الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5 -
في قوله تعالى: {فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ}
(1)
، قال الجِبْلي
(2)
: "وقرأ حمزةُ والكِسائي: "فَتَثَبَّتُوا" وبالتاء والثاء، من الثَّباتِ، وهو أبلغُ في المعنى؛ لأن الإنسان قد يَتَثَبَّتُ ولا يَتَبَيَّنُ، وإذا تَبَيَّنَ فقد تَثَبَّتَ".
2 - موقفُ الجِبْلي من القراءات الشّاذّة:
القراءة الشّاذّةُ هي: ما فَقَدتْ شرطًا أو أكثرَ من شروط القراءة الصحيحة التي سبق ذِكرُها، وهذه القراءاتُ يَحتجُّ بها العلماءُ في اللّغة، قال ابنُ جِنِّي في الضَّرب الثانِي من ضَرْبَيِ القراءات
(3)
: "وَضَرْبًا تَعَدَّى ذلك، فسمّاه أهلُ زماننا شاذًّا؛ أي: خارجًا عن قراءة القُرّاءِ السبعة المُقَدَّمِ ذِكْرُها، إلّا أنه -معَ خروجِه عنها- نازعٌ بالثِّقة إلى قُرّائه، محفوفٌ بالروايات من أَمامِه وورائه، ولعلّه أو كثيرًا منه مُساوٍ في الفصاحة للمُجتمَعِ عليه، نعم! وربما كان فيه ما تَلطُفُ صَنْعتُهُ، وتَعْنُفُ بغيره فصاحتُهُ، وتَمْطُوهُ قُوَى أسبابِهِ، وتَرْسُو به قَدَمُ إعرابِه".
وقال السُّيوطي
(4)
: "وقد أَطْبق الناس على الاحتجاج بالقراءات الشاذّة في العربيّة إذا لم تخالف قياسًا معروفًا، بل! ولو خالفته يُحْتَجُّ بها في مثل ذلك الحرف بعَيْنِه، وإن لم يَجُز القياسُ عليه، كما يُحتَجُّ بالمُجمَع على وروده ومخالفته القياسَ في ذلك الواردِ بعَيْنه، ولا يقاسُ عليه، نحوَ {اسْتَحْوَذَ}
(5)
و {يَأْبَى} "
(6)
.
(1)
الحجرات 6.
(2)
البستان 3/ 117.
(3)
المحتسب 1/ 32.
(4)
الاقتراح في علم أصول النحو ص 96، وبنظر: الإتقان للسيوطي أيضًا 1/ 108، وينظر أيضًا ما ذكره الزركشي في البرهان 1/ 336، 337.
(5)
المجادلة 19.
(6)
التوبة 32.
وإذا نظرنا في "البستان" وجَدْنا أنّ الجِبْليَّ كان أحيانًا يذكر القراءةَ الشاذّة ليفسِّر بها قراءةً صحيحة، أو ليبيِّن بها إعرابًا لهذه القراءة الصّحيحة، وقد يوجِّه القراءةَ الشاذّة توجيهًا قويًّا في العربية، وَيحتجُّ لها، ومن أمثلة ذلك ما يلي:
1 -
في قوله: {هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ}
(1)
، قال الجِبْلي
(2)
: "واختَلف القُرّاءُ فيه، فقرأ أبو جعفرٍ بكسر التاء فيهما، وقرأ نصرُ بن عاصم بالضمّ، وقرأ أبو حَيْوةَ الشاميُّ بالضمِّ والتنوين، وقرأ الباقونَ بالنّصب من غير تنوين، وكلُّها لغاتٌ صحيحة".
2 -
في قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ}
(3)
، قال الجِبْلي
(4)
: "قرأه العامّةُ بنَصْب القاف، وقرأ مجاهدٌ: {الْحَقُّ} بالرَّفع، على نعت {اللَّهَ}، وتصديقه قراءةُ أُبَيٍّ: "يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ الْحَقُّ دِينَهُمْ"".
3 -
في قوله تعالى: {إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ}
(5)
، قال الجِبْلي
(6)
: "وقرأ أبو عبد الرحمن السُّلَميُّ وعيسى بن عُمر: {عُجّابٌ} بالتشديد: وهو المفرِّطُ في العُجْب، كما قالوا: رَجُلٌ حُسّانٌ وامرأةٌ حُسّانةٌ".
4 -
في قوله تعالى: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ}
(7)
، قال الجِبْلي
(8)
:
(1)
المؤمنون 36.
(2)
البستان 1/ 280.
(3)
النور 25.
(4)
البستان 1/ 317.
(5)
سورة ص 5.
(6)
البستان 1/ 301.
(7)
الزخرف 76.
(8)
البستان 2/ 488.
"قال الفَرّاء
(1)
: وهي في حرفِ عبد اللَّه بن مسعود: {وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمُونَ} . قال أبو جعفر
(2)
: فعلى هذا يكون "هُمُ" في موضع رفع بالابتداء، و {الظّالِمُونَ}: خبرُ الابتداء، والابتداءُ وخبرُه خبرُ "كانَ"، كما تقول: كان زيدٌ أبوه خارجٌ، ومثله:{كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ}
(3)
، و {الرَّقِيبَ} بالرَّفع أيضًا، وكذلك قوله تعالى:{وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ}
(4)
بالنَّصب والرَّفع".
وكان الجِبْلي أحيانًا يُنكر القراءةَ الشاذّةَ ويضعِّفها، أو يذكرُها ليستدلَّ بها على أنّ قراءة العامّة أجوَدُ في العربية، ومن أمثلةِ ذلك ما يلي:
1 -
في قوله تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ}
(5)
، قال الجِبْليّ
(6)
: "وقرأ السُّلَميُّ: {يُبْلِسُ} بفتح اللام، وقراءةُ العامّة أجوَد".
2 -
في قوله تعالى: {ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}
(7)
، قال الجِبْلي
(8)
: "و {ذَلِكَ} : ابتداء، و {عَالِمُ}: خبره، و {الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}: نعتُه، ومن قرأ بالخَفْض
(9)
فهو شاذ، نعت لقوله:{مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، تقديره: من ربِّ العالَمين العزيزِ الرَّحيم، وهذا بعيدٌ لِما بينَهما من الفصول والآيات والكلمات الكثيرة".
(1)
معاني القرآن 3/ 37.
(2)
يعني النحاس، ينظر: إعراب القرآن 4/ 121.
(3)
المائدة 117.
(4)
الأنفال 32.
(5)
الروم 12.
(6)
البستان 2/ 31.
(7)
السجدة 6.
(8)
البستان 2/ 78.
(9)
قرأ: {الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} بالخفض أبو زيد النحوي، ينظر: مختصر ابن خالويه ص 118، البحر المحيط 7/ 194.