المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب ما جاء فيها من الإعراب - البستان في إعراب مشكلات القرآن - جـ ١

[ابن الأحنف اليمني]

فهرس الكتاب

- ‌كلمة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية

- ‌مقدِّمة

- ‌ومن الأسباب التي دفعَتْني إلى تحقيق هذا الكتاب:

- ‌الجِبْلِيُّ وكتابُهُ "البُسْتانُ في إِعرابِ مُشْكِلاتِ القُرْآنِ

- ‌الفصل الأول الجِبْلِيُّ - حياتُهُ وآثارُهُ

- ‌المبحث الأول كُنْيتُه واسْمُهُ ونَسَبُه ولقَبُه

- ‌1 - كُنْيته واسْمُهُ ونَسَبُه:

- ‌2 - لقَبُه:

- ‌المبحث الثاني مولدُه

- ‌المبحثُ الثالث عصرُه

- ‌1 - الحياةُ السياسيّة:

- ‌2 - الحياةُ العِلميّة:

- ‌3 - المدارس التي أُنشئت في مدينة جِبْلةَ:

- ‌4).4 -اهتمامُ الدّولة الرَّسُوليّة بالعلم والعلماء:

- ‌5 - تأثُّر اليمنيِّين بالنَّحوِّيين المَشارِقة والمصريِّين:

- ‌المبحث الرابع شيوخه وتلاميذه

- ‌1 - شيوخه:

- ‌2).2 -تلاميذُه

- ‌المبحثُ الخامس مَنْزلةُ الجِبْليِّ العلميّةُ وثناءُ العلماءِ عليه

- ‌المبحثُ السادس آثارُه ووفاتُه

- ‌1 - آثاره:

- ‌2 - وفاتُه:

- ‌المبحثُ السابع موقفُ الجِبْليِّ من أصول النَّحو

- ‌المطلبُ الأول: موقفُه من السَّماع:

- ‌أولًا: موقفُه من الاستشهاد بالقرآن الكريم وقراءاتِه

- ‌1 - موقفه من القراءاتِ الصّحيحة:

- ‌أ - ارتضاء الجِبْلِيِّ القراءاتِ الصحيحةَ:

- ‌ب - اعتراضاتٌ للجِبْلِيِّ على قراءاتٍ صحيحة:

- ‌جـ - مفاضلةُ الجِبْليِّ بين قراءاتٍ صحيحة:

- ‌2 - موقفُ الجِبْلي من القراءات الشّاذّة:

- ‌3 - نظراتٌ في استشهاد الجِبْلِّي بالقراءات:

- ‌ثانيًا: موقفُ الجِبْليِّ من الاستشهاد بالحديث:

- ‌ثالثًا: موقفُ الجِبْليِّ من الاستشهاد بكلام العرب

- ‌أولًا- استشهاد الجِبْليِّ بالأمثال والأقوال:

- ‌ثانيًا - استشهاد الجِبْليِّ بالشعر:

- ‌ نظراتٌ في استشهاد الجِبْليِّ بالشعر:

- ‌ مآخذُ على استشهاد الجِبْلي بالشِّعر:

- ‌المطلب الثاني: موقفُ الجِبْلي من القياس:

- ‌ القياسُ عند الجِبْلي:

- ‌المطلبُ الثالث: موقفُ الجِبْلي من الإجماع

- ‌المبحثُ الثامن مذهبُه النَّحْويُّ واختياراتُه

- ‌فمن أمثلة ما اختار فيه مذهبَ البصريِّين:

- ‌ومما اختار فيه مذهبَ الكوفيِّين:

- ‌الفصلُ الثاني كتابُ البُستان في إعرابِ مشكلاتِ القرآن

- ‌المبحث الأول عنوانُ الكتاب، وتوثيق نِسبتِهِ للجِبْلي، وموضوعُه

- ‌المطلبُ الأول: عُنوانُ الكتاب:

- ‌المطلبُ الثاني: توثيق نِسبتِهِ للجِبْلي:

- ‌المطلبُ الثالث: موضوعه:

- ‌المبحثُ الثاني مصادرُه

- ‌أولًا: مصادرُ بصَرْيّةٌ، ومنها:

- ‌ثانيًا: مصادرُ كوفيّة، ومنها ما يلي:

- ‌ثالثًا: مصادرُ بغداديّةٌ:

- ‌رابعًا: مصادرُ مِصريّة:

- ‌خامسًا: مصادرُ أخرى:

- ‌المبحثُ الثالث منهجُ الجِبْليِّ في البستان

- ‌1 - خُطّةُ الكتاب:

- ‌2 - نُقولُه عن العلماء:

- ‌3 - اهتمامُه باللغة:

- ‌4 - اهتمامُه بتوضيح التصحيف:

- ‌5 - استطرادُه في ذكر أشياءَ بعيدةٍ عن موضوع الآية التي يشرحها:

- ‌6 - ترْكُه آياتٍ بدون إعراب أو شرح:

- ‌7 - تأثُّرُه بِلُغةِ الفقهاءِ والمتكلِّمين:

- ‌9 - أشعارٌ في الزهد والحِكمة:

- ‌المبحثُ الرابع المصطَلحاتُ النَّحوّية في البستان

- ‌المبحثُ الخامس العلّة النَّحويّةُ في البستان

- ‌العلّة البسيطةُ والمركَّبة:

- ‌أولًا- العِلَلُ البسيطة:

- ‌ثانيًا- العِلَل المُركَّبة:

- ‌المبحثُ السادس ملحوظاتٌ على الكتاب

- ‌أولًا: ملحوظاتٌ على المنهج:

- ‌أ- أخطاءٌ في النُّقول عن العلماء:

- ‌ب - آراءٌ منسوبةٌ خطأً:

- ‌جـ - نَقْلُهُ عن العلماء من كتُبِ غيرِهم:

- ‌ثانيًا: ملحوظات على الأسلوب:

- ‌1 - إيهامُ كلامِه خلافَ المراد:

- ‌2 - وقوعُ التناقُض في كلامه:

- ‌3 - ملحوظاتٌ نَحْويّة:

- ‌خاتمةُ الدِّراسة

- ‌ التحقيق

- ‌1 - وصفُ نُسخةِ المخطوط

- ‌2 - منهَجُ التحقيق

- ‌3 - نماذج مصوَّرة من المخطوط

- ‌سورةُ الأنبياء عليهم السلام

- ‌بابُ ما جاء في فَضْل قراءتها

- ‌بابُ ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصلٌ

- ‌فصلٌ

- ‌فصل

- ‌فصلٌ

- ‌فصلٌ

- ‌سورةُ الحجِّ

- ‌بابُ ما جاء في فضل قراءتها

- ‌بابُ ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصلٌ

- ‌فصلٌ

- ‌‌‌فصلٌ

- ‌فصلٌ

- ‌فصلٌ

- ‌سورةُ المؤمنين

- ‌بابُ ما جاء في فَضْل قراءتها

- ‌بابُ ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصلٌ

- ‌فصلٌ في معنى الآية

- ‌فصلٌ

- ‌فصلٌ في ذِكْرِ وجوهِ الحكمةِ في خَلْقِ اللَّهِ تعالى الخَلْقَ على الاختصار

- ‌سورةُ النُّور

- ‌بابُ ما جاء في فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصلٌ

- ‌فصلٌ

- ‌فصل

- ‌فصلٌ

- ‌فصلٌ

- ‌فصلٌ في معنى المشكاةِ والمِصباح والزَّجاجة والشَّجرة

- ‌فصلٌ

- ‌فصلٌ

- ‌فصل

- ‌فصلٌ

- ‌سورةُ الفرقان

- ‌بابُ ما جاء في فَضْل قراءتها

- ‌بابُ ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصلٌ

- ‌فصلٌ

- ‌فصلٌ

- ‌فصلٌ

- ‌سورةُ الشُّعراء

- ‌بابُ ما جاء في فَضْل قراءتها

- ‌بابُ ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصلٌ

- ‌فصل

- ‌سورةُ النمل

- ‌باب ما جاء في فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌سورةُ القَصَص

- ‌باب ما جاء في فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

الفصل: ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

‌بابُ ما جاء فيها من الإعراب

بسم الله الرحمن الرحيم

قولُه عز وجل: {طسم (1)} قَرأَ حمزةُ والكِسائي وخَلَفٌ وعاصمٌ -في بعض الروايات- بكسرِ الطاء، على الإمالة فيها وفي أُختها، وقَرأَ أهل المدينة بين الكسر والفتح، وهو الاختيار، وقَرأَ غيرُهم بالفتح: على التفخيم

(1)

، وأظهر النونَ من "طاسِينَ"، هاهنا وفي القَصَص: أبو جعفرٍ وحمزةُ للتبيين والتمكين

(2)

، وأخفاها الآخَرون لِمجاورتها حرفَ الفم.

وأمّا تأويلُها فهو: اسمٌ من أسماء اللَّه تعالى أقسم به، وقيل: أقسم اللَّه تعالى بطَوْلِهِ وسَنائه ومُلكه.

وقال عَلِيُّ بن أبِي طالب عليه السلام: لَمّا نزلت هذه الآيةُ {طسم} قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "الطاء: طُور سَيْناء، والسِّين: الإسكندرية، والميم: مكّة"

(3)

.

(1)

قرأ حمزةُ والكسائيُّ، وأبو بكر عن عاصم، وخارجةُ عن نافع، وابنُ وثاب والأعمش والمفضل: بكسر الطاء، وكذلك قرأ هؤلاء:{طسم} في أول النمل، و {طسم} في أول القصص، وقرأ قالونُ عن نافع، وأبو جعفر وشيبةُ والزهريُّ بين الفتح والكسر، وقرأ الباقون، وحفصٌ عن عاصم بالفتح، ينظر: السبعة ص 470، إعراب القراءات السبع 2/ 130، حجة القراءات ص 516، الحجة للفارسي 3/ 219، تفسير القرطبي 13/ 88، الإتحاف 2/ 313.

