الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله تعالى: {وَمَا كُنْتَ} يا محمد {بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا} يعني: موسى {وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} ، قرأه العامة بالنصب: على المصدر
(1)
، تقديره: ولكن رَحِمْناكَ رحمةً من ربك، وقال الزجاج
(2)
: هو مفعول من أجله؛ أي: للرحمة، وقال الكسائي
(3)
: هو منصوب على خبر "كان"، وقرأ عيسى بن عمر:{وَلَكِنْ رَحْمَةً}
(4)
بالرَّفع، يعنِي: ولكن هي رَحْمةٌ من ربك؛ إذْ أَطْلَعَكَ عليه وعلى الأخبار الغائبة عنك، {لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ} يعني: أهل مكة {لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (46)} ؛ أي: لكي يتعظوا.
فصل
عن سهل بن سعد الساعدي
(5)
، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في قول اللَّه عز وجل: {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا} قال: "كتب اللَّه كتابًا قبل أن يخلُق الخلق بألفَيْ عام في ورقة آسٍ، ثم وضعها على العرش، ثم نادى: يا أمة
= والبيان 7/ 251، الوسيط 3/ 400، تفسير القرطبي 13/ 290، مجمع الزوائد 7/ 88 كتاب التفسير: سورة القصص.
(1)
هذا قول الأخفش، قاله في معاني القرآن ص 433، وينظر: إعراب القرآن 3/ 239، مشكل إعراب القرآن 2/ 163.
(2)
معاني القرآن وإعرابه 4/ 147.
(3)
وعليه فـ "كان" مضمرة، وينظر قوله فِي إعراب القرآن للنَّحاس 3/ 239، مشكل إعراب القرآن 2/ 163.
(4)
وبها قرأ أبو حيوة أيضًا، ينظر: مختصر ابن خالويه ص 114، عين المعاني ورقة 98/ أ، البحر المحيط 7/ 117.
(5)
صحابيٌّ مشهور، من أهل المدينة عاش نحو مائة سنة، كان اسمه حَزَنًا، فسماه الرسول سهلًا، له ولأبيه صحبة، وهو آخر من مات بالمدينة من الصحابة سنة (91 هـ)، وقيل:(88 هـ). [الإصابة 3/ 167، الأعلام 3/ 143].
محمد: إنّ رحمتي سبقت غضبي، أعطيتكم قبل أن تسألونِي، وغفرت لكم قبل أن تستغفرونِي، ورَحِمتُكُم قبل أن تسترحموني، مَن لَقِيَني منكم يشهد أن لا إله إلّا اللَّه، وأن محمدًا عبدي ورسولِي أَدْخَلْتُهُ الجنةَ"
(1)
.
قوله تعالى: {وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ} عقوبة ونقمة في الدنيا {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} من الكفر والمعصية، يعني كفار مكة، {فَيَقُولُوا رَبَّنَا}؛ أي: يا ربنا، نداءٌ مضاف {لَوْلَا}؛ أي: هَلّا {أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} نصب على جواب الاستفهام بالفاء، وجواب "لولا" الأَوَّلِ محذوفٌ؛ أي: لَعاجَلْناهُمْ بالعقوبةِ، وقيل: معناه لَما أرسلنا إليهم رسولًا، ولكنّا بعثنا إليهم لئلّا يكون على اللَّه حجةٌ بعد الرسل.
قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا} محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن {قَالُوا لَوْلَا} ؛ أي: هَلّا {أُوتِيَ} محمدٌ من الآيات {مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى} من العصا واليد البيضاء، فاحتجَّ اللَّه عليهم بقوله:{أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ} ؛ أي: فقد كفروا بآيات موسى كما كفروا بآيات محمد، وقوله:{قَالُوا} يعني: كفّارَ مكة {سِحْرَانِ تَظَاهَرَا} ؛ أي: تعاونا على السحر والضلالة، يعنون موسى ومحمدًا عليهما السلام، ومن قرأ:{سِحْرَانِ}
(2)
أراد: التوراة والقرآن، وهما رفع على خبر ابتداءٍ محذوف، تقديره: هما ساحران {وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ} من التوراة والقرآن {كَافِرُونَ} .
