد اللَّه بن مسعود رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أتَى على أُمَّتي مائةٌ وثمانون سنةً فقد حَلَّتْ لهُمُ العُزْبةُ
(2)
والعُزْلةُ والتَّرَهُّبُ عَلَى رُءُوسِ الجِبالِ"
(3)
.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: "يا معشرَ الشباب، منِ استطاع منكم الباءةَ فلْيتزوَّجْ، فإنه أغَضُّ للبصر وأحصَنُ للفَرْج، ومَن لم يستطع فعليه بالصَّوم، فإنه له وِجاءٌ"
(4)
.
ويُسْتَحَبُّ له أن يتزوَّج الأبكارَ، ولا يتزوجَ عجوزًا ولا عاقرًا، لما رُوِيَ عن ابن عُمر رضي الله عنه أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:"عليكم بالأبكار، فإنّهن أعذَبُ أفواهًا وأَنْتَقُ أرحامًا وأَسمَنُ أَقْبالًا وأرضى باليسير من العمل"
(5)
.
(1)
آل عمران 39.
(2)
العُزْبةُ: ترك النكاح.
(3)
هذا الحديث موضوع، ذكره ابن الجوزي في الموضوعات 3/ 198 بلفظ:"ثلاثمائة وثمانون سنة"، وينظر: الكشف والبيان 7/ 92، كنز العمال 11/ 145، الفوائد المجموعة ص 121.
(4)
رواه البخاري في صحيحه 2/ 228، 229 كتاب الصوم: باب الصوم لمن خاف على نفسه العزوبة، 6/ 117 كتاب النكاح: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من استطاع منكم الباءة فليتزوج"، ورواه مسلم في صحيحه 4/ 128 كتاب النكاح.
(5)
رواه ابن ماجه في سننه 1/ 598 كتاب النكاح/ باب تزويج الأبكار، والبيهقي في السنن الكبرى 7/ 81 كتاب النكاح/ باب استحباب التزويج بالأبكار، وينظر: المعجم الكبير للطبراني 10/ 140، 17/ 141.
ومعنى قوله عليه السلام: "أنتَقُ أرحامًا" يعني: كثيرةَ الولد، يقال: امرأةٌ ناتِقٌ، أي: كثيرةُ الأولاد، قال الشاعر:
41 -
أَبَى لهُمُ أن يَعْرِفُوا الضَّيْمَ أَنَّهُمْ
…
بَنُو ناتِقٍ كانتْ كَثِيرًا عِيالُها
(1)
وإذا أراد أن يتزوَّج امرأة فلْيسأل عن شَعَرِها كما يسألُ عن وجهها، فإنّ الشَّعَرَ أَحَدُ الجَمالَيْنِ، رُوِيَ ذلك عن النبي عليه السلام
(2)
.
وعن عائشةَ رضي الله عنها قالت: قال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: "أعظمُ نساءِ أُمَّتِي بركةً أَصْبَحُهُنَّ وَجْهًا وأَقَلُّهُنَّ مَهْرًا"
(3)
.
وعن أبِي الدَّرداء، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "عليكم بالسَّرارِي، فإنّهنَّ مبارَكاتُ الأرحام"
(4)
.
وعن أنسٍ، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "عليكم بالوجوه الحِسانِ والحَدَقِ
(1)
البيت من الطويل، لأُنَيْفِ بنِ حَكَمٍ، أو ابن زَبّانَ النَّبْهانِيِّ الطائيِّ، يصف كتائب قومه.
التخريج: الكامل للمبرد 1/ 94، شرح الحماسة للتبريزي 1/ 88، 2/ 95، شرح الحماسة للمرزوقي ص 171، 638، أساس البلاغة:"نتق"، غريب الحديث للزمخشري 3/ 275، تاج العروس:"نتق".
(2)
هذا حديث موضوع، رُوِيَ عن أبي هريرة، ينظر: الموضوعات 2/ 262، الكشف والبيان 7/ 93، الجامع الصغير 1/ 90، كنز العمال 16/ 291، تذكرة الموضوعات ص 127.
