المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ}؛ أي: لا يَكْسِرَنَّكُمْ، لفظه نَهْيٌ، وتأويله جزاء (1) ، والحَطْمُ: - البستان في إعراب مشكلات القرآن - جـ ١

[ابن الأحنف اليمني]

فهرس الكتاب

- ‌كلمة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية

- ‌مقدِّمة

- ‌ومن الأسباب التي دفعَتْني إلى تحقيق هذا الكتاب:

- ‌الجِبْلِيُّ وكتابُهُ "البُسْتانُ في إِعرابِ مُشْكِلاتِ القُرْآنِ

- ‌الفصل الأول الجِبْلِيُّ - حياتُهُ وآثارُهُ

- ‌المبحث الأول كُنْيتُه واسْمُهُ ونَسَبُه ولقَبُه

- ‌1 - كُنْيته واسْمُهُ ونَسَبُه:

- ‌2 - لقَبُه:

- ‌المبحث الثاني مولدُه

- ‌المبحثُ الثالث عصرُه

- ‌1 - الحياةُ السياسيّة:

- ‌2 - الحياةُ العِلميّة:

- ‌3 - المدارس التي أُنشئت في مدينة جِبْلةَ:

- ‌4).4 -اهتمامُ الدّولة الرَّسُوليّة بالعلم والعلماء:

- ‌5 - تأثُّر اليمنيِّين بالنَّحوِّيين المَشارِقة والمصريِّين:

- ‌المبحث الرابع شيوخه وتلاميذه

- ‌1 - شيوخه:

- ‌2).2 -تلاميذُه

- ‌المبحثُ الخامس مَنْزلةُ الجِبْليِّ العلميّةُ وثناءُ العلماءِ عليه

- ‌المبحثُ السادس آثارُه ووفاتُه

- ‌1 - آثاره:

- ‌2 - وفاتُه:

- ‌المبحثُ السابع موقفُ الجِبْليِّ من أصول النَّحو

- ‌المطلبُ الأول: موقفُه من السَّماع:

- ‌أولًا: موقفُه من الاستشهاد بالقرآن الكريم وقراءاتِه

- ‌1 - موقفه من القراءاتِ الصّحيحة:

- ‌أ - ارتضاء الجِبْلِيِّ القراءاتِ الصحيحةَ:

- ‌ب - اعتراضاتٌ للجِبْلِيِّ على قراءاتٍ صحيحة:

- ‌جـ - مفاضلةُ الجِبْليِّ بين قراءاتٍ صحيحة:

- ‌2 - موقفُ الجِبْلي من القراءات الشّاذّة:

- ‌3 - نظراتٌ في استشهاد الجِبْلِّي بالقراءات:

- ‌ثانيًا: موقفُ الجِبْليِّ من الاستشهاد بالحديث:

- ‌ثالثًا: موقفُ الجِبْليِّ من الاستشهاد بكلام العرب

- ‌أولًا- استشهاد الجِبْليِّ بالأمثال والأقوال:

- ‌ثانيًا - استشهاد الجِبْليِّ بالشعر:

- ‌ نظراتٌ في استشهاد الجِبْليِّ بالشعر:

- ‌ مآخذُ على استشهاد الجِبْلي بالشِّعر:

- ‌المطلب الثاني: موقفُ الجِبْلي من القياس:

- ‌ القياسُ عند الجِبْلي:

- ‌المطلبُ الثالث: موقفُ الجِبْلي من الإجماع

- ‌المبحثُ الثامن مذهبُه النَّحْويُّ واختياراتُه

- ‌فمن أمثلة ما اختار فيه مذهبَ البصريِّين:

- ‌ومما اختار فيه مذهبَ الكوفيِّين:

- ‌الفصلُ الثاني كتابُ البُستان في إعرابِ مشكلاتِ القرآن

- ‌المبحث الأول عنوانُ الكتاب، وتوثيق نِسبتِهِ للجِبْلي، وموضوعُه

- ‌المطلبُ الأول: عُنوانُ الكتاب:

- ‌المطلبُ الثاني: توثيق نِسبتِهِ للجِبْلي:

- ‌المطلبُ الثالث: موضوعه:

- ‌المبحثُ الثاني مصادرُه

- ‌أولًا: مصادرُ بصَرْيّةٌ، ومنها:

- ‌ثانيًا: مصادرُ كوفيّة، ومنها ما يلي:

- ‌ثالثًا: مصادرُ بغداديّةٌ:

- ‌رابعًا: مصادرُ مِصريّة:

- ‌خامسًا: مصادرُ أخرى:

- ‌المبحثُ الثالث منهجُ الجِبْليِّ في البستان

- ‌1 - خُطّةُ الكتاب:

- ‌2 - نُقولُه عن العلماء:

- ‌3 - اهتمامُه باللغة:

- ‌4 - اهتمامُه بتوضيح التصحيف:

- ‌5 - استطرادُه في ذكر أشياءَ بعيدةٍ عن موضوع الآية التي يشرحها:

- ‌6 - ترْكُه آياتٍ بدون إعراب أو شرح:

- ‌7 - تأثُّرُه بِلُغةِ الفقهاءِ والمتكلِّمين:

- ‌9 - أشعارٌ في الزهد والحِكمة:

- ‌المبحثُ الرابع المصطَلحاتُ النَّحوّية في البستان

- ‌المبحثُ الخامس العلّة النَّحويّةُ في البستان

- ‌العلّة البسيطةُ والمركَّبة:

- ‌أولًا- العِلَلُ البسيطة:

- ‌ثانيًا- العِلَل المُركَّبة:

- ‌المبحثُ السادس ملحوظاتٌ على الكتاب

- ‌أولًا: ملحوظاتٌ على المنهج:

- ‌أ- أخطاءٌ في النُّقول عن العلماء:

- ‌ب - آراءٌ منسوبةٌ خطأً:

- ‌جـ - نَقْلُهُ عن العلماء من كتُبِ غيرِهم:

- ‌ثانيًا: ملحوظات على الأسلوب:

- ‌1 - إيهامُ كلامِه خلافَ المراد:

- ‌2 - وقوعُ التناقُض في كلامه:

- ‌3 - ملحوظاتٌ نَحْويّة:

- ‌خاتمةُ الدِّراسة

- ‌ التحقيق

- ‌1 - وصفُ نُسخةِ المخطوط

- ‌2 - منهَجُ التحقيق

- ‌3 - نماذج مصوَّرة من المخطوط

- ‌سورةُ الأنبياء عليهم السلام

- ‌بابُ ما جاء في فَضْل قراءتها

- ‌بابُ ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصلٌ

- ‌فصلٌ

- ‌فصل

- ‌فصلٌ

- ‌فصلٌ

- ‌سورةُ الحجِّ

- ‌بابُ ما جاء في فضل قراءتها

- ‌بابُ ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصلٌ

- ‌فصلٌ

- ‌‌‌فصلٌ

- ‌فصلٌ

- ‌فصلٌ

- ‌سورةُ المؤمنين

- ‌بابُ ما جاء في فَضْل قراءتها

- ‌بابُ ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصلٌ

- ‌فصلٌ في معنى الآية

- ‌فصلٌ

- ‌فصلٌ في ذِكْرِ وجوهِ الحكمةِ في خَلْقِ اللَّهِ تعالى الخَلْقَ على الاختصار

- ‌سورةُ النُّور

- ‌بابُ ما جاء في فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصلٌ

- ‌فصلٌ

- ‌فصل

- ‌فصلٌ

- ‌فصلٌ

- ‌فصلٌ في معنى المشكاةِ والمِصباح والزَّجاجة والشَّجرة

- ‌فصلٌ

- ‌فصلٌ

- ‌فصل

- ‌فصلٌ

- ‌سورةُ الفرقان

- ‌بابُ ما جاء في فَضْل قراءتها

- ‌بابُ ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصلٌ

- ‌فصلٌ

- ‌فصلٌ

- ‌فصلٌ

- ‌سورةُ الشُّعراء

- ‌بابُ ما جاء في فَضْل قراءتها

- ‌بابُ ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصلٌ

- ‌فصل

- ‌سورةُ النمل

- ‌باب ما جاء في فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌سورةُ القَصَص