(2)

أظهر النونَ أيضًا: إسماعيلُ بنُ جعفر عن نافعٍ، ويعقوبُ، ينظر: السبعة ص 470، إعراب القراءات السبع 2/ 130، حجة القراءات ص 516، الحجة للفارسي 3/ 219، تفسير القرطبي 13/ 88، الإتحاف 2/ 313.

(3)

رواه الثعلبي في الكشف والبيان 7/ 156، وينظر: زاد المسير 6/ 115، مجمع البيان 7/ 320.

ص: 406

وقال جعفرُ بن محمد الصّادق عليه السلام

(1)

: الطاءُ: شجرةُ طوبَى، والسِّين: سِدرةُ المنتهى، والميم: محمدٌ المصطفى.

وقال الحسن: الطاءُ من الطَّوْلِ، والسِّين من السلام، والميمُ من الرحيم، وقيل

(2)

: معناه: طَرَبُ المشتاقين، وسرورُ العارفين، ومغفرةُ العاصين، وقيل

(3)

: معناه: الطاهرُ المطلع على الغيوب، السَّميعُ الساتر للعيوب، المَجِيدُ المُنْعِمُ بالسُّيُوبِ

(4)

، واللَّه أعلم.

وفي محلِّه من الإعراب أوجُهٌ، قيل: هو رَفْع بالابتداء، وقيل: هو رَفْعٌ على خبر ابتداءٍ محذوفٍ تقديره: هذا الكتاب، وقيل: محَلُّه نَصْب بإضمار فعل تقديره: اذكروا أو اقرءوا {طسم} ، وإن شئتَ قلت: محَلُّه نَصْب بحذف حرف القسم، وإن شئتَ قلت: محَلُّه خفض بإضمارِ حرف القسم

(5)

.

قوله: {تِلْكَ آيَاتُ} ؛ أي: هذه الآياتُ آياتُ {الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2)} يريد: بَيَّنَ حلالَهُ وحرامَهُ وأَمْرَهُ ونَهْيَهُ وناسخَهُ ومنسوخَهُ، وقال الزَّجّاج

(6)

: يُبَيِّنُ الحقَّ من الباطل والحلالَ من الحرام، وهو مأخوذٌ من "أبان" بمعنى:"ظَهَرَ".

وقوله: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ (3)} مفسَّرٌ فِي سورة الكهف

(7)

، ومعنى الآية:

(1)

ينظر: زاد المسير 6/ 115، عين المعاني ورقة 93/ ب.

(2)

ينظر: عين المعاني ورقة 93/ ب.

(3)

قاله أبو سهل، ينظر: عين المعاني ورقة 93/ ب.

(4)

السُّيُوبُ: جمع سَيْبٍ، وهو العطاء.

(5)

ينظر في هذه الأوجه: البيان للأنباري 1/ 43، التبيان للعكبري ص 14، الدر المصون 1/ 88.

(6)

معاني القرآن وإعرابه 4/ 131 عند تفسيره الآية الأولى من سورة القصص.

(7)

يعني قوله تعالى: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} الآية 6.

ص: 407

لعلك قاتلٌ نفسَك لتركِهم الإيمانَ، ثيم أَعْلَمَ أنه لو أراد أن يُنزِل ما يَضْطرُّهم إلى الطاعة لَقَدَرَ على ذلك فقال:{إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً} شرطٌ وجزاء.

قوله تعالى: {فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا} يعني: للآية {خَاضِعِينَ (4)} ولم يقل: خاضعةً - وهو صفةُ الأعناق، قيل

(1)

: معناه: فظلَّ أصحاب الأعناق لها خاضعين، فحَذَف الأصحابَ وأقام الأعناقَ مقامَهم؛ لأنّ الأعناقَ إذا خضَعت فأربابُها خاضعون، قال الشاعر:

64 -

فما حُبُّ الدِّيارِ شَغَفْنَ قَلْبي

ولكِنْ حُبُّ مَن سَكَنَ الدِّيارا

(2)

وقيل: إنما قال: {خَاضِعِينَ} لأَجْلِ رُءُوسِ الآيِ لتكون على نَسَق واحد. وقال عيسى بن عمر

(3)

: "خاضعين" و"خاضعة" هاهنا واحدٌ. وفيه وجوهٌ يطول شرحها في هذا المختصر، وقَرأَ ابن أبي عَبْلة

(4)

: {فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعَةً}

(5)

.

(1)

قاله الفرَّاء وأبو عبيد والمبرد والزَّجّاج وابن السَّراج، ينظر: معاني القرآن للفرَّاء 2/ 277، الكامل للمبرِّد 2/ 141، المقتضب 4/ 198، 199، معاني القرآن وإعرابه 4/ 82، الأصول 3/ 477، وينظر قول أبي عبيد في الكشف والبيان للثعلبي 7/ 157.

(2)

البيت من الوافر، لمجنون ليلى.

التخريج: ديوانه ص 170، عين المعاني ورقة 93/ ب، شرح كافية ابن الحاجب للرَّضي 2/ 246، 285، رصف المبانِي ص 169، مغني اللبيب ص 666، خزانة الأدب 4/ 227، 388.

(3)

ينظر قوله في معاني القرآن للنَّحاس 5/ 63، تفسير القرطبي 13/ 90.

(4)

إبراهيم بن أبي عبلة شمر بن يقظان بن المرتحل، أبو إسماعيل الفلسطيني الرملي العقيلي الشامي، تابعي ثقة صدوق، كان الوليد بن عبد الملك يبعثه إلى بيت المقدس ليقسم فيهم العطاء، ودخل على عمر بن عبد العزيز، توفِّي سنة (151 هـ)، وقيل:(153 هـ). [غاية النهاية 1/ 19، سير أعلام النبلاء 6/ 323 - 325].

(5)

وقرأ بها أيضًا عيسى بن عمر، ينظر: مختصر ابن خالويه ص 107، مفاتيح الغيب 24/ 118، البحر المحيط 7/ 7.

ص: 408

قال مجاهدٌ

(1)

: أراد بالأعناق هاهنا: الرؤساءَ والكُبَراء، وقيل

(2)

: أراد الجماعاتِ والطوائفَ من الناس، يقال: جاءَ القومُ عُنُقًا، أي: طَوائِفَ وعُصَبًا، كقول الشاعر:

65 -

أَنَّ العِراقَ وأهْلَهُ

عُنُقٌ إليْكَ فهَيْتَ هَيْتا

(3)

قال ابن عباس

(4)

: نَزَلت هذه الآيةُ فينا وفي بني أُمَيّةَ، فستكون لنا عليهم الدَّولة، فتَذِلُّ لنا أعناقُهم بعدَ صعوبة، وهَوان بعد عِزّةٍ.

قوله عز وجل: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ} يعني: المكذِّبين {كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا

(1)

ينظر قوله في معاني القرآن للفرَّاء 2/ 277، جامع البيان 19/ 75، المذكر والمؤنث لابن الأنباري 2/ 185، معاني القرآن للنَّحاس 5/ 62.

(2)

قاله الخليل والأخفش وأبو زيد، ينظر: العين للخليل 1/ 68، معاني القرآن للأخفش ص 424، وينظر قول أبي زيد في الكامل للمبرد 2/ 141، المقتضب 4/ 199، المذكر والمؤنث لابن الأنباري 2/ 185، معاني القرآن للنحاس 5/ 63، وينظر: شمس العلوم 7/ 4781.

(3)

البيت من مجزوء الكامل، لزيد بن علي بن أبي طالب يخاطب أباه عَلِيًّا رضي الله عنه، وقبله:

أَبْلِغْ أَمِيرَ المُؤْمِنِيـ

نَ أَخا العِراقِ إذا أَتَيْتا

ويُرْوَى عَجُزُ الشاهد:

سِلْمٌ عَلَيْكَ، فهَيْتَ هَيْتا

وقوله: "هَيْتَ" معناه: هلمَّ وتعالَ.

التخريج: معاني القرآن للفرَّاء 2/ 40، مجاز القرآن 1/ 305، معاني القرآن وإعرابه 3/ 100، جمهرة اللغة ص 251، 413، إعراب القراءات السبع 1/ 308، الخصائص 1/ 279، المحتسب 1/ 337، المذكر والمؤنث لابن الأنباري 2/ 36، المحرر الوجيز 4/ 225، شمس العلوم 10/ 7011، عين المعاني 93/ ب، اللسان: عنق، هيت، البحر المحيط 7/ 6.

(4)

ينظر: عين المعاني ورقة 93/ ب.

ص: 409

مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (7)} يعني: من كل صنفٍ ونوع حسؤ في المنظر، والمعنى: من زوجٍ نافعٍ لا يَقدِر على إنباته إلا ربُّ العالمين، ومحَلٌّ {كَمْ} رَفْعٌ بالابتداء

(1)

، ويجوز أن يكون نصبًا لوقوع {أَنْبَتْنَا} عليه، {إِنَّ فِي ذَلِكَ} يعني: الذي ذُكِرَ من الإنبات في الأرض {لَآيَةً} ؛ أي: لَدلالةً على وجودي وتوحيدي وكمال قُدرتي وحكمتي، {وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (8)}؛ أي: قد سبق في علمي أنّ أكثَرهم لا يؤمنون، قال سيبَويْه

(2)

: و"كان" هاهنا: صلة.

قولُه تعالى: {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10)} ، ثم أخبر عنهم، فقال:{قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ (11)} ؛ أي: ألا يَصْرِفُونَ عن أنفسهم عقوبةَ اللَّه بطاعته، و {قَوْمَ}: نَصْب على البدل من القوم الأَوّل.

