الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولكنّ بعض النَّحْويِّين -كالفَرّاء والمبرّد وغيرهما- كانوا ينكرون بعض القراءات إذا خالفت القياس عندهم، ولو كانت عن السَّبعة
(1)
.
قال السُّيوطي
(2)
: "كان قومُ من النُحاة المتقدِّمين يَعِيبون على عاصم وحمزةَ وابن عامر قراءاتٍ بعيدةً في العربية، وينسُبونهم إلى اللَّحن. وهم مخطئون في ذلك، فإنّ قراءاتِهم ثابتةٌ بالأسانيد المتواترة الصحيحة التي لا مطعَنَ فيها، وثبوت ذلك دليلٌ على جوازه في العربية، وقد رَدَّ المتأخِّرون -منهم ابنُ مالك- على من عاب عليهم ذلك بأبلغ رَدٍّ، واختار جوازَ ما وردت به قراءاتهم في العربية، وإن منعه الأكثرون مستدِلًّا به".
وإنما قدَّمتُ هذا التقديمَ لأنّ الجِبْليَّ كان له موقفانِ من القراءات الصحيحة، الأول: قَبْوله هذه القراءات وعدم ردِّها أو تضعيفها من ناحية العربية، والثانِي: تابَعَ الجِبْليُّ فيه بعضَ العلماء الذين كانوا يعترضون على بعض القراءات الصحيحة ويردُّونها، وهذا ما سوف أفصِّله فيما يلي:
أ - ارتضاء الجِبْلِيِّ القراءاتِ الصحيحةَ:
إذا نظرنا في كتاب "البستان" وجدنا أنّ الجِبْليَّ كان حريصًا -في أغلب المواضع- على التسليم بالقراءة الصَّحيحة وعدم معارضتها، ومن أمثلة ذلك ما يلي:
1 -
في قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا}
(3)
،
(1)
مقدمة تحقيق إعراب القرآن للنحاس، للدكتور زهير غازي زاهد 1/ 105، وينظر: البحث اللغوي عند العرب ص 21 وما بعدها، أثر القرآن والقراءات في النحو العربي ص 320 وما بعدها.
(2)
الاقتراح في علم أصول النحو للسيوطي ص 98 - 100.
(3)
الأنبياء 30.
قال الجِبْلي
(1)
: "قرأ ابنُ كثير: {أَلَمْ يَرَ} بغير واو". ولم يعلِّق الجِبْلي على القراءة بشيءٍ.
2 -
في قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا}
(2)
، قال الجِبْلي
(3)
: "قرأ أهلُ المدينة المِثْقال بالزفع، بمعنى: وإن وَقَعَ، وحينئذٍ لا خَبَرَ لها، وقرأ الباقونَ بالنَّصب على معنى: وإن كان ذلك الشيءُ مِثْقالَ حبةٍ".
3 -
في قوله تعالى: {أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ}
(4)
، قال الجِبْلي
(5)
: "قرأ ابنُ عامر: {خَرْجًا فَخَرْجُ رَبِّكَ} بغير ألفٍ فيهما، وقرأ حمزةُ والكسائي: {خَراجًا} بألفٍ فيهما، وقرأ الباقون: {خَرْجًا} بغير ألف {فَخَرَاجُ} بالألف".
4 -
في قوله تعالى: {وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ}
(6)
، قال الجبْلي
(7)
: "وقرأ حمزةُ والكسائي، وأبو بكر، عن عاصم:{حَاذِرُونَ} ، قال الفَرّاء
(8)
: الحاذِرُ: الذي يَحْذَرُكَ الآن، والحَذِرُ: المخلوق كذلك لا تلقاه إلّا حَذِرًا، وقال الزَّجّاج
(9)
: الحاذر: المستعدّ، والحَذِرُ: المُتَيَقِّظُ، وقال أبو عُبيدة
(10)
: يقال: رَجُلٌ حَذِرٌ وحاذِرٌ".
(1)
البستان 1/ 186.
(2)
الأنبياء 47.
(3)
البستان 1/ 192.
(4)
المؤمنون 72.
(5)
البستان 1/ 294.
(6)
الشعراء 56.
(7)
البستان 1/ 416.
(8)
معاني القرآن 2/ 280.
(9)
معاني القرآن وإعرابه 4/ 92.
(10)
مجاز القرآن 2/ 86.