الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفاكهةَ الشتاء في أوانها، فلمّا عرفتَ أني ربُّك عصيتَني، فالآنَ إذْ عصيتَنِي فادْعُنِي، فإنّي قريبٌ مجيب، وادعُني فإنّي غفور رحيم"
(1)
.
قوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ} يعني: بعدَ ما ذَكَر من تمام الخلق {لَمَيِّتُونَ (15)} عندَ آجالِكم {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ (16)} للجزاء والحساب، والثواب والعقاب.
قوله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ} يعني: سبعَ سماوات، غِلَظُ كلِّ سماءٍ مسيرةُ خمسمائة عام، بينَ كلِّ سماءَيْن
(2)
مسيرةُ خمسمائة عام. وسمِّيت طرائقَ لتَطارُقِ بعضها فوق بعض
(3)
، وواحدُ الطرائق: طريقة. {وَمَا كُنَّا} مع هذه المسافة {عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ (17)} بل نسمع أقوالهم، ونرى أفعالهم.
قوله تعالَى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ} يعلَمُه اللَّه، وقيل: بقَدْرِ ما يكفيهم للمعيشة، {فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ (18)}
فصلٌ في معنى الآية
عن ابن عَبّاس: عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: "إنّ اللَّه تبارك وتعالى أنزَل من الجنة خمسةَ أنهار: سَيْحُونَ، وهو نهرُ الهند، وجَيْحُونَ، وهو نهرُ بَلْخٍ، ودجلةَ والفراتَ، وهما نهرا العراقِ، والنِّيلَ، وهو نهرُ مِصرَ، أنزَلَها اللَّه من عَيْنٍ واحدة من عيونِ الجنة، من أسفلِ درجةٍ من درجاتها، على جناحَي جِبريل، استَودَعَها الجبال، وأجراها في الأرض، فجَعَل فيها منافعَ للناس في أصناف معايشهم،
(1)
ذكره السيوطي في الدر المنثور 6/ 316.
(2)
في الأصل: "بين كل سماء".
(3)
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن ص 296، وينظر: غريب القرآن للسجستاني ص 109.
فذلك قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ} ، فإذا كان عندَ خروج يأجوجَ ومأجوجَ أرسَل اللَّه جِبريل، فرَفَعَ من الأرض القرآنَ، والعِلْمَ كُلَّهُ، والحَجَرَ الأسودَ من ركن البيت، ومَقامَ إبراهيمَ، وتابوتَ موسى بما فيه، وهذه الأنهارَ الخمسةَ، فيرفع كلَّ ذلك إلى السماء، فذلك قوله تعالى:{وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ} ، فإذا رُفِعَتْ هذه الأشياء فَقَدَ أهلُها خيرَ الدِّين والدنيا"
(1)
.
ثم ذكر اللَّه تعالى ما أنبت بما أنزل من السماء، فقال:{فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (19) وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ} يعني: وأنشأنا لكم ايضًا شجرةً، وهي الزيتون، ويقال
(2)
: إن الزيتونَ أولُ شجرةٍ نبتت في الدنيا بعد الطُّوفان.
و"سَيْناءُ" كان حقُّه أن ينصرفَ كما ينصرفُ عِلْباءٌ وحِرْباءٌ، لكنّه اسمٌ لبقعةٍ أو لأرض، وهو معرفةٌ فلم ينصرفْ للمعرفة والتأنيث
(3)
، وقال
(1)
رواه ابن حبان في كتاب المجروحين 3/ 34، وابن عدي في الكامل في الضعفاء 6/ 315، وقال:"إنه منكر المتن"، وينظر: القرطبي 12/ 113، الدر المنثور 5/ 8، كشف الخفاء 1/ 465، 466
(2)
ينظر: الكشف والبيان 7/ 44.
(3)
قوله: "كانَ حَقُّهُ أَنْ يَنْصَرِفَ" إنما يكون صحيحًا لو قال: "سِيناءُ" بكسر السين؛ لأن "سَيْناءَ" بفتح السين ممنوعٌ من الصرف مطلقًا معرفةً كان أو نكرة؛ لأنَّهُ على وزن "فَعْلَاء"، فهو كحَمْراءَ، مُنِعَ من الصرف لأَلِفِ التأنيث الممدودة، ولكن تمثيل المؤلف بعِلْباءٍ وحِرْباءٍ يدل على أنه يريد "سِيناءَ" بكسر السين، ووزنه "فِعْلَالٌ"، ويكون اسمًا ملحقًا بسِرْداحٍ كعِلْباءٍ وحِرْباءٍ، ولكنه في هذه الحالة مُنِعَ الصَّرْفَ أيضًا للعلمية والتأنيث أو للعلمية والعجمة، ينظر: معاني القرآن وإعرابه 4/ 10، إعراب القرآن 3/ 112، 113، الحجة للفارسي 3/ 178، مشكل إعراب القرآن 2/ 104، 105، الكشاف 3/ 29، البيان للأنباري 2/ 182، التبيان للعكبري ص 952.
الأخفش
(1)
: هو اسمٌ أعجميٌّ معرفة، فهو كامرأةٍ سمَّيتَها بجَعْفَرَ، ومِثلُه "طُورُ سِينِينَ".
و"سَيْناءُ" يُقْرَأُ بفتح السِّين وكسرها، قَرأَ نافعٌ وابنُ كثير وأبو عَمْرو بالكسر
(2)
، وقَرأَ الباقونَ بالفتح.
