الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحثُ الرابع المصطَلحاتُ النَّحوّية في البستان
تُعَدُّ المصطَلحاتُ وسيلةً أساسيّةً لفهم العلوم، ومنها علم النَّحو، "فلا بد للنَّحو من مصطَلحاتٍ تكون أعلامًا على موضوعات ومعانٍ يُطْلِقُها أصحاب الصناعة، فيفهمُها الدارسون من أهلها"
(1)
.
وقد كان لكلِّ فريق من البَصْريِّين والكوفيِّين مصطلحاتٌ نَحْويةٌ خاصةٌ به، كما كانت هناك مصطَلحاتٌ مشتركة بين الفريقَيْن، يقول الدكتور مهدي المخزومي
(2)
: "والمصطلحات النَّحوية التي اصطنعتها المدرستانِ ثلاثُ طوائف:
1 -
طائفةٌ كوفيّة خالصة، لم يعرفْها البصريُّون.
2 -
طائفةٌ بَصْريّة خالصة، لم يعرفْها الكوفيون.
3 -
طائفةٌ كوفيّةٌ بَصْريّة، إلّا أنّ لها عندَ الكوفيِّين اسمًا، وعند البصريِّين اسمًا آخر". اهـ.
وقد كان الجِبلي يستخدمُ المصطلح البَصْريَّ أحيانًا، كما كان يستخدم المصطَلح الكوفيَّ أحيانًا أخرى، وربما استخدم مصطلحًا غيرَ معروف عند الفريقَيْن.
(1)
مدرسة الكوفة في منهجها في دراسة اللغة والنحو، تأليف الدكتور/ مهدي المخزومي ص 303، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر، ط 2، (1377 هـ) = (1958 م).
(2)
مدرسة الكوفة للدكتور مهدي المخزومي ص 305.
ولن أتناولَ في هذه الدراسة المصطلحاتِ البَصْريّةَ أو الكوفيّةَ التي استخدمها الجِبْلي؛ وذلك لأنّ هذه المصطلحاتِ قد بلغت من الشُّهرة عند النَّحويّين حَدًّا لا يحتاج إلى إبرازها وتوضيحها، ولكنني سأقتصرُ هنا على المصطلحات التي وقَفْتُ عليها عند الجِبْلي، وليست -على حَدِّ عِلْمِي- بصريّةً ولا كوفيّةً، ومن أمثلتها عندَه ما يلي:
1 -
الفعل المستقبل: وقد استعمله الجِبْلي في كتابه في موضع واحد، وأراد به اسمَ الفاعل
(1)
، ففي قوله تعالى:{وَكُلٌّ آتُوهُ دَاخِرِينَ}
(2)
، قال الجِبْلي
(3)
: "وأصلُ {آتُوهُ}: آتِيُوهُ، وهو فعلٌ مستقبَلٌ على قراءة العامة، وقرأ الأعمش وحمزة وحفص: {وَكُلٌّ أَتَوْهُ} من غير مَدٍّ، جعلوه فعلًا ماضيًا".
ويبدو أن مصطلح الفعل المستقبَل هنا من مصطَلحات الكوفيِّين؛ فإنهم يُسَمُّونَ اسمَ الفاعل بالفعل الدائم
(4)
، ولكنّي لم أقفْ على قولٍ لأحدٍ من العلماء في هذا.
2 -
النَّصب على الصَّرف: مصطَلح الصَّرف عند الكوفيِّين معناه: أنّ الفعل المضارع صُرِفَ من الجزم إلى النَّصب لوقوعه بعدَ الواو استخفافًا للنصب، ولكنّ الجِبْلي استعمل هذا المصطلحَ في موضع واحدٍ من البستان على وَجهٍ يختلف عن هذا المعنى الذي استعمَله فيه الكوفيُّون، ففي قوله تعالى:{بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ}
(5)
،
(1)
مصطلحات النحو الكوفي ص 50 - 52.
(2)
النمل 87.
(3)
البستان 1/ 471.
(4)
ينظر: مدرسة الكوفة للمخزومي ص 281، 310، مصطلحات النحو الكوفي ص 52.
(5)
الحجرات 17.
قال الجِبْلي في إعراب {أَنْ}
(1)
: "نُصب على الصرف، وإن شئتَ على نزع الصفة؛ أي: بأنْ هداكم".
فربما أراد الجِبْلي بالنَّصب على الصَّرف هنا: النصبَ على المفعول من أجله، وهو أحدُ وجهَيْن ذكرهما العلماءُ في إعراب قوله تعالى:{أَنْ هَدَاكُمْ} ؛ لأنه لا سبيلَ هنا إلى المعنى الثاني الذي يستعمله فيه الكوفيون، وهو صرفُ الفعل من حال الجزم إلى حال النَّصب.
3 -
الاستثناء الصَّحيح: ويعني به الاستثناءَ المتَّصل، وقد استعمله الجِبْلي بهذا المعنى في موضع واحدٍ من البستان، ففي قوله تعالى:{الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ}
(2)
، قال الجِبْلي
(3)
: "اختلفوا في معنى {إِلَّا}، فقال قومٌ: هو استثناءٌ صحيح، واللَّمَمُ: من الكبائر والفواحش".
4 -
الابتداء المُحَقَّقُ: وربما يعني به المبتدأَ المذكورَ لا المقدَّر، وقد استعمله الجِبْلي في موضعَيْن:
- الأول، في قوله تعالى:{إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ}
(4)
، قال الجبلي
(5)
: "الَّلائِي" جَمْعُ "الَّتِي"، يقال: اللَّائِي واللَّاتِي، ومحله رفعٌ، خبرُ ابتداء محقَّق".
- والثانِي: في قوله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ
(1)
البستان 3/ 135.
(2)
النجم 32.
(3)
البستان 3/ 214.
(4)
المجادلة 2.
(5)
البستان 3/ 353.
الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ}
(1)
، قال الجِبْلي
(2)
: "وقوله: {هُوَ اَللَّهُ} ابتداءٌ وخبر، و {الَّذِي}: رفعٌ؛ لأنه صفة {اللَّهُ}، و {لَا إِلَهَ إِلَّا هُو}: نعتٌ على التَّنْزِيهِ والنُّفْي، وموضعه رفعٌ بالابتداء، و {الرَّحْمَنُ}: رفعُ خبرِ ابتداءٍ محقَّق، و {الرَّحِيمُ}: رفعٌ: خَبَرٌ ثانٍ {الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ} إلى آخِرِهِ، كُلُّها أخبارٌ لابتداءٍ محذوف، تقديره: هو الملك، وذلك "هُوَ اللَّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ".
5 -
المفعول المُحَقُّقُ: ففي قوله تعالى: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}
(3)
، قال الجِبْلي
(4)
: "و {يَوْمَ} الأول: نُصِب على الظرف، واليوم الثاني نُصِب على البدَل منه، و {مَنْ}: منصوبٌ بـ {يَنفَعُ}، وهو مفعولٌ مُحَقَّقٌ".
* * *
(1)
الحشر 22.
(2)
البستان 3/ 385.
(3)
الشعراء 88، 89.
(4)
البستان 1/ 420.