الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا ولا تسجدوا حتى يسجد، وإذا صلى قائماً فصلوا قياماً، وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعون)) (1).
4 - ارتفاع مكان الإمام اليسير على المأمومين لا يضر
؛ لحديث سهل بن سعد رضي الله عنه وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم جلس على المنبر في أول يوم وُضِعَ فكبر وهو عليه، ثم ركع، ثم نزل القهقرى (2) فسجد في أصل المنبر، ثم عاد فلما فرغ أقبل على الناس فقال:((أيها الناس، إنما صنعت هذا؛ لتأتموا بي؛ ولتعلَّموا صلاتي)). وفي لفظ: ((وقام عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين عمل ووُضِع فاستقبل القبلة، كبَّر وقام الناس خلفه فقرأ وركع، وركع الناس خلفه، ثم رفع رأسه ثم رجع القهقرى حتى سجد بالأرض، ثم عاد إلى المنبر، ثم قرأ، ثم ركع، ثم رفع رأسه، ثم رجع القهقرى حتى سجد بالأرض، فهذا شأنه، قال أبو عبد الله (3): قال علي بن المديني: سألني أحمد بن حنبل رحمه الله عن هذا الحديث، قال: فإنما أردت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أعلى من الناس بهذا الحديث
…
)) (4)؛ ولحديث أنس رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سقط عن فرسه فجحش (5) ساقه أو كتفه، وآلى من نسائه (6) شهراً، فجلس في مَشْرُبة (7) له درجتها من جذوع، فأتاه أصحابه
(1) أبو داود برقم 603،والبخاري، برقم 722،ومسلم، برقم 414،وتقدم تخريجه في الاقتداء وشروطه.
(2)
القهقرى: المشي إلى الخلف، والحامل عليه المحافظة على استقبال القبلة، انظر: نيل الأوطار للشوكاني، 2/ 443.
(3)
هو الإمام البخاري رحمه الله.
(4)
متفق عليه: البخاري، كتاب الصلاة، باب الصلاة في السطوح، والمنبر، والخشب، برقم 377، وكتاب الجمعة، باب الخطبة على المنبر، برقم 917، ومسلم، كتاب المساجد، باب جواز الخطوة والخطوتين في الصلاة، وأنه لا كراهة في ذلك إذا كان لحاجة، وجواز صلاة الإمام على موضع أرفع من المأمومين للحاجة كتعليم الصلاة أو غير ذلك، برقم 544.
(5)
الجحش: الخدش، أو أشد منه قليلاً. فتح الباري لابن حجر، 1/ 487.
(6)
آلى من نسائه: أي حلف لا يدخل عليهن شهراً. فتح الباري لابن حجر،1/ 489.
(7)
مشربة: الغرفة المرتفعة: فتح الباري لابن حجر، 1/ 488.
يعودونه فصلى بهم جالساً وهم قيام، فلما سلم قال:((إنما جعل الإمام ليؤتمَّ به، فإذا كبَّر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا، وإن صلى قائماً فصلوا قياماً)) (1).
وهذان الحديثان فيهما جواز الارتفاع اليسير لمكان الإمام على المأموم عند الحاجة لذلك.
أما حديث أبي مسعود: ((أن حذيفة رضي الله عنه أمَّ الناس بالمدائن (2) على دكان (3) فأخذ أبو مسعود بقميصه فجبذه، فلما فرغ من صلاته قال: ألم تعلم أنهم كانوا ينهون عن ذلك؟ قال: بلى، قد ذكرت حين مددْتني)) (4). وحديث حذيفة في قصته مع عمار بن ياسر وأخذه على يديه وإنزاله من الصلاة على الدكان المرتفع، فاتَّبعه عمار حتى أنزله حذيفة فلما فرغ عمار من صلاته قال له حذيفة: ألم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا أمَّ الرجل القوم، فلا يقم في مكان أرفع من مقامهم)) أو نحو ذلك (5)، فهذان الحديثان وما في معناهما يدلان على كراهة علوّ الإمام على المأموم علوّاً أكثر مما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، جمعاً بين الأخبار (6)، والله أعلم (7).وسمعت شيخنا الإمام
(1) متفق عليه: البخاري، برقم 378، ومسلم، برقم 411، ويأتي تخريجه في اقتداء الجالس القادر على القيام بالجالس المعذور.
