الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أجله، والمعنى: فعلنا ذلك به رحمةً من عندنا {وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84)} يعني: موعظةً للمتقين.
واختلفوا في ذلك، فقال قومٌ: إنّما ردَّ اللَّه على أيوب عليه السلام مثلَ أهلِه الذين هلَكوا، ولم يُرِدْهم بأعيانهم في الدنيا، وإنما وعده اللَّه تعالى أن يؤتيَه إياهم في الآخرة، وقال اَخرون: بل ردَّهم اللَّه عليه بأعيانهم، وأعطاه مثلَهم معهم. وهذا القول أشبهُ بظاهر الآية.
فصلٌ
عن ابن عباس قال: سألت نبيَّ اللَّه صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ} ، قال: "يا ابن عباس، رَدَّ اللَّهُ امرأتَه إليه، وزاد في شبابها، حتى ولدت له ستةً وعشرين
(1)
ذكرًا، وأَهْبَطَ اللَّهُ إليه مَلَكًا فقال له: يا أيوب: إنّ اللَّه يُقرئُك السلام لصَبْرِك على البلاء، فاخرُجْ إلى أَنْدَرِكَ
(2)
، فبعث اللَّه تعالى سحابةً حمراءَ، فهبطت عليه بجراد الذهب، والملك قائمٌ معه، فكانت الجرادة تذهب فيتَّبعها حتى يردَّها إلى أندره، فقال له الملك: يا أيوب، أما تَشْبَعُ من الداخلِ حتى تتبع الخارج؟ قال: إن هذه بركةٌ من بركات ربِّي، وليس أشبَعُ منها"
(3)
.
قوله عز وجل: {وَذَا النُّونِ} ؛ أي: واذكُرْ يا محمد صاحبَ النون، يعني: الحوت
(4)
، وهو يونس بن مَتَّى عليه السلام سُمِّيَ بذلك لابتلاع النون
(1)
في الأصل: "وعشرون".
(2)
في حاشية الأصل: "الأندر: الجُرْنُ الذي يُداسُ به الحَبُّ".
(3)
رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق 10/ 77، وينظر: مجمع الزوائد 8/ 208، الدر المنثور 4/ 330.
(4)
النون: الحوت، ينظر: كتاب الحروف للخليل ص 45.
إياه في البحر، والنون: السمكة، وجمعها: نِينانٌ
(1)
.
وقوله: {إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا} قيل: لقومه، وقيل
(2)
: لربه؛ أي: لأمر ربِّه، وقال آخرون
(3)
: معناه: مُغاضبًا لبعض الملوك. والمغاضَبة: مفاعلةٌ، وأكثر ما تكون المفاعلةُ من اثنين كالمخاصَمة والمجادلة والمقاتلة، وقد تكون من واحدٍ كقولك: سافرتُ وعاقبتُ الرجل، وطارَقتُ النَّعلَ
(4)
، وشارفت الأمرَ ونحوها، ومعنى قوله:{مُغَاضِبًا} يعني: غضبانَ أنِفًّا، والعرب تسمِّي الغضبانَ أَنِفًا، والأنِفَ غضبانٌ لقرب أحدهما من الآخر
(5)
، وهو منصوب على الحال.
وقوله: {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} ؛ أي: لن نقضيَ عليه من العقوبة ما قضيناه، يقال: قَدَرَ اللَّهُ الشيءَ وقَدَّره؛ أي: قضاه، وهذا القول اختيارُ الفراء
(6)
والزَّجّاج
(7)
.
وقال عطاء
(8)
: معناه: فظن أَنْ لَنْ نُضَيِّقَ عليه الحبسَ، من قوله تعالى:
(1)
قال سيبويه: "ونينانٌ: جماعة النون". الكتاب 3/ 593.
(2)
ذكره ابن قتيبة والنحاس بغير عزو، واللام هنا هي لام العلة أي: من أجل ربه، كما تقول: غضبت لك؛ أي: من أجلك، وليست هي اللام الموصلة للمفعول به، ينظر: تأويل مشكل القرآن ص 405: 458، إعراب القرآن 3/ 77، البحر المحيط 6/ 311.
