الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورةُ الفرقان
مكّيَة
وهي ثلاثةُ آلافٍ وسبعُمائة وثلاثةٌ وثمانون حرفًا، وثمانِمائة واثنتانِ وتسعون كلمةً، وسبعٌ وسبعون آية.
بابُ ما جاء في فَضْل قراءتها
عن أُبَيِّ بنِ كعب رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "من قَرأَ سورةَ الفرقان بُعِثَ يومَ القيامة وهو يؤمن أنّ الساعةَ آتيةٌ لا ريبَ فيها، وأنّ اللَّهَ يبعَثُ مَنْ فِي القبور، ودَخَل الجنة بغير حساب"
(1)
.
ورُوِيَ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مَن قرأَ سورةَ الفرقان فَرَّقَ اللَّهُ بينَه وبين الباطل، وهَداهُ لِمَحابِّهِ، وصَيَّرَهُ في ضَمانِهِ إلى يومِ القِيامة"
(2)
.
بابُ ما جاء فيها من الإعراب
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله عز وجل: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ} : محمدٍ صلى الله عليه وسلم،
(1)
ينظر: الكشف والبيان 7/ 122، الوسيط 3/ 333، الكشاف 3/ 153، مجمع البيان 7/ 278.
(2)
لم أعثر له على تخريج.
و {تَبَارَكَ} : "تَفاعَلَ" من البركة، ومعناه: تَعالَى وجاء بكل بَرَكةٍ، وقيل: تَعَظَّمَ، وقيل: تَمَجَّدَ، وقيل: ثبت ودام بما لم يَزَلْ ولا يزال.
واشتقاقه من "بَرَكَ الشيءُ": إذا ثَبَتَ، ومنه: بَرَكَ الجملُ، وأصل البركة النماءُ والزيادةُ
(1)
.
وقوله: {الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ} يعني: القرآنَ الذي فَرَّقَ اللَّهُ به بين الحَقِّ والباطلِ، والمؤمنِ والكافرِ، و {الَّذِي} فِي موضع رفع بفعله.
وقوله: {لِيَكُونَ} يعني: محمدًا صلى الله عليه وسلم بالقرآن {لِلْعَالَمِينَ} يعني: الجنَّ والإنس {نَذِيرًا (1)} مُخَوِّفًا من عذاب اللَّه.
ثم عَظَّمَ نفسَه فقال: {الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} لا يشاركه فِي مُلْكِهِ أَحَدٌ و {الَّذِي} : فِي محل الرفع نعتٌ لـ {الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ}
(2)
، {وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا} كما زَعَمت اليهود والنصارى والمشركون، {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ} يشاركه فيما خلق، {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (2)} هَداهُ لِما يَصْلُحُ له وسَوّاهُ، قال المفسرون: قَدَّر له من الأجل والمرزق، فجَرَتِ المقاديرُ على ما خلق.
وقوله: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا} ؛ أي: ما هذا القرآنُ {إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ} محمدٌ، اخْتَلَقَهُ من تلقاء نفسه، {وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ}؛ أي: أعان محمدًا على هذا القرآنِ: عَدّاسٌ مَوْلَى حُوَيْطِبِ بنِ عبدِ العُزَّى وَيَسارٌ غلامُ الحضرميُّ وجَبْرٌ مولى ابنِ عامر، وكانوا من أهل الكتاب، قال اللَّه تعالى: {فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا
(1)
ينظر: إعراب القرآن 3/ 151، تهذيب اللغة 10/ 231، الكشف والبيان 7/ 123.
(2)
ويجوز أن يكون بدلًا منه، ويجوز أن يكون خبرًا لمبتدأ محذوفٍ؛ أي: هو الذي، ويجوز أن يكون في محل نصب على المدح، ينظر: التبيان للعكبري ص 985، الفريد للهمداني 3/ 620.
وَزُورًا (4)} يعني: النَّضر بن الحارث وأصحابه، أي: فقد قالوا شِرْكًا وكذبًا بنِسْبَتِهِمْ كلامَ اللَّه تعالى إِلى الإفك والافتراء.