(2)
المدائن: مدينة قديمة على دجلة تحت بغداد. نيل الأوطار للشوكاني،2/ 441.
(3)
الدكان: الدكة، وهو الموضع المرتفع يجلس عليه، جامع الأصول لابن الأثير،5/ 633.
(4)
أبو داود، كتاب الصلاة، باب الإمام يقوم مكاناً أرفع من مكان المأموم، برقم 597، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 178.
(5)
أبو داود، الصلاة، باب الإمام يقوم مكاناً أرفع من مكان المأموم، برقم 598، قال عنه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 179:((حسن بما قبله إلا ما خالفه)).
(6)
انظر: المغني، لابن قدامة،3/ 48،والإنصاف مع شرح الكبير والمقنع، 4/ 455،وحاشية ابن قاسم على الروض المربع،2/ 350 - 351،والكافي لابن قدامة، 1/ 437،وفتح الباري لابن حجر،2/ 486 - 488، ومنتهى الإرادات مع حاشية النجدي، 1/ 317، والشرح الممتع، لابن عثيمين،4/ 423 - 426، ونيل الأوطار للشوكاني، 2/ 440 - 442،ومنار السبيل للضويان،1/ 173،وفتاوى الإمام ابن باز، 12/ 94.
(7)
اختلف العلماء رحمهم الله في مسألة علوّ الإمام على المأموم، فقيل: يمنع ارتفاع الإمام على المأموم مطلقاً، وأما صلاته صلى الله عليه وسلم على المنبر فقيل إنه إنما فعل ذلك لغرض التعليم، وقيل: الصلاة على مكان مرتفع من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: إنه لا يكره مطلقاً؛ لأن الحديث ضعيف. والصواب أن الذي يكره هو الارتفاع الكثير، أما اليسير فلا بأس به. انظر: المغني لابن قدامة، 3/ 47 - 48، والإنصاف مع الشرح الكبير والمقنع، 4/ 453، والشرح الممتع لابن عثيمين، 4/ 426.
عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله يقول: ((يكره العلو الكثير من الإمام على المأمومين، أما العلو اليسير فلا بأس به عند أحمد وجماعة، ولعل الحكمة في ذلك والله أعلم؛ لأنه قد يؤثر في نفس الإمام شيئاً، فمن التواضع أن يصلي مساوياً لهم، وهذا إذا لم يكن حاجة، أما إذا كان هناك حاجة [مثل]: الزحمة، زالت الكراهة، ثم إذا كان معه بعض الصفوف زالت الكراهة، أما علو المأموم فلا كراهة في ذلك، كما يفعل الناس أيام الجمع من الصلاة فوق السطوح، وإنما جاءت الكراهة للإمام، وإذا كان العلو للتعليم والتوجيه زالت الكراهة)) (1).
أما إذا كان مع الإمام في المكان المرتفع بعض الصفوف من المأمومين زال المنع فلا حرج ولا كراهة؛ لأن الإمام في هذه الحالة لم ينفرد بمكانه (2)، فحينئذ يُصلى معه وفوقه، وتحته (3).
أما علوّ المأموم على الإمام فلا بأس به، مثل أن يصلي على السطوح أو في مكان أعلى من الإمام بحيث لا يكون فذّاً وحده؛ لأن أبا هريرة رضي الله عنه صلى على سقف المسجد بصلاة الإمام (4)؛ ولما جاء من الآثار عن
ابن عمر رضي الله عنهما والحسن البصري (5). أما إذا كان المؤتم فوق الإمام
(1) سمعته أثناء تقريره على منتقى الأخبار، لأبي البركات المجد ابن تيمية، الأحاديث: 1496 - 1498، وذلك يوم الإثنين الموافق 11/ 11/1410هـ.
(2)
انظر: الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، 4/ 457،وفتاوى الإمام ابن باز، 12/ 94 و95، والشرح الممتع للعلامة ابن عثيمين، 4/ 350. وحاشية ابن قاسم على الروض المربع، 2/ 350.
(3)
سمعته من شيخنا عبد العزيز ابن باز، أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 377.
(4)
البخاري معلقاً مجزوماً به، كتاب الصلاة، باب الصلاة في السطوح والمنبر والخشب، قبل الحديث رقم 377.
(5)
البخاري، قبل الحديث رقم 377.