(3)
رواه ابن عدي في الكامل في الضعفاء 2/ 364 وقال: "وهذا الحديث منكر المتن"، وينظر: الكشف والبيان 7/ 93، الجامع الصغير 1/ 630، كنز العمال 16/ 297، كشف الخفاء 1/ 388.
(4)
رواه الطبراني في المعجم الأوسط 8/ 187، وهو حديث موضوع ذكره ابن الجوزي في الموضوعات 2/ 259، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 4/ 259 كتاب النكاح/ باب التسري.
السُّودِ، فإنّ اللَّهَ عز وجل يَستحيي أن يعذِّبَ وجهًا مليحًا بالنار"
(1)
.
قوله تعالى: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ} يعني: إماءكم {عَلَى الْبِغَاءِ} ؛ أي: الزِّنا {إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا (32)} يعني: إِذْ أَرَدْنَ، وليس معناه الشرط
(2)
؛ لأنه لا يجوزُ إكراهُهنَّ على الزنا إن لم يُردْنَ تحصنًا، نظيرُها قوله تعالى:{وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}
(3)
يعني: إِذْ كُنْتُمْ، وقوله تعالى:{وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}
(4)
؛ أي: إِذْ كُنْتُمْ، وقوله تعالى:{لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ}
(5)
؛ أي: إِذْ شاءَ اللَّهُ.
وقال الواحدي
(6)
: إنما شَرَطَ إرادةَ التحصُّن لأنّ الإكراه لا يُتَصَوَّرُ إلا عندَ إرادة التحصُّن، فإن لم تُرِدِ المرأةُ التحصنَ باغَتْ بالطبع.
والتحصُّن: التعفُّف والتزويج.
(1)
هذا الحديث أيضًا موضوع ذكره ابن الجوزي في الموضوعات 1/ 161، وينظر: ميزان الاعتدال 1/ 509، 2/ 231، تذكرة الموضوعات ص 162.
(2)
هذا قول الكوفيين كما ذكر الرماني وابن فارس وغيرهما في مثل هذه الآية، قال الرماني:"وزعم الكوفيون أنها تأتي بمعنى "إذْ"، قالوا ذلك في قوله تعالى: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ}، زعموا أن معناه: إذْ شاء اللَّه، والبصريون يأبون ذلك ويقولون: "إِنْ" هاهنا شرط على بابها، وإنما جاء هذا على تقدير التأديب للعباد ليتادبوا بذلك". حروف المعاني ص 76، وينظر: معاني القرآن وإعرابه 4/ 40، معاني القرآن للنحاس 4/ 533، الصاحبي ص 177، الأزهية ص 55، الجنى الدانِي ص 212، مغني اللبيب ص 39، همع الهوامع 1/ 396.
(3)
البقرة 278.
(4)
آل عمران 139.
(5)
الفتح 27.
(6)
الوسيط في تفسير القرآن المجيد 3/ 319.
نزلت هذه الآيةُ في مُعاذةَ ومُسَيْكةَ جارِيَتَي عبدِ اللَّه بن أُبَيِّ، كان يُكرِهُهما على الزنا بضريبةٍ يأخذُها منهما، وكذلك كانوا يفعلون في الجاهلية، يؤاجِرون إماءَهم، فلمّا جاء الإسلام قالت مُعاذةُ لمُسَيْكة: إنّ هذا الأمرَ الذي نحن فيه لا يختلف من وجهَيْن، فإن يكُ خيرًا فقد استكثَرْنا منه، وإن يكُ شرًّا فقد آنَ لنا أن ندعَه، فأنزل اللَّه هذه الآية
(1)
.
قوله عز وجل: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} يعني: هادي أهلِ السماواتِ والأرض، لا هاديَ فيهما غيرُه، فهم -بنُوره- إلى الحقِّ يهتدون، وبُهداه من حَيْرة الضلالة يَنْجُون، وليس يهتدي مَلَكٌ مقرَّب، ولا نبيٌّ مُرْسَلٌ إلا بِهُدًى منه.