(1)
ينظر: الكشف والبيان 7/ 252، عين المعاني ورقة 98/ أ، الدر المنثور 5/ 129، فتح القدير 4/ 179.
(2)
قرأ ابن مسعود وزيد بن عَلِيٍّ وعاصمٌ وحمزةُ والكسائيُّ وخلف والمُطَّوِّعِيُّ: {سِحْرَانِ} ، وقرأ ابن عامر وأبو عمرو وابن كثير ونافع وأبو جعفر ويعقوب والحسن:{سِحْرَانِ} ، ينظر: السبعة ص 495، إعراب القراءات السبع 2/ 177، حجة القراءات ص 547، البحر المحيط 7/ 118، الإتحاف 2/ 344.
قوله تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ} ؛ أي: بَيَّنّا، وقيل: فَصَّلنا، وقيل: وصَّلنا لهم خير الدنيا بخير الآخرة، حتى كأنهم عاينوا الآخرة في الدنيا، وقيل: والَيْنا وتابَعْنا، وأصلها من: وَصْلِ الحِبالِ بعضِها إلى بعض، قال الشاعر:
94 -
فقُلْ لِبَني مَرْوانَ ما بالُ ذِمّةٍ
…
وحَبْلٍ ضَعِيفٍ ما يَزالُ يُوَصُّلُ؟
(1)
قرأ الحسن: {وَصَّلْنَا} خفيفةً
(2)
، وقرأه العامة بالتشديد: على التكثير، {لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (51)}؛ أي: لكي يتعظوا ويخافوا، فيؤمنوا.
قوله تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ} يعني: من قبل القرآن، وقيل: من قبل محمد عليه السلام، {هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (52)}؛ أي: يصدقون بمحمد صلى الله عليه وسلم {وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ} يعني: القرآن {قَالُوا آمَنَّا بِهِ} ؛ أي: صَدَّقْنا بالقرآن {إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ} ؛ أي: من قبل القرآن {مُسْلِمِينَ (53)} مخلصين للَّه بالتوحيد مصدِّقين بمحمد صلى الله عليه وسلم أنه نبي حق.
ثم أثنى اللَّه عليهم خيرًا، فقال تعالى:{أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ} ؛ أي: ضعفين {بِمَا صَبَرُوا (54)} على دينهم الأول حتى أدركوا النبي صلى الله عليه وسلم فأسلموا معه أيضًا، وهو ابتداءٌ وخبر، ونصب {مَرَّتَيْنِ} على المصدر.
قيل
(3)
: نزلت هذه الآية في قوم من أهل الكتاب آمنوا بمحمد عليه السلام
(1)
البيت من الطويل، للأخطل يعاتب بني أمية لأنهم لم يدافعوا عن تَغْلِبَ، ورواية ديوانه:
فسائِلْ بَنِي مَرْوانَ. . .
التخريج: ديو انه ص 230، مجاز القرآن 2/ 108، جامع البيان 20/ 107، الكشف والبيان 7/ 254، عين المعاني ورقة 98/ أ، تفسير القرطبي 13/ 295، البحر المحيط 7/ 120.
(2)
ينظر: تفسير القرطبي 13/ 295، البحر المحيط 7/ 119، الإتحاف 2/ 344.
(3)
قاله قتادة، ينظر: جامع البيان 20/ 109، زاد المسير 6/ 229، عين المعاني ورقة 98/ ب، تفسير القرطبي 13/ 297.
قبل أن يُبْعَثَ وأدركه بعضُهم، منهم: عبد اللَّه بن سلام
(1)
ومَن أَسْلَمَ معه.
وقيل
(2)
: إن النجاشي وَجَّهَ باثنَي عشَر رجلًا من أصحابه مع جعفر بن أَبي طالب من الحبشة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجلسوا مع النبي صلى الله عليه وسلم، وكان أبو جهل وأصحابه قريبًا منهم، فأمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم، فلما قاموا من عنده تبعهم أبو جهل ومن معه، وقالوا: خَيَّبَكُم اللَّه من رَكْب، وقَبَّحَكُمْ من وفد، لم تلبثوا أن صدقتموه، ما رأينا رَكْبًا أَحْمَقَ ولا أجهل منكم، فقالوا: سلام عليكم، لم نَأْلُ أَنْفُسَنا رشدًا.
{لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ} يعني: لنا ديننا ولكم دينكم، {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ (55)}؛ أي: لا نريد أن نكون من أهل الجهل والسفه، وقيل: معناه لا نبتغي دين الجاهلين.
قوله تعالى: {وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا} شرط وجزاء، قيل
(3)
: نزلت هذه الآية في الحارث بن نوفل بن عبد مناف القرشي
(4)
، وذلك
(1)
عبد اللَّه بن سلام بن الحارث، أبو يوسف الإسرائيلي، أسلم عند قدوم النبي صلى الله عليه وسلم للمدينة، كان اسمه الحصين، فسماه الرسول عبدَ اللَّه، شهد فتح بيت المقدس، وتوفِّي بالمدينة سنة (43 هـ). [الإصابة 4/ 102، الأعلام 4/ 90].
(2)
ذكر ابن هشام هذه القصة في السيرة 1/ 263، وينظر: زاد المسير 6/ 229، تفسير القرطبي 6/ 256، 13/ 296، البداية والنهاية 3/ 103.
(3)
روى النسائي ذلك عن ابن عباس في السنن الكبرى 6/ 425 كتاب التفسير: سورة القصص، وينظر: جامع البيان 20/ 115، 116، الكشف والبيان 7/ 255، أسباب النزول ص 228، عين المعاني 98/ ب.
(4)
صحابي من الولاة، وَلّاهُ النبي صلى الله عليه وسلم بعض أعمال مكة، وأَقَرُّهُ أبو بكر وعمر وعثمان، ثم انتقل إلى البصرة فتوفِّي بها سنة (35 هـ). [الإصابة 1/ 695 - 696، أسد الغابة 1/ 350 - 351، الأعلام 2/ 158].
أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إنا لَنَعْلَمُ أن الذي تقول حق، ولكن يمنعنا أن نتبع الهدى معك مخافةُ أن تتَخَطَّفَنا العَرَبُ من أرضنا، يعني: مكة، فإنما نحن أَكَلةُ رَأْسٍ
(1)
بين العرب، ولا طاقة لنا بهم، فقال اللَّه تعالى:{أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ} يعني: يُجمَع، من قولك: جَبَيْتُ الماءَ في الحوض: إذا جَمَعْتَهُ، وقيل: يُحمل إلى الحرم {ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ} يعني: من ألوان النبات {رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا} أي: من عندنا {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ} يعني: أكثر أهل مكة {لَا يَعْلَمُونَ (57)} يقول: يأكلون رزقي ويعبدون غيري وهم آمنون فِي الحرم من القتل والسبي، فكيف يخافون لو أسلموا؟! أنجعل لهم الحرمَ آمنًا في الشرك ونخوِّفهم فِي الإسلام؟! فإنّا لا نفعل بهم ذلك لو أسلموا.
قرأ أهل المدينة ويعقوب وسهل: {تُجْبَى} بالتاء: على تأنيث الجماعة، وقيل: لأجل الثمرات
(2)
، واختاره أبو حاتم، وقرأ غيرهم:{يُجْبَى} بالياء
(3)
على تذكير الجمع، وقيل: لأجل {كُلِّ شَيْءٍ} ، واختاره أبو عبيد، وثَمَراتٌ: جمع ثَمَرةٍ، وثَمَرٌ جَمْعُهُ؛ ثِمارٌ
(4)
، ونصب {رِزْقًا} مهو على المصدر؛ أي: رزقناهم رزقًا من عندنا، وقيل: على المفعول من أجله
(5)
.
(1)
قال الجوهري: "وقولهم: هم أَكَلةُ رَأْسٍ؛ أي: هم قليل يشبعهم رأس واحد". الصحاح 4/ 1624.
(2)
يعني: لأجل تأنيث لفظ الثمرات.
(3)
ينظر: السبعة ص 495، حجة القراءات ص 548، البحر المحيط 7/ 121، إتحاف فضلاء البشر 2/ 345.