قوله تعالى: {قَالَ} يعني: موسى عليه السلام {رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (12)} يريد: بالرسالة {وَيَضِيقُ صَدْرِي} بتكذيبهم إِيّايَ {وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي} بالكلام والتبليغ لِلْعُقدةِ التي فيه، قَرأَه العامّةُ بالرَّفع فيهما ردًّا على قوله:{إِنِّي أَخَافُ} ، ونَصَبَهما يعقوبُ

(3)

على معنى: وأن يضيقَ صدري وألا ينطلقَ لسانِي

(4)

.

(1)

ينظر في مجيء "كَمْ" مبتدأً: الكتاب 2/ 161، المسائل المنثورة ص 79، ارتشاف الضرب ص 784.

(2)

الجبلي يريد زيادتها في العمل دون المعنى، ولم يذكر سيبويه هذه الآية، وإنما ذكر زيادة "كان" بين "ما" و"أَفْعَلَ" في التعجب (الكتاب 1/ 73)، وبين اسم "إِنَّ" وخبرها، وبين الصفة والموصوف. (الكتاب 2/ 153)، وعلى هذا فالعامل هنا هو "ما" الحجازية، فـ {أَكْثَرُهُمْ}: اسم "ما"، و {مُؤْمِنِينَ}: خبرها.

(3)

قرأ بالنصب فيهما أيضًا: الأعرجُ وطلحةُ وعيسى بنُ عمر وزيدُ بن عَليٍّ وأبو حيوة، وزائدةُ عن الأعمش، ورُوِيَ عن الأعرج أيضًا:{وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ} بنصب الأول ورفع الثاني، ينظر: تفسير القرطبي 13/ 92، البحر المحيط 7/ 8، تقريب النشر ص 152، الإتحاف 2/ 314.

(4)

ينظر: معاني القرآن للفرَّاء 3/ 175، معاني القرآن وإعرابه 4/ 84، إعراب القرآن 3/ 175، معاني القراءات 2/ 224.

ص: 410

وقوله: {فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ (13)} ؛ أي: فأَرْسِلْ معي هارونَ، {إِلَى} بمعنى:"مَعَ"، كقوله تعالى:{وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ}

(1)

؛ أي: مع أموالكم

(2)

، وقيل

(3)

: معناه: فأرسِلْ إلى هارونَ جبريلَ ليكون معي معينًا، وليؤازرَني ويظاهرَني على تبليغ الرسالة، وهذا كقول الرجل: إذا نزلتْ بِي نازلةٌ أرسلتُ إليكَ لِتُعِينَنِي.

قوله: {وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ} ؛ أي: عندي

(4)

{فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (14)} يريد: بالقتيل الذي قَتَلَهُ منهم، واسمُه: فاتونُ

(5)

، وهو خَبّازُ فرعون، {قَالَ كَلَّا} لن يقتلوك به؛ لأنِّي لن أسلِّطَهم عليك، {فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (15)} أي: سامعون ما يقولون وما تُجابُونَ، وإنما أراد اللَّهُ تقويةَ قلوبهما، وإخبارَهُما أنهما بِعَيْيهِ وحِفْظِهِ، وإنما قال:{مَعَكُمْ} وهما اثنان؛ لأنه على مَذْهَبِ مَن يجعلُ الاثنَيْنِ جماعةً؛ لأنّ معنى الجَمْع ضَمُّ شيءٍ إلى شيءٍ، فالاثنانِ فما فوقَهما جماعة، كقوله تعالى:{إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا}

(6)

.

قوله: {فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (16)} ، ولم يقل: رَسُولَا؛

(1)

النساء 2.

(2)

قاله الفرَّاء والأخفش وابن قتيبة، ينظر: معاني القرآن للفرَّاء 1/ 218، معاني القرآن للأخفش ص 46، أدب الكاتب ص 409، 410، تأويل مشكل القرآن ص 571، وينظر أيضًا: الصاحبي ص 179.

(3)

يعني أنه على حذف المفعول، قاله الفرَّاء والزمخشري، ينظر: معاني القرآن للفرَّاء 2/ 278، الكشاف للزمخشري 3/ 106.

(4)

يعني أن "عَلَى" بمعنى "عِنْدَ"، وهو قول أبِي عبيدة وابن قتيبة، ينظر: مجاز القرآن 2/ 84، تأويل مشكل القرآن ص 578، تفسير غريب القرآن ص 316.

(5)

فاتونُ بالتاء، ذكره الفيروزآبادي في القاموس المحيط: فتن، وينظر: تاج العروس: فتن.

(6)

التحريم 4، وينظر في ذلك: الكتاب 3/ 621، 622، معاني القرآن للأخفش ص 229، 230، معاني القرآن للنَّحاس 5/ 67، الفريد للمنتجب الهمداني 3/ 651.

ص: 411

لأنه أراد المصدر، أي: رسالةَ، مَجازُهُ: ذَوا رِسالةِ رَبِّ العالمين، كقول كُثَيِّرِ عَزّةَ:

66 -

لقد كَذَبَ الواشُونَ ما بُحْتُ عِنْدَهُمْ

بِسِرٍّ، ولا أَرسَلْتُهُمْ بِرسُولِ

(1)

أي: برسالة، هكذا قاله الفَرّاء

(2)

.

وقال أبو عُبيد

(3)

: يجوز أن يكونَ الرسولُ في معنى: الاثنَيْنِ والجمع، تقول العرب: هذا رسولي ووكيلي، وهذانِ رسولي ووكيلي، وهؤلاءِ رسولي ووكيلي، ومنه قوله تعالى:{فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي}

(4)

، قال الشاعر:

67 -

أَلِكْنِي إليها، وخَيْرُ الرَسُو

لِ أَعلَمُهُمْ بِنواحي الخَبَرْ

(5)

(1)

البيت من الطويل، لكُثَيِّرٍ، ورواية ديوانه:"بِرَسِيلِ"، ويُرْوَى:"ما فُهْتُ عِنْدَهُمْ. . . بِلَيْلَى".

التخريج: ديوانه ص 110، مجاز القرآن 2/ 84، غريب القرآن لابن قتيبة ص 316، الزاهر 1/ 35، المذكر والمؤنث لابن الأنباري 1/ 291، تهذيب اللغة 12/ 391، شمس العلوم 4/ 2499، البيان للأنباري 2/ 206، 212، عين المعاني ورقة 93/ ب، الفريد 3/ 652، تفسير القرطبي 13/ 93، 18/ 262، اللسان: رسل، التاج: رسل.

(2)

لم يقل الفرَّاء ذلك، ولكنه في قوله تعالى:{إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ} طه 47، قال:"ويجوز {رَسُولُ رَبِّكِ} "؛ لأن الرسول قد يكون للجمع وللاثنين والواحد، قال الشاعر:

ألكني إليها وخير الرسو

ل أعلمهم بنواحي الخبرْ

أراد: الرُّسْل". معاني القرآن 2/ 180، وقال نحوه مرة أخرى في المعاني 3/ 77.

(3)

ينظر قوله في الكشف والبيان 7/ 160، تفسير القرطبي 13/ 94.

(4)

الشعراء 77.

(5)

البيت من المتقارب، لأبِي ذؤيب الهذلِيِّ.

اللغة: أَلِكْنِي إليها: أَرْسِلْنِي إليها، هذا على ظاهره، ولكن معناه مقلوب، والمراد: كُنْ رَسُولِي إليها.

التخريج: شرح أشعار الهذليين ص 113، معاني القرآن للفرَّاء 2/ 180، 3/ 77، الزاهر 1/ 35، 2/ 255، شمس العلوم 4/ 2500، الفريد 3/ 652، المخصص 12/ 225، =

ص: 412

وقيل

(1)

: معناه: إنّ كُلَّ واحدٍ مِنّا رَسُولُ رَبِّ العالَمِينَ.

قوله: {أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (17)} ؛ أي: بأنْ أَرسِلْهم معَنا، وأطلِقْهم من الاستعباد، وخَلِّ عنهم، فأَتَياهُ فبَلَّغاهُ الرسالةَ فـ {قَالَ} فرعونُ:{أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا} يعني: صبيًّا صغيرًا، نَصْبٌ على الحال، {وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (18)} قيل: ثمانيَ عشْرةَ سنةً، وقيل: ثلاثينَ سنة، وقيل: أربعينَ سنة، و {سِنِينَ}: نَصْبٌ على الظرف.

قوله: {وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ (19)} يعني: قَتْلَ القِبْطِيِّ، قال وَهبُ بن منبِّه: أوحى اللَّه تعالى إلى موسى عليه السلام: "وَعِزَّتِي وجَلَالِي، لو أَنَّ النفسَ التي قَتَلتَ أَقَرَّتْ لي ساعةً من نهار بِأَنِّي إِلَهٌ خالقٌ رازق لَأذقتُكَ طعمَ العذاب، وإنّما عفوتُ عنك لأجل ذلك؛ لأنها لم تُقِرَّ لِي ساعةً أَنِّي إِلَهٌ خالقٌ رازق"

(2)

.

و {فَعْلَتَكَ} نَصْبٌ على المصدر، و {الَّتِي فَعَلْتَ} نعتُها:{قَالَ} يعني: موسى: {فَعَلْتُهَا إِذًا} نَصْب على الظرف

(3)

، {وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (20)}؛ أي: الجاهلين، لم يأتِني من اللَّه شيء.

= عين المعاني ورقة 93/ ب، تفسير القرطبي 13/ 93، 17/ 10، اللسان: ألك، رسل، لوك، نحا، التاج: ألك، شرح شواهد شرح الشافية ص 288.

(1)

حكاه السجاوندي عن عَلِيِّ بن عيسى في عين المعاني 93/ ب، وينظر أيضًا: الفريد 3/ 652، البحر المحيط 7/ 9.