وقيل: معناه: مُزَيِّنُ السماواتِ بالشمس والقمر والنجوم، ومُزَيِّنُ الأرض بالأنبياءِ والعلماء والمؤمنين.
ومعنى النُّور في اللغة: الضِّياء، وهو الذي يُبَيِّنُ الأشياءَ، ويُرِي الأبصارَ حقيقةَ ما تراه، قال بعضُ العلماء: النُّور على أربعة أوجه: نُورٌ مُتَلأْلِئٌ، ونورٌ مُتَوَلِّدٌ، ونورٌ من جهة صفاءِ اللون، ونورٌ من جهة المدح، فالنُّور المتلألئُ مثلُ قُرص الشمس والقمر والكواكب وشعلة السِّراج، والنور المتولِّد هو الذي يتولد من شُعاع الشمس والقمر والسراج فيقعُ على الأرض فتستنير به، والذي هو من صفاءِ اللون مثلُ نور اللآلئ واليواقيت وسائرِ الجواهر وكلِّ شيءٍ له نورٌ صافٍ، والذي هو من جهة المدح قولُ الناس: فلانٌ نُورُ البلد وشمسُ العصر، قال النابغة:
(1)
ينظر: الكشف والبيان 7/ 99، أسباب النزول ص 129، 220، زاد المسير 6/ 38.
42 -
فَإِنَّكَ شَمْسٌ والمُلُوكُ كَواكِبُ
…
إِذا ما بَدَتْ لم يَبْقَ مِنْهُنَّ كَوْكَبُ
(1)
وقال آخَر:
43 -
إِذاسارَ عَبْدُ اللَّهِ مِنْ مَرْوَ لَيْلةً
…
فقدْ سارَ مِنْها نُورُها وجَمالُها
(2)
ويجوز أن يقال: اللَّهُ تعالى نُورٌ من جهة المدح؛ لأنه أَوْجَدَ الأشياءَ، ونُورُ جميعِ الأشياءِ منه دونَ سائر الأوجه؛ لأنّ النُّورَ المحسوسَ -الذي هو ضدُّ الظُّلمة- لا يخلو من شُعاع وارتفاع وسطوع ولُمُوعٍ، وهذه كلها مَنْفيّةٌ عن اللَّه تعالى؛ لأنها من أمارات الحَدَثِ
(3)
.
وقوله: {مَثَلُ نُورِهِ} قيل: الهاء عائدة إلى المؤمن؛ أي: مثل نوره في قلب المؤمن، حيث جعل الإيمانَ والقرآنَ في صدره، وقيل: أراد بالنور القرآن، وقيل: أراد به محمدًا صلى الله عليه وسلم، أضاف هذه الأنوارَ إلى نفسه تفضيلًا، وقيل: أراد بالنُّور الطاعةَ، سَمَّى طاعتَهُ نُورًا، ولا يجوز أن تكونَ الهاءُ عائدةً إلى اللَّه عز وجل لأنه لا حدَّ لنُوره
(4)
.
(1)
البيت من الطويل من قصيدة يمدح بها النعمان بن المنذر، ومنها الشاهد رقم 34، 1/ 331، ورواية ديوانه:
بِأَنَّكَ شَمْسٌ. . . . . . .
…
إِذا طَلَعَتْ لم يَبْدُ مِنْهُنَّ كَوْكَبُ
التخريج: ديوانه ص 74، الصناعتين ص 91، 270، الصاحبي ص 323، عين المعاني ورقة 91/ ب، الحماسة البصرية ص 369، القرطبي 12/ 256، البحر المحيط 6/ 418.
(2)
البيت من الطويل، لعمار بن الحسن، يمدح عبد اللَّه بن المبارك، ويُرْوَى:"فَقَدْ سارَ عَنْها".
التخريج: تاريخ دمشق 32/ 434، تاريخ بغداد 10/ 162، عين المعاني 90/ أ، تفسير القرطبي 12/ 256، البحر المحيط 6/ 418، تهذيب الكمال 16/ 19، سير أعلام النبلاء 8/ 391، فتح القدير 4/ 32.
