الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحثُ الثامن مذهبُه النَّحْويُّ واختياراتُه
يمكن القولُ بأنّ الجِبْليَّ كان - كغيره من العلماء المتأخِّرين، الذين كانوا ينتخِبون لأنفُسِهم من آراءِ البصْريِّين والكوفيِّين ما يرَوْنَه راجحًا، دون التقيُّد بمذهبٍ واحدٍ دائمًا، وربّما مَزَجوا بينَ المذهبَيْنِ.
وإن كان الجِبْلي يمزُج بين آراء البصريِّين والكوفيِّين، فإنه كان أكثرَ ميلًا إلى مذهب الكوفيِّين في اختياراته النَّحوية، كما كان أكثرَ ميلًا إلى استخدام مصطلحاتهم النَّحوية، وربما اختار رأيًا من آراء المتأخِّرين، وخاصةً طاهرَ بن أحمد بن بابَشاذ؛ نظرًا لتأثُّر اليمنيِّين بكتُب ابن بابَشاذ بصفةٍ خاصة
(1)
.
واختياراتُ الجِبْلي في "البستان" كثيرةٌ جدًّا، ولكنَّني سأضرب. أمثلةً لاختياراته البَصْريّة والكوفية، سواءٌ أكانت هذه الاختيارات للمدرستَيْن: البصريّة والكوفيّة بصفة عامة، أو كانت لأفرادٍ من هاتَيْن المدرستَيْن:
فمن أمثلة ما اختار فيه مذهبَ البصريِّين:
1 -
اختار مذهبَ البصريِّين في أنه لا يُعْطَفُ على الضمير المخفوض إلا بإعادة الخافض، ففي قوله تعالى:{وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ}
(2)
، قال
(1)
ينظر تأثر اليمنيين بكتب المصريين، وبخاصة كتب طاهر بن أحمد بن بابشاذ 1/ 27 من هذه الدراسة.
(2)
الأحزاب 7.
الجِبْلي
(1)
: "ولم يقلْ: ونُوحٍ؛ لأنّ المُظهَر إذا عُطِف على المضمَر المخفوض أُعِيدَ الحرفُ، تقول: مررتُ به وبزَيْد".
2 -
اختار مذهبَ البصريِّين في أنّ الواو العاطفةَ لا تكون زائدةً، ففي قوله تعالى:{وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا}
(2)
، قال الجِبْلي
(3)
: "واختلف النُّحاةُ في جوابه، فقال بعضُهم: جوابه: "فُتِحَتْ أَبْوابُها"، والواو مُقْحَمةٌ زائدةٌ عند الكوفيِّين، تقديرها: حتى إذا جاءوها فُتِحت أبوابُها، كقوله تعالى:{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً}
(4)
، يعني: ضِياءً، وهذا خطأٌ عند البَصْريِّين؛ لأنها تفيد معنًى، وهي للعطف هاهنا".
3 -
اختار قول أَبِي عُبَيدةَ والأخفَش في أنّ "أو" قد تأتي بمعنى الواو، ففي قوله تعالى:{وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}
(5)
، قال الجِبْلي
(6)
: "والألفُ في "أَوْ": صلةٌ، ومعناه واو العطف، كأنه قال: وإنّا وإياكم، كقوله تعالى:{وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا}
(7)
الألف هاهنا: صلةٌ".
وفي قوله تعالى: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ}
(8)
، قال الجِبْلي
(9)
: {أَوْ} بمعنى: الواو، كقوله:{عُذْرًا أَوْ نُذْرًا}
(10)
.
(1)
البستان 2/ 100.
(2)
الزمر 73.
(3)
البستان 2/ 370.
(4)
الأنبياء 48.
(5)
سبأ 24.
(6)
البستان 2/ 174.
(7)
الإنسان 24.
(8)
الصافات 147.
(9)
البستان 2/ 283.
(10)
المرسلات 6.
وفي قوله تعالى: {ولَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا}
(1)
، قال الجِبْلي
(2)
: "و {أَوْ} بمعنى: الواو، والألف صلة، يعني: {وَكَفُورًا} ".
4 -
اختار عذهَب البَصْريِّين في أنّ اللام الواقعةَ في خبر "إِنِ" المخفَّفة هي الفارقةُ، ففي قوله تعالى:{وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ}
(3)
، قال الجِبْلي
(4)
: "أي: وقد كانوا لَيَقُولُونَ، واللام: لامُ توكيد، لَمّا خُفِّفت "إِنَّ" دخلت على الفعل، ولزمتها اللام فرقًا بين النفي والإيجاب، والكوفيون يقولون: "إِنْ" بمعنى: "ما"، واللام بمعنى: "إِلّا"، أي: وما كانوا إلا يقولون".
فقد وَجَّهَ الآيةَ على وَفْق مذهب البصريِّين، ثم حكى مذهبَ الكوفيِّين بما يوحي أنه اختار مذهبَ البصريِّين، ولكنه في قوله تعالى:{وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ}
(5)
، قال
(6)
: "إِنْ" عند الكوفيِّين بمعنى: "ما"، واللام بمعنى "إِلّا"، تقديره: وما يكاد الذين كفروا إِلّا لَيُزْلِقُونَكَ، و"إِنْ" عند البَصْريِّين مخفَّفةٌ من الثقيلة، واسمها مضمَرٌ معَها، واللام لام التأكيد لَزِمَتْ هذا النوعَ لِئَلّا تُشْبِهَ "إِن" الَّتِي بمعنى "ما".
5 -
اختار مذهبَ المبرّد والزَّجّاج في جوازِ وصف "اللَّهُمَّ": ففي قوله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ}
(7)
، قال الجِبْلي
(8)
: "نصبٌ
(1)
الإنسان 24.
(2)
البستان 4/ 220.
(3)
الصافات 167.
(4)
البستان 2/ 288.
(5)
القلم 51.
(6)
البستان 4/ 28.
(7)
الزمر 46.
(8)
البستان 2/ 356.