(4)
في الأصل: "وثمرات جمع ثمر، وثمر جمع ثمار"، والتصويب من إعراب القرآن للنَّحاس 3/ 240.
(5)
وفيه وجه ثالث وهو أن يكون حالا من {ثَمَرَاتُ} لتخصيصها بالإضافة، وهو على هذا مصدر بمعنى المفعول؛ أي: مرزوقًا من لدنا، ينظر: الفريد 3/ 720، 721، تفسير القرطبي 13/ 300، الدر المصون 5/ 349.
قوله تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا} ؛ أي: عاشوا في البَطَرِ والأَشَرِ، فأكلوا رزق اللَّه، وعبدوا الأصنام، وجُعِلَ الفعلُ للقرية، وهو في الأصل للأهل، وقد مضى نظير هذه المسألة في قوله تعالَى:{وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ}
(1)
.
وسُمِّيت قريةً لجمعها لأهلها؛ لأنها تَقْرِي النّاسَ؛ أي تجمعهم، من قولهم: قَرَى في حوضه الماءَ يَقْرِيهِ: إذا جَمَعَهُ، وقَرَى البَعِيرُ في شِدْقِهِ العَلَفَ: إذا جَمَعَهُ، قَرْيًا
(2)
.
وقال قوم: أصل قَرْيةٍ: قُرْية بالضم. وسُمِّيت المدينة مدينةً لأنها مَنْزِلُ المَلِكِ يكون فيها من يَدِينُ له ويطيعه، يكون هذا من "مَفْعِلةٍ"
(3)
من: دانَ يَدِينُ: إذا أطاع، وقيل
(4)
: سُمِّيت مدينةً من: مَدَنَ بالمكان: إذا أقام به، وهي "فَعِيلةٌ" من ذلك؛ لأنه يُقامُ بها.
وقوله: {بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا} البَطَرُ هاهنا لأهل القرية، والبَطَرُ: سوء حمد النعمة، وهو أن يتكبر ويقهر ويُعْرِضَ عن الشكر.
(1)
يوسف 82، وهي في القسم المفقود من هذا الكتاب.
(2)
ينظر: إصلاح المنطق ص 244، تهذيب اللغة 9/ 269 - 270، اللسان: قري.
(3)
أي: أن الميم فيه زائدة، وعليه فجمعه مدائن بوزن مفاعل، وقد حكاه الأخفش بغير عزو في معاني القرآن ص 293، وينظر: تهذيب اللغة 14/ 146، الإغفال للفارسي 2/ 236، 237، الصحاح ص 2201، اللسان: مدن.
(4)
هذا قول أكثر العلماء، وعليه فجمعها: مدائن بوزن "فَعائِلَ"؛ لأن الميم أصلية، ينظر: معاني القرآن للأخفش ص 293، إعراب القراءات السبع 2/ 176، الإغفال 2/ 237، تهذيب اللغة 14/ 145، الصحاح ص 2201.
والمعيشة: نَصْب عند المازنِيِّ
(1)
والزَّجّاج
(2)
على تقدير حذف حرف الجَرِّ، تقديره: بَطِرت في معيشتها، فلما أسقط الجار تعدى الفعل، فنصب، على حَدِّ قَوْلِهِ تعالى:{وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا}
(3)
، وغير ذلك.
وقال الفرَّاء
(4)
: هي نصب على التفسير. وهو بعيد؛ لأنها معرفة، والتفسير لا يكون إلّا نكرةً، وقيل
(5)
: هي نصب بـ {بَطِرَتْ} ، وبَطِرت بمعنى: جهلت، أي: جهلت شكر معيشتها، ثم حُذف المضاف، وقيل
(6)
: جهلت معيشتها، فانتصابها على هذا الوجه انتصاب المفعول به.
وقوله تعالى: {فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا} قال ابن عباس
(7)
: لم يسكنها إلا المسافر ومارُّ الطريقِ يومًا أو ساعةً.