(3)
من أول قوله: "هادي أهل السماوات" نقله المؤلف بتصرف عن الثعلبِيِّ في الكشف والبيان 7/ 100، 101.
(4)
قوله: "ولا يجوز أن تكون الهاء" قاله ابن الأنباري في إيضاح الوقف والابتداء ص 797.
ثم ضَرَب لهم مثلًا، فقال:{كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ} ، قال أهل المعانِي: هذا من المقلوب، أي: كمصباح في مشكاة، وهي: الكُوّةُ التي لا مَنْفَذَ لها، فهو أَجْمَعُ للضوء
(1)
، وأصلُها الوعاءُ يُجْعَلُ فيه الشيءُ، والمِشكاةُ: وعاءٌ من أَدَمٍ يُبَرَّدُ فيها الماءُ، وهي على وزن "مِفْعَلة" كالمِقْراةِ والمِصْفاةِ
(2)
، قال الشاعر:
44 -
كأَنَّ عَيْنَيْهِ مِشْكاتانِ مِنْ حَجَرٍ
…
فاضا افْتِياضًا بِأَطْرافِ المَناقِيرِ
(3)
وقرأ الدُّورِيُّ
(4)
عن الكسائي
(5)
: {كَمِشْكَاةٍ} بالإمالة، والمِصباح: السِّراج، وأصلُه الضُّوء ومنه: الصُّبح، ورجلٌ صَبِيحُ الوجهِ ومُصْبِحٌ: إذا كان وضيئًا.
وفَرَّقوا بينَ المِصباح والسِّراج، فقال الخليل
(6)
: المصباح: السِّراجُ بالمِسْرَجةِ، وقيل: هو موضعُ الفتيلة، والسِّراج: نفسُ السراج.
(1)
قوله: "وهي الكوة. . . إلخ" قاله ابن قتيبة وأبو عمر الزاهد، ينظر: غريب القرآن لابن قتيبة ص 305، ياقوتة الصراط ص 377.
(2)
ينظر: تفسير القرطبي 12/ 257.
(3)
من البسيط، لأبِي زُبَيْدٍ الطائيِّ يصف عَيْنَي أسدٍ، ويُرْوَى:
كان عينيه في وَقْبَيْنِ. . . . . .
…
قِيضا اقْتِياضًا. . . . . . .
اللغة: المشكاة: الكُوّةُ غير النافذة قِيضا: حُفِرا، والقَيْضُ: قشرة البيضة العليا، وقاضَها الطائرُ: شَقَّها عن الفَرْخِ فانقاضت؛ أي: انشقت، الوَقْبُ في الحَجَرِ: نُقْرةٌ يجتمع فيها الماء.
التخريج: الشعر والشعراء ص 685، الصناعتين ص 134، الكشف والبيان 7/ 102، عين المعانِي ورقة 90/ أ، تفسير القرطبي 12/ 258.
(4)
هو: حفص بن عمر بن عبد العزيز الأزدي، أبو عمر الدُّورِيُّ، إمام القراء في عصره، كان ثقة ضابطًا، ضريرًا، وهو أول من جمع القراءات، توفِّي بالرِّيِّ سنة (246 هـ)، من كتبه: ما اتفقت ألفاظه ومعانيه من القرآن قراءات النبي صلى الله عليه وسلم. [غاية النهاية 1/ 255: 257، الأعلام 2/ 264].
(5)
ينظر: السبعة ص 455، إعراب القراءات السبع 2/ 107، الإتحاف 2/ 297.
(6)
قال الخليل: "والمصباح: السراج بالمِسْرَجةِ، والمصباح: نفس السراج، وهو قُرْطُهُ الذي =
وقيل: السراج أعظمُ من المصباح؛ لأن اللَّه تعالى سَمَّى الشمسَ سِراجًا فقال: {سِرَاجًا وَهَّاجًا}
(1)
، وقال:{وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا}
(2)
، وقال:{وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا}
(3)
، وقال فى غيرها من الكواكب:{وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ}
(4)
.