(2)

حكاه ابن عساكر عن وهب وعن الحسن فِي تاريخ دمشق 61/ 30، 31.

(3)

هذا على مذهب الكوفيين، وهو أن "إذًا" ظرف وأن أصلها "إِذا" ثم لحقها التنوين، وهو رأي الرضي أيضًا، وذهب البصريون إلى أنها حرف معناه الجواب والجزاء، ينظر: شرح الكافية للرَّضي 3/ 263، 264، 4/ 39، 41، 43، ارتشاف الضرب ص 1650، الجنى الدانِي ص 361، مغني اللبيب ص 30 - 32.

ص: 413

قوله تعالى: {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ} ابتداءٌ وخبر {تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (22)} ، يقال: اسْتَعْبَدْتُ فُلانًا وأَعْبَدْتُهُ وتَعَبَّدْتُهُ وعَبَّدْتُهُ؛ أي: أَخَذْتُهُ عَبْدًا.

وفي محلِّ "أَنْ" من الإعراب وجهان، أحدُهما: النَّصب بِنَزْعِ الخافضِ، مَجازُهُ: بِتَعْبِيدِكَ بني إسرائيل، والثاني: الرَّفع على البدل من النعمة

(1)

.

قوله: {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23)} ابتداءٌ وخبر، قال محمد بن إسحاق

(2)

: اسْتَوْصَفَهُ إِلَهَهُ الذي أرسله إليه؛ أي: ما إِلَهُكَ هَذا؟

(3)

. و"ما" هاهنا بمعنى: "مَنْ"، قال بعض النَّحْويِّين

(4)

: قد تدخل "ما" لصفاتِ مَنْ يَعْقِلُ، كقوله تعالى هاهنا:{وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} ؛ لأنّ الربَّ هو المالك، والمِلْكُ صفة.

فلما اسْتَفْهَمَ فرعونُ موسى عليه السلام: مَنْ رَبُّ العالمين؟ أجابه بما يدُلُّ عليه من خَلْقه، مما يَعْجِزُ المخلوقونَ عن أن يأتوا بمثله، فقال:{رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (24)} أنه خلق ذلك، فلمّا قال موسى ذلك تَحَيَّرَ فرعونُ، وعجَز عن ردِّ الجواب بما ينقُضُ به هذا القولَ، فـ {قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ (25)} يريد: ألا تستمعون مقالةَ موسى؟

(1)

ينظر في هذين الوجهين وغيرهما: معاني القرآن للفرَّاء 2/ 279، معاني القرآن وإعرابه 4/ 87، مشكل إعراب القرآن 2/ 139، التبيان للعكبري ص 995، الفريد 3/ 653، الدر المصون 5/ 271.

(2)

محمد بن إسحاق بن يَسارٍ المطلبي بالولاء المدنِيُّ، من أقدم مؤرخي العرب، كان قدريًّا حافظًا للحديث، توفِّي ببغداد سنة (151 هـ)، من كتبه: السيرة النبوية، كتاب الخلفاء، المبدأ. [سير أعلام النبلاء 7/ 33 - 55، الأعلام 6/ 28].

(3)

ينظر قول محمد بن إسحاق فِي الوسيط 3/ 352.

(4)

هو طاهر بن أحمد، وهذا الكلام، قاله في شرح جمل الزَّجّاجي 1/ 36.

ص: 414

قوله تعالَى: {إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ} يعني: عالِمُكُمْ {الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (49)} هذا وَعيدٌ، واللام دَخَلت على "سَوْفَ" لمعنى التوكيد.

قوله تعالى: {قَالُوا لَا ضَيْرَ} ؛ أي: لا فسادَ ولا مكروهَ ولا ضررَ علينا فيما ينالُنا في الدنيا من العذاب، معَ ما لنا في الآخرة من المغفرة والثواب، {إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (50)} راجعون، يقال: ضَرَّهُ الأمرُ يَضُرُّهُ ضَرًّا، وضارَهُ يَضِيرُه ضَيْرًا، هاتان اللُّغتانِ الغالبتان، ويقال أيضًا: ضارَهُ يَضُورُهُ ضَوْرًا بِمَعْنًى واحد

(1)

.

قولُه تعالى: {إِنَّ هَؤُلَاءِ} يعني: بَنِي إسرائيل {لَشِرْذِمَةٌ} ؛ أي: عُصبة {قَلِيلُونَ (54)} نَعتُه، قال المبرِّد

(2)

: الشِّرذمة: القطعةُ من الناس غيرُ الكثير، وجَمْعها: شَراذِمُ، قال الراجز:

68 -

جاءَ الشِّتاءُ وقَمِيصِي أَخْلاقْ

شَراذِمٌ يَضْحَكُ مِنِّي التَّوّاقْ

(3)

(1)

قال ابن السكيت: "الفَرّاءُ: يقال: ضارَهُ يَضِيرُهُ. قال: وزعم الكسائي أنه سمع بعض أهل العالية يقول: لا ينفعني ذلك ولا يَضُورُنِي". إصلاح المنطق ص 136، وينظر: جمهرة اللغة ص 753، 1066، إعراب القرآن للنَّحاس 3/ 179، التهذيب للأزهري 12/ 57.

(2)

ينظر قوله في الوسيط 3/ 353.

(3)

البيتان من السريع المشطور، لم أقف على قائلهما.

اللغة: أخلاق: جمع خَلَقٍ، يقال: ثوبٌ خَلَقٌ أي: بالٍ، وقميصٌ أخلاقٌ: وصفٌ للواحد بالجمع، والمعنى: نواحيه أخلاق.

التخريج: معاني القرآن للفرَّاء 1/ 427، 2/ 87، تأويل مشكل القرآن ص 286، الزاهر 1/ 22، الصاحبي ص 351، الأزهية ص 35، إصلاح الخلل ص 77، عين المعاني 94/ أ، القرطبي 13/ 101، شرح الكافية للرَّضي 1/ 132، اللسان: توق، خلق، شرذم، خزانة الأدب 1/ 234.

ص: 415

قال الجوهري

(1)

: التَّوّاقُ: اسمُ ابنه. وقيل: أراد التَّوْقَ.

وقوله: {قَلِيلُونَ} قال الفَرّاء

(2)

: يقال: عُصْبةٌ قليلةٌ وقلِيلُونَ، وكثِيرةٌ وكثِيرُونَ. قال ابن مسعود

(3)

: كان هؤلاءِ الشِّرذمة سِتَّمِائةِ ألفٍ وسبعينَ ألفًا، ولا يُحْصَى عددُ أصحابِ فرعون.

قوله: {وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (55)} يقال: غاظَهُ وأَغاظَهُ وغَيَّظَهُ: إذا أغضَبَه

(4)

، والغَيْظ: الغضب، قال اللَّه تعالى:{تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ}

(5)

.

قوله: {وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ (56)} وقَرأَ حمزةُ والكسائيُّ وأبو بكر عن عاصم: {حَاذِرُونَ}

(6)

. قال الفَرّاء

(7)

: الحاذِرُ: الذي يَحْذَرُكَ الآنَ، والحَذِرُ: المخلوقُ كذلك لا تلقاه إلّا حَذِرًا. وقال الزَّجّاج

(8)

: الحاذر: المستعدُّ، والحَذِرُ: المُتيَقِّظُ. وقال أبو عُبيدة

(9)

: يقال: رَجُلٌ حَذِرٌ وحاذِرٌ.

(1)

الصحاح 4/ 1453.

(2)

معاني القرآن 2/ 280.

(3)

ينظر قوله فِي تفسير مجاهد 2/ 460، جامع البيان 19/ 93، 94، معاني القرآن للنَّحاس 5/ 79.

(4)

قال الزَّجّاج: "ومن قال: أَغاظَنِي فقد لَحَنَ". معاني القرآن وإعرابه 4/ 92، وقال الأزهري:"ورَوَى ثعلب عن ابن الأعرابِيِّ: غاظَهُ وأَغاظَهُ وغَيَّظَهُ بمعنى واحد". التهذيب 8/ 174.

(5)

الملك 8.

(6)

قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وهشام ويعقوب وأبو جعفر: {حَذِرُونَ} بغير ألف، وقرأ الباقون وابن ذكوان عن ابن عامر:{حَاذِرُونَ} بألف، ينظر: السبعة ص 471، إعراب القراءات السبع 2/ 133، الإتحاف 2/ 315.

(7)

معاني القرآن 2/ 280.

(8)

معاني القرآن وإعرابه 4/ 92.

(9)

مجاز القرآن 2/ 86.

ص: 416

وقوله: {فَأَخْرَجْنَاهُمْ} يعني: فرعونَ وقومه {مِنْ جَنَّاتٍ} يعني: بساتين {وَعُيُونٍ (57)} أنهارٍ جارية {وَكُنُوزٍ} يعني: الأموالَ الظاهرة من الذهب والفضة، سُمِّيَ كَنْزًا لأنه لم يُعْطَ حقُّ اللَّه منها، وما لم يُعْطَ حَقُّ اللَّه منه فهو كَنْزٌ وإن كان ظاهرًا، {وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (58)} يعني: المَجلسَ الحسن من مجالس الأُمراء والرؤساءِ التي كانت تَحُفُّ بهم الأتباع.

{كَذَلِكَ} ؛ أي: كما وصَفْنا {وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (59)} ، وذلك أنّ اللَّهَ ردَّ بني إسرائيلَ إلى مصرَ بعدما أَغْرَقَ فِرعوْنَ وقومَه، وأعطاهم جميعَ ما كان لقوم فِرعونَ من الأموال والعقارِ والمساكن.