(1)
هو: بكر بن محمد بن حبيب بن بقية، أبو عثمان المازبيُّ، أحد أئمة النحو واللغة والأدب، روى عن أبي عبيدة والأصمعي وأبي زيد، أخذ عنه المبرد، وتوفِّي بالبصرة سنة (248 هـ)، من كتبه: التصريف، العروض، علل النحو. [إنباه الرواة 1/ 281 - 291، بغية الوعاة 1/ 463 - 466، الأعلام 2/ 69].
(2)
معاني القرآن وإعرابه 4/ 150، وينظر قول المازنيِّ في إعراب القرآن للنَّحاس 3/ 240، مشكل إعراب القرآن 2/ 163، شرح الجمل لطاهر بن أحمد 2/ 9، الفريد للهمداني 3/ 721.
(3)
الأعراف 155.
(4)
معاني القرآن 2/ 308.
(5)
هذا القول حكاه مَكِّيٌّ بغير عزو في مشكل إعراب القرآن 2/ 163، وبه قال العكبَري في التبيان ص 1023، وينظر: تفسير القرطبي 13/ 301، البحر المحيط 7/ 121، الدر المصون 5/ 349، وذهب الكسائي إلى أنه منصوب على التشبيه بالمفعول به كما ذكر ابن مالك في شرح التسهيل 2/ 130، وينظر: ارتشاف الضرب ص 1338.
(6)
قاله طاهر بن أحمد في شرح جمل الزَّجّاجي 2/ 9.
(7)
ينظر: الكشف والبيان 7/ 256، الوسيط 3/ 404، تفسير القرطبي 13/ 301، زاد المسير 6/ 233.
ونصب {قَلِيلًا} على الاستثناء والنعت لمصدر محذوف، والمعنى: لم تُسْكَنْ من بعدهم إلّا سُكُونًا قليلًا
(1)
، {وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ (58)} ، نظيره قوله:{إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا}
(2)
، وقوله تعالى:{وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}
(3)
، والمعنى: لم يَخْلُفْهم أحدٌ بعد هلاكهم فِي منازلهم، فبقيت خرابًا غير مسكونة.
قوله تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى} يريد: بكفر أهلها {حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا} يريدُ مكة {رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ (59)} كافرون، قال ابن الأنباري
(4)
: إذا اضطُرِرتَ إلى الوقف على {مُهْلِكِي} وقفتَ عليه بالياء، وكان الأصل فيه: مُهْلِكِينَ القرى، فسقطت النون للإضافة، وسقطت الياء من اللفظ لسكونها وسكون اللام، وثَبَتَتْ في الوقف؛ لأنه لم يجتمع معها في الكلمة ساكنٌ يوجب سقوطَها، إنما أتى الساكنُ في حرف آخر، ومثله:{غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْد}
(5)
، و {غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ}
(6)
، و {وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ}
(7)
، وما أشبه ذلك.
قوله تعالى: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ} ، محل "ما": رفع بالابتداء، {فَمَتَاعُ
(1)
ويجوز أن يكون نعتًا لظرف محذوف، أي: وقتًا قليلًا، ينظر: التبيان للعكبري ص 1023، الدر المصون 5/ 349.
(2)
مريم 40، والحديد 10.
(3)
آل عمران 180، والحديد 10.
(4)
إيضاح الوقف والابتداء ص 239.
(5)
المائدة 1.
(6)
التوبة 2.
(7)
الحج 35.
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} خبر الابتداء، الخطاب لأهل مكة؛ أي: وما أُعْطِيتُمْ من خير ومالٍ فهو متاع الحياة الدنيا {وَزِينَتُهَا} تتمتعون فيها أيامَ حياتِكم فِي الدنيا، {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ} يعني: من الثواب في الآخرة {خَيْرٌ وَأَبْقَى} ؛ أي: أفضل وأَدْوَمُ لأهله مما أُعْطِيتُمْ في الدنيا الفانية، {أَفَلَا تَعْقِلُونَ (60)} أنّ الباقيَ خيرٌ من الفانِي الذاهب، قرأ أبو عمرو:{أَفَلَا يَعْقِلُونَ} بالياء
(1)
، وقرأ الباقون بالتاء.