قوله: {الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ} يعني: القِنديلَ، وهو رَفْعٌ بالابتداء، قال الزَّجّاجُ
(5)
: النور في الزُّجاجِ وضوءِ النارِ أَبْيَنُ منه في كلِّ شيء، وضوؤه يزيد في الزُّجاجِ.
ثم وَصَف الزُّجاجةَ فقال: {الزُّجَاجَةُ} : رفعٌ بالابتداء {كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ} وهو المضيء، منسوبٌ إلى أنه كالدُّرِّ في صفائه وضيائه وحُسنه، وإن كان الكوكبُ أكثرَ ضوءًا من الدُّرِّ، ولكنه يَفْضُلُ الكواكبَ بضيائه، كما يَفضُلُ الدُّرُّ سائرَ الحَبِّ
(6)
. فشَبَّهَ الزَّجاجةَ بأحد النجوم الخمسة، وهي: الزُّهرة وعُطارِدٌ والمشتري وبَهْرامُ وزُحَلُ، كلُّها أنجُمٌ دُرِّيّةٌ؛ أي: مضيئة.
فإن أراد به لونَ الدُّرِّ فهو على قراءة مَن قرأ: {دُرِّيٌّ} بضمِّ الدال من غير
= تراه في القنديل وغيره". العين 3/ 126، فجملة "وقيل: هو موضع الفتيلة" ليست من كلام الخليل، بل هي مقحمة عليه.
(1)
النبأ 13.
(2)
نوح 16.
(3)
الفرقان 61.
(4)
الملك 5.
(5)
معانِي القرآن وإعرابه 4/ 43، 44.
(6)
من أول قوله: "منسوب إلى أنه كالدر" قاله أبو بكر السجستانِي في تفسير غريب القرآن ص 112، وينظر: تفسير غريب القرآن للرازي ص 207.
همز، ومن قرأ:{دِرِّيٌّ} بكسر الدال، فهو مِنْ: دَرَأ الكوكبُ: إذا خرج من أُفقٍ إلى أُفق
(1)
، ولا يجوز أن تُضمَّ الدالُ وتهمز؛ لأنه ليس في الكلام "فُعِّيلٌ"
(2)
.
ومثال {دُرِّيٌّ} : "فُعْلِيٌّ" منسوب إلى الدُّرِّ. ويجوز: {دُرِّيٌّ} بغير همز، يكون مخففًا من المهموز، وهو بمعنى {دُرِّيٌّ} ، وكُسِرَ أوله حملًا على وسطه وآخره؛ لأنه ثقل عليه ضمةٌ بعدها كسرة وياء، كما قالوا: كِرْسِيٌّ للكُرْسِيِّ
(3)
، ودِرِّيءٌ مهموز:"فِعِّيلٌ" من النجوم الدراري التي تَدْرَأُ أي: تَنْحَطُّ وتسير سيرًا متدافعًا، يقال: دَرَأَ الكوكبُ: إذا تدافع مُنْقَضًّا فتضاعف ضوؤُه، ويقال: تَدارَأَ الرجلان: إذا تدافعا
(4)
.
قرأ أبو عَمْرٍو والكسائيُّ
(5)
: "دِرِّيءٌ" بكسر الدال والمدِّ والهمز، وقَرأَ حمزةُ وأبو بكرٍ مثلَهما إلّا أنّهما ضَمّا الدالَ.
(1)
وعلى هذا فوزنه "فِعِّيلٌ"، قاله ابن قتيبة وابن الأنباري والأزهري، ينظر: تفسير غريب القرآن لابن قتيبة ص 305، الزاهر لابن الأنباري 1/ 196، معاني القراءات للأزهري 2/ 208.
(2)
قاله الفراء والزجاج، وينظر: معاني القرآن للفراء 2/ 252، معاني القرآن وإعرابه 4/ 44، وفيه نظر، فإنه يوجد "فُعِّيلٌ" مهموزًا وإن كان قليلًا، قال سيبويه في باب "ما لحقته الزوائد من بنات الثلاثة":"ويكون على "فُعِّيلٍ"، وهو قليل في الكلام، قالوا: المُرِّيقُ، حدثنا أبو الخطاب عن العرب، وقالوا: {كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ} وهو صفة". الكتاب 4/ 268، وينظر: رَدُّ ابن الأنباري على الفراء في الزاهر 1/ 196، وَرَدُّ الفارسيِّ على الزَّجّاجِ في الإغفال 2/ 488 وما بعدها، وينظر أيضًا: المسائل المشكلة ص 497، معاني القراءات 2/ 208، 209.