قوله تعالى: {فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (60)} يعني: قومَ فرعونَ لَحِقوا موسى وقومَه، فأدركوهم وقتَ إشراق الشمس، وهو إضاءتُها، يقال: شَرَقَتِ الشَّمْسُ: إذا طلَعت، وأَشْرَقَتْ: إذا أضاءت

(1)

، وقَرأَ بعضهم

(2)

: {مُشْرِقِينَ} بالتشديد، وهو منصوبٌ على الحال.

قوله تعالى: {قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76)} يعني: الماضيَن الأوَّلين، ومحَلُّ {أَنْتُمْ}: رَفْعُ توكيد للواو فِي {تَعْبُدُونَ}

(3)

،

(1)

قاله أبو عبيد وابن قتيبة، ينظر: غريب الحديث لأبي عبيد 3/ 452، غريب الحديث لابن قتيبة 1/ 124.

(2)

هذه قراءة الحسن وعمرو بن ميمون، ينظر: تفسير القرطبي 13/ 106، مفاتيح الغيب 24/ 138.

(3)

{أَنْتُمْ} لا محل له من الإعراب، لأنه توكيد جِيءَ به ليصح العطف على ضمير الرَّفع المتصل فِي قوله:{تَعْبُدُونَ} ، و {آبَاؤُكُمُ} معطوف على هذا الضمير المتصل لا على {أَنْتُمْ} .

ص: 417

و {آبَاؤُكُمُ} : معطوفٌ عليه، و {الْأَقْدَمُونَ}: نعتُه.

ثم قال: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي} وَحَّدَ العَدُوَّ لأن معنى الكلام: فإنّ كلَّ معبودٍ عَدُوٌّ لِي، قال الشاعر:

69 -

إِذا أنا لم أنفَعْ خلِيلي بِوُدِّهِ

فإنَّ عَدُوِّي لن يَضُرَّهُمُ بُغْضِي

(1)

وأمّا الوجهُ في وصفِ الجَماد بالعداوة فهو أنّ معنى الآية: فإنهم عَدُوٌّ لِي -لو عَبَدْتُهُم- يومَ القيامة، كما قال اللَّه تعالى:{كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا}

(2)

، وقال الفَرّاء

(3)

: هذا من المقلوب، أراد: فإنّي عدوٌّ لهم؛ لأن مَن عادَيْتَهُ عاداكَ.

ثم قال: {إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77)} نَصْبٌ بالاستثناء، يعني: فإنّهم عدوٌّ لِي وغيرُ معبودٍ لِي إلا رَبَّ العالمين فإنِّي أعبده. قاله الفراء

(4)

، وقيل

(5)

: هو بمعنى

(1)

البيت من الطويل، للنابغة الذبيانِيِّ، ونُسِبَ للنابغة الشيبانِيِّ، ورواية ديوانه:"لم أنْفَعْ صَدِيقِي. . . لم يَضُرُّهُم".

التخريج: ديوان النابغة الذبيانِي ص 231، ديوان نابغة بني شيبان ص 198، المذكر والمؤنث لابن الأنباري 1/ 317.

(2)

مريم 82، وهذا قول الفزاء في معاني القرآن 2/ 281، وينظر: جامع البيان 19/ 105، إعراب القرآن 3/ 183.

(3)

هذا القول ذكره الثعلبي في الكشف والبيان 7/ 167، وينظر: تفسير القرطبي 13/ 110.

(4)

معاني القرآن 2/ 281.

(5)

أي: أنه من الاستثناء المنقطع، وهو قول للنُّحاس في معاني القرآن 5/ 86، إعراب القرآن 3/ 183، وينظر: مشكل إعراب القرآن 2/ 140، الكشاف 3/ 117، ونسبه أبو حيان للفرَّاء في البحر المحيط 7/ 22.

ص: 418

"لكنْ"، وقال الحسين بن الفَضْل

(1)

: يعني: إلّا مَن عَبَدَ رَبَّ العالمينَ

(2)

.

قوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78)} يعني: إلى الدِّينِ والرُّشْدِ لا إلى ما تعبدون، ومحل {الَّذِي}: نَصْب؛ لأنه صفة {رَبَّ الْعَالَمِينَ} ، ويحتمل أن يكون نصبًا على المدح، ويحتمل أن يكون رفعًا على خبر ابتداءٍ محذوف تقديره: هو الذي خلقني

(3)

.

قوله تعالى: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (84)} ؛ أي: ذِكْرًا جميلًا وثناءً حسنًا وقَبولًا عامًّا في الأُمم التي تجيءُ بعدي، فأعطاه اللَّهُ تعالى ذلك، فكلُّ أهل الأديان يَتَوَلَّوْنَ إبراهيمَ عليه السلام ويُثنُون عليه، قال القُتَيْبي

(4)

: [يوضَعُ] اللِّسان موضعَ القول على الاستعارة؛ لأنّ القول يكون به

(5)

، والعرب تُسمِّي اللغةَ لسانًا.

قوله تعالى: {وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87)} ؛ أي: لا تُعذِّبْني يومَ تَبْعَثُ الخَلْقَ، ثم فسَّر ذلك اليومَ، فقال:{يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88)} يعني: لا ينفَعُ المال والأولاد أحدًا، {إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)} سَلِمَ من الشِّرك والنفاق،

(1)

الحسين بن الفضل بن عمير بن قاسم، أبو علي البجلي النيسابوري، العلَّامة المفسر اللغوي المحدث عالِمُ عصره، كان رأسًا في معاني القرآن، أصله من الكوفة، وانتقل إلى نيسابور، وظل يعلم الناس فيها 65 سنة حتى توفِّي سنة (282 هـ). [سير أعلام النبلاء 13/ 414 - 416، طبقات المفسرين للسيوطي ص 37، الأعلام 2/ 251، 252].

(2)

ينظر قوله في الكشف والبيان 7/ 167، فتح القدير 4/ 105.

(3)

ويجوز أن يكون مبتدأً، وخبره {فَهُوَ يَهْدِينِ} ، ودخلت فيه الفاء لِما فِي المبتدأ من معنى الشرط، ينظر: الفريد 3/ 657، 658، البحر المحيط 7/ 22، الدر المصون 5/ 277.

(4)

تأويل مشكل القرآن ص 146.

(5)

في الأصل: "بها".

ص: 419

و {يَوْمَ} الأول: نَصْب على الظرف، واليوم الثاني: نَصْب على البدَل منه، و {مَنْ} منصوبٌ بـ {يَنْفَعُ} ، وهو مفعولٌ محقَّق.

قوله تعالى: {فَكُبْكِبُوا فِيهَا} يعنِي: في الجحيم {هُمْ وَالْغَاوُونَ (94)} يعنِي الآلِهةَ والمشركين؛ أي: جُمِعُوا، وقيل: دُهْوِرُوا، وقيل: قُذِفُوا، وقيل

(1)

: طُرِحَ بعضُهم على بعض، وقيل

(2)

: أُلْقُوا على رءوسهم، وأصله كُبِّبُوا، فكُرِّرَتِ الكافُ، مثلَ قوله:{بِرِيحٍ صَرْصَرٍ}

(3)

ونَحْوِه، وقيل

(4)

: هو من قولك: كَبَبْتُ الإناءَ: إذا قَلَبْتَهُ على رأسه، فأبدِلَ الباءُ الوسطى كافًا استثقالًا لاجتماع ثلاث باءات.

قوله: {فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً} ؛ أي: رجعة إلى الدنيا {فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (102)} أي: المصدِّقين بالتوحيد، ونَصْب {فَنَكُونَ} على جواب التمنِّي

(5)

.

(1)

قاله أبو عبيدة والزَّجّاج، ينظر: مجاز القرآن 2/ 87، معاني القرآن وإعرابه 4/ 94.

(2)

قاله ابن قتيبة والنحاس، ينظر: تفسير غريب القرآن لابن قتيبة ص 318، معاني القرآن للنَّحاس 5/ 89.

(3)

الحاقة 6، وهذا قول الطَّبري والزَّجّاج، ينظر: جامع البيان 19/ 109، معاني القرآن وإعرابه 4/ 94، وينظر: الكشاف 3/ 119، المحرر الوجيز 4/ 236.

(4)

قاله ابن قتيبة والنَّحاس، ينظر: غريب القرآن لابن قتيبة ص 318، معاني القرآن للنَّحاس 5/ 89، وحكاه السجاوندي عن قطرب في عين المعاني 94/ ب، وحكاه السمين الحلبي عن الكوفيين في الدر المصون 5/ 280.

(5)

قاله الأخفش والأنباري، ينظر: معاني القرآن للأخفش ص 65، البيان للأنباري 2/ 215، وعليه فلا جواب لـ "لَوْ"، ويجوز وجه آخر، وهو أن تكون "لَوْ" على أصلها وجوابها محذوف، وقوله:{فَنَكُونَ} منصوب بأَنْ مضمرة، والتقدير: فلو وَقَعَ لنا أن نَكُرَّ كَرّةً فَنَكُونَ من المؤمنين لفعلنا كذا، ينظر: التبيان للعكبري ص 998، الفريد 3/ 659، البحر المحيط 7/ 26، الدر المصون 5/ 280.

ص: 420

قوله تعالى: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105)} قال الزَّجّاج

(1)

: دَخَلت التاءُ -و {قَوْمُ} مذكَّرون- لأنّ المراد بالقوم: الجماعةُ؛ أي: كَذَّبَتْ جَماعةُ قَوْمِ نوحٍ المرسَلين، كقوله تعالى:{قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا}

(2)

.

وعنَى بالمرسَلين: نُوحًا وحدَه، كقوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ}

(3)

يعني النَّبِيَّ عليه السلام؛ لأنَّ مَن كَذَّبَ رَسُولًا واحدًا مِن رُسُلِ اللَّه فقد كَذَّبَ الجماعة؛ لأنّ كلَّ رسول يأمر بتصديق جميع الرسُل، وكذلك قوله تعالى:{كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ (123)} التأنيثُ لمعنى القبيلة؛ لأنه أُرِيدَ بعادٍ: القبيلةُ.