- ‌باب ما جاء في فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

الفصل: سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ}؛ أي: لا يَكْسِرَنَّكُمْ، لفظه نَهْيٌ، وتأويله جزاء (1) ، والحَطْمُ:

سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ}؛ أي: لا يَكْسِرَنَّكُمْ، لفظه نَهْيٌ، وتأويله جزاء

(1)

، والحَطْمُ: الكَسْرُ، والحُطامُ: ما تَحَطَّمَ، وقوله:{وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18)} يريد: بحَطْمِكُم ووَطْئِكُم.

قوله: {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا} يعني: من قول النملة، والتبسم: أول الضحك، وهو الذي لا صوت له، قال الزَّجّاج

(2)

: أَكْثَرُ ضَحِكِ الأنبياء عليهم السلام التَّبَسُّمُ، و {ضَاحِكًا}: حال، ومعناه: متبسمًا.

‌فصل

رُوِيَ فِي بعض الأخبار، أن سليمان عليه السلام لَمّا سَمِعَ النملةَ تقول:{يَاأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} ، نَزَلَ عندها وقال: ائتوني بها، فأَتَوْهُ بها فقال لها: لِمَ حَذَّرْتِ النملَ؟ هل سمعتم أني ظالِمٌ؟ أما علمتم أن نَبِيَّ اللَّه عَدْلٌ؟ فلمَ قلتِ: {لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ} ؟ فقالت: يا نبيَّ اللَّه: أما سمعتَ قولي: {وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} ؟ مع أَنِّي لم أُرِدْ بقولِي حَطْمَ النفوس، وإنما أردت حَطْمَ القُلُوبِ، خشيتُ أن يَتَمَنَّيْنَ ما أُعْطِيتَ فيُفْتَنَّ ويُشْغَلنَ بالنظر إليك عن التسبيح، فقال لها: عِظِينِي، فقالت: هل علمتَ لِمَ سُمِّيَ أبوكَ داودَ؟ قال: لا، قالت: لأنَّهُ داوى جُرْحَهُ، وهل تدري لِمَ سُمِّيتَ سليمانَ؟ قال: لا، قالت: لأنك سليم ولسلامة قلبك، ثم قالت:

(1)

هذا قول الفرَّاء في معاني القرآن 1/ 162، 407، 2/ 314، وقد رده الزَّجّاج بأن لفظ النهي لسليمان، ومعناه للنمل، ينظر: معاني القرآن وإعرابه 2/ 410، وينظر كلام الفارسي في هذه المسألة في الإغفال 2/ 294 - 300، وينظر أيضًا: التبيان للعكبري ص 1006، الفريد للهمداني 3/ 677، 678 البحر المحيط 7/ 60، الدر المصون 5/ 302 - 303.

(2)

معاني القرآن وإعرابه 4/ 112.

ص: 447

أتدري لِمَ سَخَّرَ اللَّهُ لك الريحَ؟ قال: لا، قالت: أَخْبَرَكَ أن الدنيا كلها ريح، فتبسم ضاحكًا من قولها متعجبًا

(1)

.

{وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي} ؛ أي: أَلْهِمْنِي {أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ. . . (19)} الآية، وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: نَهَى رسولىُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عن قتل أربعة من الدواب: الهُدْهُدِ والصُّرَدِ

(2)

والنحلة والنملة

(3)

.

قوله تعالى: {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ} التَّفَقُّدُ: طَلَبُ ما غاب عنك، والطير: اسم جامع للجنس، وكانت الطير تصحب سليمانَ في سفره تُظِلُّهُ بأجنحتها، والمعنى: أنه طَلَبَ ما فُقِدَ من الطير {فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ} ؛ أي: ما لِلْهُدْهُدِ لا أَراهُ؟ تقولى العرب: ما لِي أَراكَ كَئِيبًا؟ معناه: ما لَكَ؟ ولكنه من القَلْبِ الذي يُوَضِّحُهُ المَعْنَى

(4)

. والهدهد: طائر معروف.