قوله تعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} يعنِي: مِنْ خَلْقِهِ للرسالة، {وَيَخْتَارُ} لَها مَنْ يَشاءُ {مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ (68)}؛ أي: لا يُرسلُ اللَّه الرسُلَ على اختيارهم، والخِيَرةُ: اسم من الاختيار يُقامُ مُقامَ المصدر
(2)
، والْخِيَرةُ: اسم للمُخْتارِ أيضًا
(3)
، يقال: مُحَمَّدٌ خِيَرةُ اللَّه مِن خَلْقِهِ، ويَجُوزُ التخفيف فيهما
(4)
.
وهذا جوابٌ لقول الوليد بن المغيرة: {لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ
(1)
قرأ الدُّورِيُّ عن أبي عمرو: {يَعْقِلُونَ} بالياء، ورُوِيَ عن أبي عمرو أيضًا التخيير بين الغيب والخطاب، ينظر: السبعة ص 495، النشر 2/ 342، البحر المحيط 7/ 122، الإتحاف 2/ 345.
(2)
هذا هو المشهور، وقال الليث:"الخِيرةُ خفيفةً: مصدر اختار خِيرةً مثل: ارتاب رِيبة، وكل مصدر لـ "أَفْعَلَ" فاسم مصدره "فَعالٌ" نحو: أفاق يفيق فَواقًا، وأَصابَ يصيب صوابًا، وأجاب يجيب جوابا، أقيم ا لاسم مقام المصدر". التهذيب 7/ 548، وينظر: الصحاح 2/ 652، اللسان: خير.
(3)
قاله الفرَّاء في معانِيه 2/ 309، وينظر: إصلاح المنطق ص 169، التهذيب 7/ 547، 549.
(4)
يعني إسكان الياء، قاله ابن السكيت والأزهري والجوهري، ينظر: إصلاح المنطق ص 169، تهذيب اللغة 7/ 548، الصحاح 2/ 652.
الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ}
(1)
، أخبر اللَّه عز وجل أنه لا يبعث الرسل باختيارهم، وهذا من الجواب المفصول.
وللقُرّاءِ في هذه الآية وجهان
(2)
، أحدهما: أن يَمُرَّ على قوله: {مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} ، ويجعل "ما" بمعنى "الذي"، أي: ويَخْتارُ لهم ما هو أصلح بالخيرة، والثانِي: أن يقف على قوله: {وَيَخْتَارُ} ويجعل "ما" نفيًا؛ أي: ليس لهم الاختيار.
قال الثعلبي
(3)
رحمه الله: وهذا القول أصوب وأعجب إِلَيَّ، كقوله تعالى:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ}
(4)
، وأَنْشَدَ لمحمودٍ الورّاق
(5)
:
95 -
تَوَكَّل عَلى الرحمَنِ في كُلِّ حاجةٍ
…
أَرَدتَ فإِنَّ اللَّه يَقضي ويَقدِرُ
مَتى ما يُرِد ذو العَرشِ أَمرًا بِعَبدِهِ
…
يُصِبهُ وما لِلعَبدِ ما يَتَخَيَّرُ
(1)
الزخرف 31.
(2)
ينظر: معاني القرآن وإعرابه 4/ 151، 152، إيضاح الوقف والابتداء ص 823، 824، المكتفى في الوقف والابتدا ص 281، تفسير القرطبي 13/ 305، البحر المحيط 7/ 124.
(3)
هو: أحمد بن محمد بن إبراهيم، أبو إسحاق الثعلبي النيسابوري، مفسر مقرئ واعظ أديب، توفي سنة (427 هـ)، من كتبه: الكشف والبيان عن تفسير القرآن، عرائس المجالس. [إنباه الرواة 1/ 154، الأعلام 1/ 212]، وقوله في كتابه الكشف والبيان 7/ 258.
(4)
الأحزاب 36.
(5)
هو: محمود بن الحسن، أبو الحسن الوراق البغدادي، خَيْرُ شاعرٍ مجودٍ، أكثر نظمه في المواعظ، روى عنه ابن أبي الدنيا، توفِّي سنة (225 هـ). [طبقات فحول الشعراء ص 367، 368، سير أعلام النبلاء 11/ 461].