قوله تعالى: {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً} ؛ أي: علَامةً {تَعْبَثُونَ (128)} ؛ أي: تلعبون، والرِّيعُ: الصومعة، والرِّيعُ: التَّلُّ العالِي، وكلُّ مكانٍ مرتفع فهو رِيع، والرِّيع أيضًا: البُرج للحَمامِ

(4)

يكون فِي الصحراء

(5)

، وفيه لغتان: كسرُ الراء وفتحُها

(6)

، وجَمْعُه: رِيعةٌ وأَرْياعٌ

(7)

، والمعنى: أنهم كانوا يبنُون بالمواضع المرتفعة ليشرفوا على المارّةِ والسّابِلةِ

(8)

فيَسْخَرُونَ منهم، ويَعْبَثُونَ بهم.

(1)

معاني القرآن وإعرابه 4/ 95.

(2)

الحجرات 14.

(3)

المؤمنون 51.

(4)

في الأصل: "البرج من الحمام".

(5)

من أول قوله: "والريع: الصومعة" قاله أبو عمر الزاهد في ياقوتة الصراط ص 386.

(6)

وقد قرأ بفتح الراء ابنُ أبي عبلة، ينظر: مختصر ابن خالويه ص 108، البحر المحيط 7/ 31.

(7)

ينظر: مجاز القرآن 2/ 88.

(8)

السابلة: أبناء السبيل، والجمع: السَّوابِلُ.

ص: 421

قوله: {وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ} يعني: حصونًا، وقيل: قصورًا، واحدُها: مَصْنَعةٌ

(1)

، قال الشاعر:

70 -

تَرَكْنَ دِيارَهُم مِنْهُمْ قِفارا

وهَدَّمْنَ المَصانِعَ والبُرُوجا

(2)

وقال قَتادة

(3)

: المصانعُ: بِرَكُ الماءِ، قال لَبِيد:

71 -

بَلِينا وما تَبْلَى النُّجومُ الطَّوالعُ

وتَبقَى جِبالٌ بَعْدَنا ومَصانعُ

(4)

وقوله: {لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129)} ؛ أي: كأنّكم تَخْلُدُونَ فلا تَمُوتُونَ، و {لَعَلَّكُمْ} هاهنا بمَعنَى "كَأَنَّكُمْ"، وهي في سائر القرآن بِمعنى "لِكَيْ"، قاله الواقدي

(5)

، وقيل: هي هاهنا بمعنى "حَتَّى"، قاله أبو بكرٍ النقّاش

(6)

.

(1)

مَصْنَعةٌ ومَصْنَعٌ أيضًا، قاله الزَّجّاج والنَّحاس، ينظر: معاني القرآن وإعرابه 4/ 96، معاني القرآن للنَّحاس 5/ 93.

(2)

البيت من الوافر، لم أقف له على قائلٍ أو مناسبة.

التخريج: عين المعاني 94/ ب، تفسير القرطبي 13/ 123، فتح القدير 4/ 110.

(3)

ينظر قوله في جامع البيان 19/ 117، الكشف والبيان 7/ 174.

(4)

البيت من الطويل لِلَبِيدٍ من قصيدة له في رثاء أخيه إِرْبِدَ، ورواية ديوانه:"وَتَبْقَى الجِبالُ. . . والمَصانِعُ".

التخريج: ديوانه ص 88، الأغاني 15/ 140، تهذيب اللغة 2/ 37، الحماسة البصرية ص 622، أساس البلاغة: صنع، عين المعاني ورقة 94/ ب، تفسير القرطبي 13/ 123، اللسان: صنع، البحر المحيط 7/ 31، التاج: صنع، فتح القدير 4/ 110.

(5)

لم أقف على قوله، وتؤيده قراءة أُبَيِّ بن كعب:{كَأَنَّكُمْ تَخْلُدُونَ} ، وقبل الواقدي قاله ابن عباس، ينظر: جامع البيان 19/ 118، الكشف والبيان 7/ 175، الكشاف 3/ 122، الوسيط 5/ 282، المحرر الوجيز 4/ 238.

(6)

هو: محمد بن الحسن بن محمد بن زياد، أبو بكر النقاش: عالِمٌ بالقرآن وتفسيرِهِ، أصله من الموصل، ونشأ ببغداد، وكان في مبدأ أمره يعمل بنقش السقوف والحيطان، فعُرِفَ =

ص: 422

قوله: {وَإِذَا بَطَشْتُمْ} ؛ أي: سَطَوْتُم وأخَذْتُم {بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130)} يعني: قَتّالِينَ بغير حقٍّ، والجَبّارُ هو: الذي يقتُل ويضرب على الغضب، وهو منصوبٌ على الحال.

قوله تعالى: {أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ (146)} قال مُقاتلٌ: يعني: فيما أعطاهم اللَّهُ من الخير آمِنينَ من الموت والعذاب، ثم أَخْبر عن ذلك، فقال:{فِي جَنَّاتٍ} يعني: البساتين {وَعُيُونٍ (147)} وهي: الأنهار الجارية، {وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ (148)} يعني: ثَمَرُها مُتراكِبٌ بعضُها على بعضٍ في الكثرة.

و {هَضِيمٌ} بمعنى: مهضوم

(1)

، وهو اللَّطيف شخصُهُ، الصغيرُ حَبُّهُ، وبذلك يُمْدَحُ الطَّلْعُ، فإذا عَظُمَ حَبُّهُ تَغَيَّرَ طَعْمُهُ، وقيل

(2)

: {هَضِيمٌ} بمعنى: هاضِمٍ، وهو "فَعِيلٌ" بمعنى:"فاعل"، كأنه -لِمَرارتهِ- يَهْضِمُ الطَّعام، ويقال

(3)

: الهضيم: اللاصقُ بعضُه ببعض، وهو من قولك: هَضَمَنِي حَقِّي؛ أي: نَقَصَنِي، ومنه قوله تعالى:{فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا}

(4)

، وكلُّ مظلوم مهضومٌ، وقيل

(5)

: الهضيم: المَرِيءُ الناعم. ونَصْب {آمِنِينَ} على الحال.

= بالنقاش، توفِّي سنة (351 هـ)، من كتبه: شفاء الصدور المهذب في تفسير القرآن، الإشارة. [سير أعلام النبلاء 15/ 573 - 576، الأعلام 6/ 81].

(1)

يعني أنه فَعِيلٌ بمعنى مَفْعُولٍ، قاله الطبري في جامع البيان 19/ 123.

(2)

ذكره النَّحاس بغير عزو في معاني القرآن 5/ 95، وينظر: تفسير القرطبي 13/ 128.

(3)

قاله الطبري والزَّجّاج، ينظر: جامع البيان 19/ 122، معاني القرآن وإعرابه 4/ 96، وينظر: عين المعاني ورقة 94/ ب.

(4)

طه 112.

(5)

قاله أبو عمر الزاهد في ياقوتة الصراط ص 387.

ص: 423

قوله: {وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ (149)} قَرأَ أهلُ الشام والكوفة: {فَارِهِينَ} بالألف؛ أي: حاذِقين بنَحْتها، وقَرأَ الباقون بغير ألف

(1)

.

واختلفوا في معناه، فقيل: أَشِرِينَ، وقيل: بَطِرِينَ، وقيل: معجَبِين بصُنعكم، وقيل: لاعِبين

(2)

، وقيل

(3)

: فَرِحين، والعربُ تعاقِبُ بين الحاء والهاء مثلَ: مَدَحْتُهُ ومَدَهْتُهُ، فالهاء من {فَارِهِينَ} بدلٌ من الحاء، والفَرَحُ في كلام العرب -بالحاء-: الأَشَرُ والبَطَرُ، ومنه قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ}

(4)

، ويجوز أن يكون {فَارِهِينَ} و {فرهين} بمعنًى واحد، كقوله تعالى:{عِظَامًا نَخِرَةً}

(5)

و {ناخِرةً} ونحوهما

(6)

، وهو نصبٌ على الحال.

قوله تعالى: {قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ} ؛ أي: لئن لم تسكت {يَالُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ (167)} من بلدتنا، وهو جوابُ الشرط

(7)

، {قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ} يعني:

(1)

قرأ أبو عمرو وابن كثير ونافع وأبو جعفر ويعقوب: {فَرهِينَ} بغير ألف، ينظر: السبعة ص 472، إعراب القراءات السبع 2/ 137، حجة القراءات ص 519، تفسير القرطبي 13/ 129، البحر المحيط 7/ 34، الإتحاف 2/ 319.

(2)

ينظر في هذه المعانِي: معاني القرآن للفرَّاء 2/ 282، معاني القرآن وإعرابه 4/ 96، إعراب القرآن للنَّحاس 3/ 187، معاني القرآن للنَّحاس 5/ 96.

(3)

قاله ابن قتيبة والنَّحاس، ينظر: تأويل مشكل القرآن ص 491، معاني القرآن للنَّحاس 5/ 96، 97، إعراب القرآن 3/ 187، وللأخفش في الكشف والبيان 7/ 176، وعين المعاني 94/ ب.

(4)

القصص 76.

(5)

النازعات 11.

(6)

قاله أبو عبيدة وابن قتيبة، ينظر: مجاز القرآن 2/ 89، غريب القرآن ص 319، وحكاه النَّحاس عن قطرب في إعراب القرآن 3/ 188.