فتح ابنُ كثيرٍ وعاصمٌ والكسائيُّ وهشامٌ

(5)

وأيوب: {مَا لِيَ} هاهنا وفي

(1)

ورد هذا الخبر في الكشف والبيان 7/ 197، 198، وتفسير القرطبي 13/ 171.

(2)

الصُّرَدُ: طائر فوق العصفور، يصيد العصافير، وجمعه: صِرْدانٌ. اللسان: صرد.

(3)

رواه الإمام أحمد في المسند 1/ 332، 347، والدارمي في سننه 2/ 89 كتاب الأضاحي/ باب النهي عن قتل الضفادع والنحلة، وأبو داود في سننه 2/ 532 أبواب النوم/ باب في قتل الذَّرِّ.

(4)

قاله الواحدي والقرطبي، ينظر: الوسيط 3/ 373، تفسير القرطبي 13/ 179، قال أبو حيان:"ولا ضرورة إلى ادعاء القلب". البحر المحيط 7/ 62، وينظر: الدر المصون 5/ 304.

(5)

هو: هشام بن عمار بن نصير بن ميسرة، أبو الوليد السلمي، مقرئ محدث خطيب قاض، ثقة صدوق واسع الرواية، من أهل دمشق، روى عن مالكٍ وابن عيينة، روى عنه القراءة القاسم ابن سلام، توفِّي سنة (245 هـ)، من كتبه: فضائل القرآن. [غاية النهاية 2/ 354 - 356، سير أعلام النبلاء 11/ 420 - 435، الأعلام 8/ 87].

ص: 448

سورة {يس} في قوله تعالى: {وَمَا لِيَ}

(1)

، وأرسل حمزةُ الياءَ فيهما جميعًا، وأما أبو عمرو فكان يرسل الياء دي هذه، ويفتح في {يس} ، وكذلك نافع، وفَرَّقَ غيرُهم بينهما؛ لأن هذه التي في النمل استفهام، والأخرى انتفاء

(2)

.

وقوله: {أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20)} قيل

(3)

: الميم صلة، وقيل

(4)

: {أَمْ} بمعنى: بل كان من الغائبين، وقيل

(5)

: {أَمْ كَانَ} بمعنى: صار؛ أي: صار ممن يغيب عن مركزه.

ثم أوعده على غيبته، فقال:{لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا} قال المفسرون: تَعْذِيبُهُ إِيّاهُ أَنْ يَنْتِفَ رِيشَهُ، ثم يُلْقِيَهُ في الشمس، فلا يمتنع من نَمْلةٍ ولا من شيء من هَوامِّ الأرض، {أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ} لأقطعن عنقه، {أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (21)} يعني: بحجة بَيِّنةٍ في غيبته، وأصله: لَيَأْتِيَنَّنِي بنونَيْن كما يقرؤه ابن كثير

(6)

، ولكنْ حُذفت النون التي قبل ياء المتكلم لاجتماع النونات.

(1)

يعني قوله تعالى: {وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} يس 22.

(2)

قرأ ابنُ كثير في رواية البَزِّيِّ عنه، وابنُ محيصن، وابنُ عامر في رواية هشام عنه، وعاصمٌ والكسائيُّ وأيوبُ:{مَا لِيَ} بفتح الياء هنا وفي {يس} ، وقرأ حمزة وابن عامر وخلف والأعمش ويعقوب بإسكان الياء هنا وفي {يس} ، وقرأ نافع وأبو عمرو وأبو جعفر، وابنُ وردانَ وهشامٌ بخلاف عنهما بإسكان الياء هنا وفتحها في {يس} ، ينظر: السبعة ص 479، 544، إعراب القراءات السبع 2/ 144، 145، تفسير القرطبي 13/ 179، التيسير ص 185، الإتحاف 2/ 324.

(3)

يعني أن "أَمْ" بمعنى: الهمزة، والمعنى: أكان من الغائبين؟ ينظر: الكشف والبيان 7/ 198، عين المعاني ورقة 95/ ب.