وهما منصوبان على الحال
(1)
، يعني: ظالمين وزائرين حين زعموا أن القرآنَ ليس من عند اللَّه، وقال الزَّجّاج
(2)
: {فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا} ؛ أي: بظلم وزور، وقال غيرُه
(3)
: المعنى: فقد أتَوْا ظلمًا وزُورًا.
{وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} ؛ أي: هذه أساطيرُ الأولين {اكْتَتَبَهَا} محمدٌ؛ أي: انْتَسَخَها مِنْ عَدّاسٍ وجَبْرٍ وَيَسارٍ، {فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ}؛ أي: تُقْرَأُ عليه {بُكْرَةً وَأَصِيلًا (5)} غدوةً وعشيًّا، نُصِبا على الحال والظرف.
قوله تعالى: {وَقَالُوا} يعني: مشركي مكة {مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ} ؛ أي: هَلّا أُنْزِلَ إليه مَلَكٌ {فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (7)} ؛ أي: داعيًا، ونَصْبُ "فَيَكُونَ" على جواب الاستفهام.
قوله
(4)
عز وجل: {تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ} يعني: أفضلَ من الكَنْزِ والبستان اللَّذَيْنِ ذَكَرُوا، وهو قوله:{جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} يعني: بساتين فِي الدنيا؛ لأنه قد شاء أن يعطيَه إياها في الآخرة {وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا (10)} يعني: بيوتًا مُشَيَّدة، وسُمِّيَ القَصْرُ قَصْرًا لأنه قُصِرَ: أي حُبِسَ ومُنِعَ من الوصول إليه.
(1)
لم أقف على من قال: إنهما منصوبان على الحال.
(2)
معاني القرآن وإعرابه 4/ 58.
(3)
حكاه النَّحاس عن الكسائي في إعراب القرآن 3/ 152، وينظر أيضًا: البحر المحيط 6/ 441.
(4)
في الأصل: "عز وجل تعالى".
واختلف القُرّاءُ في قوله: {وَيَجْعَلْ} ، فَرَفَعَ لَامَهُ: ابنُ كثير وابنُ عامر وعاصمٌ برواية أبِي بكرٍ والمُفَضَّلِ: على الاستئنافِ
(1)
، وجَزَمَهُ الآخَرون: عطفًا على محلِّ الجزاء في قوله تعالى {تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ} ، وهو في موضع جَزْم، وإن كان لفظه منصوبًا
(2)
؛ لأنه جوابُ الشرط، وهو قوله:"إِنْ شاءَ"، وأجاز الفَرّاء النصب على الصَّرف
(3)
.
قوله تعالى: {إِذَا رَأَتْهُمْ} يعني: نارَ السعير {مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} قيل: من مسيرةِ مائة عام {سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا} ؛ أي: غَلَيانًا وفَوْرًا، كالغضبان إذا غَلَى صدرُه من الغضب {وَزَفِيرًا (12)} يعني: صوتًا، قال قُطْرُبٌ
(4)
: التَّغَيُّظُ لا يُسْمَعُ، وإنما المعنى: رأَوْا لها تغيُّظًا، وسَمِعوا لها زفيرًا، قال الشاعر:
49 -
وَرَأَيْتُ زَوْجَكِ فِي الوَغَى
…
مُتَقَلِّدًا سَيْفًا وَرُمْحا
(5)
(1)
وقرأ برفعه أيضًا ابنُ محيصن ومجاهدٌ وحُمَيْدٌ، وأبو عمرو في رواية محبوب عنه، ينظر: السبعة ص 462، إعراب القراءات السبع 2/ 116، الكشف عن وجوه القراءات 2/ 144، حجة القراءات ص 508، البحر المحيط 6/ 444.
(2)
يعني مبنيًّا على الفتح، وهو من مصطلحات الكوفيين في البناء.
(3)
معاني القرآن للفرَّاء 2/ 263، وقد قرأ بالنصب عبيد اللَّه بن موسى وطلحة بن سليمان، ينظر: المحتسب 2/ 118، البحر المحيط 6/ 444.
