الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خاتمةُ الدِّراسة
الحمدُ للَّه الذي بنعمته تتمُّ الصالحات، أحمَدُ اللَّه حمدًا كثيرًا على نِعَمه السوابغ، وآلائه العظيمة، فبعد أربع سنواتٍ قضيتُها في صُحبة هذا الكتاب ومؤلِّفه، عايشتُهما معايشةَ الخِلِّ الوفِيِّ، والصاحب الأمين، والصَّديق المخلص، أفدتُ فيها إفاداتٍ عظيمةً في علم النَّحو واللُّغة والتفسير والقراءات وغيرها، أقول: بعدَ هذه الرحلة الطويلة، يمكنُني أن أرصُدَ بعض النتائج التي توصَّلت إليها من خلال تحقيقي لهذا الكتاب، وذلك فيما يلي:
1 -
أنّ الكتابَ مهمٌّ في بابه، وهو إعرابُ مشكِلات القرآن، ويُعَدُّ إضافةً للمكتبة العربية بصفة عامة، وللمكتبة اللُّغوية بصفةٍ خاصة.
2 -
أنّ الكتابَ يكشف النِّقاب، ويُميط اللِّثام عن عالِم كبير، لم ينَلْ حظَّه من الذيوع والشهرة، ليس في علم النَّحو فحسبُ، وإنّما في علوم اللغة والفقه والتفسير والحديث وغيرها.
3 -
أنّ عدمَ اشتهار الجِبْليِّ وغيره من علماءِ اليمن المغمورين يرجع -فيما يبدو- إلى الطبيعة الخاصّة لبلاد اليمن، تلك الطبيعةِ التي فَرَضت عليها وعلى أهلها نوعًا من الانعزال عن بقيّة أقطار العالَم الإسلاميِّ الكبير، رَغْم إنجازاتهم ومؤلَّفاتهم العلميّة المهمة في مختلف ميادينِ المعرفة والحضارة الإسلامية.
4 -
أنّ الجِبْليَّ أَثْرَى كتابَه بنقولٍ كثيرةٍ عن العلماء السابقين، ومنهم: سيبوَيْهِ الذي نَقَل عنه الجِبْليُّ نقلًا صريحًا في نحو ثلاثينَ موضعًا، والفَرّاءُ الذي نقل عنه الجِبْلي
في أكثرَ من مائتَيْ موضع، والأخفَش الذي نَقَل عنه الجِبْلي في نحو خمسين موضعًا، وثعلبٌ الذي نَقَل عنه الجِبْلي في أربعينَ موضعًا، والزَّجّاج الذي نَقَل عنه الجِبْلي في نحو مائةٍ وخمسين موضعًا، وابنُ الأنباري الذي نقل عنه الجِبْلي في تسعة وعشرينَ موضعًا، والنحّاس الذي نَقَل عنه الجِبْليُّ في واحدٍ وعشرين موضعًا، وهكذا.
5 -
أنّ الكتابَ لم يقتصرْ على إعرابِ المشكِلات القرآنية، بل تَعدّاها إلى الاهتمام الكبير باللغة، فقد استعان الجِبْلي باللغة في توضيح معانِي الآيات، كما اهتمَّ الجِبْلي بآراءِ المفسِّرين، فقد كان الجِبْلي يمزجُ بين مسائل النَّحو واللغة والتفسير، وهذا واضحٌ في الكتاب من أوله إلى آخره.
6 -
أنّ الجِبْلي اهتمَّ بالقراءات اهتمامًا بالغًا، سواءٌ منها الصحيحة والشاذّة، فزادت القراءات التي أَوْردها في كتابه على ثمانِمائة قراءةٍ بين صحيحة وشاذّة، وقد كان في معظم المواضع يذكر القراءة ومن قَرأَ بها باستثناءِ بعض المواضع التي كان يذكر فيها القراءة بدون ذكر من قَرأَ بها.
7 -
أنّ الجِبْليَّ اهتمَّ بالشعر اهتمامًا كبيرًا، فبلغ عدد الأبيات عنده (733) بيتًا، منها (103) أبيات في الزهد والحِكمة، وسائرها شواهدُ نَحْويّة أو لُغوية، باستثناء بَيْتَيْنِ للمتنبِّي أَوْردهما المؤلِّف على سبيل الاستئناس.
8 -
أنّ المؤلِّف -كما يبدو من خلال كتابه- كوفِيُّ النزعة، وهذا واضحٌ من خلال اختياراته ومواقفِه من آراءِ البصريِّين والكوفيين، ولكنه كغيرِه من المتأخِّرين، كانوا يمزُجونَ بين اختياراتهم البصريّة والكوفية، وهذا واضحٌ أيضًا في الكتاب.
9 -
أن الكتاب يكشف عن تَأَثُّرِ الجِبْلِيِّ النحويين السابقين، وخاصة النحويين المصريين كالنَّخاسِ وابن بَابَشَاذَّ، وهذا راجع إِلَى العلاقة السياسية بين البلدين:
مصر واليمن، مِمَّا أدى إِلَى تأثر اليمنيين العلماءَ المصريين في مختلف المَجالات العلمية، ومنها علم النحو.
10 -
أنّ المؤلِّف استعمل المصطلَحاتِ النَّحويةَ للبَصْريين والكوفيِّين، ولكنه كان أكثَرَ استعمالًا لمصطلحاتِ الكوفيِّين، ومن مصطلحاتِ الكوفيين التي استعملها الجِبْلي: النَّصبُ على الصَّرف - الفعلُ المجهول - ما لم يُسَمَّ فاعله - خبرُ ما لم يُسَمَّ فاعله - ضمير العِماد - الردّ والتكرير - الخروجُ من الوصف - حروف الصِّفة، وحروفُ الإضافة - الإجراء وعدم الإجراء - القطع - التفسير - الترجمة، كما استعمل عدةَ مصطلحاتٍ ليست معروفةً عند الفريقَيْن، ومنها: الفعلُ المستقبَل - النَّصب على الصَّرف بمعنى النَّصب على المفعول من أَجْله - الاستثناء الصحيح - الابتداءُ المحقَّق - المفعولُ المحقَّق.
11 -
أنّ الجِبْلي اهتمَّ بالعِلّة النَّحوية اهتمامًا كبيرًا، وقد حصرتُ له سبعةَ عَشَر نوعًا من أنواع العِلّة البسيطة، وهي علةُ السَّماع وعلّةُ التشبيه وعلّة الاستغناء وعلّة الاستثقال وعلّة الفَرْق وعلّة التوكيد وعلّة التعويض وعلّة الحَمْل على النظير وعلّة الحَمْل على المعنى وعلّة المعادَلة وعلّة القُرب والمجاورة وعلّة الجواز وعلّة التغليب وعلّة التخفيف وعلّة دِلالة الحال وعلّة الأصل وعلّة الأَوْلَى، بالإضافة للعِلل المركَّبة، وهي: التعليل بالتخفيف والفَرْق، والتعليل بالفَرْق والحَمْل على النظير، والتعليل بالاستثقال والأصل، والتعليل بالاستثقال والأَوْلَى.
12 -
أنّ الجِبْليَّ كان أحيانًا يوافق بعضَ النحاة السابقينَ الذين رَدُّوا بعض القراءات الصحيحة، فضعَّفوها أو طَعَنوا على من قرؤوا بها، ولكنّه في الغالب كان يقبَل بهذه القراءات، ولا يُضَعِّفُها ولا يَرُدُّها، ولا يطعَن على من قرأ بها.
واللَّه أعلم.