(4)

قاله المبرِّد والنَّحاس، ينظر: إعراب القرآن 3/ 202، وقول المبرد في الوسيط 3/ 374، وينظر: الفريد للهمداني 3/ 679.

(5)

قاله السجاوندي في عين المعاني ورقة 95/ ب.

(6)

ينظر: السبعة ص 479، إعراب القراءات السبع 2/ 145.

ص: 449

قوله: {فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ} ؛ أي: لم يلبث غيرَ يَسِيرٍ حَتَّى جاء الهُدْهُدُ، و {غَيْرَ} نعت [لظرفٍ محذوفٍ أو]

(1)

لِمَصْدَر محذوفٍ، تقديره: وَقْتًا غيرَ بعيد أو: مُكْثًا غيرَ بعيد، وقرأ عاصم:{فَمَكَثَ} بفتح الكاف، الباقون بضمها

(2)

، {فَقَالَ} الهدهد {أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ}؛ أي: علمت بما لم تعلم، {وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22)}؛ أي: بخَبَرٍ صادِقٍ، قرأ أبو عمرو والبَزِّيُّ:{مِنْ سَبَأَ} غير مصروف، وكذلك:{لِسَبَأَ}

(3)

فِي سورتها، وأسكن الهمزةَ فيهما قُنْبُلٌ، وقرأ الباقون بالخفض والتنوين فيهما

(4)

، فمن صرف "سبأً" جعله اسمًا لأب أو لحي، ومن لم يصرفه جعله اسمًا لقبيلة أو لِمَدِينةٍ أو لامرأةٍ، فلم يصرفه للتعريف والتأنيث، ومن أسكن الهمزة فعلى نية الوقف.

قال الزَّجّاج

(5)

: من لم يصرف فلأنه اسم مدينة تُعرَف بِمَأْرِبَ من اليمن، بينها وبين صنعاء مسيرة ثلاثة أيام، ومن صرف فلأنه اسم البَلد، فيكون مذكرًا سُمي به مذكر. ورُوِيَ فِي الحديث، أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عن سبأٍ فقال:"كان رجلًا له عشَرة من البنين"

(6)

.

(1)

زيادة يقتضيها السياق، وينظر: مشكل إعراب القرآن 2/ 146، التبيان للعكبري ص 1006، الفريد للهمداني 3/ 680.

(2)

ينظر: السبعة ص 479، 480، إعراب القراءات السبع 2/ 146، حجة القراءات ص 525، الإتحاف 2/ 325.

(3)

يعني قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ} الآية 15.

(4)

قرأ أبو عمرو، والبزيُّ عن ابن كثيبر، وابنُ محيصن واليزيديُّ:{مِنْ سَبَأَ} هنا، و {لِسَبَأَ} في سورة سبأ بمنع صرفه، وقرأ قنبل والنبال وشبل عن ابن كثير:{لسبأْ} بإسكان الهمزة، كأنه نوى الوقف، فأجرى الوصل مجراه، وقرأ الباقون بالصرف، ينظر: السبعة ص 480، 528، إعراب القراءات السبع 2/ 147، 213 الإتحاف 2/ 325، 384.

(5)

معاني القرآن وإعرابه 4/ 114.

(6)

رواه الطبراني عن فروة بن مسيك في المعجم الكبير 18/ 326، 22/ 245، والحاكم =

ص: 450

وقد تكلمت العرب فيه بالإجراء وغير الإجراء، قال جرير:

80 -

الوارِدُونَ وتَيْمٌ في ذُرا سَبَأٍ

(1)

وقال آخر:

81 -

مِنْ سَبَأَ الحاضِرِينَ مَأْرِبَ إذْ

يَبْنُونَ مِنْ دُونِ سَيلِها العَرِما

(2)

قوله تعالى: {أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ} قرأ أبو عبد الرحمن السلميُّ وأبو جعفرٍ

= في المستدرك 2/ 423، 424 كتاب التفسير: سورة سبأ، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 7/ 94 كتاب التفسير: سورة سبأ.