(7)

يجب هنا أن يكون: {لَتَكُونَنَّ} جوابًا للقسم المقدر؛ لأن "إِنْ" تقدمت على الشرط، =

ص: 424

اللِّواط {مِنَ الْقَالِينَ (168)} ؛ أي: المُبْغِضِينَ، يقال: قَلَيْتُهُ أَقْلِيهِ قِلًى: إذا أَبْغَضْتَهُ، واللام في قوله:{لِعَمَلِكُمْ} لامُ جَرٍّ، ولهذا كُسِرَتْ، والخبر قوله:{مِنَ الْقَالِينَ} ، والتقدير: إِنِّي من القالِينَ لعملِكم

(1)

.

قوله تعالى: {كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (176)} وهم قومُ شُعَيْب، وأراد شُعيبًا وحدَه، والأَيْكة: الغَيْضةُ، وفيها لغتان، يقال: الأَيْكةُ ولَيْكةُ، وقد قُرِئَ بهما جميعًا، قَرأَ نافعٌ وابنُ كثير وابن عامر:{لَيْكةَ} بفتح اللام والكافِ

(2)

والهاءِ، من غير همز، ومثله في {ص}

(3)

، وقرأ الباقون:{الْأَيْكَةِ} بالهمز والخفض.

فمَن فَتح الهاءَ

(4)

جَعَله اسمًا للبلدة فلم يصرفْه؛ للتعريف والتأنيث،

= وإذا اجتمع شرط وقسم فالجواب للسابق منهما، وجواب الآخر محذوف، والسابق هنا هو القسم المقدر، ينظر: شرح الكافية للرَّضي 4/ 492، شرح التسهيل لابن مالك 3/ 215 وما بعدها، همع الهوامع 2/ 404.

(1)

أنكر الجَرْمِيَّ وابنُ السَّرّاج وغيرُهما أن يكون الخبر {مِنَ الْقَالِينَ} ؛ لأن في ذلك تقديمَ معمول الصلة وهو {لِعَمَلِكُمْ} ، على الموصول وهو "أل"، وقالوا: الخبر محذوف، و {لِعَمَلِكُمْ} متعلق بهذا الخبر المحذوف، و {مِنَ الْقَالِينَ} نعت لهذا الخبر، والتقدير: لَقالٍ لِعَمَلِكُمْ مِنَ القالِينَ، ينظر: الكامل للمبرد 1/ 36، الأصول 2/ 223، 224، إعراب القرآن 4/ 62، 63، التبيان للعكبري ص 1000، الفريد للمنتجب الهمدانِيِّ 3/ 664، ارتشاف الضرب ص 1034 - 1044.

(2)

في الأصل: "بفتح اللام والياء"، وهو خطأ. وهذه أيضًا قراءة أبي جعفر وابن محيصن، ينظر: السبعة ص 473، إعراب القراءات السبع 2/ 137، 138، حجة القراءات ص 519، البحر المحيط 7/ 36، الإتحاف 2/ 319.

(3)

يعني قوله تعالى: {وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ} . ص 13.

(4)

في الأصل: "التاء"، وقد صُوِّبَتْ في هامش الأصل. وهو يعني قراءة {لَيْكَةَ} بغير همز.

ص: 425

ووزنُه: "فَعْلةٌ"، ومَن خَفَض الهاءَ جَعَله معرَّفًا بالألف واللام، فخفضه لإضافة {أَصْحَابُ} إليه.

قال أبو عليٍّ الفارسي

(1)

: الأَيْكة: تعريفُ أَيْكةٍ، فإذا خَفَّفْتَ الهمزةَ حَذَفْتَها وألقيتَ حركتَها على اللام، فقلتَ: الَيْكةُ، كما قالوا: الَحْمَرُ، وقَولُ مَن قال:{أَصْحَابُ لَيْكَةَ} مُشكِلٌ؛ لأنه فَتح التاءَ مع لَحاقِ الألفِ واللامِ الكلمةَ، وفي هذا امتناعٌ، كقول من قال: مَرَرْتُ بِلَحْمَرَ ففتح الآخِرَ مع لَحاق لام المعرفة.

وأصل

(2)

{أَيْكَةَ} : اسمٌ لموضع فيه شجرٌ ودَوْمٌ مُلْتَفٌّ، والدَّوم: المُقْلُ

(3)

، وكان أكثرُ شجرِهم الدَّوْمَ، وجمعها: أَيْكٌ كما ترى، قال الشاعر:

72 -

أفمِنْ بُكاءِحَمامةٍ في أَيْكةٍ

يَرْفَضُّ دَمْعُكَ فَوْقَ ظَهْرِ المِحْمَلِ

(4)

وقال جَرِيرٌ فِي الجَمْع:

73 -

طَرِبَ الحَمامُ بِذِي الأَراكِ، فشاقَني

لا زِلْتَ في غَلَلٍ وأَيْكٍ ناضِرِ

(5)

(1)

الحجة للقراء السبعة 3/ 30، وقاله الفارسي عند قوله تعالى:{وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ} . الحِجْرِ 78.

(2)

فِي الأصل: "وأصله".

(3)

الدُّوْمُ: شَجَرُ يشبه النَّخْلَ، والمُقْلُ: ثَمَرُ ذلك الدومِ، واحدتها مُقْلةٌ، اللسان: دوم، مقلِ.

(4)

البيت من الكامل، لعنترة بن شداد، يهجو قيس بن زهير العبسي، ورواية ديوانه:"ذرَفَتْ دُمُوعُكَ. . . "، ويُرْوَى:"دَرَّتْ دُمُوعُكَ. . . ".

اللغة: المِحْمَل: شِقّانِ على البعير يُحْمَلُ عليهما.

التخريج: ديوانه ص 247، مجاز القرآن 2/ 178، جامع البيان 23/ 156، إيضاح الوقف والابتداء ص 446، اللسان: حمل.

(5)

البيت من الكامل.

اللغة: شاقَنِي: هيَّجَ شَوْقِي، الغَلَلُ: الماء يجري بين الشجر أو الحجارة. =

ص: 426

وقيل

(1)

: الأيكةُ: اسمُ القرية.

قوله: {إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ (177)} ولم يقل: أخوهم شُعيبٌ؛ لأنه لم يكنْ من أصحابِ الأَيكة في النَّسب، فلمّا ذَكَرَ مَدْيَنَ قال:{أَخَاهُمْ شُعَيْبًا}

(2)

؛ لأنه كان منهم.

قوله تعالى: {وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (183)} نَصْب على الحال، وقد ذكرتُ تفسيرَ نظيرِها في سورة هود والأعراف والبقرة

(3)

، فأغنى عن الإعادة.

قوله: {وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (184)} الجِبِلُّ: الخَلْقُ، قال الشاعر:

74 -

والموتُ أَعظَمُ حادِثٍ

مِمّا يَمُرُّ عَلَى الجِبِلُّهْ

(4)

= التخريج: ديوان جرير ص 307، إيضاح الوقف والابتداء ص 446، الزاهر لابن الأنباري 1/ 186، تاريخ دمشق 56/ 248، العمدة 2/ 46.

(1)

قال نشوان الحميري: "وحكى أبو عبيد أن لَيْكةَ: اسم القرية التي كانوا فيها، والأَيْكةَ: اسم البلد". شمس العلوم 1/ 364.

(2)

الأعراف 85، وهود 84، والعنكبوت 36.

(3)

ينظر الآية 60 من سورة البقرة، والآية 74 من سورة الأعراف، والآية 85 من سورة هود، وكلها في القسم المفقود من هذا الكتاب.

(4)

البيت من مجزوء الكامل لعبد اللَّه بن معاوية بن عبد اللَّه بن جعفر بن أبي طالب، ويُرْوَى:"أَفْظَعُ حادِثٍ"، ويروى:"فِيما يَمُرُّ".

التخريج: شعر عبد اللَّه بن معاوية ص 73، تفسير غريب القرآن ص 320، روضة العقلاء ص 204، محاضرات الأدباء 2/ 483، الكشف والبيان 7/ 178، المحرر الوجيز 4/ 242، مجمع البيان 7/ 349، زاد المسير 6/ 142، عين المعاني ورقة 94/ ب، 111/ أ، تفسير القرطبي 13/ 136، البحر المحيط 7/ 29، فتح القدير 4/ 115.

ص: 427

قولُه تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192)} يعني: القرآنَ {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193)} قَرأَ أهل الحجاز وأبو عَمْرو وحفصٌ بتخفيف الزاي ورَفْع الحاء والنون، يعنُون: نَزَلَ به جبريلُ عليه السلام، وقَرأَ الباقون بالتشديد والنَّصب

(1)

، وهو الاختيارُ، لقوله تعالى:{وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192)} ، وهو مصدر، فمن قَرأَ بالتخفيف رَفَع الرُّوحَ بفعله، ومَن قَرأ بالتشديد فهو مفعولٌ، والفاعلُ: اللَّه تعالى، نَزَّلَ به ربُّ العالمين الروحَ الأمينَ

(2)

.

قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً} يعني القرآنَ، قَرأَ ابنُ عامر:{تَكُنْ} بالتاء {آيَةٌ} رفعًا

(3)

، وقرأ الباقونَ بالياء {آيَةً} بالنصب على الخبر، قال الزَّجَّاج

(4)

: قوله: {أَنْ يَعْلَمَهُ (197)} اسمُ "كان"، و {آيَةً}: خبره، والمعنى: أَوَلم يَكُنْ عِلْمُ عُلماءِ بني إسرائيلَ أَنَّ محمدًا نبيٌّ حقٌّ علامةً ودِلالةً على نُبُوَّتِهِ؟

وعلى قراءة ابن عامر قال الفَرّاء والزَّجّاج

(5)

: جَعَل {آيَةٌ} هي الاسم، و {أَنْ يَعْلَمَهُ} خبر {تَكُنْ} . ووَجْه رفع {آيَةٌ} على أنّ الاسمَ ضميرُ القصة، و {أَنْ يَعْلَمَهُ} في معرض الابتداء، و {آيَةٌ} خبر، وجعلُ المعرفة خبرًا والنكرة اسمًا ضعيفٌ وإن جاء اسمًا

(6)

، قال الشاعر:

(1)

قرأ بالتشديد والنصب أيضًا: أبو بكر عن عاصم، ينظر: السبعة ص 473، إعراب القراءات السبع 2/ 138، حجة القراءات ص 521، الإتحاف 2/ 320.