وقوله: {تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ (20)} يعني: الزيت، قَرأَ أكثرُهم بفَتْح التاء الأولى وضمِّ الباء، وقَرأَ ابنُ كثيرٍ وأبو عَمْرو ورُوَيْسٌ
(3)
بضمِّ التاء وكسر الباء
(4)
، ولها وجهان، أحدُهما: أن الباء في {بِالدُّهْنِ} زائدة، كما يقال: أَخَذْتُ بِثَوْبِهِ، وأَخَذْتُ ثَوْبَهُ
(5)
، وكقول الراجز:
24 -
نَحْنُ بَنُو جَعْدةَ أَرْبابُ الفَلَجْ
نَضْرِبُ بِالسَّيْفِ وَنَزجُو بِالفَرَجْ
(6)
(1)
ينظر قول الأخفش في إعراب القرآن 3/ 113، الحجة للفارسي 3/ 179، مشكل إعراب القرآن 2/ 105.
(2)
وكسر السين قراءة أبي جعفر وابن محيصن والحسن واليزيدي أيضًا، ينظر: السبعة ص 444، الكشف عن وجوه القراءات 2/ 126، تفسير القرطبى 12/ 115، البحر المحيط 6/ 371، الإتحاف 2/ 282.
(3)
في الأصل: "وورش".
(4)
وقد قرأ بضم التاء وكسر الباء أيضًا ابنُ محيصن واليزيديُّ وسلامٌ وسهل والجحدري، ينظر: السبعة ص 445، الكشف عن وجوه القراءات 2/ 127، تفسير القرطبي 12/ 115، البحر المحيط 6/ 371، الإتحاف 2/ 282.
(5)
ممن قال بزيادة الباء: أبو عبيدة والأخفش وابن قتيبة، ينظر: مجاز القرآن 2/ 56، معاني القرآن للأخفش ص 162، 402، 414، 478، تأويل مشكل القرآن ص 248، وينظر أيضًا: الحجة للفارسي 3/ 180، إعراب القراءات السبع 2/ 87، مشكل إعراب القرآن 2/ 105.
(6)
البيتان من الرجز المشطور للنابغة الجعدي، ويروى الثاني:"نَضْرِبُ بالبِيضِ". =
أي: ونرجو الفَرَج، والوجهُ الآخَر: أنَّهُما بِمعْنًى واحدٍ، يقال: نَبَتَ وأَنْبَتَ
(1)
، قال زُهَيْرٌ
(2)
:
25 -
رأَيْتُ ذَوِي الحاجاتِ حَوْلَ بُيُوتِهِمْ
…
قَطِينًا لهُمْ حتَّى إِذا أنْبَتَ البَقْلُ
(3)
= اللغة: بنو جَعْدةَ: حي من قيس، وهو جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، الفَلَجُ: النهر الصغير أو الماء الجاري من العين.
والشاهد فيه قوله: "ونرجو بالفرج"، حيث جاءت الباء زائدة في المفعول، والمراد: ونرجو الفَرَجَ.
التخريج: ديوانه ص 48، مجاز القرآن 2/ 5، 56، 264، أدب الكاتب ص 418، تأويل مشكل القرآن ص 249، غريب القرآن لابن قتيبة ص 478، معاني القرآن وإعرابه 5/ 204، الكشف والبيان 7/ 44، المخصص 14/ 70، الإنصاف ص 284، عين المعاني ورقة 88/ أ، غريب القرآن للسجستاني ص 160، شرح الكافية للرضي 4/ 288، رصف المباني ص 143، اللسان: حرف الباء، الجنى الداني ص 52، ارتشاف الضرب ص 1704، 2394، مغني اللبيب ص 147، شرح شواهد المغني ص 332، خزانة الأدب 9/ 520، 521.
(1)
يعني أن "نبت" و"أنبت" لغتان بمعنى واحد، وعليه فالباء للتعدية، قال بهذا الرأي الفراء في معاني القرآن 2/ 232، 233، والزجاج في معانِي القرآن وإعرابه 4/ 10، وكان الأصمعي ينكر "أنبت"، ويزعم أن قصيدة زهير التي منها البيت متهمة، ينظر: تهذيب اللغة 14/ 303، الحجة للفارسي 3/ 180.
(2)
زهير بن أبي سُلْمَى رَبِيعةَ بن رباح المزني المضري حكيم الشعراء في الجاهلية، ويفضله بعضهم على شعراء العرب كافة، كان أبوه وخاله وأخته وابناه شعراء، مات سنة (609 م). [الشعر والشعراء ص 143 - 159، الأعلام 3/ 52].
(3)
البيت من الطويل من قصيدة لزهير يمدح بها هَرَمَ بنَ سِنانٍ والحارثَ بنَ عوف المُرِّي، ورواية الديوان:
قَطِينًا بها حتَّى إذا نَبَتَ البقلُ
وعليها فلا شاهد في البيت، وعلى الرواية التي معنا فالشاهد فيه مجيء "أنبَتَ" بمعنى "نَبَتَ". اللغة: القَطِينُ: أهل الدار، يكون للواحد والجمع، والمعنى: أن ذوي الحاجات يقيمون بين هؤلاء الناس زمن الجدب حتَّى ينبت البقل. =