(1)

هذا صدر بيت من البسيط، لجرير من قصيدة يهجو بها عمر بن لَجَأٍ التيمي، وعَجُزُهُ:

قَد عَضَّ أَعناقَهُم جِلدُ الجَوامِيسِ

ورواية ديوانه:

تَدعوكَ تَيمٌ، وَتَيمٌ في قُرَى سَبَإٍ

التخريج: ديوانه ص 130، معاني القرآن للفرَّاء 1/ 308، 2/ 102، 290، 358، المذكر والمؤنث لابن الأنباري 2/ 120، إعراب القراءات السبع 2/ 147، المخصص 1/ 31، 4/ 41، 13/ 86، 17/ 30، شرح شواهد الإيضاح ص 439، عين المعاني ورقة 96/ أ، تفسير القرطبي 10/ 112، 13/ 181، 13/ 383، اللسان: ضغبس، البحر المحيط 7/ 63، 258.

(2)

البيت من المنسرح، للنابغة الجعدي، ونُسِبَ لأمية بن أَبِي الصلت، وهو في ديوانه، ونُسِبَ للأعشى، وليس في ديوانه، ويُرْوَى:"الخاسِرِينَ مَأْرِبَ"، ويُرْوَى:"مِنْ دُونِ سَيْلِهِ".

التخريج: ديوان النابغة الجعدي ص 149، ديوان أمية بن أبي الصلت ص 190، الكتاب 3/ 253، مجاز القرآن 2/ 11/ 47، جمهرة اللغة ص 773، 1022، 1107، معاني القرآن وإعرابه 4/ 114، شرح أبيات سيبويه 2/ 241، معاني القراءات 2/ 237، الوسيط 3/ 375، شمس العلوم 5/ 2941، الإنصاف ص 502، عين المعاني 96/ أ، تفسير القرطبي 13/ 181، 14/ 383، البحر المحيط 7/ 63، 260، اللسان: سبأ، عرم، خزانة الأدب 9/ 139.

ص: 451

وحُمَيْدٌ الأعرجُ

(1)

والكسائيُّ، ويعقوبُ برواية وَرْشٍ

(2)

: {أَلَّا يَا اسْجُدُوا} بالتخفيف على معنى: ألا يا هؤلاءِ اسجدوا، جعلوه أَمْرًا من اللَّه تعالى مُسْتَأْنَفًا، وحذفوا "هؤلاء" اكتفاءً بدلالة "يا" عليه.

وحكى الفراء عن العرب: ألا يا ارْحَمُوا، ألا يا اقْصِدُوا علينا، بمعنى: ألا يا هؤلاءِ افعلوا هذا

(3)

. قال الفرَّاء

(4)

: أنشدني المفضل، وقال أبو بكر: أنشدنا أبو العباس

(5)

:

82 -

ألا يا اسْلَمِي قَبْلَ الفِراقِ ظَعِينا

تَحِيّةَ مَنْ أَمْسَى إِلَيْكِ حَزِينا

تَحِيّةَ مَن لا قاطِعٌ حَبْلَ واصِلٍ

ولا صارِمٌ قَبْلَ الفِراقِ قَرِينا

(6)

أراد: ألا يا هذه اسلمي.

(1)

في الأصل: "وأبو حميد".

(2)

وهي أيضًا قراءة ابن عباس والحسن والشَّنبوذِيِّ والمُطوِّعِيِّ والزُّهْرِيِّ وطلحة، ينظر: السبعة ص 480، إعراب القراءات السبع 2/ 14، حجة القراءات ص 526، البحر المحيط 7/ 65، الإتحاف 2/ 325.

(3)

من أول قوله: "على معنى: ألا يا هؤلاء اسجدوا" قاله الفرَّاء في معاني القرآن 2/ 290.

(4)

قول الفرَّاء ليس في معاني القرآن، وإنما حكاه عنه ابن الأنباري في إيضاح الوقف والابتداء ص 170، 171.

(5)

أبو بكر هو: ابن الأنباري، وأبو العباس هو: أحمد بن يحيى ثعلب.

(6)

البيتان من بحر الطويل للأسود بن يَعْفُرَ.