(3)
قال الجوهري: "والكُرْسِيُّ: واحد الكَرِاسِيِّ، وربما قالوا: كِرْسِيٌّ بكسر الكاف". الصحاح 3/ 970.
(4)
من أول قوله: "وهو بمعنى دري، وكسر أوله" قاله أبو بكر السجستانِي في تفسير غريب القرآن ص 112.
(5)
قرأ أبو عمرو والكسائي واليزيدي: {دِرِّيءٌ} ، وقرأ حمزةُ، وأبو بكر عن عاصم، والأعمشُ =
وأنكر الفَرّاء
(1)
والزَّجّاجُ
(2)
وأبو العَبّاس المبرّدُ
(3)
هذه القراءةَ؛ لأنه ليس في كلام العرب شيء على هذا الوزن، وقرأ الباقون:{دُرِّيٌّ} بضمِّ الدال وتشديد الياء من غير همزٍ ولا مدٍّ، وقد تقدَّم وجهُ ذلك.
ثم قال: {تُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ} قرأ نافعٌ وشيبةُ
(4)
وأيوبُ وحفصٌ وابنُ عامر: {يُوقَدُ} بالياء مع الضم، وقَرأَ أبو عَمْرو وابنُ كثير والحسنُ وأبو عبد الرحمن السُّلَمِيُّ ومجاهدٌ وأبو جعفر:{تَوَقَّدَ} بالتاء وفتح حروف الكلمة كلِّها، وهما متقاربتان؛ لأنهما جميعًا للمصباح، فـ {يُوقَدُ} فعلُ مستقبَلٍ من: أَوْقَدَ يُوقِدُ، و {تَوَقَّدَ}: فعلُ ماضٍ من: تَوَقَّدَ يتوقَّدُ.
وقرأ نَصْرُ بنُ عاصِمٍ أيضًا: {تَوَقَّدُ} ، والأصل على قراءته: تتوقَّدُ، حذَفَ إحدى التاءَيْن؛ لأنّ الأخرى تدلُّ عليها، وقَرأَ الكوفيون
(5)
: {تُوقَدُ} بالتاء وضمِّها، فهاتان القراءتان على تأنيث الزُّجاجة.
= والمُطَّوِّعِيُّ: {دُرِّيٌّ} ، وقرأ نافع وابن كثير وابن عامر، وحفص وأبو جعفر ويعقوب وخلف والحسن وابن محيصن:{دُرِّيٌّ} بضم الدال من غير همز، ينظر: السبعة ص 455، 456، إعراب القراءات السبع 2/ 108، 109، حجة القراءات ص 499، التيسير ص 162، تفسير القرطبي 12/ 261، البحر المحيط 6/ 419، الإتحاف 2/ 297، 298.
(1)
ينظر: معاني القرآن 2/ 252.
(2)
ينظر: معاني القرآن وإعرابه 4/ 44.
(3)
ينظر إنكار المبرد في الوسيط للواحدي 3/ 320.
(4)
هو شيبة بن نِصاح بن سرجس بن يعقوب المخزومي المدنِيُّ، مولى أم سلمة، قاضي المدينة وإمام أهلها في القراءات، وكان من ثقات رجال الحديث، توفي سنة (130 هـ). [غاية النهاية 1/ 329، 330، الأعلام 3/ 181].
(5)
قرأ "تَوَقَّدُ" بالتاء أيضًا: السُّلَمِيُّ وقتادةُ وابنُ محيصن وسلام وعاصمُ بن بهدلة ومجاهد وابن أبي إسحاق، وعاصمٌ في رواية المفضل عنه، والحسنُ وهارونُ، ينظر في هذه القراءات =