(4)
ينظر قوله في الكشف والبيان 7/ 125، عين المعاني 89/ ب، تفسير القرطبي 13/ 8.
(5)
البيت من مجزوء الكامل، لعبد اللَّه بن الزِّبَعْرَى، ويُرْوَى صدره:
يا لَيْتَ بَعْلَكِ قد غَدا
اللغة: تَقَلَّدَ السيفَ: احتمله، وفي الكلام حذف، والمعنى: متقلدًا سيفًا وحاملًا رمحًا؛ لأن الرمح لا يُتَقَلَّدُ وإنما يقال: اعتقلتُ الرمحَ، فهو محمول على المعنى لِما في التقلد من معنى الحمل، ويجوز أن يكون مفعولًا معه.
التخريج: شعر عبد اللَّه بن الزبعرى ص 68، معاني القرآن للفرَّاء 1/ 121، 473، 3/ 123، =
أي: وحاملًا رمحًا، قال عُبَيد بن عُمَير
(1)
: إنّ جهنَّم لَتَزْفِرُ زَفْرةً لا يَبْقَى نَبِيٌّ مرسل، ولا مَلَكٌ مقرَّب إلا خَرَّ لوجهه.
قوله: {وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا} قال ابنُ عباس: تضيق عليهم جهنَّم، كما يضيق الزُّجُّ
(2)
في الرُّمْحِ، وهو منصوبٌ على الظرف؛ أي: في مكانٍ ضيِّق، وقَرأَ ابن كثير:{ضَيْقًا} بالتخفيف
(3)
.
وقوله: {مُقَرَّنِينَ} قال ابن عباس: مُصَفَّدِينَ قد قُرِنَتْ أيديهم إلى أعناقهم في السلاسل والأعناق، وقال مقاتل: مُوثَقِينَ في الحديد قُرِنُوا مع الشياطين، وهو منصوبٌ على الحال، وقوله:{دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا (13)}
= مجاز القرآن 1/ 68، معاني القرآن للأخفش ص 255، 260، تأويل مشكل القرآن ص 214، المقتضب 2/ 51، معاني القرآن وإعرابه 1/ 84، 2/ 154، إعراب القرآن 2/ 262، 4/ 312، إعراب القراءات السبع 1/ 62، الخصائص 2/ 431، أمالي ابن الشجري 3/ 82، 83، شمس العلوم 2/ 1172، الإنصاف ص 612، شرح شواهد الإيضاح ص 182، شرح الجمل لطاهر بن أحمد 1/ 103، شرح كافية ابن الحاجب للرضي 2/ 362، اللسان: جدع، جمع، رغب، زجج، قلد، مسح، هدي، خزانة الأدب 2/ 231، 3/ 142، 9/ 142.
(1)
عبيد بن عمير بن قتادة بن سعيد، أبو عاصم الليثي المكي، قاضي أهل مكة، قارئ ثقة من كبار التابعين، لأبيه صحبة، قيل: وُلِدَ في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، روى عن عَلِيٍّ وابن عمر وأُبَيٍّ رضي الله عنهم، وتوفِّي سنة (68 هـ)، وقيل: 74 هـ. [غاية النهاية 1/ 496، 497، حلية الأولياء 3/ 266 - 279، سير أعلام النبلاء 4/ 156، 157].
(2)
الزُّجُّ: الحديدة التي تُرَكَّبُ في أسفل الرمح ليُرْكَزُ به في الأرض، والجمع أَزْجاجٌ وأَزِجّةٌ وزجاجٌ و زِجَجةٌ.
(3)
قرَأ ابن كثير في رواية قُنْبُلٍ: {ضَيِّقًا} بالتخفيف، وهي قراءة عبيد بن عمير عن هارون عن أبي عمرو، ينظر: السبعة ص 462، إعراب القراءات السبع 2/ 118، حجة القراءات ص 508، البحر المحيط 2/ 445، الإتحاف 2/ 305.