اللغة: ظَعِينا: أراد: يا ظعينة فرَخَّمَهُ على لغة من ينتظر، والظعينة: المرأة التي تكون في الهودج.

التخريج: ديوانه ص 81، إيضاح الوقف والابتداء ص 170، 171، والثاني فقط في الأزهية ص 161، والأول فقط في الإنصاف ص 101.

ص: 452

فعلى هذه القراءة: {اسْجُدُوا} : في موضع جزم على الأمر، والوقف عليه:{أَلَا يا} ثم تبتدئ: {اسْجُدُوا} ، وهي في قراءة عبد اللَّه:{هَلّا يَسْجُدُوا} ، وفي قراءة أُبَيٍّ:{أَلَّا تَسْجُدُونَ} بالتاء

(1)

.

فهاتان القراءتان حُجّةٌ لِمَنْ خَفَّفَ، لأن قولك: ألا تقوم؟ بمنزلة قولك: قُمْ، وقرأ الباقون:{أَلَّا يَسْجُدُوا} بالتشديد، على معنى: وَزَيَّنَ لهم الشيطانُ أَعْمالَهُمْ لِئَلّا يَسْجُدُوا، ثم حُذفت اللام

(2)

، قال الواحدي

(3)

: والوجه قراءة العامة، لئلّا تنقطع الصلة بما ليس منها.

و"أَنْ" في موضع نصب

(4)

، و"يَسْجُدُوا" نصب بـ "أَنْ"، والوقوف على هذه القراءة:"أَلا"، ثم تبتدئ:{يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ} يعنِي: المخبوء {فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} ، يقال: خَبَأْتُ الشيءَ أَخْبَؤُهُ خَبْئًا، والخَبْءُ: ما خَبَأْتَهُ لوقتٍ

(5)

، وقال أكثر المفسرين: خَبْءُ السماواتِ: المَطَرُ، وخَبْءُ الأرضِ:

(1)

قرأ ابن مسعود والأعمش والمُطَّوِّعِيُّ: {هَلّا يَسْجُدُوا} ، وقرأ أُبَيٌّ:{أَلّا تَسْجُدُونَ} ، ينظر: مختصر ابن خالويه ص 110، تفسير القرطبي 13/ 186، البحر المحيط 7/ 65، الإتحاف 2/ 326.

(2)

قاله الأخفش في معاني القرآن ص 429، وينظر: إيضاح الوقف ص 173، 174، الحجة للفارسي 3/ 234.

(3)

الوسيط 3/ 375.

(4)

يعني المصدر المؤول من {أَلَّا يَسْجُدُوا} ، ونصبه من وجهين، أحدهما: أنه مفعول له؛ أي: فَصَدَّهُم عن السبيل لئلا يسجدوا، فحذف الجارُّ. والثاني: أنه بَدَل من {أَعْمَالَهُمْ} ؛ أي: وَزَيَّنَ لهم عَدَمَ السجود، وفيه أوجه أخرى تنظر في مشكل إعراب القرآن 2/ 147، البيان للأنباري 2/ 221، التبيان للعكبري ص 1007، الفريد للهمداني 3/ 681، الدر المصون 5/ 308.

(5)

قاله الأزهري في تهذيب اللغة 7/ 603.

ص: 453

النباتُ، قال الزَّجّاج

(1)

: وعلى هذا {فِي} يكون بِمَعْنَى "مِنْ"، وكذا هو في قراءة عبد اللَّه

(2)

.

قوله: {وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ} فِي قلوبهم {وَمَا تُعْلِنُونَ (25)} بألسنتهم، وقرأ الكسائيُّ وحَفْصٌ فيهما بالتاء

(3)

، لأن أول الآية خطاب على قراءة الكسائي، وهو قوله:{أَلَا يا اسْجُدُوا} ، فكذلك هاهنا.

قوله تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26)} هو الذي يستحق العبادة لا غيره، فهو رب العرش العظيم لا ملكة سبأ، لأن عرشها -وإن كان عظيمًا- لا يبلغ عرش اللَّه في العِظَم.