(3)
قاله الأخفش في معاني القرآن ص 412، وينظر: إيضاح الوقف والابتداء ص 778.
(4)
طارَقَ الرجلُ نعليهِ: أطبق نعلًا على نعل، اللسان: طرق.
(5)
من أول قوله: "والمغاضبة: مفاعلة. . . " قاله ابن قتيبة في تأويل مشكل القرآن ص 406، 407.
(6)
معاني القرآن 2/ 209.
(7)
معاني القرآن وإعرابه 3/ 402.
(8)
في الأصل: "ابن عطاء"، والصواب:"عطاء"، ينظر قوله في: زاد المسير 5/ 383، تفسير القرطبي 11/ 331، وهو عطاء بن أبي مسلم الخراسانِي واسم أبيه عبد اللَّه وقيل: ميسرة، نزيل بيت المقدس، مفسر أرسل عن جماعة من الصحابة وروى عن الزهري وابن =
{اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ}
(1)
؛ أي: يضيق، وقولِهِ تعالى:{وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ}
(2)
؛ أي: ضُيِّقَ.
وقال ابنُ زيد
(3)
: هو استفهامٌ معناه: أَفَظَنَّ أن لن نقدِرَ عليه؟
قال أبو عُمر محمدُ بنُ عبد الواحد البيوَرْدِيُّ
(4)
: "هو من التقدير ليس من القدرة، يقال: قَدَرَ اللَّه لك الخيرَ يَقْدُرُهُ قَدْرًا، المعنى: قَدَّرَهُ، ومنه: الخبر في هلال رمضان: "فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فاقْدُرُوا لَهُ"؛ أي: قدِّرُوا له
(5)
، فهذا كلُّه من التقدير، وتقول من القدرة: قَدَرْتُ على الشيء أَقْدِرُ عليه قُدْرةً، وفي لغة أخرى: قَدِرْتُ عليه أَقْدَرُ قُدْرةً"
(6)
.
= المسيب ونافع، وروى عنه أبو حنيفة ومالك وشعبة، كان ثقة، وقال ابن حبان: كان رديء الحفظ، توفي سنة 135 هـ. [طبقات المفسرين للداودي 1/ 385، سير أعلام النبلاء 6/ 140: 143]، وينظر قوله في الكشف والبيان 6/ 302، الوسيط 3/ 249.
(1)
الرعد 26.
(2)
الطلاق 7.
(3)
عبد الرحمن بن زيد بن أسلم العدوي، فقيه مفسر مُحَدِّثٌ، حدث عن أبيه وابن المنكدر وروى عنه قتيبة وهشام بن عمار وغيرهما، ضَعَّفَهُ بعضُهُمْ، توفِّيَ سنة (182 هـ)، من كتبه: التفسير، الناسخ والمنسوخ. [الضعفاء الكبير للعقيلي 2/ 231، طبقات المفسرين للداودي 1/ 271، سير أعلام النبلاء 8/ 349]، وينظر قوله في جامع البيان 17/ 105، تهذيب اللغة 9/ 20، زاد المسير 5/ 383، القرطبي 11/ 332.
(4)
أبو عمر الزاهد المُطَرِّزُ الباوَرْدِيُّ أو البيوَرْدِيُّ، منسوب إلى أَبيَوَرْدَ بخراسان، أحد أئمة اللغة، صحب أبا العباس ثعلبًا زمانًا فلُقِّبَ بَغلام ثعلب، ولد سنة (261 هـ)، وتوفي سنة (345 هـ)، من كتبه: شرح الفصيح فائت الفصيح ياقوتة الصراط. [إنباه الرواة 3/ 171 - 177، بغية الوعاة 1/ 164 - 166، الأعلام 6/ 254].
(5)
هذا جزء من حديث رواه البخاري بسنده عن ابن عمر في صحيحه 2/ 227، 229 كتاب الصوم/ باب وجوب صوم رمضان، ومسلم في صحيحه 3/ 122، 123 كتاب الصيام/ باب وجوب صوم رمضان.
(6)
انتهى كلام أبي عمر بنصه، وهو في ياقوتة الصراط ص 363، 364.