(2)

ينظر في هذه المعاني: معاني القراءات 2/ 230، الحجة للفارسي 3/ 225 - 226.

(3)

وهي قراءة عاصم الجحدري أيضًا، ينظر: السبعة ص 473، الإتحاف 2/ 320 - 321.

(4)

معاني القرآن وإعرابه 4/ 101.

(5)

هذا معنى قولهما، معاني القرآن للفرَّاء 2/ 283، معاني القرآن وإعرابه للزَّجّاج 4/ 101.

(6)

هذا الكلام متعلق بتوجيه الفرَّاء والزَّجّاج لقراءة {أَوَلَمْ تَكُنْ لَهُمْ آيَةٌ} ، وقد أجاب بعضهم على ذلك بأن اسم {تَكُنْ} وإن كان نكرة إلا أنه تخصص بالجار والمجرور "لهم"، وفي القراءة وجوه أخرى، ينظر: التبيان للعكبري ص 1001، الفريد للمنتجب الهمداني 3/ 666، ارتشاف الضرب ص 1043، الدر المصون 5/ 287.

ص: 428

75 -

كأَنَّ سَبِيئةً مِنْ دارِ عُرْسٍ

يكُونُ مِزاجَها عَسَلٌ وماءُ

(1)

قولُه تعالى: {وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ} يعني: القرآنَ {عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ (198)} هو: جمع الأعجَميِّ

(2)

، وقيل

(3)

: هو: جمعُ أَعْجَمَ، يقال: رَجُلٌ أَعْجَمُ وأَعْجَمِيٌّ أيضًا: إذا كان في لسانه عُجْمةٌ.

وقال صاحبُ إنسان العَيْن

(4)

: {الْأَعْجَمِينَ} كالأَشْعَرِينَ والنُّمَيْرِينَ، وليس كما توهَّم الزَّجّاج أنه جَمْع أَعْجَمَ

(5)

، فإنه لا يقال: أَحْمَرُونَ، والأَعْجَمِيُّ:

(1)

البيت من الوافر لحسان بن ثابت من قصيدة يمدح بها النبي صلى الله عليه وسلم، ويهجو أبا سفيان بن الحارث، ورواية الديوان:

كَأَنَّ خَبِيئةً مِنْ بَيْتِ رَأْسٍ *

ويروى: "كَأَنَّ سُلَافةً. . . "، وخبر "كَأَنَّ" جاء في البيت التالي، وهو قوله:

عَلَى أنْيابِها أَوْ طَعمُ غَضٍّ

مِنَ التُفّاحِ هَصَّرَهُ اجْتِناءُ

ونسب للنابغة الذبيانِيِّ، وهو في ملحق ديوانه.

التخريج: ديوان حسان ص 71، ملحق ديوان النابغة ص 227، الكتاب 1/ 49، 4/ 92، معاني القرآن للفرَّاء 3/ 215، المقتضب 4/ 92، الكامل 1/ 126، إعراب القرآن للنَّحاس 2/ 187، شرح أبيات سيبويه 1/ 38، إعراب القراءات السبع 1/ 227، 2/ 139، المحتسب 1/ 279، الحلل ص 46، شرح الجمل لطاهر بن أحمد 1/ 103، شرح المفصل 7/ 91، 93، عين المعاني ورقة 95/ أ، شرح الكافية للرضي 4/ 190، 206، اللسان: جني، رأس، سبأ، مغني اللبيب ص 591، 911، ارتشاف الضرب ص 1178، 2373، 2452، شرح شواهد المغني ص 849، الخزانة 9/ 224، 231، 283، 285، 287، 289، 293.

(2)

في الأصل: "الأعاجم".

(3)

هذا قول الزَّجّاج. ينظر: معاني القرآن وإعرابه 4/ 102.

(4)

ينظر قوله في عين المعاني ورقة 95/ أ.

(5)

قال الزَّجّاج: "الأَعْجَمِينَ: جمع أَعْجَمَ، والأنثى: عَجْماءُ، والأعجم: الذي لا يُفْصِحُ، وكذلك الأعجمي". معاني القرآن وإعرابه 4/ 102.

ص: 429

هو الذي لا يُفْصِحُ ولا يُحْسِنُ العربيةَ، وإن كان منسوبًا إلى العرب، وجَمْعه: عُجْمٌ، وتأنيثُه عَجْماءُ، ومنه قيل للبهائم: عُجْمٌ؛ لأنها لا تتكلَّم، قال النبي صلى الله عليه وسلم:"العَجْماءُ جُرْحُها جُبارٌ"

(1)

، فماذا أردتَ أنه منسوبٌ إلى العَجَمِ قلت: عَجَمِيٌّ.

قال الفَرّاء

(2)

: الأعجَميُّ: منسوبٌ إلى نفسه من العُجْمةِ، كما قالوا للأَحْمَرِ: أَحْمَرِيٌّ، وكقوله:

76 -

والدَّهْرُ بالإنسانِ دَوّارِيُّ

(3)

وإنما هو: دَوّار.

قوله تعالى: {وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ} ؛ أي: من أهل قريةٍ بالعذاب في الدنيا

(1)

رواه البخاري في صحيحه 8/ 46 كتاب الديات: باب "المعدن جبار"، ورواه مسلم في صحيحه 5/ 127 كتاب الحدود: باب "جرح العجماء جبار".

(2)

قال الفرَّاء: "الأعجمي: المنسوب إلى أصله إلى العَجَمِ وإن كان فصيحًا، ومن قال: أَعْجَمُ قال للمرأة: عَجْماءُ إذا لم تُحْسِنْ العربيةَ، ويجوز أن تقول: عَجَمِيٌّ تريد: أَعْجَمِيٌّ، تنسبه إلى أصله". معاني القرآن 2/ 283، والرجز ليس في معاني القرآن.

(3)

الرجز للعجاج، وقبله:

أَطَرَبًا وأنْتَ قِنَّسْرِيُّ؟

اللغة: الطَّرَبُ: خفة تعتري الإنسان عند السرور أو الحزن، القِنَّسْرُ والقِنَّسْرِيُّ: الكبير المُسِنُّ، الدَّوّارِيُّ: الدهر الدائر بالإنسان أحوالًا، والمعنى: أَتَطْرَبُ إلى اللهو طربَ الشبان وأنت شيخ مسنٌّ؟

التخريج: ديوانه ص 247، الكتاب 1/ 338، الزاهر لابن الأنباري 2/ 110، إعراب القراءات السبع 2/ 392، المحتسب 1/ 310، الخصائص 3/ 104، المنصف 2/ 179، عين المعاني ورقة 95/ أ، شرح الكافية للرضي 4/ 481، اللسان: دور، قسر، قعسر، قنسر، مغني اللبيب ص 26، 892، شرح شواهد المغني ص 722، خزانة الأدب 6/ 540، 11/ 275.

ص: 430

{إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ (208) ذِكْرَى} ؛ أي: تذكِرةً، محَلُّها نَصْبٌ على الحال عندَ الكِسائي

(1)

، وعلى المصدر عند الزَّجّاج والفَرّاء

(2)

، ولا يتبيَّن فيها الإعراب؛ لأنّ فيها ألفًا مقصورًا، ويجوز:"ذِكْرًا" بالتنوين

(3)

، وقيل

(4)

: محَلُّها رفع؛ أي: تلك ذِكرى، يعني: موعظةً وتذكيرًا، {وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ (209)} فنُعَذِّبَ على غير ذنب، ونعاقبَ من غير تذكيرٍ وإنذار.

قوله تعالى: {فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} إلى وذلك حين دُعي النبيُّ صلى الله عليه وسلم دين آبائه، ومعناه: فلا تعبُدْ مع اللَّه إلهًا آخَر {فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213)} قال ابن عباس: يُحَذِّرُ به غيرَهُ، يقول: أنت أكرمُ الخلق عَلَيَّ، ولو اتَّخذتَ من دونِي إِلَهًا لَعَذَّبْتُكَ، ونَصْب {فَتَكُونَ} على جواب النهي بالفاء، كقوله تعالى:{لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ}

(5)

.

قوله: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214)} ؛ أي: رَهْطَكَ الأَدْنَيْنَ، وهم بنو هاشم، وبنو عبد المطَّلب خاصةً، أي: حَذِّرْهُمْ عذابَ اللَّه وعقوبتَه.

(1)

ينظر قول الكسائي في إعراب القرآن 3/ 193، مشكل إعراب القرآن 2/ 142، البيان للأنباري 2/ 217، البحر المحيط 7/ 42.

(2)

معاني القرآن وإعرابه للزجاج 4/ 102، معاني القرآن للفرَّاء 2/ 2/ 284.

(3)

قاله الزَّجّاج والنَّحاس، ينظر: معاني القرآن وإعرابه 4/ 103، إعراب القرآن 3/ 194، وينظر أيضًا: مشكل إعراب القرآن 2/ 142، وهذا إنما يجوز في غير القرآن، وأما في القرآن فلم يُقْرَأْ به.

(4)

هذا قول آخر للفرَّاء والزَّجّاج والنَّحاس، ينظر: معاني القرآن للفرَّاء 2/ 284، معاني القرآن وإعرابه 4/ 102، إعراب القرآن 3/ 194، وفيه أوجه أخرى تنظر فى: الكشاف 3/ 130، عين المعاني ورقة 95/ أ، الدر المصون 5/ 291.

(5)

طه 61.

ص: 431