قوله تعالى: {قَالَتْ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29)} ؛ أي: مختوم حَسَنٌ ما فيه {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ} ؛ أي: وإن المكتوب فيه {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ} ؛ أي: لا تتَعَظَّمُوا ولا تتَكَبَّرُوا، يحتمل أن يكون جزمًا على النهي

(4)

، ويحتمل أن يكون نصبًا بـ {أَلَّا}

(5)

، والمعنى: لا تترفعوا عليَّ

(1)

هذا القول للفرَّاء في معاني القرآن 2/ 291، ولم أقف عليه للزَّجّاج في معاني القرآن وإعرابه، ونسبه الواحدي للزجاج في الوسيط 3/ 375.

(2)

هذه قراءة ابن مسعود وأُبَيٍّ، ينظر: مختصر ابن خالويه ص 110، تفسير القرطبي 13/ 188، البحر المحيط 7/ 67.

(3)

وهي أيضًا قراءة الشَّنَبُوذِيِّ والجَحْدَرِيِّ وعيسى بن عمر، ينظر: السبعة ص 480، 481، إعراب القراءات السبع 2/ 149، الحجة للفارسي 3/ 235، تفسير القرطبي 13/ 188، الإتحاف 2/ 326.

(4)

هذا إذا جعلت "أَنْ" مفسرة، فتكون "لا" ناهية، وهو قول الخليل وسيبويه، وشبهه سيبويه بقوله تعالى:{وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا} ، ينظر: الكتاب 3/ 162، وينظر أيضًا: معاني القرآن وإعرابه 4/ 119، مشكل إعراب القرآن 2/ 148، الفريد للهمداني 3/ 683.

(5)

هذا إذا جعلت "أَنَّ" ناصبة، فتكون "لا" نافية، وهو قول الزَّجّاج والنَّحاس، ينظر: معاني =

ص: 454

{وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31)} يعني: طائعين مؤمنين منقادين مخلصين بالتوحيد للَّه تعالى، وهو منصوب على الحال.

قوله تعالى: {وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ} وإنما هو إلى سليمان، كما يُخَبَرُ عن الملوك، {فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (35)} بقَبُولٍ أَمْ رَدٍّ، والأصل: بِما، حُذِفَت الألفُ فَرْقًا بين الاستفهام والخبر

(1)

، و {ناظِرةٌ} رفع بالعطف على {مُرْسِلَةٌ} .

قوله تعالى: {ارْجِعْ إِلَيْهِمْ} يعني الهدهد، {فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا} أي: لا طاقة لهم بها {وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا} يعني: من قرية سبأ {أَذِلَّةً} نصب على الحال {وَهُمْ صَاغِرُونَ (37)} يعني: أذلاء.

قوله تعالى: {قَالَ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا} يعني: بِسَرِيرِها، {قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38)} يعني: مصلحين منقادين طائعين، فلا يَحِلُّ لنا أَخْذُهُ بعد إسلامها، ونصب {مُسْلِمِينَ} على الحال.

قوله: {قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ. . . (39)} الآية، العِفْرِيتُ: المارد القوي الشديد الغليظ، والعِفْرُ أيضًا: الشديد، يقال: أَسَدٌ عِفْرٌ وعِفْرِيتٌ، ورجل عفريت؛ أي: خبيث، والعَفْرُ: الدهاء، ذكره صاحب إنسان العين

(2)

.

وفيه لغتان، يقال: عِفْرِيتٌ وعِفْرِيةٌ

(3)

، فمن قال: عِفْرِيتٌ جَمَعَهُ عَفارِيتَ،

= القرآن وإعرابه 4/ 118، 119، إعراب القرآن 3/ 209، ومعاني القرآن للنَّحاس 5/ 130، وينظر أيضًا: الفريد للهمداني 3/ 683.

(1)

قاله النَّحاس في إعراب القرآن 3/ 210.

(2)

ينظر: عين المعاني 96/ ب.

(3)

قرأ أبو بكر الصديق وأبو رجاء العطاردي وأبو السمال وعيسى بن عمر: {قَالَ عِفْرِيةٌ} ، =

ص: 455